لحن الحياة

إذا الشعبُ يوما أراد الحياةفلا بد أن يستجيب القـدر
ولا بـد لليـل أن ينجليولا بـد للقيـد أن ينكسـر
ومن لم يعانقْـه شـوْقُ الحياةتبخر فــي جوها واندثر
فويل لمن لم تَشُـقهُ الحياة من صفْعـة العــدَم المنتصر
كـذلك قـالت ليَ الكائناتُوحدثني روحُها المستترْ
ودمــدمتِ الــرِّيحُ بيــن الفِجـاجوفوق الجبال وتحت الشجرْ
إذا ما طمحتُ إلــى غايةٍركبتُ المُنى, ونسِـيت الحذرْ
ولــم أتجــنَّب وعــورَ الشِّـعابولا كُبَّةَ اللّهَب المستعرْ
ومن يتهيب صعود الجباليعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحفرْ
فعجَّــتْ بقلبــي دمــاءُ الشـبابوضجَّــت بصـدري ريـاحٌ أخَـرْ
وأطـرقتُ, أصغـي لقصـف الرعـودِوعــزفِ الريــاحِ, ووقـعِ المطـرْ
وقـالت لـي الأرضُ  لمـا سـألتأيــا أمُّ هــل تكــرهين البشــر
أُبــارك فـي النـاس أهـلَ الطمـوحومــن يســتلذُّ ركــوبَ الخــطرْ
وألْعــنُ مــن لا يماشــي الزمـانَويقنـــع بــالعيْشِ عيشِ الحجَــرْ
هــو الكــونُ حـيٌّ, يحـبُّ الحيـاةويحــتقر المَيْــتَ, مهمــا كــبُرْ
فـلا الأفْـق يحـضن ميْـتَ الطيـورِولا النحــلُ يلثــم ميْــتَ الزهـرْ
ولــولا أمُومــةُ قلبِــي الــرّؤوملَمَــا ضمّــتِ الميْـتَ تلـك الحُـفَرْ
فــويلٌ لمــن لــم تشُــقه الحيـاة, مِــن لعنــة العــدم المنتصِـرْ
وفــي ليلــة مـن ليـالي الخـريفمثقَّلـــةٍ بالأســـى, والضجــرْ
ســكرتُ بهـا مـن ضيـاء النجـوموغنَّيْــتُ للحُــزْن حــتى ســكرْ
سـألتُ الدُّجـى: هـل تُعيـد الحيـاةُلمـــا أذبلتــه, ربيــعَ العمــر
فلـــم تتكلّم شــفاه الظــلامولــم تــترنَّمْ عــذارى السَّــحَرْ
وقال ليَ الغــابُ في رقَّـةٍمُحَبَّبَـــةٍ مثــل خــفْق الوتــرْ
يجــئ الشــتاءُ شــتاء الضبـابشــتاء الثلــوج, شــتاء المطــرْ
فينطفــئُ السِّـحرُ سـحرُ الغصـونِوســحرُ الزهــورِ, وسـحرُ الثمـرْ
وســحرُ السـماءِ الشـجيُّ الـوديعُوســحرُ المـروجِ, الشـهيُّ, العطِـرْ
وتهـــوِي الغصــونُ وأوراقُهــاوأزهــارُ عهــدٍ حــبيبٍ نضِــرْ
وتلهــو بهـا الـريحُ فـي كـل وادٍويدفنُهَــا الســيلُ أنَّــى عــبرْ
ويفنــى الجــميعُ كحُــلْمٍ بــديعٍتـــألّق فـــي مهجــةٍ واندثــرْ
وتبقــى البــذورُ, التــي حُـمِّلَتْذخــيرةَ عُمْــرٍ جــميلٍ غَــبَرْ
وذكــرى فصــولٍ ورؤيـا حيـاةٍوأشــباحَ دنيــا تلاشــتْ زُمَـرْ
معانقــةً وهـي تحـت الضبـابِوتحــت الثلـوجِ وتحـت المَـدَرْ
لِطَيْــفِ الحيــاةِ الــذي لا يُمَــلُّوقلــبِ الــربيعِ الشــذيِّ الخـضِرْ
