لو كانت الأيام في قبضتي

لو كَانَتِ الأَيّامُ في قبضتي أذريتها للريح، مثل الرمال
وقلتُ: يا ريحُ، بها فاذهبي وبدِّديها في سَحيقِ الجبالُ
بل في فجاج الموت.. في عالَمٍ لا يرقُصُ النُّورُ بِهِ والظِّلالْ
لو كان هذا الكونُ في قبضتي ألقيْتُه في النّار، نارِ الجحيمْ
ما هذه الدنيا، وهذا الورى وذلكَ الأُفْقُ، وَتِلْكَ النُّجُومْ
النَّارُ أوْلى بعبيدِ الأسى  ومسرحِ الموتِ، وعشِّ الهمومْ
يا أيّها الماضِي الذي قد قَضَى وضمَّهُ الموتُ، وليلُ الأَبَدْ
يا حاضِرَ النَّاس الذي لم يَزُل يا أيُّها الآتي الذي لم يَلِدْ
سَخَافة ٌ دنياكُمُ هذه تائهة ٌ في ظلمة ِ لا تُحَدْ

نحن نمشي وحولنا هاته الأكوان

نحنُ نمشي وحولَنَا هاته الأَكــوانُ تمشي لكنْ لأَيَّةِ غايَة
نحنُ نشدو مع العَصافيرِ للشَّمْــسِ وهذا الرَّبيعُ ينفُخُ نَايَهْ
نحنُ نَتْلو روايَةَ الكونِ للموتِ ولكنْ ماذا خِتامُ الرِّواية
هكذا قلتُ للرِّياحِ فقالتْسَلْ ضميرَ الوُجُودِ كيف البدايَة
وتغشَّى الضَّبابُ نفسي فصاحتْفي مَلالٍ مُرٍّ إلى أَيْنَ أَمشي
قلتُ سيري معَ الحَيَاةِ فقالتْمَا جنينا تُرى من السَّيْرِ أَمسِ
فَتَهافَتُّ كالهشيمِ على الأَرضِ وناديتُ أَيْنَ يا قلبُ رفشي
هاتِهِ علَّني أَخُطُّ ضريحيفي سكونِ الدُّجى وأَدفُنُ نفسي
هاتِهِ فالظَّلامُ حولي كثيفٌوضبابُ الأَسى مُنيخٌ عليَّا
وكؤوسُ الغرامِ أَترعَهَا الفَجْــرُ ولكنْ تَحَطَّمَتْ في يدَيَّا
والشَّبابُ الغرير ولَّى إلى الماضي وخلَّى النَّحيبَ في شَفَتَيَّا
هاتِهِ يا فؤادُ إنَّا غَريبانِ نَصُوعُ الحَيَاةَ فنًّا شَجِيَّا
قَدْ رقصْنا معَ الحَيَاةِ طويلاًوشدوْنا مع الشَّبابِ سنينا
وعدَوْنا مع اللَّيالي حُفاةًفي شِعابِ الحَيَاةِ حتَّى دَمينا
وأكلْنا التُّرابَ حتَّى مَلِلْناوشَربْنا الدُّموعَ حتَّى رَوِينا
ونَثَرْنا الأَحْلامَ والحبَّ والآلامَ واليأسَ والأَسى حيثُ شِينا
ثمَّ ماذا هذا أنا صرتُ في الدُّنيا بعيداً عن لهوِها وغِنَاها
في ظلامِ الفَنَاءِ أَدفُنُ أَيَّامي ولا أستطيعُ حتَّى بكاها
وزهورُ الحياة تهوي بِصَمْتٍمحزنٍ مُضْجِرٍ على قدميَّا
جَفَّ سِحْرُ الحَيَاةِ يا قلبيَ البــاكي فهيَّا نُجَرِّبُ الموتَ هيَّا
قصيدة أبو القاسم الشابي

