بِنا لا بِكَ الخَطبُ الَّذي أَحدَثَ الدَهرُ | وَعُمِّرتَ مَرضِيّا لِأَيّامِكَ العُمرُ |
تَعيشُ وَيَأتيكَ البَنونَ بِكَثرَةٍ | تَتِمُّ بِها النُعمى وَيُستَوجَبُ الشُكرُ |
لَئِن أَفَلَ النَجمُ الَّذي لاحَ آنِفاً | فَسَوفَ تَلالا بَعدَهُ أَنجُمٌ زُهرُ |
مَضى وَهوَ مَفقودٌ وَما فَقدُ كَوكَبٍ | وَلاسِيَّما إِذ كانَ يُفدى بِهِ البَدرُ |
هُوَ الذُخرُ مِن دُنياكَ قَدَّمتَ فَضلَهُ | وَلا خَيرَ في الدُنيا إِذا لَم يَكُن ذُخرُ |
نُعَزّيكَ عَن هَذي الرَزِيَّةِ إِنَّها | عَلى قَدرِ ما في عُظمِها يَعظُمُ الأَجرُ |
فَصَبراً أَميرَ المُؤمِنينِ فَرُبَّما | حَمِدتَ الَّذي أَبلاكَ في عُقبِهِ الصَبرُ |
البحتري
البحتري هو الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي أبو عبادة البحتري وهو من أكبر شعراء العصر العباسي, مجموعة مميزة من قصائد الشاعر البحتري في مكتبة قصائد العرب.
بعينيك إعوالي وطول شهيقي
بِعَينَيكِ إعوالي وَطولُ شَهيقي | وَإِخفاقُ عَيني مِن كَرىً وَخُفوقي |
عَلى أَنَّ تَهويماً إِذا عارَضَ اِطَّبى | سُرى طارِقٍ في غَيرِ وَقتِ طُروقِ |
سَرى جائِباً لِلخَرقِ يَخشى وَلَم يَكُن | مَلِيّاً بِإِسراءٍ وَجَوبِ خُروقِ |
فَباتَ يُعاطيني عَلى رِقبَةِ العِدى | وَيَمزُجُ ريقاً مِن جَناهُ بِريقي |
وَبِتُّ أَهابُ المِسكَ مِنهُ وَأَتَّقي | رُداعِ عَبيرٍ صائِكٍ وَخَلوقِ |
أَرى كَذِبَ الأَحلامِ صِدقاً وَكَم صَغَت | إِلى خَبَرٍ أُذنايَ غَيرِ صَدوقِ |
وَما كانَ مِن حَقٍّ وَبُطلٍ فَقَد شَفى | حَرارَةَ مَتبولٍ وَخَبلَ مَشوقِ |
سَلا نُوَبَ الأَيّامِ ما بالَها أَبَت | تَعَمَّدُ إِلّا جَفوَتي وَعُقوقي |
مُزَيِّلَةٌ شَعبي وَشَعبَ أَصادِقي | وَداخِلَةٌ بَيني وَبَينَ شَقيقي |
أَرانا عُناةً في يَدِ الدَهرِ نَشتَكي | تَأَكُّدَ عَقدٍ مِن عُراهُ وَثيقِ |
وَلَيسَ طَليقُ اليَومِ مَن رَجَعَت لَهُ | صُروفُ اللَيالي في غَدٍ بِطَليقِ |
تَفاوَتَتِ الأَفسامُ فينا فَأَفطَرَت | بِظَمآنَ بادٍ لَوحُهُ وَغَريقِ |
وَكُنتُ إِذا ما الحادِثاتُ أَصَبنَني | بِهائِضَةٍ صُمَّ العِظامِ دَقوقِ |
شَمَختُ فَلَم أُبدِ اِختِناءً لِشامِتٍ | وَلَم أَبتَعِث شَكوى لِغَيرِ شَفيقِ |
أَرى كُلَّ مُؤذٍ عاجِزاً عَن أَذِيَّتي | إِذا هُوَ لَم يُنصَر عَلَيَّ بِموقِ |
وَلَولا غُلُوُّ الجَهلِ ما عُدَّ هَيِّناً | تَكَبُّدُ سِخطي وَاِصطِلاءُ حَريقي |
تَشِفُّ أَقاصي الأَمرِ في بَدَآتِهِ | لِعَيني وَسِترُ الغَيبِ غَيرُ رَقيقِ |
وَمازِلتُ أَخشى مُذ تَبَدّى اِبنُ يَلبَخٍ | عَلى سَعَةٍ مِن أَن تُدالَ بِضيقِ |
وَما كانَ مالي غَيرَ حَسوَةِ طائِرٍ | أُضيفَ إِلى بَحرٍ بِمِصرَ عَميقِ |