وحالمـــةً بأغـــاني الطيـــورِوعِطْــرِ الزهــورِ, وطَعـمِ الثمـرْ
ويمشـي الزمـانُ, فتنمـو صـروفٌوتــذوِي صــروفٌ, وتحيـا أُخَـرْ
وتُصبِـــحُ أحلامُهـــا يقظَـــةًمُوَشَّـــحةً بغمـــوضِ السَّــحَرْ
تُســائل: أيــن ضبـابُ الصبـاحِوسِــحْرُ المسـاء? وضـوء القمـر
وأســرابُ ذاك الفَــراشِ الأنيــقونحــلٌ يغنِّــي, وغيــمٌ يمــر
وأيـــن الأشـــعَّةُ والكائنــاتُوأيــن الحيــاةُ التــي أنتظــر
ظمِئـتُ إلـى النـور, فـوق الغصونِظمِئـتُ إلـى الظـلِ تحـت الشـجرْ
ظمِئـتُ إلـى النَّبْـعِ, بيـن المـروجِيغنِّــي, ويــرقص فـوقَ الزّهَـرْ
ظمِئــتُ إلــى نَغَمــاتِ الطيـورِوهَمْسِ النّســيمِ, ولحــنِ المطــرْ
ظمِئـتُ إلـى الكـونِ! أيـن الوجـودُوأنَّـــى أرى العــالَمَ المنتظــر
هـو الكـونُ, خـلف سُـباتِ الجـمودِوفـــي أُفــقِ اليقظــاتِ الكُــبَرْ
ومـــا هــو إلا كخــفقِ الجنــاحِ حــتى نمــا شــوقُها وانتصـرْ
فصَـــدّعت الأرضَ مــن فوقهــاوأبْصــرتِ الكـونَ عـذبَ الصُّـوَرْ
وجـــاء الـــربيعُ, بأنغامِـــهوأحلامِـــه, وصِبـــاه العطِــرْ
وقبَّلهـــا قُبَـــلاً فــي الشــفاهِتعيــدُ الشــبابَ الــذي قـد غَـبَرْ
وقــال لهــا: قـد مُنِحْـتِ الحيـاةَوخُــلِّدْتِ فــي نســلكِ المُدّخَــرْ
وبـــاركَكِ النُّـــورُ, فاســتقبليشــبابَ الحيــاةِ وخِــصْبَ العُمـرْ
ومَــن تعبــدُ النــورَ أحلامُــهيُبَارِكُـــهُ النّــورُ أنّــى ظهــرْ
إليــكِ الفضــاءَ, إليــكِ الضيـاءَإليــك الــثرى, الحـالمَ, المزدهـرْ
إليــكِ الجمــالَ الــذي لا يَبيــدُ!إليــكِ الوجـودَ, الرحـيبَ, النضِـرْ
فميـدي كمـا شئتِ فوق الحقولِبحــلوِ الثمــارِ وغــضِّ الزّهَــرْ
ونــاجي النســيمَ ونـاجي الغيـومَونــاجي النجــومَ, ونـاجي القمـرْ
ونـــاجي الحيـــاةَ وأشــواقَهاوفتنــةَ هــذا الوجــود الأغــرْ
وشـفَّ الدجـى عـن جمـالٍ عميـقٍيشُــبُّ الخيــالَ, ويُــذكي الفِكَـرْ
ومُــدّ عـلى الكـون سِـحرٌ غـريبٌيُصَرّفــــه ســـاحرٌ مقتـــدرْ
وضـاءت شـموعُ النجـومِ الوِضـاءِوضــاع البَخُــورُ, بخـورُ الزّهَـرْ
ورفــرف روحٌ غــريبُ الجمـالبأجنحــةٍ مــن ضيــاء القمــرْ
ورنَّ نشـــيدُ الحيـــاةِ المقـــدّسُ فــي هيكـلٍ, حـالمٍ قـد سُـحِرْ
وأعْلِــنَ فــي الكـون أنّ الطمـوحَلهيـــبُ الحيــاةِ ورُوحُ الظفَــرْ
إذا طمحـــتْ للحيـــاةِ النفــوسُفــلا بــدّ أنْ يســتجيبَ القــدر
من أشعار أبو القاسم الشابي

