| إذا الشعبُ يوما أراد الحياة | فلا بد أن يستجيب القـدر |
| ولا بـد لليـل أن ينجلي | ولا بـد للقيـد أن ينكسـر |
| ومن لم يعانقْـه شـوْقُ الحياة | تبخر فــي جوها واندثر |
| فويل لمن لم تَشُـقهُ الحياة | من صفْعـة العــدَم المنتصر |
| كـذلك قـالت ليَ الكائناتُ | وحدثني روحُها المستترْ |
| ودمــدمتِ الــرِّيحُ بيــن الفِجـاج | وفوق الجبال وتحت الشجرْ |
| إذا ما طمحتُ إلــى غايةٍ | ركبتُ المُنى, ونسِـيت الحذرْ |
| ولــم أتجــنَّب وعــورَ الشِّـعاب | ولا كُبَّةَ اللّهَب المستعرْ |
| ومن يتهيب صعود الجبال | يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحفرْ |
| فعجَّــتْ بقلبــي دمــاءُ الشـباب | وضجَّــت بصـدري ريـاحٌ أخَـرْ |
| وأطـرقتُ, أصغـي لقصـف الرعـودِ | وعــزفِ الريــاحِ, ووقـعِ المطـرْ |
| وقـالت لـي الأرضُ لمـا سـألت | أيــا أمُّ هــل تكــرهين البشــر |
| أُبــارك فـي النـاس أهـلَ الطمـوح | ومــن يســتلذُّ ركــوبَ الخــطرْ |
| وألْعــنُ مــن لا يماشــي الزمـانَ | ويقنـــع بــالعيْشِ عيشِ الحجَــرْ |
| هــو الكــونُ حـيٌّ, يحـبُّ الحيـاة | ويحــتقر المَيْــتَ, مهمــا كــبُرْ |
| فـلا الأفْـق يحـضن ميْـتَ الطيـورِ | ولا النحــلُ يلثــم ميْــتَ الزهـرْ |
| ولــولا أمُومــةُ قلبِــي الــرّؤوم | لَمَــا ضمّــتِ الميْـتَ تلـك الحُـفَرْ |
| فــويلٌ لمــن لــم تشُــقه الحيـا | ة, مِــن لعنــة العــدم المنتصِـرْ |
| وفــي ليلــة مـن ليـالي الخـريف | مثقَّلـــةٍ بالأســـى, والضجــرْ |
| ســكرتُ بهـا مـن ضيـاء النجـوم | وغنَّيْــتُ للحُــزْن حــتى ســكرْ |
| سـألتُ الدُّجـى: هـل تُعيـد الحيـاةُ | لمـــا أذبلتــه, ربيــعَ العمــر |
| فلـــم تتكلّم شــفاه الظــلام | ولــم تــترنَّمْ عــذارى السَّــحَرْ |
| وقال ليَ الغــابُ في رقَّـةٍ | مُحَبَّبَـــةٍ مثــل خــفْق الوتــرْ |
| يجــئ الشــتاءُ شــتاء الضبـاب | شــتاء الثلــوج, شــتاء المطــرْ |
| فينطفــئُ السِّـحرُ سـحرُ الغصـونِ | وســحرُ الزهــورِ, وسـحرُ الثمـرْ |
| وســحرُ السـماءِ الشـجيُّ الـوديعُ | وســحرُ المـروجِ, الشـهيُّ, العطِـرْ |
| وتهـــوِي الغصــونُ وأوراقُهــا | وأزهــارُ عهــدٍ حــبيبٍ نضِــرْ |
| وتلهــو بهـا الـريحُ فـي كـل وادٍ | ويدفنُهَــا الســيلُ أنَّــى عــبرْ |
| ويفنــى الجــميعُ كحُــلْمٍ بــديعٍ | تـــألّق فـــي مهجــةٍ واندثــرْ |
| وتبقــى البــذورُ, التــي حُـمِّلَتْ | ذخــيرةَ عُمْــرٍ جــميلٍ غَــبَرْ |
| وذكــرى فصــولٍ ورؤيـا حيـاةٍ | وأشــباحَ دنيــا تلاشــتْ زُمَـرْ |
| معانقــةً وهـي تحـت الضبـابِ | وتحــت الثلـوجِ وتحـت المَـدَرْ |
| لِطَيْــفِ الحيــاةِ الــذي لا يُمَــلُّ | وقلــبِ الــربيعِ الشــذيِّ الخـضِرْ |