لَئِن فاتَ وَفري في اللِئامِ فَلَم أُطِق | تَلافِيَهُ مُستَرجِعاً بِلُحوقِ |
فَلَستُ أَلومُ النَفسَ في فَوتِ بِغيَةٍ | إِذا لَم يَكُن عَصري لَها بِخَليقِ |
أَما كانَ بَذلُ العَدلِ أَيسَرَ واجِبي | عَلى المُتَعَدّي أَو أَقَلَّ حُقوقي |
إِذا ما طَلَبنا خُطَّةَ النِصفِ رَدَّها | عَلَينا اِبنُ خُبثٍ فاحِشٍ وَفُسوقِ |
وَعاهِرَةٍ أَدَّت إِلى شَرِّ عاهِرٍ | مَشابِهَ كَلبٍ في الكِلابِ عَريقِ |
لِيَلبَخَ أَو طولونَ يُعزى فَقَد حَوَت | عَلى اِثنَينِ زَوجٍ مِنهُما وَعَشيقِ |
فَأَيَّهُما أَدّاةُ فَهوَ مُؤَخَّرٌ | إِلى ضَعَةٍ مِن شَخصِهِ وَلُصوقِ |
فَقُل لِأَبي إِسحاقَ إِمّا عَلِقتَهُ | وَأَينَ بِناءٍ في العِراقِ سَحيقِ |
لَقَد جَلَّ ما بَيني وَبَينَكَ إِنَّنا | عَلى سَنَنٍ مِن حَربِهِ وَطَريقِ |
وَإِنَّ أَحَقَّ الناسَ مِنّي بِخُلَّةٍ | عَدُوُّ عَدُوّي أَو صَديقُ صَديقي |
ألا هل يحسن العيش
أَلا هَل يَحسُنُ العَيشُ | لَنا مِثلُ الَّذي كَنا |
وَهَل تَرجَعُ يا نا | ئِلُ بِالمُعتَزِّ دُنيانا |
عَدِمتُ الجَسَدَ المُلقى | عَلى كُرسي سُلَيمانا |
فَقَد أَصبَحَ لِلَّعنَ | ةِ نَقلاهُ وَيَقلانا |
اقبل معاذير من يأتيك معتذرا
اِقبَل مَعاذيرَ مَن يَأتيكَ مُعتَذِراً | إِن بَرَّ عِندَكَ فيما قالَ أَو فَجَرا |
فَقَد أَطاعَكَ مَن أَرضاكَ ظاهِرُهُ | وَقَد أَضَلَّكَ مَن يَعصيكَ مُستَتِرا |
خَيرُ الخَليلَينِ مَن أَغضى لِصاحِبِهِ | وَلَو أَرادَ اِنتِصاراً مِنهُ لَانتَصَرا |
أنافعي عند ليلى فرط حبيها
أَنافِعي عِندَ لَيلى فَرطُ حُبّيها | وَلَوعَةٌ لِيَ أُبديها وَأُخفيها |
أَم لا تُقارِبُ لَيلى مَن يُقارِبُها | وَلا تُداني بِوَصلٍ مَن يُدانيها |
بَيضاءُ أَوقَدَ خَدَّيها الصِبا وَسَقى | أَجفانَها مِن مُدامِ الراحِ ساقيها |
في حُمرَةِ الوَردِ شَكلٌ مِن تَلَهُّبِها | وَلِلقَضيبِ نَصيبٌ مِن تَثَنّيها |
قَد أَيقَنَت أَنَّني لَم أُرضِ كاشِحَها | فيها وَلَم أَستَمِع مِن قَولِ واشيها |
وَيَومَ جَدَّ بِنا عَنها الرَحيلُ عَلى | صَبابَةٍ وَحَدا الأَظعانَ حاديها |
قامَت تُوَدِّعُني عَجلى وَقَد بَدَرَت | سَوابِقٌ مِن تُؤامِ الدَمعِ تُجريها |
وَاِستَنكَرَت ظَعَني عَنها فَقُلتُ لَها | إِلى الخَليفَةِ أَمضى العيسَ مُمضيها |
إِلى إِمامٍ لَهُ ما كانَ مِن شَرَفٍ | يُعَدُّ في سالِفِ الدُنيا وَباقيها |
خَليفَةَ اللَهِ ما لِلمَجدِ مُنصَرَفٌ | إِلّا إِلى أَنعُمٍ أَصبَحتَ توليها |
فَلا فَضيلَةَ إِلّا أَنتَ لابِسُها | وَلا رَعِيَّةَ إِلّا أَنتَ راعيها |
مُلكٌ كَمُلكِ سُلَيمانَ الَّذي خَضَعَت | لَهُ البَرِيَّةُ قاصيها وَدانيها |
وَزُلفَةٌ لَكَ عِندَ اللَهِ تُظهِرُها | لَنا بِبُرهانِ ما تَأتي وَتُبديها |