النبي المجهول

أيْها الشعبُ ليتني كنتُ حطَّاباً فأهوي على الجذوعِ بفأسي
ليتَني كنتُ كالسيّولِ، إذا ما سالَتْ تهدُّ القبورَ: رمْساً برمٍسِ
ليتَني كنتُ كالريّاح، فأطوي ورودُ الرَّبيع مِنْ كلِّ قنْس
ليتني كنتُ كالسّتاء، أُغَشِّي كل ما أَذْبَلَ الخريفُ بقرسي
ليتَ لي قوَّة َ العواصفِ، يا شعبي فأُلقي إليكَ ثَوْرة َ نفسي
ليت لي قوة َ الأعاصيرِ إن ضجَّتْ فأدعوكَ للحياة ِ بنبسي
ليت لي قوة َ الأعاصيرِ لكْ أنتَ حيٌّ، يقضي الحياة برمسِ
أنتَ روحٌ غَبِيَّة ٌ، تكره النّور وتقضي الدهور في ليل مَلْس
أنتَ لا تدركُ الحقائقَ إن طافتْ حواليكَ دون مسّ وجسِ
في صباح الحياة ِ صَمَّخْتُ أكوابي وأترعتُها بخمرة ِ نفسي
ثُمَّ قدَمْتُها إليكَ، فأهرقْتَ رحيقي، ودُستَ يا شعبُ كأسي
فتألَّمت..، ثًمَّ أسكتُّ آلامي وكفكفتُ من شعوري وحسّي
ثُم نَضَّدْتُ من أزاهيرِ قلبي باقة ً، لمْ يَمَسَّها أيُّ إِنْسِي
ثم قدّمْتُها إليكَ، فَمزَّقْتَ ورودي، ودُستَها أيَّ دوسِ
ثم ألبَسْتَني مِنَ الحُزْنِ ثوباً وبشوْك الجِبال توَّجتَ رأسي
إنني ذاهبٌ إلى الغابِ، ياشَعْبي لأقضي الحياة َ، وحدي، بيأسي
إنني ذاهبٌ إلى الغابِ، علَّي في صميم الغابات أدفنُ بؤسي
ثُمَّ أنْسَاكَ ما استطعتُ، فما أنت بأهْلِ لخمرتي ولكَأسي
سوف أتلو على الطُّيور أناشيدي وأُفضي لها بأشواق نَفْسي
فَهْي تدري معنى الحياة ، وتدري أنّ مجدَ النُّفوسِ يَقْظَة ُ حِسِّ
ثم أقْضي هناك، في ظلمة الليل وأُلقي إلى الوجود بيأسي
ثم تَحْتَ الصَّنَوْبَر، النَّاضر، الحلو تَخُطُّ السُّيولُ حُفرة َ رمسي
وتظَلُّ الطيورُ تلغو على قبْرِي ويشدو النَّسيمُ فوقي بهمس
وتظَلُّ الفصولُ تمْشي حواليَّ كما كُنَّ في غَضارَة أمْسي
أيّها الشّعبُ! أنتَ طفلٌ صغيرٌ لاعبٌ بالتُّرابِ والليلُ مُغْسِ
أنتَ في الكَوْنِ قوَّة ٌ، لم تَنسْسها فكرة ٌ، عبقريَّة ٌ، ذاتُ بأسِ
أنتَ في الكَوْنِ قوة ٌ،كبَّلتْها ظُلُمَاتُ العُصور، مِنْ أمس أمسِ
والشقيُّ الشقيُّ من كان مثلي في حَسَاسِيَّتي، ورقَّة ِ نفسي
هكذا قال شاعرٌ، ناولَ النَّاسَ رحيقَ الحياة ِ في خير كأسِ
فأشاحُوا عنْها، ومرُّوا غِضابا واستخفُّوا به، وقالوا بيأس
“قد أضاعَ الرشّادُ في ملعب الجِنّ فيا بؤسهُ، أصيب بمسّ
طالما خاطبَ العواصفَ في الليلِ ويَمْشي في نشوة ِ المُتَحَسِّي
طالما رافقَ الظلامَ إلى الغابِ ونادى الأرواحَ مِن كلِّ جِنْس
طالما حدَّثَ الشياطينَ في الوادي وغنّى مع الرِّياح بجَرسِ
إنه ساحرٌ، تعلِّمُه السحرَ الشياطينُ، كلَّ مطلع شمسْ
فکبعِدوا الكافرَ الخبيثَ عن الهيكلِ إنّ الخَبيثَ منبعُ رِجْسِ
«أطردوه، ولا تُصيخوا إليه فهو روحٌ شريِّرة ٌ، ذات نحْسِ
هَكَذا قَال شاعرٌ، فيلسوفٌ عاشَ في شعبه الغبيِّ بتَعْسِ
جَهِلَ الناسُ روحَه، وأغانيها فساموُا شعورَه سومَ بخْسِ
فَهْوَ في مَذهبِ الحياة ِ نبيٌّ وَهْوَ في شعبهِ مُصَابٌ بمسِّ
هكذا قال، ثمّ سَار إلى الغابِ ليَحْيا حياة شعرٍ وقُدْسِ
وبعيداً، هناك..، في معبد الغاب الذي لا يُظِلُّه أيُّ بُؤْسِ
في ظلال الصَّنوبرِ الحلوِ، والزّيتونِ يقْضي الحياة َ: حرْساً بحرْسِ
في الصَّباح الجميل، يشدو مع الطّير ويمْشي في نشوة ِ المنحسِّي
نافخاً نايَه، حوالْيه تهتزُّ ورودُ الرّبيع منْ كلِّ فنسِ
شَعْرُه مُرْسَلٌ- تداعُبه الرّيحُ على منكبْيه مثلَ الدُّمُقْسِ
والطُّيورُ الطِّرابُ تشدو حواليه وتلغو في الدَّوحِ، مِنْ كُلِّ جنسِ
وترا عند الأصيل، لدى الجدول يرنو للطَّائرِ المتحسِّي
أو يغنِّي بين الصَّنوبرِ، أو يرنو إلى سُدْفَة الظَّلامِ الممسّي
فإذا أقْبَلَ الظلامُ، وأمستْ ظلماتُ الوجودِ في الأرض تُغسي
كان في كوخه الجميل، مقيماً يَسْألُ الكونَ في خشوعٍ وَهَمْسِ
عن مصبِّ الحياة ِ، أينَ مَدَاهُ وصميمِ الوجودِ، أيَّان يُرسي
وأريجِ الوُرودِ في كلِّ وادٍ ونَشيدِ الطُّيورِ، حين تمسِّي
وهزيمِ الرِّياح، في كلِّ فَجٍّ وَرُسُومِ الحياة ِ من أمس أمسِ
وأغاني الرعاة ِ أين يُواريها سُكونُ الفَضا، وأيَّان تُمْسي
هكذا يَصْرِفُ الحياة َ، ويُفْني حَلَقات السنين: حَرسْاً بحرْسِ
يا لها من معيشة ٍ في صميم الغابِ تُضْحي بين الطيور وُتْمْسي
يا لها مِنْ معيشة ٍ، لم تُدَنّسْهَا نفوسُ الورى بخُبْثٍ ورِجْسِ
يا لها من معيشة ٍ، هيَ في الكون حياة ٌ غريبة ٌ، ذاتُ قُدسِ