ذكر الصبي ومراتع الآرام

ذِكَرُ الصّبَي وَمَرَاتِعِ الآرَامِ جَلَبَتْ حِمامي قَبلَ وَقْتِ حِمامي
دِمَنٌ تَكاثَرَتِ الهُمُومُ عَليّ في عَرَصَاتِها كَتَكاثُرِ اللُّوّامِ
وَكَأنّ كُلّ سَحَابَةٍ وَقَفَتْ بهَا تَبكي بعَيْنيْ عُرْوَةَ بنِ حِزَامِ
وَلَطَالَمَا أفْنَيْتُ رِيقَ كَعَابِهَا فِيهَا وَأفْنَتْ بالعِتابِ كَلامي
قَد كُنْتَ تَهْزَأُ بالفِراقِ مَجَانَةً وَتَجُرّ ذَيْلَيْ شِرّةٍ وَعُرَامِ
لَيسَ القِبابُ على الرّكَابِ وَإنّمَا هُنّ الحَيَاةُ تَرَحّلَتْ بسَلامِ
ليتَ الذي فَلَقَ النّوَى جعَل الحَصَى لخِفافِهِنّ مَفَاصِلي وَعِظامي
مُتَلاحِظَينِ نَسُحُّ مَاءَ شُؤونِنَا حَذَراً مِنَ الرُّقَبَاءِ في الأكْمَامِ
أرْوَاحُنَا انهَمَلَتْ وَعِشْنَا بَعدَهَا من بَعدِ ما قَطَرَتْ على الأقدامِ
لَوْ كُنّ يَوْمَ جرَينَ كُنّ كصَبرِنَا عندَ الرّحيلِ لَكُنّ غَيرَ سِجَامِ
لم يَتْرُكُوا لي صاحِباً إلاّ الأسَى وَذَمِيلَ ذِعْلِبَةٍ كَفَحْلِ نَعَامِ
وَتَعَذُّرُ الأحْرارِ صَيّرَ ظَهْرَهَا إلاّ إلَيْكَ عَليَّ ظَهْرَ حَرَامِ
أنتَ الغَريبَةُ في زَمَانٍ أهْلُهُ وُلِدَتْ مَكارِمُهُمْ لغَيرِ تَمَامِ
أكْثَرْتَ من بَذْلِ النّوَالِ وَلم تزَلْ عَلَماً على الإفْضالِ وَالإنْعَامِ
صَغّرْتَ كلّ كَبيرَةٍ وَكَبُرْتَ عَنْ لَكَأنّهُ وَعَدَدْتَ سِنّ غُلامِ
وَرَفَلْتَ في حُلَلِ الثّنَاءِ وَإنّمَا عَدَمُ الثّنَاءِ نِهَايَةُ الإعْدامِ
عَيْبٌ عَلَيكَ تُرَى بسَيفٍ في الوَغى مَا يَصْنَعُ الصّمْصَامُ بالصّمصَامِ
إنْ كانَ مِثْلُكَ كانَ أوْ هُوَ كائِنٌ فَبَرِئْتُ حِينَئِذٍ مِنَ الإسْلامِ
مَلِكٌ زُهَتْ بِمَكَانِهِ أيّامُهُ حتى افتَخَرْنَ بهِ على الأيّامِ
وَتَخالُهُ سَلَبَ الوَرَى مِن حِلْمِهِ أحْلامَهُمْ فَهُمُ بِلا أحْلامِ
وَإذا امتَحَنْتَ تَكَشّفَتْ عَزَمَاتُهُ عَن أوْحَدِيّ النّقْضِ وَالإبْرامِ
وَإذا سَألْتَ بَنَانَهُ عَنْ نَيْلِهِ لم يَرْضَ بالدّنْيَا قَضاءَ ذِمَامِ
مَهْلاً ألا لِلّهِ ما صَنَعَ القَنَا في عَمْرِو حَابِ وَضَبّةَ الأغْتَامِ
لمّا تَحَكّمَتِ الأسِنّةُ فِيهِمِ جَارَتْ وَهُنّ يَجُرْنَ في الأحكامِ
فَتَرَكْتَهُمْ خَلَلَ البُيُوتِ كأنّما غَضِبَتْ رُؤوسُهُمُ على الأجْسامِ
أحجارُ ناسٍ فَوْقَ أرْضٍ مِنْ دَمٍ وَنُجُومُ بَيْضٍ في سَمَاءِ قَتَامِ
وَذِراعُ كُلّ أبي فُلانٍ كُنْيَةً حَالَتْ فَصَاحِبُها أبُو الأيْتَامِ
عَهْدي بمَعْرَكَةِ الأميرِ وَخَيْلُهُ في النّقْعِ مُحْجِمَةٌ عنِ الإحجامِ
صَلّى الإل?هُ عَلَيْكَ غَيرَ مُوَدَّعٍ وَسَقَى ثَرَى أبَوَيْكَ صَوْبَ غَمَامِ
وَكَسَاكَ ثَوْبَ مَهَابَةٍ مِنْ عِنْدِهِ وَأرَاكَ وَجهَ شَقيقِكَ القَمْقَامِ
فَلَقَدْ رَمَى بَلَدَ العَدُوّ بنَفْسِهِ في رَوْقِ أرْعَنَ كالغِطَمّ لُهَامِ
قَوْمٌ تَفَرّسَتِ المَنَايَا فِيكُمُ فرَأتْ لكُمْ في الحرْبِ صَبرَ كِرَامِ
تَالله مَا عَلِمَ امرُؤٌ لَوْلاكُمُ كَيفَ السّخاءُ وَكَيفَ ضرْبُ الهَامِ