| وحالمـــةً بأغـــاني الطيـــورِ | وعِطْــرِ الزهــورِ, وطَعـمِ الثمـرْ |
| ويمشـي الزمـانُ, فتنمـو صـروفٌ | وتــذوِي صــروفٌ, وتحيـا أُخَـرْ |
| وتُصبِـــحُ أحلامُهـــا يقظَـــةً | مُوَشَّـــحةً بغمـــوضِ السَّــحَرْ |
| تُســائل: أيــن ضبـابُ الصبـاحِ | وسِــحْرُ المسـاء? وضـوء القمـر |
| وأســرابُ ذاك الفَــراشِ الأنيــق | ونحــلٌ يغنِّــي, وغيــمٌ يمــر |
| وأيـــن الأشـــعَّةُ والكائنــاتُ | وأيــن الحيــاةُ التــي أنتظــر |
| ظمِئـتُ إلـى النـور, فـوق الغصونِ | ظمِئـتُ إلـى الظـلِ تحـت الشـجرْ |
| ظمِئـتُ إلـى النَّبْـعِ, بيـن المـروجِ | يغنِّــي, ويــرقص فـوقَ الزّهَـرْ |
| ظمِئــتُ إلــى نَغَمــاتِ الطيـورِ | وهَمْسِ النّســيمِ, ولحــنِ المطــرْ |
| ظمِئـتُ إلـى الكـونِ! أيـن الوجـودُ | وأنَّـــى أرى العــالَمَ المنتظــر |
| هـو الكـونُ, خـلف سُـباتِ الجـمودِ | وفـــي أُفــقِ اليقظــاتِ الكُــبَرْ |
| ومـــا هــو إلا كخــفقِ الجنــا | حِ حــتى نمــا شــوقُها وانتصـرْ |
| فصَـــدّعت الأرضَ مــن فوقهــا | وأبْصــرتِ الكـونَ عـذبَ الصُّـوَرْ |
| وجـــاء الـــربيعُ, بأنغامِـــه | وأحلامِـــه, وصِبـــاه العطِــرْ |
| وقبَّلهـــا قُبَـــلاً فــي الشــفاهِ | تعيــدُ الشــبابَ الــذي قـد غَـبَرْ |
| وقــال لهــا: قـد مُنِحْـتِ الحيـاةَ | وخُــلِّدْتِ فــي نســلكِ المُدّخَــرْ |
| وبـــاركَكِ النُّـــورُ, فاســتقبلي | شــبابَ الحيــاةِ وخِــصْبَ العُمـرْ |
| ومَــن تعبــدُ النــورَ أحلامُــه | يُبَارِكُـــهُ النّــورُ أنّــى ظهــرْ |
| إليــكِ الفضــاءَ, إليــكِ الضيـاءَ | إليــك الــثرى, الحـالمَ, المزدهـرْ |
| إليــكِ الجمــالَ الــذي لا يَبيــدُ! | إليــكِ الوجـودَ, الرحـيبَ, النضِـرْ |
| فميـدي كمـا شئتِ فوق الحقولِ | بحــلوِ الثمــارِ وغــضِّ الزّهَــرْ |
| ونــاجي النســيمَ ونـاجي الغيـومَ | ونــاجي النجــومَ, ونـاجي القمـرْ |
| ونـــاجي الحيـــاةَ وأشــواقَها | وفتنــةَ هــذا الوجــود الأغــرْ |
| وشـفَّ الدجـى عـن جمـالٍ عميـقٍ | يشُــبُّ الخيــالَ, ويُــذكي الفِكَـرْ |
| ومُــدّ عـلى الكـون سِـحرٌ غـريبٌ | يُصَرّفــــه ســـاحرٌ مقتـــدرْ |
| وضـاءت شـموعُ النجـومِ الوِضـاءِ | وضــاع البَخُــورُ, بخـورُ الزّهَـرْ |
| ورفــرف روحٌ غــريبُ الجمـال | بأجنحــةٍ مــن ضيــاء القمــرْ |
| ورنَّ نشـــيدُ الحيـــاةِ المقـــدّ | سُ فــي هيكـلٍ, حـالمٍ قـد سُـحِرْ |
| وأعْلِــنَ فــي الكـون أنّ الطمـوحَ | لهيـــبُ الحيــاةِ ورُوحُ الظفَــرْ |
| إذا طمحـــتْ للحيـــاةِ النفــوسُ | فــلا بــدّ أنْ يســتجيبَ القــدر |
أجمل أبيات الشعر العربي
مجموعة من أجمل أبيات الشعر العربي مقتطفات أبو الطيب المتنبي وشعر أبو العلاء المعري وأجمل قصائد نزار قباني.