تسائلني مالي سكت ولا أهب

تُسائلني مالي سكتُّ ولا أُهِبْبقومي وديجورُ المصائبِ مُظْلِمُ
وَسَيْلُ الرَّزايا جَارفٌ متدفّعٌعضوبٌ وجه الدّهر أربدُ أقتمُ
سَكَتُّ وقد كانت قناتيَ غضَّة ًتصيحُ إلى همس النسَّيم وتحلمُ
وقلتُ، وقد أصغتْ إلى الرّيحِ مرّة ًفجاش بها إعصارهُ المتهزِّمُ
وقلتُ وقد جاش القَريضُ بخاطريكما جاش صخَّابُ الأواذيِّ، أسْحَمُ
أرى المجدَ معصوب الجبين مُجدَّلاًًعلى حَسَكِ الآلم يغمرهُ الدَّمُ
وقد كان وضَّاحَ الأساريرَ باسماًيهبُّ إلى الجلَّى ولا يَتَبَرّمُ
فيا إيها الظلمُ المصَّعرُ حدَّهيرويدكَ! إن الدّهر يبني ويهدمُ
سيثارُ للعز المحطَّم تاجهرجالٌ، إذا جاش الرِّدى فهمُ هُمُ
رجالٌ يرون الذَُلَّ عاراً وسبَّة ًولا يرهبون الموت والموتُ مقدمُ
وهل تعتلي إلا نفوسٌ أبيِّة ٌتصدَّع أغلالَ الهوانِ وتَحطِمُ
شعر أبو القاسم الشابي

لو كانت الأيام في قبضتي

لو كَانَتِ الأَيّامُ في قبضتي أذريتها للريح، مثل الرمال
وقلتُ: يا ريحُ، بها فاذهبي وبدِّديها في سَحيقِ الجبالُ
بل في فجاج الموت.. في عالَمٍ لا يرقُصُ النُّورُ بِهِ والظِّلالْ
لو كان هذا الكونُ في قبضتي ألقيْتُه في النّار، نارِ الجحيمْ
ما هذه الدنيا، وهذا الورى وذلكَ الأُفْقُ، وَتِلْكَ النُّجُومْ
النَّارُ أوْلى بعبيدِ الأسى  ومسرحِ الموتِ، وعشِّ الهمومْ
يا أيّها الماضِي الذي قد قَضَى وضمَّهُ الموتُ، وليلُ الأَبَدْ
يا حاضِرَ النَّاس الذي لم يَزُل يا أيُّها الآتي الذي لم يَلِدْ
سَخَافة ٌ دنياكُمُ هذه تائهة ٌ في ظلمة ِ لا تُحَدْ