من أية الطرق يأتي مثلك الكرم

من أيّةِ الطُّرْقِ يأتي مثلَكَ الكَرَمُأينَ المَحاجِمُ يا كافُورُ وَالجَلَمُ
جازَ الأُلى مَلكَتْ كَفّاكَ قَدْرَهُمُفعُرّفُوا بكَ أنّ الكَلْبَ فوْقَهُمُ
ساداتُ كلّ أُنَاسٍ مِنْ نُفُوسِهِمِوَسادَةُ المُسلِمينَ الأعْبُدُ القَزَمُ
أغَايَةُ الدّينِ أنْ تُحْفُوا شَوَارِبَكميا أُمّةً ضَحكَتْ مِن جَهلِها الأُمَمُ
ألا فَتًى يُورِدُ الهِنْدِيَّ هَامَتَهُكَيما تزولَ شكوكُ النّاسِ وَالتُّهمُ
فإنّهُ حُجّةٌ يُؤذي القُلُوبَ بهَامَنْ دينُهُ الدّهرُ وَالتّعطيلُ وَالقِدمُ
ما أقدَرَ الله أنْ يُخْزِي خَليقَتَهُوَلا يُصَدِّقَ قَوْماً في الذي زَعَمُوا
قصيدة أبو الطيب المتنبي