النبي المجهول
| أيْها الشعبُ ليتني كنتُ حطَّاباً | فأهوي على الجذوعِ بفأسي |
| ليتَني كنتُ كالسيّولِ، إذا ما سالَتْ | تهدُّ القبورَ: رمْساً برمٍسِ |
| ليتَني كنتُ كالريّاح، فأطوي | ورودُ الرَّبيع مِنْ كلِّ قنْس |
| ليتني كنتُ كالسّتاء، أُغَشِّي | كل ما أَذْبَلَ الخريفُ بقرسي |
| ليتَ لي قوَّة َ العواصفِ، يا شعبي | فأُلقي إليكَ ثَوْرة َ نفسي |
| ليت لي قوة َ الأعاصيرِ إن ضجَّتْ | فأدعوكَ للحياة ِ بنبسي |
| ليت لي قوة َ الأعاصيرِ لكْ | أنتَ حيٌّ، يقضي الحياة برمسِ |
| أنتَ روحٌ غَبِيَّة ٌ، تكره النّور | وتقضي الدهور في ليل مَلْس |
| أنتَ لا تدركُ الحقائقَ إن طافتْ | حواليكَ دون مسّ وجسِ |
| في صباح الحياة ِ صَمَّخْتُ أكوابي | وأترعتُها بخمرة ِ نفسي |
| ثُمَّ قدَمْتُها إليكَ، فأهرقْتَ | رحيقي، ودُستَ يا شعبُ كأسي |
| فتألَّمت..، ثًمَّ أسكتُّ آلامي | وكفكفتُ من شعوري وحسّي |
| ثُم نَضَّدْتُ من أزاهيرِ قلبي | باقة ً، لمْ يَمَسَّها أيُّ إِنْسِي |
| ثم قدّمْتُها إليكَ، فَمزَّقْتَ | ورودي، ودُستَها أيَّ دوسِ |
| ثم ألبَسْتَني مِنَ الحُزْنِ ثوباً | وبشوْك الجِبال توَّجتَ رأسي |
| إنني ذاهبٌ إلى الغابِ، ياشَعْبي | لأقضي الحياة َ، وحدي، بيأسي |
| إنني ذاهبٌ إلى الغابِ، علَّي | في صميم الغابات أدفنُ بؤسي |
| ثُمَّ أنْسَاكَ ما استطعتُ، فما أنت | بأهْلِ لخمرتي ولكَأسي |
| سوف أتلو على الطُّيور أناشيدي | وأُفضي لها بأشواق نَفْسي |
| فَهْي تدري معنى الحياة ، وتدري | أنّ مجدَ النُّفوسِ يَقْظَة ُ حِسِّ |
| ثم أقْضي هناك، في ظلمة الليل | وأُلقي إلى الوجود بيأسي |
| ثم تَحْتَ الصَّنَوْبَر، النَّاضر، الحلو | تَخُطُّ السُّيولُ حُفرة َ رمسي |
| وتظَلُّ الطيورُ تلغو على قبْرِي | ويشدو النَّسيمُ فوقي بهمس |
| وتظَلُّ الفصولُ تمْشي حواليَّ | كما كُنَّ في غَضارَة أمْسي |
| أيّها الشّعبُ! أنتَ طفلٌ صغيرٌ | لاعبٌ بالتُّرابِ والليلُ مُغْسِ |
| أنتَ في الكَوْنِ قوَّة ٌ، لم تَنسْسها | فكرة ٌ، عبقريَّة ٌ، ذاتُ بأسِ |
| أنتَ في الكَوْنِ قوة ٌ،كبَّلتْها | ظُلُمَاتُ العُصور، مِنْ أمس أمسِ |
| والشقيُّ الشقيُّ من كان مثلي | في حَسَاسِيَّتي، ورقَّة ِ نفسي |
| هكذا قال شاعرٌ، ناولَ النَّاسَ | رحيقَ الحياة ِ في خير كأسِ |
| فأشاحُوا عنْها، ومرُّوا غِضابا | واستخفُّوا به، وقالوا بيأس |
| “قد أضاعَ الرشّادُ في ملعب الجِنّ | فيا بؤسهُ، أصيب بمسّ |
| طالما خاطبَ العواصفَ في الليلِ | ويَمْشي في نشوة ِ المُتَحَسِّي |