سينية

اختلاف النهار والليل ينسياذكرا لي الصبا وأيام أنسي
وصفا لي ملاوة من شبابصورت من تصورات ومس
عصفت كالصبا اللعوب ومرتسنة حـلوة ولذة خلس
وسلا مصر: هل سلا القلب عنهاأو أسا جرحه الزمان المؤسي
كلما مرت الـليالـي عليهرق، والعهد فـي الليالي تقسي
مستطار إذا البواخر رنتأول الليل، أو عوت بعد جرس
راهب في الضلوع للسفن فطنكلما ثرن شاعهن بنقس
يا ابنة اليم، ما أبـوك بـخيلماله مولعاً بمنع وحبس
أحرام على بلابـله الدوححلال للطير من كل جنس؟
كل دار أحق بالأهل إلافي خبيث من المذاهب رجس
نفسي مرجل، وقلبي شراعبهما في الدموع سيري وأرسي
واجعلي وجهك (الفنار) ومجراكيـد (الثغر) بـين (رمل) و(مكس)
وطـني لو شغلت بالخلد عنهنازعتني إليه في الخلد نفسي
وهـفا بالفؤاد في سلسبيلظمأ للسواد مـن (عين شمس)
شهد الله لم يغب عن جـفونيشخصه ساعة ولم يخل حسي
يا فؤادي لكل أمر قرارفيه يبدو وينجلي بعد لبس
عقلت لجة الأمور عقولاًطالت الحوت طول سبح وغس
غرقت حيث لا يصاح بطافأو غريق، ولا يصاخ لحس
فلـك يكسف الشموس نـهـاراًويسوم البدور ليلة وكس
ومواقيت للأمور إذا مابلغتها الأمور صارت لعكس
دول كالرجال مرتهنـاتبقيام من الجدود وتعس
وليال من كل ذات سوارلطمت كل رب (روم) و(فرس)
سددت بالهلال قوساً وسلتخنجراً ينفذان من كل ترس
حكمت في القرون (خوفو) و(دارا)وعفت (وائلاً) وألوت (بعبس)
أين (مروان) في المشارق عرشأموي وفي الـمغارب كرسي؟
سقمت شمسهم فرد عليهانورها كل ثاقب الرأي نطس
ثم غابت وكل شمس سوى هاتيكتبلى، وتنطوي تحت رمس
وعظ (البحتري) إيـوان (كسرى)شفتني القصور من (عبد شمس)
رب ليل سريت والبرق طرفيوبساط طويت والريح عنسي
أنظم الشرق في (الجزيرة) بالغربوأطوي البلاد حزنـاً لدهس
في ديار من الخلائف درسومـنار من الطوائف طمس
وربى كالجنان في كنف الزيتونخضر، وفي ذرا الكرم طلس
لم يرعـني سوى ثرى قرطبيلمست فيه عبرة الدهر خمسي
يا وقى الله ما أصبح منهوسقى صفوت الحيا ما أمسي
قرية لا تعد في الأرض كنتتمسك الأرض أن تميد وترسي
غشيت ساحل المحيط وغطتلجة الروم من شراع وقلس
ركب الدهر خاطري في ثراهافأتى ذلك الحمى بــعد حدس
فتجلت لي القصور ومن فيهامن العز في منازل قعس
سنة من كرى وطيف أمـانوصحا القلب مـن ضلال وهجس
وإذا الدار ما بها من أنيسوإذا القوم ما لهم من محس
ورقيق من البيوت عتيقجاوز الألف غير مذموم حرس
أثر من (محمد) وتراثصار (للروح) ذي الولاء الأمس
بلغ النجم ذروة وتناهىبين (ثهلان) في الأساس و(قدس)
مرمر تسبح النواظر فيهويطول المدى عليها فترسي
وسوار كأنها في استواءألفات الوزير في عرض طرس
فترة الدهر قد كست سطريهاما اكتسى الهدب من فتور ونعس
ويحها! كم تزينت لعليمواحد الدهر واستعدت لخمس
وكأن الرفيف في مسرح العينملاء مدنرات الدمقس
ومكان الكتاب يغريك رياًورده غائباً فتدنو للمس
صنعة (الداخل) المبارك فيالغرب وآل له ميامين شمس
من (لحمراء) جللت بغبارالدهر كالجرح بين بـرء ونكس
كسنا البرق لو محا الضوء لحظاًلمحتها العيون من طول قبس
حصن (غرناطة) ودار بني الأحمرمن غافل ويقظان ندس
جلل الثلج دونها رأس (شيرى)فبدا منه في عـصائب برس
سرمد شيبه، ولم أر شيئاًقبله يـرجى البقاء وينسي
مشت الحادثات في غرف (الحمراء)مشي النعي في دار عرس
هتكت عزة الحجاب وفضتسدة الباب من سمير وأنسي
عرصات تخلت الخيل عنهاواستراحت من احتراس وعس
ومغان على الليالي وضاءلم تجد للعشي تكرار مس
لا ترى غير وافدين على التاريخساعين في خشوع ونكس
نقلوا الطـرف في نضارة آسمن نقوش، وفي عصارة ورس
وقباب من لازورد وتبركالربى الشم بين ظل وشمس
وخطوط تكفلت للمعانيولألفاظها بأزيـن لبس
وترى مجلس السباع خلاءمقفر القاع من ظباء وخنس
لا (الثريا) ولا جواري الثريايتنزلن فيه أقمار إنس
مرمر قامت الأسود عليهكلة الظفر لينات المجس
تنثر الماء في الحياض جماناًيـتنزى على ترائب ملس
آخر العهد بالجزيرة كانتبعد عرك من الزمان وضرس
فتراها تقول: راية جيشباد بالأمس بـين أسر وحـس
ومفاتيحها مقاليد ملكباعها الوارث المضـيع ببخس
خرج القوم في كتائب صمعن حفاظ كموكب الدفن خرس
ركبوا بالبحار نعشاً وكانتتحت آبائهم هي العرش أمس
رب بان لهادم، وجموعلمشت ومحسن لمخس
إمرة الناس همة لا تأنىلجبــان ولا تسنى لجبس
يا دياراً نزلت كالخلد ظلاًوجـنى دانياً وسلسال أنس
محسنات الفصول لا نـاجر فيهابقيظ ولا جمادى بـقرس
لا تحش العيون فوق ربــاهاغير حور حو المراشف لعس
كسيت أفرخي بظلك ريشاًوربا في رباك واشتد غرسي
هم بنو مصر لا الجميل لديهمبمضاع ولا الصنيع بمنسي
من لسان على ثنائك وقفوجنان على ولائك حبس
حسبهم هذه الطلول عظاتمن جديد على الدهور ودرس
وإذا فاتك التفات إلى الماضيفقد غاب عنك وجه التأسي
قصيدة مشهورة لأمير الشعراء أحمد شوقي