الرأي قبل شجاعة الشجعان

الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِهُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني
فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ حُرّةٍبَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ
وَلَرُبّما طَعَنَ الفَتى أقْرَانَهُبالرّأيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الأقرانِ
لَوْلا العُقولُ لكانَ أدنَى ضَيغَمٍأدنَى إلى شَرَفٍ مِنَ الإنْسَانِ
وَلما تَفَاضَلَتِ النّفُوسُ وَدَبّرَتْأيدي الكُماةِ عَوَاليَ المُرّانِ
لَوْلا سَميُّ سُيُوفِهِ وَمَضَاؤهُلمّا سُلِلْنَ لَكُنّ كالأجْفانِ
خاضَ الحِمَامَ بهنّ حتى ما دُرَىأمِنِ احتِقارٍ ذاكَ أمْ نِسْيَانِ
وَسَعَى فَقَصّرَ عن مَداهُ في العُلىأهْلُ الزّمانِ وَأهْلُ كلّ زَمَانِ
تَخِذُوا المَجالِسَ في البُيُوتِ وَعندَهأنّ السّرُوجَ مَجالِسُ الفِتيانِ
وَتَوَهّموا اللعِبَ الوَغى والطعنُ في الــهَيجاءِ غَيرُ الطّعْنِ في الميدانِ
قادَ الجِيَادَ إلى الطّعانِ وَلم يَقُدْإلاّ إلى العاداتِ وَالأوْطانِ
كُلَّ ابنِ سَابقَةٍ يُغيرُ بحُسْنِهِفي قَلْبِ صاحِبِهِ عَلى الأحزانِ
إنْ خُلِّيَتْ رُبِطَتْ بآدابِ الوَغَىفدُعاؤها يُغني عنِ الأرْسانِ
في جَحْفَلٍ سَتَرَ العُيُونَ غبارُهُفكأنّمَا يُبْصِرْنَ بالآذانِ
يَرْمي بهَا البَلَدَ البَعيدَ مُظَفَّرٌكُلُّ البَعيدِ لَهُ قَرِيبٌ دانِ
فكأنّ أرْجُلَهَا بتُرْبَةِ مَنْبِجٍيَطرَحنَ أيديَها بحِصْنِ الرّانِ
حتى عَبرْنَ بأرْسَنَاسَ سَوَابحاًيَنْشُرْنَ فيهِ عَمَائِمَ الفُرْسانِ
يَقْمُصْنَ في مثلِ المُدَى من بارِدٍيَذَرُ الفُحُولَ وَهنّ كالخصْيانِ
وَالماءُ بَينَ عَجاجَتَينِ مُخَلِّصٌتَتَفَرّقانِ بِهِ وَتَلْتَقِيَانِ
رَكَضَ الأميرُ وَكاللُّجَينِ حَبَابُهُوَثَنى الأعِنّةَ وَهْوَ كالعِقيانِ
فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فوْقَهُوَبَنى السّفينَ لَهُ منَ الصّلْبانِ
وَحَشاهُ عادِيَةً بغَيرِ قَوَائِمٍعُقُمَ البطونِ حَوَالِكَ الألوَانِ
تأتي بما سَبَتِ الخُيُولُ كأنّهَاتحتَ الحِسانِ مَرَابضُ الغِزْلانِ