لَمّا تَعَبَّدَ مَحلُ الأَرضِ وَاِحتَبَسَت | عَنّا السَحائِبُ حَتّى ما نُرَجّيها |
وَقُمتَ مُستَسقِياً لِلمُسلِمينَ جَرَت | غُرُّ الغَمامِ وَحَلَّت مِن عَزاليها |
فَلا غَمامَةَ إِلّا اِنَهَلَّ وابِلُها | وَلا قَرارَةَ إِلّا سالَ واديها |
وَطاعَةُ الوَحشِ إِذ جاءَتكَ مِن خَرِقٍ | أَحوى وَأُدمانَةٍ كُحلٍ مَآقيها |
كَالكاعِبِ الرودِ يَخفى في تَرائِبِها | رَدعُ العَبيرِ وَيَبدو في تَراقيها |
أَلفانِ جاءَت عَلى قَدرٍ مُسارِعَةٍ | إِلى قَبولِ الَّذي حاوَلتَهُ فيها |
إِن سِرتَ سارَت وَإِن وَقَّفتَها وَقَفَت | صوراً إِلَيكَ بِأَلحاظٍ تُواليها |
يَرِعنَ مِنكَ إِلى وَجهٍ يَرَينَ لَهُ | جَلالَةً يُكثِرُ التَسبيحَ رائيها |
حَتّى قَطَعتَ بِها القاطولَ وَاِفتَرَقَت | بِالحَيرِ في عَرصَةٍ فيحٍ نَواحيها |
فَنَهرُ نَيزَكَ وِردٌ مِن مَوارِدِها | وَساحَةُ التَلِّ مُغنىً مِن مَغانيها |
لَولا الَّذي عَرَفَتهُ فيكَ يَومَإِذٍ | لَما أَطاعَكَ وَسطَ البيدِ عاصيها |
فَضلانِ حُزتَهُما ضونَ المُلوكِ وَلَم | تُظهِر بِنَيلِهِما كِبراً وَلا تيها |
شيد بفضلك مشرف البنيان
شَيِّد بِفَضلِكَ مُشرِفَ البُنيانِ | لَم يَبقَ إِلّا خاتِمُ الإِحسانِ |
رُدَّ الصَنيعَةَ في ابنِ شُكرٍ طَبعُهُ | نَشرُ الَّذي توليهِ كُلَّ أَوانِ |
أَمّا لِساني في الحِسابِ فَواحِدٌ | وَيَقومُ فيكَ مَقامَ أَلفِ لِسانِ |
لاتُبعِدَنّي مِنكَ نِسبَةُ مَن هُمُ | خُلَفاءُ قَومِكَ مِن بَني شَيبانِ |
نَسَبي لَعَمري في رَبيعَةَ غُرَّةٌ | فيها وَلي قَلبٌ هَواهُ يَماني |
ذَهَبَت يَمانٌ بِالمَفاخِرِ كُلِّها | بِكَ دونَ أَهلِ الفَخرِ بِالنُعمانِ |
مَرَجَ الإِلَهُ بِسَيبِ كَفِّكَ لِلنَدى | بَحرَينِ بِالمَعروفِ يَلتَقِيانِ |
هَذا يَفيضُ بِفِضَّةٍ وَبِعَسجَدٍ | وَيَفيضُ ذاكَ بِفاخِرِ المَرجانِ |
وَاللَهُ أَكسَبَكَ المَحامِدَ مُكمِلاً | لَكَ كُلَّ إِنسانِيَّةِ الإِنسانِ |
رَفَعَ السَماءَ وَمَجدَ فَخرِكَ قَبلَ أَن | يَبدا بِوَضعِ الأَرضِ وَالميزانِ |
فارَقتُ مُذ زَمَنٍ أَبي فَجَعَلتَ لي | مِن بَعدِ ذاكَ أَباً يَقومُ بِشاني |
أَتَصونُ لي شِعراً وَأُخلِقُ قَدرَهُ | في الناسِ ماأُمّي إِذاً بِحَصانِ |
مَهما أَهَنتَ الدُرَّ ما أَكرَمتَهُ | فَاِقطَع نَوالَكَ فَهوَ قَطعُ بَناني |
ماحِصنُ هَذا الحِصنُ لي بِمُعَوِّلِ | أَلجا إِلَيهِ وَأَنتَ حِصنُ أَماني |
إِنّي أَتَيتُ مُوَدِّعاً وَأَقولُ لَو | لَم آتِ فَضلَكَ طالِباً لَأَتاني |
وَإِذا انتَجَعتُكَ بِالرُجوعِ فَغَيرُهُ | أَولى وَأَبعَدُ مِن جَوى الحَدَثانِ |
فَاشدُد أَبا العَبّاسِ كَفَّكَ بِالعُلا | إِنَّ العُلا مِن أَشرَفِ التيجانِ |