أمل

ما زال في صحونكم بقية من العسل
ردوا الذباب عن صحونكم
لتحفظوا العسل
ما زال في كرومكم عناقد من العنب
ردوا بنات آوى
يا حارسي الكروم
لينضج العنب
ما زال في بيوتكم حصيرة .. وباب
سدوا طريق الريح عن صغاركم
ليرقد الأطفال
الريح برد قارس .. فلتغلقوا الأبواب
ما زال في قلوبكم دماء
لا تسفحوها أيّها الآباء
فإن في أحشائكم جنين
مازال في موقدكم حطب
وقهوة .. وحزمة من اللهب
قصيدة محمود درويش

الجميلات هن الجميلات

الجميلات هن الجميلات
نقش الكمنجات في الخاصرة
الجميلات هن الضعيفات
عرشٌ طفيفٌ بلا ذاكرة
الجميلات هن القويات
يأسٌ يضيء ولا يحترق
الجميلات هن الأميرات
ربَّاتُ وحي قلق
الجميلات هن القريبات
جاراتُ قوس قزح
الجميلات هن البعيدات
مثل أغاني الفرح
الجميلات هن الفقيرات
مثل الوصيفات في حضرة الملكة
الجميلات هن الطويلات
خالات نخل السماء
الجميلات هن القصيرات
يُشرَبْنَ في كأس ماء
الجميلات هن الكبيرات
مانجو مقشرةٌ ونبيذٌ معتق
الجميلات هن الصغيرات
وَعْدُ غدٍ وبراعم زنبق
الجميلات، كلّْ الجميلات، أنت ِ
إذا ما اجتمعن ليخترن لي أنبل القاتلات
أبيات شاعر فلسطين محمود درويش

أهديها غزالا

وشاح المغرب الوردي فوق ضفائر الحلوة
وحبة برتقال كانت الشمس
تحاول كفها البيضاء أن تصطادها عنوة
وتصرخ بي، و كل صراخها همس
أخي! يا سلمي العالي
أريد الشمس بالقوة
و في الليل رماديّ، رأينا الكوكب الفضي
ينقط ضوءه العسلي فوق نوافذ البيت
وقالت، و هي حين تقول، تدفعني إلى الصمت
تعال غدا لنزرعه.. مكان الشوك في الأرض
أبي من أجلها صلّى و صام
وجاب أرض الهند و الإغريق
إلها راكعا لغبار رجليها
وجاع لأجلها في البيد.. أجيالا يشدّ النوق
وأقسم تحت عينيها
يمين قناعة الخالق بالمخلوق
تنام، فتحلم اليقظة في عيني مع السّهر
فدائيّ الربيع أنا، و عبد نعاس عينيها
وصوفي الحصى، و الرمل، و الحجر
سأعبدهم، لتلعب كالملاك، و ظل رجليها
على الدنيا، صلاة الأرض للمطر
حرير شوك أيّامي،على دربي إلى غدها
حرير شوك أيّامي
وأشهى من عصير المجد ما ألقى.. لأسعدها
وأنسى في طفولتها عذاب طفولتي الدامي
وأشرب، كالعصافير، الرضا و الحبّ من يدها
سأهديها غزالا ناعما كجناح أغنية
له أنف ككرملنا
وأقدام كأنفاس الرياح، كخطو حريّة
وعنق طالع كطلوع سنبلنا
من الوادي ..إلى القمم السماويّة
سلاما يا وشاح الشمس، يا منديل جنتنا
ويا قسم المحبة في أغانينا
سلاما يا ربيعا راحلا في الجفن! يا عسلا بغصتنا
ويا سهر التفاؤل في أمانينا
لخضرة أعين الأطفال.. ننسج ضوء رايتنا
قصيدة محمود درويش

وصلنا متأخرين

في مرحلة ما من هشاشةٍ نُسمّيها
نضجاً لانكون متفائلين ولامتشائمين
أقلعنا عن الشغف والحنين وعن تسمية
الأشياء بأضدادها من فرط ما التبس
علينا الأمر بين الشكل والجوهر ودرّبنا
الشعور على التفكير الهاديء قبل البوح
للحكمة أسلوبُ الطبيب في النظر الى الجرح
وإذ ننظر الى الوراء لنعرف أين نحن منّا ومن الحقيقة
نسأل: كم ارتكبنا من الأخطاء
وهل وصلنا الى الحكمة متأخرين
لسنا متأكدين من صواب الريح
فماذا ينفعنا أن نصل الى أيّ شيء متأخرين
حتى لو كان هنالك من ينتظرنا على سفح الجبل
ويدعونا الى صلاة الشكر لأننا وصلنا سالمين
لامتفائلين ولامتشائمين لكن متأخرين
أبيات شعر محمود درويش

رد الفعل

وطني يعلّمني حديدُ سلاسلي
عنفَ النسورِ ورِقّةَ المتفائلِ
ما كنتُ أعرفُ أنَّ تحتَ جلودنا
ميلادُ عاصفةٍ… وعرسُ جداولِ
سدّوا عليَّ النورَ في زنزانةٍ
فتوهّجتْ في القلبِ شمسُ مشاعلِ
كتبوا على الجدرانِ رقمَ بطاقتي
فنما على الجدرانِ مرجُ سنابلِ
رسموا على الجدرانِ صورةَ قاتلي
فمحتْ ملامحَها ظلالُ جدائلِ
وحفرتُ بالأسنانِ رسمك دامياً
وكتبتُ أغنيةَ العذابِ الراحلِ
أغمدتُ في لحمِ الظلامِ هزيمتي
وغرزتُ في شعرِ الشموسِ أناملي
والفاتحونَ على سطوحِ منازلي
لم يفتحوا إلا وعودَ زلازلي
لن يبصروا إلا توهّجَ جبهتي
لن يسمعوا إلا صريرَ سلاسلي
فإذا احترقتُ على صليبِ عبادتي
أصبحتُ قدّيساً بزيِّ مقاتلِ
قصيدة محمود درويش

عن إنسان

وضعوا على فمه السلاسل
ربطوا يديه بصخرة الموتى
وقالوا: أنت قاتل
أخذوا طعامه و الملابس و البيارق
ورموه في زنزانة الموتى
وقالوا: أنت سارق
طردوه من كل المرافيء
أخذوا حبيبته الصغيرة
ثم قالوا: أنت لاجيء
يا دامي العينين و الكفين
إن الليل زائل
لا غرفة التوقيف باقية
ولا زرد السلاسل
نيرون مات، ولم تمت روما
بعينيها تقاتل
وحبوب سنبلة تموت
ستملأ الوادي سنابل
أروع قصائد محمود درويش