بَحْرٌ تَعَوّدَ أنْ يُذِمّ لأهْلِهِمن دَهْرِهِ وَطَوَارِقِ الحِدْثَانِ
فتَرَكْتَهُ وَإذا أذَمّ مِنَ الوَرَىرَاعَاكَ وَاستَثنى بَني حَمدانِ
ألمُخْفِرِينَ بكُلّ أبيَضَ صَارِمٍذِممَ الدّرُوعِ على ذوي التّيجانِ
مُتَصَعْلِكينَ على كَثَافَةِ مُلكِهممُتَوَاضِعِينَ على عَظيمِ الشّانِ
يَتَقَيّلُونَ ظِلالَ كُلّ مُطَهَّمٍأجَلِ الظّليمِ وَرِبْقَةِ السِّرْحانِ
خَضَعتْ لمُنصُلكَ المَناصِلُ عَنوَةًوَأذَلّ دِينُكَ سَائِرَ الأدْيانِ
وَعلى الدّروبِ وَفي الرّجوعِ غضَاضَةٌوَالسّيرُ مُمْتَنِعٌ مِنَ الإمْكانِ
وَالطّرْقُ ضَيّقَةُ المَسَالِكِ بالقَنَاوَالكُفْرُ مُجتَمعٌ على الإيمَانِ
نَظَرُوا إلى زُبَرِ الحَديدِ كأنّمَايَصْعَدْنَ بَينَ مَناكِبِ العِقْبانِ
وَفَوَارِسٍ يُحيي الحِمامُ نُفوسَهافكأنّهَا لَيستْ مِنَ الحَيَوَانِ
مَا زِلتَ تَضرِبهُم دِرَاكاً في الذُّرَىضَرْباً كأنّ السّيفَ فيهِ اثْنانِ
خصّ الجَماجمَ وَالوُجوهَ كأنّمَاجاءتْ إليكَ جُسُومُهمْ بأمانِ
فرَمَوْا بما يَرْمونَ عَنْهُ وَأدْبَرُوايَطَأونَ كُلّ حَنِيّةٍ مِرْنَانِ
يَغشاهُمُ مَطَرُ السّحاب مُفَصَّلاًبمُهَنّدٍ وَمُثَقَّفٍ وَسِنَانِ
حُرِموا الذي أمَلُوا وَأدرَكَ منهُمُآمَالَهُ مَنْ عادَ بالحِرْمانِ
وَإذا الرّماحُ شَغَلنَ مُهجَةَ ثائِرٍشَغَلَتْهُ مُهْجَتُهُ عَنِ الإخْوَانِ
هَيهاتِ عاقَ عنِ العِوادِ قَوَاضِبٌكَثُرَ القَتيلُ بها وَقَلّ العَاني
وَمُهَذَّبٌ أمَرَ المَنَايَا فِيهِمِفأطَعْنَهُ في طاعَةِ الرّحْمانِ
قد سَوّدتْ شجرَ الجبالِ شُعُورُهمفكأنّ فيهِ مُسِفّةَ الغِرْبانِ
وَجَرَى على الوَرَقِ النّجيعُ القَانيفكأنّهُ النّارَنْجُ في الأغصانِ
إنّ السّيُوفَ معَ الذينَ قُلُوبُهُمْكقُلُوبهنّ إذا التَقَى الجَمعانِ
تَلْقَى الحُسامَ على جَرَاءَةِ حدّهِمثلَ الجَبانِ بكَفّ كلّ جَبَانِ
رَفعتْ بكَ العرَبُ العِمادَ وَصَيّرَتْقِمَمَ المُلُوكِ مَوَاقِدَ النّيرانِ
أنسابُ فَخرِهِمِ إلَيْكَ وَإنّمَاأنْسَابُ أصْلِهِمِ إلى عَدْنَانِ
يا مَنْ يُقَتِّلُ مَنْ أرَادَ بسَيْفِهِأصْبَحتُ منْ قَتلاكَ بالإحْسانِ
فإذا رَأيتُكَ حارَ دونَكَ نَاظرِيوَإذا مَدَحتُكَ حارَ فيكَ لِساني
أشهر قصائد أبو الطيب المتنبي