| طالما رافقَ الظلامَ إلى الغابِ | ونادى الأرواحَ مِن كلِّ جِنْس |
| طالما حدَّثَ الشياطينَ في الوادي | وغنّى مع الرِّياح بجَرسِ |
| إنه ساحرٌ، تعلِّمُه السحرَ | الشياطينُ، كلَّ مطلع شمسْ |
| فکبعِدوا الكافرَ الخبيثَ عن الهيكلِ | إنّ الخَبيثَ منبعُ رِجْسِ |
| «أطردوه، ولا تُصيخوا إليه | فهو روحٌ شريِّرة ٌ، ذات نحْسِ |
| هَكَذا قَال شاعرٌ، فيلسوفٌ | عاشَ في شعبه الغبيِّ بتَعْسِ |
| جَهِلَ الناسُ روحَه، وأغانيها | فساموُا شعورَه سومَ بخْسِ |
| فَهْوَ في مَذهبِ الحياة ِ نبيٌّ | وَهْوَ في شعبهِ مُصَابٌ بمسِّ |
| هكذا قال، ثمّ سَار إلى الغابِ | ليَحْيا حياة شعرٍ وقُدْسِ |
| وبعيداً، هناك..، في معبد الغاب | الذي لا يُظِلُّه أيُّ بُؤْسِ |
| في ظلال الصَّنوبرِ الحلوِ، والزّيتونِ | يقْضي الحياة َ: حرْساً بحرْسِ |
| في الصَّباح الجميل، يشدو مع الطّير | ويمْشي في نشوة ِ المنحسِّي |
| نافخاً نايَه، حوالْيه تهتزُّ | ورودُ الرّبيع منْ كلِّ فنسِ |
| شَعْرُه مُرْسَلٌ- تداعُبه الرّيحُ | على منكبْيه مثلَ الدُّمُقْسِ |
| والطُّيورُ الطِّرابُ تشدو حواليه | وتلغو في الدَّوحِ، مِنْ كُلِّ جنسِ |
| وترا عند الأصيل، لدى الجدول | يرنو للطَّائرِ المتحسِّي |
| أو يغنِّي بين الصَّنوبرِ، أو يرنو | إلى سُدْفَة الظَّلامِ الممسّي |
| فإذا أقْبَلَ الظلامُ، وأمستْ | ظلماتُ الوجودِ في الأرض تُغسي |
| كان في كوخه الجميل، مقيماً | يَسْألُ الكونَ في خشوعٍ وَهَمْسِ |
| عن مصبِّ الحياة ِ، أينَ مَدَاهُ | وصميمِ الوجودِ، أيَّان يُرسي |
| وأريجِ الوُرودِ في كلِّ وادٍ | ونَشيدِ الطُّيورِ، حين تمسِّي |
| وهزيمِ الرِّياح، في كلِّ فَجٍّ | وَرُسُومِ الحياة ِ من أمس أمسِ |
| وأغاني الرعاة ِ أين يُواريها | سُكونُ الفَضا، وأيَّان تُمْسي |
| هكذا يَصْرِفُ الحياة َ، ويُفْني | حَلَقات السنين: حَرسْاً بحرْسِ |
| يا لها من معيشة ٍ في صميم الغابِ | تُضْحي بين الطيور وُتْمْسي |
| يا لها مِنْ معيشة ٍ، لم تُدَنّسْهَا | نفوسُ الورى بخُبْثٍ ورِجْسِ |
| يا لها من معيشة ٍ، هيَ في الكون | حياة ٌ غريبة ٌ، ذاتُ قُدسِ |
تسائلني مالي سكت ولا أهب
| تُسائلني مالي سكتُّ ولا أُهِبْ | بقومي وديجورُ المصائبِ مُظْلِمُ |
| وَسَيْلُ الرَّزايا جَارفٌ متدفّعٌ | عضوبٌ وجه الدّهر أربدُ أقتمُ |
| سَكَتُّ وقد كانت قناتيَ غضَّة ً | تصيحُ إلى همس النسَّيم وتحلمُ |
| وقلتُ، وقد أصغتْ إلى الرّيحِ مرّة ً | فجاش بها إعصارهُ المتهزِّمُ |
