رُوَيْداً عليها إنها مُهَجَاتُ | وفي الدهْرِ مَحْياً لامرِئٍ ومَماتُ |
أرى غَمَراتٍ ينْجَلِينَ عن الفَتى | ولكن تُوَافي بعْدَها غَمَرات |
ولا بُدّ للإنْسانِ مِن سُكْرِ ساعةٍ | تَهُونُ عليه غيرَها السّكَرات |
ألا إنما الأيّامُ أبْناءُ واحِد | وهَذي الليالي كلّها أخَوات |
فلا تَطْلُبَنْ مِن عندِ يوْمٍ وليْلَةٍ | خِلافَ الذي مَرّتْ به السّنَوات |
أبو العلاء المعري
أبو العلاء المعري هو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري, من شعراء العصر العباسي ولد وتوفي في معرة النعمان بسوريا.
كم غادة مثل الثريا في العلا
كمْ غادةٍ مثل الثّريّا في العلا | والحُسن قد أضحى الثرى من حُجبِها |
ولِعُجْبِها ما قرّبتْ مِرآتَها | نزّهْتُ خِلّي عنْ مقالي عُجْ بها |
انفرد اللَّه بسلطانه
انفردَ اللَّهُ بسلطانه | فما له في كلّ حالٍ كِفاءْ |
ما خَفِيَتْ قدرتُه عنكمُ | وهل لها عن ذي رشادٍ خَفاءْ |
إن ظهَرت نارٌ، كما خبّروا | في كلّ أرضٍ، فعلينا العَفاءْ |
تهوي الثريّا، ويلين الصّفا | من قبل أن يوجَدَ أهلُ الصّفاء |
قد فُقِد الصدق ومات الهدى | واستُحسنَ الغدرُ وقلّ الوفاء |
واستشعر العاقلُ، في سُقمهِ | أنّ الردى، مما عناه، الشِّفاء |
واعترفَ الشيخُ بأبنائهِ | وكلهم يَنذِرُ منه انتفاء |
رَبّهم بالرفقِ، حتى إذا | شبّوا عنا الوالدَ منهم جفاء |
والدّهرُ يشتفُّ أخلاّءهُ | كأنما ذلك منه اشتفاء |
لم يقدر اللَّه تهذيبا لعالمنا
لم يقدُر اللَّه تهذيباً لعالَمِنا | فلا ترومنّ للأقوام تهذيبا |
ولا تصدّق بما البرهانُ يُبطلهُ | فتستفيدَ من التّصديق تكذيبا |
إن عذّبَ اللَّه قوماً باجترامِهمُ | فما يريدُ لأهل العدلِ تعذيبا |
يغدو على خلّه الإنسانُ يظلمُه | كالذّيبِ يأكلُ عند الغِرّةِ الذّيبا |
كم أمة لعبت بها جهالها
كم أمّةٍ لعبتْ بها جُهّالُها | فتنطّستْ من قبلُ في تعذيبها |
الخوفُ يلجئها إلى تصديقها | والعقلُ يَحمِلُها على تكذيبها |
وجِبلّةُ الناس الفساد، فظَلَّ من | يسمو بحكمتهِ إلى تهذيبها |
يا ثُلّةً في غفلةٍ، وأُوَيسُها الـ | قَرَنيُّ مثلُ أُوَيسها، أي ذيبها |
سبحان مُجمد راكِدٍ ومُقرِّه | ومُمِير لجّة زاخرٍ ومذيبها |
زارت عليها للظلام رواق
زارَتْ عليها للظّلامِ رِواق | ومِنَ النّجومِ قَلائِدٌ ونِطاقُ |
والطوْقُ من لُبْسِ الحَمامِ عهِدتُه | وظِباءُ وَجْرَةَ ما لها أطْواقُ |
ومن العجائِبِ أنّ حَلْيَكِ مُثْقِلٌ | وعليكِ من سَرَقِ الحَريرِ لِفاق |
وصُوَيْحِباتُكِ بالفَلاةِ ثِيابُها | أوْبارُها وحُلِيّها الأرْواق |
لم تُنْصِفي غُذّيتِ أطيَبَ مَطْعَمٍ | وغِذاؤهُنّ الشَّتُّ والطُّبّاق |
هل أنتِ إلّا بعضُهُنّ وإنّما | خَيرُ الحَياةِ وشَرُّها أرْزاق |
حَقٌّ عليها أنْ تَحِنّ لمَنْزِلٍ | غُذِيَتْ به اللذّاتِ وهْيَ حِقاق |
لِيْمَتْ وليْلُ اللائِمِينَ تَعانُقٌ | حتى الصّباحِ وليْلُها الإِعْناق |
ما الجِزْعُ أهْلٌ أنْ تُرَدّدَ نَظْرَةٌ | فيه وتُعْطَفَ نحوَهُ الأعْناق |
لا تَنْزِلي بِلِوَى الشقائِقِ فاللّوى | ألْوَى المَواعِدَ والشقِيقُ شِقاق |