سونا

أزهارها الصفراء و الشفة المشاع
وسريرها العشرون مهتريء الغطاء
نامت على الإسفلت لا أحد يبيع و لا يباع
وتقيأت سأم المدينة، فالطريق
عار من الأضواء
والمتسولين على النساء
نامت على الإسفلت، لا أحد يبيع و لا يباع
يا بائع الأزهار إغمد في فؤادي
زهرة صفراء تنبت في الوحول
هذا أوان الخوف، لا أحد سيفهم ما أقول
أحكي لكم عن مومس كانت تتاجر في بلادي
بالفتية المتسولين على النساء
أزهارها صفراء، نهداها مشاع
وسريرها العشرون مهتريء الغطاء
هذي بلاد الخوف، لا أحد سيفهم ما أقول
إلّا الذين رأوا سحاب الوحل يمطر في بلادي
يا بائع الأزهار إغمد في فؤادي
زهر الوحول عساي أبصق
ما يضيق به فؤادي
قصيدة محمود درويش

الورد والقاموس

وليكن
لا بد لي
لا بد للشاعر من نخب جديد
وأناشيد جديدة
إنني أحمل مفتاح الأساطير و آثار العبيد
وأنا أجتاز سردابا من النسيان
والفلفل، و الصيف القديم
وأرى التاريخ في هيئة شيخ
يلعب النرد و يمتصّ النجوم
وليكن
لا بدّ لي أن أرفض الموت
وإن كانت أساطيري تموت
إنني أبحث في الأنقاض عن ضوء و عن شعر جديد
آه.. هل أدركت قبل اليوم
أن الحرف في القاموس، يا حبي، بليد
كيف تحيا كلّ هذي الكلمات
كيف تنمو.. كيف تكبر
نحن ما زلنا نغذيها دموع الذكريات
وإستعارات و سكّر
وليكن
لا بد لي أن أرفض الورد الذي
يأتي من القاموس، أو ديوان شعر
ينبت الورد على ساعد فلاّح، و في قبضة عامل
ينبت الورد على جرح مقاتل
وعلى جبهة صخر
شعر محمود درويش

رباعيات

وطني لم يعطني حبي لك
غير أخشاب صليبي
وطني يا وطني ما أجملك
خذ عيوني خذ فؤادي خذ حبيبي
في توابيت أحبائي أغني
لأراجيح أحبائي الصغار
دم جدي عائد لي فانتظرني
آخر الليل نهار
شهوة السكين لن يفهمها عطر الزنابق
وحبيبي لا ينام
سأغني و ليكن منبر أشعاري مشانق
وعلى الناس سلام
أجمل الأشعار ما يحفظه عن ظهر قلب
كل قاريء
فإذا لم يشرب الناس أناشيدك شرب
قل أنا وحدي خاطيء
ربما أذكر فرسانا و ليلى بدوية
ورعاة يحلبون النوق في مغرب شمس
يا بلادي ما تمنيت العصور الجاهلية
فغدي أفضل من يومي و أمسي
الممر الشائك المنسي ما زال ممرا
وستأتيه الخطى في ذات عام
عندما يكبر أحفاد الذي عمر دهرا
يقلع الصخر و أنياب الظلام
من ثقوب السجن لاقيت عيون البرتقال
وعناق البحر و الأفق الرحيب
فإذا اشتد سواد الحزن في إحدى الليالي
أتعزى بجمال الليل في شعر حبيبي
حبنا أن يضغط الكف على الكف و نمشي
وإذا جعنا تقاسمنا الرغيف
في ليالي البرد أحميك برمشي
وبأشعار على الشمس تطوف
أجمل الأشياء أن نشرب شايا في المساء
وعن الأطفال نحكي
وغد لا نلتقي فيه خفاء
ومن الأفراح نبكي
لا أريد الموت ما دامت على الأرض قصائد
وعيون لا تنام
فإذا جاء و لن يأتي بإذن لن أعاند
بل سأرجوه لكي أرثي الختام
لم أجد أين أنام
لا سرير أرتمي في ضفتيه
مومس مرت و قالت دون أن تلقي السلام
سيدي إن شئت عشرين جنيه
شعر محمود درويش

خطوات في الليل

دائما
نسمع في الليل خطى مقتربة
ويفرّ الباب من غرفتنا
دائما
كالسحب المغتربة
ظلّك الأزرق من يسحبه
من سريري كلّ ليلة
الخطى تأتي و عيناك بلاد
وذراعاك حصار حول جسمي
والخطى تأتي
لماذا يهرب الظّل الذي يرسمني
يا شهرزاد
والخطى تأتي و لا تدخل
كوني شجرا
لأرى ظلك
كوني قمرا
لأرى ظلك
كوني خنجرا
لأرى ظلك في ظلي
وردا في رماد
دائما
أسمع في الليل خطى مقتربة
وتصيرين منافي
تصيرين سجوني
حاولي أن تقتليني
دفعة واحدة
لا تقتليني
بالخطى المقتربة
شعر محمود درويش