| وقلتُ وقد جاش القَريضُ بخاطري | كما جاش صخَّابُ الأواذيِّ، أسْحَمُ |
| أرى المجدَ معصوب الجبين مُجدَّلاًً | على حَسَكِ الآلم يغمرهُ الدَّمُ |
| وقد كان وضَّاحَ الأساريرَ باسماً | يهبُّ إلى الجلَّى ولا يَتَبَرّمُ |
| فيا إيها الظلمُ المصَّعرُ حدَّه | يرويدكَ! إن الدّهر يبني ويهدمُ |
| سيثارُ للعز المحطَّم تاجه | رجالٌ، إذا جاش الرِّدى فهمُ هُمُ |
| رجالٌ يرون الذَُلَّ عاراً وسبَّة ً | ولا يرهبون الموت والموتُ مقدمُ |
| وهل تعتلي إلا نفوسٌ أبيِّة ٌ | تصدَّع أغلالَ الهوانِ وتَحطِمُ |
لو كانت الأيام في قبضتي
| لو كَانَتِ الأَيّامُ في قبضتي | أذريتها للريح، مثل الرمال |
| وقلتُ: يا ريحُ، بها فاذهبي | وبدِّديها في سَحيقِ الجبالُ |
| بل في فجاج الموت.. في عالَمٍ | لا يرقُصُ النُّورُ بِهِ والظِّلالْ |
| لو كان هذا الكونُ في قبضتي | ألقيْتُه في النّار، نارِ الجحيمْ |
| ما هذه الدنيا، وهذا الورى | وذلكَ الأُفْقُ، وَتِلْكَ النُّجُومْ |
| النَّارُ أوْلى بعبيدِ الأسى | ومسرحِ الموتِ، وعشِّ الهمومْ |
| يا أيّها الماضِي الذي قد قَضَى | وضمَّهُ الموتُ، وليلُ الأَبَدْ |
| يا حاضِرَ النَّاس الذي لم يَزُل | يا أيُّها الآتي الذي لم يَلِدْ |
| سَخَافة ٌ دنياكُمُ هذه | تائهة ٌ في ظلمة ِ لا تُحَدْ |
سينية
| اختلاف النهار والليل ينسي | اذكرا لي الصبا وأيام أنسي |
| وصفا لي ملاوة من شباب | صورت من تصورات ومس |
| عصفت كالصبا اللعوب ومرت | سنة حـلوة ولذة خلس |
| وسلا مصر: هل سلا القلب عنها | أو أسا جرحه الزمان المؤسي |
| كلما مرت الـليالـي عليه | رق، والعهد فـي الليالي تقسي |
| مستطار إذا البواخر رنت | أول الليل، أو عوت بعد جرس |
| راهب في الضلوع للسفن فطن | كلما ثرن شاعهن بنقس |
| يا ابنة اليم، ما أبـوك بـخيل | ماله مولعاً بمنع وحبس |
| أحرام على بلابـله الدوح | حلال للطير من كل جنس؟ |
| كل دار أحق بالأهل إلا | في خبيث من المذاهب رجس |
| نفسي مرجل، وقلبي شراع | بهما في الدموع سيري وأرسي |
| واجعلي وجهك (الفنار) ومجراك | يـد (الثغر) بـين (رمل) و(مكس) |
| وطـني لو شغلت بالخلد عنه | نازعتني إليه في الخلد نفسي |
| وهـفا بالفؤاد في سلسبيل | ظمأ للسواد مـن (عين شمس) |
| شهد الله لم يغب عن جـفوني | شخصه ساعة ولم يخل حسي |
| يا فؤادي لكل أمر قرار | فيه يبدو وينجلي بعد لبس |
| عقلت لجة الأمور عقولاً | طالت الحوت طول سبح وغس |
| غرقت حيث لا يصاح بطاف | أو غريق، ولا يصاخ لحس |