أفاضل الناس أغراض لدى الزمن

أفاضِلُ النّاسِ أغراضٌ لَدى الزّمَنِيَخلُو مِنَ الهَمّ أخلاهم من الفِطَنِ
وإنّما نَحْنُ في جيلٍ سَواسِيَةٍشَرٍّ على الحُرّ من سُقْمٍ على بدَنِ
حَوْلي بكُلّ مكانٍ مِنهُمُ خِلَقٌتُخطي إذا جِئتَ في استِفهامِها بمَنِ
لا أقْتَري بَلَداً إلاّ على غَرَرٍولا أمُرّ بخَلْقٍ غيرِ مُضْطَغِنِ
ولا أُعاشِرُ من أملاكِهِمْ مَلِكاًإلاّ أحَقَّ بضَرْبِ الرّأسِ من وَثَنِ
إنّي لأعْذِرُهُمْ مِمّا أُعَنّفُهُمْحتى أُعَنّفُ نَفْسِي فيهِمِ وأني
فَقْرُ الجَهُولِ بِلا قَلْبٍ إلى أدَبٍفَقْرُ الحِمارِ بلا رَأسٍ إلى رَسَنِ
ومُدْقِعِينَ بسُبْرُوتٍ صَحِبْتُهُمُعارِينَ من حُلَلٍ كاسينَ من دَرَنِ
خُرّابِ بادِيَةٍ غَرْثَى بُطُونُهُمُمَكْنُ الضِّبابِ لهمْ زادٌ بلا ثَمَنِ
يَسْتَخْبِرُون فَلا أُعْطيهِمِ خَبَريوما يَطيشُ لَهُمْ سَهْمٌ منَ الظِّنَنِ
وخَلّةٍ في جَليسٍ ألْتَقيهِ بهَاكَيما يرَى أنّنا مِثْلانِ في الوَهَنِ
وكِلْمَةٍ في طَريقٍ خِفْتُ أُعْرِبُهافيُهْتَدَى لي فلَمْ أقدِرْ على اللَّحَنِ
قد هَوّنَ الصّبرُ عِندي كلَّ نازِلَةٍولَيّنَ العَزْمُ حَدَّ المَركَبِ الخشنِ
كم مَخلَصٍ وعُلًى في خوضِ مَهْلَكَةٍوقَتْلَةٍ قُرِنَتْ بالذّمّ في الجُبُنِ
لا يُعْجِبَنّ مَضيماً حُسْنُ بِزّتِهِوهَلْ تَرُوقُ دَفيناً جُودَةُ الكفَنِ
لله حَالٌ أُرَجّيها وتُخْلِفُنيوأقْتَضِي كَوْنَها دَهْري ويَمطُلني
مَدَحْتُ قَوْماً وإنْ عِشنا نَظَمتُ لهمقَصائِداً مِنْ إناثِ الخَيلِ والحُصُنِ
تَحْتَ العَجاجِ قَوافيها مُضَمَّرَةٌإذا تُنُوشِدْنَ لم يَدْخُلْنَ في أُذُنِ
فلا أُحارِبُ مَدْفُوعاً إلى جُدُرٍولا أُصالِحُ مَغروراً على دَخَنِ
مُخَيِّمُ الجَمْعِ بالبَيداءِ يَصْهَرُهُحَرُّ الهَواجِرِ في صُمٍّ من الفِتَنِ
ألقَى الكِرامُ الأُلى بادوا مكارِمَهُمْعلى الخَصيبيّ عندَ الفَرْضِ والسُّننِ
فَهُنّ في الحَجْرِ منهُ كلّما عرَضَتْلَهُ اليَتَامَى بَدا بالمَجْدِ والمِنَنِ
قاضٍ إذا التَبَسَ الأمرانِ عَنّ لَهُرأيٌ يُخَلِّصُ بَينَ الماءِ واللّبَنِ
غَضُّ الشّبابِ بَعيدٌ فَجْرُ لَيْلَتِهِمُجانِبُ العَينِ للفَحْشاءِ والوَسَنِ
شَرابُهُ النَّشْحُ لا للرّيّ يَطْلُبُهُوطُعْمُهُ لِقَوامِ الجِسْمِ لا السِّمَنِ
ألقائِلُ الصّدْقَ فيهِ ما يُضِرّ بهِوالواحِدُ الحالَتَينِ السّرِّ والعَلَنِ
ألفاصِلُ الحُكْمَ عَيَّ الأوَّلونَ بهِوالمُظْهِرُ الحَقَّ للسّاهي على الذَّهِنِ
أفْعالُهُ نَسَبٌ لَوْ لم يَقُلْ مَعَهاجَدّي الخَصيبُ عرَفنا العِرْقَ بالغُصُنِ
العارِضُ الهَتِنُ ابنُ العارِضِ الهتنِ ابــنِ العارِضِ الهَتنِ ابنِ العارِضِ الهتنِ
قد صَيّرَتْ أوّلَ الدّنْيا وآخِرَهاآباؤهُ مِنْ مُغارِ العِلْمِ في قَرَنِ
كأنّهُمْ وُلدوا مِنْ قبلِ أنْ وُلِدواأو كانَ فَهْمُهُمُ أيّامَ لم يَكُنِ
الخاطِرِينَ على أعْدائِهِمْ أبداًمنَ المَحامِدِ في أوقَى من الجُنَنِ
للنّاظِرِينَ إلى إقْبالِهِ فَرَحٌيُزيلُ ما بِجباهِ القَوْمِ مِنْ غَضَنِ
كأنّ مالَ ابنِ عبدِالله مُغْتَرَفٌمن راحَتَيْهِ بأرْضِ الرّومِ واليَمَنِ
لم نَفْتَقِدْ بكَ من مُزْنٍ سوَى لَثَقٍولا منَ البَحرِ غيرَ الرّيحِ والسُّفُنِ
ولا مِنَ اللّيثِ إلاّ قُبحَ مَنْظَرِهِومِنْ سِواهُ سوَى ما لَيسَ بالحَسَنِ
مُنذُ احْتَبَيْتَ بإنْطاكِيّةَ اعتَدَلَتْحتى كأنّ ذَوي الأوْتارِ في هُدَنِ
ومُذْ مَرَرْتَ على أطْوَادِها قُرِعَتْمنَ السّجودِ فلا نَبْتٌ على القُنَنِ
أخلَتْ مَواهبُكَ الأسواقَ من صَنَعٍأغنى نَداكَ عنِ الأعمالِ والمِهَنِ
ذا جُودُ مَن لَيسَ مِنْ دَهرٍ على ثقةٍوزُهْدُ مَنْ ليسَ من دُنياهُ في وَطنِ
وهَذِهِ هِمّةٌ لم يُؤتَهَا بَشَرٌوذا اقْتِدارُ لِسانٍ لَيسَ في المُنَنِ
فمُرْ وأومىء تُطَعْ قُدّستَ من جبلٍتَبارَكَ الله مُجْرِي الرّوحِ في حَضَنِ
قصائد ابو الطيب المتنبي