خذي فرسي واذبحيها

أَنتِ لا هَوَسي بالفتوحات عُرْسي
تَرَكْتُ لنفسي و أقرانها من شياطين نفسِكِ
حُريَّةَ الامتثال لما تطلبين
خُذي فَرسي
واُذبحيها
لأَمشي مثلَ المُحَارِبِ بَعْدَ الهزيمةِ
من غيْرِ حُلم وحسِّ
سلاماً ما تُريدين من تَعبٍ
للأَمير الأسير ومن ذهبٍ لاحتفال
الوصيفات بالصيف أَلْفَ سلام عَلَيْكِ
جميعك حافلةً بالمُريدين من كُلِّ جنِّ وإنسِ
سلاماً نفسك دَبُّوسُ شَعْرِكِ يكسر
سيفي وتُرْسي
وزرُّ قميصك يحمل في ضَوْئه
لفظةَ السرِّ للطير من كُلِّ جنسِ
خُذي نَفَسِي أَخْذَ جيتارَةٍ تستجيبُ
لما تطلبين من الريح . أَندلسي كُلُّها
في يديك فلا تَدَعي وَتَراً واحداً
للدفاع عن النفس في أَرْض أَندَلُسِي
سوف أُدرك في زمن آخر
سوف أدرك أَني انتصرتُ بيأسي
وأَني وجدت حياتي هنالك
خارجها قرب أَمي
خذي فَرسي
واُذبحيها لأَحمل نفسيَ حيّاً ومَيْتاً
بنفسي
شعر محمود درويش

أغنية زفاف

وانتقلتُ إليكَ كما انتقل الفلكيّونَ
من كوكبٍ نحو آخرَ. روحي تُطلُّ
على جسدي من أَصابعك العَشْر
خُذْني إليك اُنطلق باليمامة حتى
أَقاصي الهديل على جانبيك: المدى
والصدى. وَدَعِ الخَيْلَ تركُضْ ورائي
سدى فأنا لا أَرى صورتي بَعْدُ
في مائها – لا أَرى أَحدا
لا أَرى أَحداً لا أَراكَ . فماذا
صنعتَ بحريتي؟ مَنْ أَنا خلف
سًورِ المدينةِ؟ أُمَّ تعجنُ شَعْري
الطويلَ بحنّائها الأَبديّ ولا أُخْتَ
تضفِرُهُ . مَنْ أَنا خارج السور بين
حقولٍ حياديَّةٍ وسماء رماديّةٍ, فلتكن
أَنتَ أُمِّيَ في بَلَد الغُرَبَاء . وخذني
برفق إلى مَنْ أَكونُ غدا
مَنْ أكونُ غداً؟ هل سأُولَدُ من
ضلعِكَ اُمرأةً لا هُمُومَ لها غيرُ زينةِ
دُنْيَاكَ. أمْ سوف أَبكي هناك على
حَجَرٍ كان يُرْشِدُ غيمي إلى ماء بئرك
خذني إلى آخر
الأرض قبل طلوع الصباح على قَمَرٍ كان
يبكي دماً في السرير وخُذْني برفق
كما تأخُذُ النجمةُ الحالمين إليها سُدىً
وسُدى
وسدىً أَتطلَّعُ خلف جبال مُؤَاب
فلا ريح تُرْجعُ ثوب العروس, أُحبُّكَ
لكنَّ قلبي يرنّ برجع الصدى ويحنُّ
إلى سَوْسَنٍ آخر, هل هنالك حُزْنٌ أَشدُّ
التباساً على النفس من فَرَ البنت
في عُرْسها؟ وأُحبك مهما تذكرتُ
أَمسِ ومهما تذكرتُ أَني نسيتُ
الصدى في الصدى
أَلصدى في الصدى وانتقلتُ إليكَ
كما انتقلَ من كائنٍ نحو آخر
كنا غريبين في بلدين بعيدين قبل قليل
فماذا أكون غداةَ غد عندما أُصبحُ
اثنين؟ ماذا صَنَعْتَ بحُريَّتي؟ كلما
ازداد خوفيَ منك اندفعتُ إليك
ولا فضل لي يا حبيبي الغريب سوى
وَلَعي فلتكن ثعلباً طيِّباً في كرومي
وحدِّق بخُضْرة عينيك في وجعي, لن
أعود إلى اُسمي وبرِّيتي أَبداً
أَبداً
شعر محمود درويش