صوت من الغابة

من غابة الزيتون
جاء الصدى
وكنت مصلوبا على النار
أقول للغربان لا تنهشي
فربما أرجع للدار
وربما تشتي السما
ربما
تطفيء هذا الخشب الضاري
أنزل يوما عن صليبي
ترى
كيف أعود حافيا.. عاري
شعر محمود درويش

قاع المدينة

عشرون أغنية عن الموت المفاجيء
كل أغنية قبيلة
ونحب أسباب السقوط
على الشوارع
كل نافذة خميلة
والموت مكتمل
قفي ملء الهزيمة يا مدينتنا النبيلة
في كلّ موت كان موتي
حالة أخرى
بديلا كان للغة الهزيلة
والعائدون من الجنازة عانقوني
كسّروا ضلعين
وانصرفوا
ومن عاداتهم أن يكذبوا
لكنّني صدقّتهم
وخرجت من جلدي
لأغرق في شوارعك القتيلة
تتفجرين الآن برقوقا
وأنفجر اعترافا جارحا بالحبّ
لولا الموت
كنت حجارة سوداء
كنت يدا محنّطة نحيلة
لا لون للجدران
لولا قطرة الدم
لا ملامح للدروب المستطيلة
والعائدون من الجنازة عانقوني
كسّروا ضلعين
وانصرفوا
ومن عاداتهم أن يسأموا
لكنهم كانوا يريدون البقاء
خرجت من جلدي
وقابلت الطفولة
قد صار للإسمنت نبض فيك
صار لكل قنطرة جديلة
شكرا صليب مدينتي
شكرا
لقد علّمتنا لون القرنفل و البطولة
يا جسرنا الممتدّ من فرح الطفولة
يا صليب إلى الكهولة
الآن
نكتشف المدينة فيك
آه.. يا مدينتنا الجميلة
شعر محمود درويش

على غلاف أسطورة

ينام المغنّي على أسطوانة
يخبيء أقماره في الخزانة
وينسى زمانه
وينسى مكانه
ويحلم خارج أرض اللغات
وكان مغنّيك يحترف الابتسام
ويؤمن بالسيف
إن كان غمد السيوف عقيدة
ويحتقر الحبّ
إن كان مسألة في قصيدة
وكان ربابة كل الخيام
أراد مرايا جديدة
فلم يجد الصورة المقنعة
أراد ميادين واسعة
فتاهت بها الزوبعة
وحن إلى قيده
كي يفّر من الظلّ و القبّعة
دعيه يقل ما لديه
من الصمت و التجربة
لقد صدئت شمسه المتعبة
ونام على أسطوانة
وخبأ أقماره في خزانة
قصيدة محمود درويش

المناديل

كمقابر الشهداء صمُتكِ
والطريق إلى امتداد
ويداك – أذكر طائرين
يحوّمان على فؤادي
فدعي مخاص البرق
للأفق المعبّأ بالسواد
و توقّعي قبلاً مُدمّاةً
و يوماً دون زادِ
و تعوِّدي ما دُمتِ لي
مَوتي – وَ أحزان البعادِ
كفنّ مناديل الوداع
وخَفَق ريح في الرمادِ
ما لوّحت إلاّ ودم سال
في أغوار وادِ
وبكى لصوتٍ ما، حنين
في شراع السندبادِ
رُدّي، سألتُكِ شهقة المنديل
مزمارا ينادي
فرحي بأن ألقاك وعدا
كان يكبر في بعادي
ما لي سوى عينيك لا تبكي
على موتٍ معادِ
لا تستعيري من مناديلي
أناشيد الودادِ
أرجوكِ! لفيها ضماداً
حول جرحٍ في بلادي
قصيدة محمود درويش

كتابة بالفحم المحترق

مدينتنا – حوصرت في الظهيرة
مدينتنا اكتشفت وجهها في الحصار
لقد كذب اللون
لا شأن لي يا أسيرة
بشمس تلمّع أوسمة الفاتحين
وأحذية الراقصين
ولا شأن لي يا شوارع إلا
بأرقام موتاك
فاحترقي كالظهيرة
كأنك طالعة من كتاب المراثي
ثقوب من الضوء في وجهك الساحليّ
تعيد جبيني إليّ
وتملأني بالحماس القديم إلى أبويّ
و ما كنت أؤمن إلاّ
بما يجعل القلب مقهى و سوق
ولكنني خارج من مسامير هذا الصليب
لأبحث عن مصدر آخر للبروق
وشكل جديد لوجه الحبيب
رأيت الشوارع تقتل أسماءها
وترتيبها
وأنت تظلين في الشرفة النازلة
إلى القاع
عينين من دون وجه
ولكن صوتك يخترق اللوحة الذابلة
مدينتنا حوصرت في الظهيرة
مدينتنا اكتشفت وجهها في الحصار
شعر محمود درويش

لوحة على الجدار

ونقول الأن أشياء كثيرة
عن غروب الشمس في الأرض الصغيرة
وعلى الحائط تبكي هيروشيما
ليلة تمضي و لا نأخذ من عالمنا
غير شكل الموت
في عز الظهيرة
و لعينيك زمان آخر
ولجسمي قصة أخرى
وفي الحلم نريد الياسمين
عندما وزّعنا العالم من قبل سنين
كانت الجدران تستعصي على الفهم
وكان الأسبرين
يرجع الشبّاك و الزيتون و الحلم إلى أصحابه
كان الحنين
لعبة تلهيك عن فهم السنين
و نقول الآن أشياء كثيرة
عن ذبول القمح في الأرض الصغيرة
وعلى الحائط تبكي هيروشيما
خنجرا يلمح كالحق و لا نأخذ عن عالمنا
غير لون الموت
في عز الظهيرة
في اشتعال القبلة الأولى
يذوب الحزن
والموت يغني
وأنا لا أحزن الآن
ولكني أغني
أي جسم لا يكون الآن صوتا
أي حزن
لا يضم الكرة الأرضية الآن
إلى صدر المغني
و نقول الآن أشياء كثيرة
عن عذاب العشب في الأرض الصغيرة
وعلى الحائط تبكي هيروشيما
قبلة تنسى ولا نأخذ من عالمنا
غير طعم الموت
في عزّ الظهيرة
ألف نهر يركض الآن
وكل الأقوياء
يلعبون النرد في المقهى
ولحم الشهداء
يختفي في الطين أحيانا
وأحيانا يسلي الشعراء
وأنا يا امرأتي أمتصّ من صمتك
في الليل حليب الكبرياء
و نقول الآن أشياء كثيرة
عن ضياع اللون في الأرض الصغيرة
وعلى الحائط تبكي هيروشيما
طفلة ماتت و لا نأخذ من عالمنا
غير صوت الموت
في عز الظهيرة
قصيدة محمود درويش