| فلـك يكسف الشموس نـهـاراً | ويسوم البدور ليلة وكس |
| ومواقيت للأمور إذا ما | بلغتها الأمور صارت لعكس |
| دول كالرجال مرتهنـات | بقيام من الجدود وتعس |
| وليال من كل ذات سوار | لطمت كل رب (روم) و(فرس) |
| سددت بالهلال قوساً وسلت | خنجراً ينفذان من كل ترس |
| حكمت في القرون (خوفو) و(دارا) | وعفت (وائلاً) وألوت (بعبس) |
| أين (مروان) في المشارق عرش | أموي وفي الـمغارب كرسي؟ |
| سقمت شمسهم فرد عليها | نورها كل ثاقب الرأي نطس |
| ثم غابت وكل شمس سوى هاتيك | تبلى، وتنطوي تحت رمس |
| وعظ (البحتري) إيـوان (كسرى) | شفتني القصور من (عبد شمس) |
| رب ليل سريت والبرق طرفي | وبساط طويت والريح عنسي |
| أنظم الشرق في (الجزيرة) بالغرب | وأطوي البلاد حزنـاً لدهس |
| في ديار من الخلائف درس | ومـنار من الطوائف طمس |
| وربى كالجنان في كنف الزيتون | خضر، وفي ذرا الكرم طلس |
| لم يرعـني سوى ثرى قرطبي | لمست فيه عبرة الدهر خمسي |
| يا وقى الله ما أصبح منه | وسقى صفوت الحيا ما أمسي |
| قرية لا تعد في الأرض كنت | تمسك الأرض أن تميد وترسي |
| غشيت ساحل المحيط وغطت | لجة الروم من شراع وقلس |
| ركب الدهر خاطري في ثراها | فأتى ذلك الحمى بــعد حدس |
| فتجلت لي القصور ومن فيها | من العز في منازل قعس |
| سنة من كرى وطيف أمـان | وصحا القلب مـن ضلال وهجس |
| وإذا الدار ما بها من أنيس | وإذا القوم ما لهم من محس |
| ورقيق من البيوت عتيق | جاوز الألف غير مذموم حرس |
| أثر من (محمد) وتراث | صار (للروح) ذي الولاء الأمس |
| بلغ النجم ذروة وتناهى | بين (ثهلان) في الأساس و(قدس) |
| مرمر تسبح النواظر فيه | ويطول المدى عليها فترسي |
| وسوار كأنها في استواء | ألفات الوزير في عرض طرس |
| فترة الدهر قد كست سطريها | ما اكتسى الهدب من فتور ونعس |
| ويحها! كم تزينت لعليم | واحد الدهر واستعدت لخمس |
| وكأن الرفيف في مسرح العين | ملاء مدنرات الدمقس |
| ومكان الكتاب يغريك رياً | ورده غائباً فتدنو للمس |
| صنعة (الداخل) المبارك في | الغرب وآل له ميامين شمس |
| من (لحمراء) جللت بغبار | الدهر كالجرح بين بـرء ونكس |
| كسنا البرق لو محا الضوء لحظاً | لمحتها العيون من طول قبس |
| حصن (غرناطة) ودار بني الأحمر | من غافل ويقظان ندس |
| جلل الثلج دونها رأس (شيرى) | فبدا منه في عـصائب برس |
| سرمد شيبه، ولم أر شيئاً | قبله يـرجى البقاء وينسي |
| مشت الحادثات في غرف (الحمراء) | مشي النعي في دار عرس |
| هتكت عزة الحجاب وفضت | سدة الباب من سمير وأنسي |
