أنا يوسف يا أبي

أنا يوسف يا أبي
يا أبي، إخوتي لا يحبونني
لا يريدونني بينهم يا أبي
يعتدون علي ويرمونني بالحصى والكلام
يريدونني أن أموت لكي يمدحوني
وهم أوصدوا باب بيتك دوني
وهم طردوني من الحقل
هم سمَّمُوا عنبي يا أَبي
وهم حطَّمُوا لُعبي يا أَبي
حين مرَّ النَّسيمُ ولاعب شعرِي
غاروا وثارُوا عليَّ وثاروا عليك
فماذا صنعتُ لهم يا أَبي
الفراشات حطَت على كتفي
ومالت علي السَنابل
والطير حطت على راحتي
فماذا فعلت أنا يا أبي
ولماذا أنا
أنت سميتني يوسفًا
وهمو أوقعوني في الجب، واتهموا الذئب
والذئب أرحم من إخوتي
أبتي هل جنيت على أحد عندما قلت إني
رأَيت أحد عشر كوكبًا، والشمس والقمر، رأيتهم لي ساجدين
قصيدة شاعر فلسطين محمود درويش

كم البعيد بعيد

كم البعيد بعيد
كم هي السبل
نمشي
ونمشي الى المعنى
ولا نصل
هو السراب
دليل الحائرين
إلى الماء البعيد
هو البطلان …. والبطل
نمشي وتنضج في الصحراء
حكمتنا
ولا نقول:لأن التيه يكتمل
لكن حكمتنا تحتاج أغنية
خفيفة الوزن
كي لا يتعب الأمل
كم البعيد بعيد
كم هي السبيل
قصيدة محمود درويش

إلى القارئ

الزنبقات السود في قلبي
وفي شفتي ….. اللهب
من أي غاب جئتي
يا كل صلبان الغضب
بايعت أحزاني
وصافحت التشرد و السغب
غضب يدي
غضب فمي
ودماء أوردتي عصير من غضب
يا قارئي
لا ترج مني الهمس
لا ترج الطرب
هذا عذابي
ضربة في الرمل طائشة
وأخرى في السحب
حسبي بأني غاضب
والنار أولها غضب
أبيات شاعر فلسطين محمود درويش

يوم أحد أزرق

تجلس المرأة في أغنيتيتغزل الصوف
تصبّ الشايوالشبّاك مفتوح على الأيّام
والبحر بعيد ترتدي الأزرق في يوم الأحد
تتسلّى بالمجلات و عادات الشعوبتقرأ الشعر الرومنتيكي
تستلقي على الكرسيوالشبّاك مفتوح على الأيّام
والبحر بعيد تسمع الصوت الذي لا تنتظر
تفتح البابترى خطوة إنسان يسافر
تغلق البابترى صورته تسألها: هل أنتحر
تنتقي موزاتترتاح مع الأرض السماويّة
والشبّاك مفتوح على الأيّاموالبحر بعيد
و التقيناووضعت البحر في صحن خزف
واختفت أغنيتيأنت، لا أغنيتي
والقلب مفتوح على الأيّاموالبحر سعيد
قصيدة محمود درويش

لوصف زهر اللوز

لوصف زهر اللوز، لا موسوعة الأزهار
تسعفني، ولا القاموس يسعفني
سيخطفني الكلام إلى أحابيل البلاغة
والبلاغة تجرح المعنى وتمدح جرحه
كمذكر يملي على الأنثى مشاعرها
فكيف يشع زهر اللوز في لغتي أنا
وأنا الصدى
وهو الشفيف كضحكة مائية نبتت
على الأغصان من خفر الندى
وهو الخفيف كجملة بيضاء موسيقية
وهو الضعيف كلمح خاطرة
تطل على أصابعنا
ونكتبها سدى
وهو الكثيف كبيت شعر لا يدون
بالحروف
لوصف زهر اللوز تلمزني زيارات إلى
اللاوعي ترشدني إلى أسماء عاطفة
معلقة على الأشجار. ما اسمه
ما اسم هذا الشيء في شعرية اللاشيء
يلزمني اختراق الجاذبية والكلام
لكي أحس بخفة الكلمات حين تصير
طيفا هامسا فأكونها وتكونني
شفافة بيضاء
لا وطن ولا منفى هي الكلمات
بل ولع البياض بوصف زهر اللوز
لا ثلج ولا قطن فما هو في
تعاليه على الأشياء والأسماء
لو نجح المؤلف في كتابة مقطع ٍ
في وصف زهر اللوز، لانحسر الضباب
عن التلال، وقال شعب كامل
هذا هوَ
هذا كلام نشيدنا الوطني
قصيدة محمود درويش

قاتل و بريء

هو الحب كالموج
تكرار غبطتنا بالقديم الجديد
سريع بطيء
بريء كظبي يسابق دراجة
وبذيء … كديك
جريء كذي حاجة
عصبي المزاج رديء
هادىء كخيال يرتب ألفاظه
مظلم معتم … ويضيء
فارغ ومليء بأضداده
هو الحيوان الملاك
بقوة ألف حصان وخفة طيف
وملتبس شرس سلس
كلما فر كر
ويحسن صنعاً بنا ويسيء
يفاجئناحين ننسى عواطفنا
ويجيء
هو الفوضوي الأناني
والسيد الواحد المتعدد
نؤمن حيناً ونكفر حيناً
ولكنه لا يبالي بنا
حين يصطادنا واحداً واحدة
ثم يصرعنا بيد باردة
إنه قاتل … بريء
قصيدة لشاعر فلسطين محمود درويش