صحب الناس قبلنا ذا الزمانا

صَحِبَ النّاسُ قَبلَنا ذا الزّمَانَا وَعَنَاهُمْ مِن شأنِهِ مَا عَنَانَا
وَتَوَلّوْا بِغُصّةٍ كُلّهُمْ مِنْــهُ  وَإنْ سَرّ بَعْضَهُمْ أحْيَانَا
رُبّمَا تُحسِنُ الصّنيعَ لَيَالِيــهِ  وَلَكِنْ تُكَدّرُ الإحْسَانَا
وَكَأنّا لم يَرْضَ فينَا برَيْبِ الــدّهْرِ حتى أعَانَهُ مَنْ أعَانَا
كُلّمَا أنْبَتَ الزّمَانُ قَنَاةً رَكّبَ المَرْءُ في القَنَاةِ سِنَانَا
وَمُرَادُ النّفُوسِ أصْغَرُ من أنْ تَتَعَادَى فيهِ وَأنْ تَتَفَانَى
غَيرَ أنّ الفَتى يُلاقي المَنَايَا كالِحَاتٍ وَلا يُلاقي الهَوَانَا
وَلَوَ أنّ الحَيَاةَ تَبْقَى لِحَيٍّ لَعَدَدْنَا أضَلّنَا الشّجْعَانَا
وَإذا لم يَكُنْ مِنَ المَوْتِ بُدٌّ فَمِنَ العَجْزِ أنْ تكُونَ جَبَانَا
كلّ ما لم يكُنْ من الصّعبِ في الأنــفُسِ  سَهْلٌ فيها إذا هوَ كانَا