| عرصات تخلت الخيل عنها | واستراحت من احتراس وعس |
| ومغان على الليالي وضاء | لم تجد للعشي تكرار مس |
| لا ترى غير وافدين على التاريخ | ساعين في خشوع ونكس |
| نقلوا الطـرف في نضارة آس | من نقوش، وفي عصارة ورس |
| وقباب من لازورد وتبر | كالربى الشم بين ظل وشمس |
| وخطوط تكفلت للمعاني | ولألفاظها بأزيـن لبس |
| وترى مجلس السباع خلاء | مقفر القاع من ظباء وخنس |
| لا (الثريا) ولا جواري الثريا | يتنزلن فيه أقمار إنس |
| مرمر قامت الأسود عليه | كلة الظفر لينات المجس |
| تنثر الماء في الحياض جماناً | يـتنزى على ترائب ملس |
| آخر العهد بالجزيرة كانت | بعد عرك من الزمان وضرس |
| فتراها تقول: راية جيش | باد بالأمس بـين أسر وحـس |
| ومفاتيحها مقاليد ملك | باعها الوارث المضـيع ببخس |
| خرج القوم في كتائب صم | عن حفاظ كموكب الدفن خرس |
| ركبوا بالبحار نعشاً وكانت | تحت آبائهم هي العرش أمس |
| رب بان لهادم، وجموع | لمشت ومحسن لمخس |
| إمرة الناس همة لا تأنى | لجبــان ولا تسنى لجبس |
| يا دياراً نزلت كالخلد ظلاً | وجـنى دانياً وسلسال أنس |
| محسنات الفصول لا نـاجر فيها | بقيظ ولا جمادى بـقرس |
| لا تحش العيون فوق ربــاها | غير حور حو المراشف لعس |
| كسيت أفرخي بظلك ريشاً | وربا في رباك واشتد غرسي |
| هم بنو مصر لا الجميل لديهم | بمضاع ولا الصنيع بمنسي |
| من لسان على ثنائك وقف | وجنان على ولائك حبس |
| حسبهم هذه الطلول عظات | من جديد على الدهور ودرس |
| وإذا فاتك التفات إلى الماضي | فقد غاب عنك وجه التأسي |
صحب الناس قبلنا ذا الزمانا
| صَحِبَ النّاسُ قَبلَنا ذا الزّمَانَا | وَعَنَاهُمْ مِن شأنِهِ مَا عَنَانَا |
| وَتَوَلّوْا بِغُصّةٍ كُلّهُمْ مِنْــهُ | وَإنْ سَرّ بَعْضَهُمْ أحْيَانَا |
| رُبّمَا تُحسِنُ الصّنيعَ لَيَالِيــهِ | وَلَكِنْ تُكَدّرُ الإحْسَانَا |
| وَكَأنّا لم يَرْضَ فينَا برَيْبِ الــدّهْرِ | حتى أعَانَهُ مَنْ أعَانَا |
| كُلّمَا أنْبَتَ الزّمَانُ قَنَاةً | رَكّبَ المَرْءُ في القَنَاةِ سِنَانَا |
| وَمُرَادُ النّفُوسِ أصْغَرُ من أنْ | تَتَعَادَى فيهِ وَأنْ تَتَفَانَى |
| غَيرَ أنّ الفَتى يُلاقي المَنَايَا | كالِحَاتٍ وَلا يُلاقي الهَوَانَا |
| وَلَوَ أنّ الحَيَاةَ تَبْقَى لِحَيٍّ | لَعَدَدْنَا أضَلّنَا الشّجْعَانَا |
| وَإذا لم يَكُنْ مِنَ المَوْتِ بُدٌّ | فَمِنَ العَجْزِ أنْ تكُونَ جَبَانَا |
| كلّ ما لم يكُنْ من الصّعبِ في الأنــفُسِ | سَهْلٌ فيها إذا هوَ كانَا |