ليلك من ليلك

يجلسُ الليلُ حيث تكونين ليلُك من
لَيْلَكٍ بين حين وآخر تُفْلتُ إيماءة
من أَشعَّة غمَّازتَيْك فتكسر كأسَ النبيذ
وتُشْعل ضوء النجوم وليلُك ظِلُّكِ
قطعةُ أرضٍ خرافيَّةٍ للمساواة ما بين
أَحلامنا ما أَنا بالمسافر أَو بالمُقيم على
لَيْلكِ الليلكيِّ أَنا هُوَ مَنْ كان يوماً
أَنا كُلَّما عَسْعَسَ الليلُ فيك حَدَسْتُ
بمَنْزلَةِ القلب ما بين مَنْزلَتَيْن فلا
النفسُ ترضى ولا الروحُ ترضى وفي
جَسَدَيْنا سماءٌ تُعانق أَرضاً وكُلُّك
ليلُكِ لَيْلٌ يشعُّ كحبر الكواكب.لَيْلٌ
على ذمَّة الليل يزحف في جسدي
خَدَراً على لُغَتي كُلَّما اتَّضَحَ اُزدَدْتُ
خوفاً من الغد في قبضة اليد ليلٌ
يُحدَّقُ في نفسه آمناً مطمئناً إلى لا
نهاياته لا تحفُّ به غيرُ مرآته
وأَغاني الرُعاة القُدَامى لصيف أَباطرةٍ
يمرضون من الحبِّ ليل ترعرع في شِعْرِهِ
الجاهليِّ على نزوات امرئ القيس والآخرين
ووسَّع للحالمين طريقَ الحليب إلى قمرٍ
جائعٍ في أَقاصي الكلام
قصائد شاعر فلسطين محمود درويش

صوت وسوط

لو كان لي برج
حبست البرق في جيبي
وأطفأت السحاب
لو كان لي في البحر أشرعة
أخذت الموج و الإعصار في كفّي
ونوّمت العباب
لو كان عندي سلّم
لغرست فوق الشمس رايتي التي
اهترأت على الأرض الخراب
لو كان لي فرس
تركت عنانها
ولجمت حوذيّ الرياح على الهضاب
لو كان لي حقل و محراث
زرعت القلب و الأشعار
في بطن التراب
لو كان لي عود
ملأت الصمت أسئلة ملحّنة
وسلّيت الصحاب
لو كان لي قدم
مشيت مشيت حتى الموت
من غاب لغاب
لو كان لي
حتى صليبي ليس لي
إنّي له
حتى العذاب
ماذا تبقّى أيّها المحكوم؟
إنّ الليل خيّم مرّة أخرى
وتهتف لا أهاب
يا سيداتي سادتي
يا شامخين على الحراب
الساق تقطع و الرقاب
والقلب يطفأ لو أردتم
والسحاب
يمشي على أقدامكم
والعين تُسمل و الهِضاب
تنهار لو صحتم بها
ودمي المملّح بالتراب
إن جفّ كرمكم
يصير إلى شراب
والنيل يسكب في الفرات
إذا أردتم و الغراب
لو شئتم في الليل شاب
لكنّ صوتي صاح يوما
لا أهاب
فلتجلدوه إذا استطعتم
واركضوا خلف الصدى
ما دام يهتف: لا أهاب
قصيدة محمود درويش

اللامبالي

لا يبال بشيء إذا قطعوا الماء
عن بيته قال لا بأس إن الشتاء
قريب وإن أوقفوا ساعة الكهرباء
تثاءب لا بأس فالشمس تكفي
وإن هددوه بتخفيض راتبه قال لا
بأس سوف أصوم عن الخمر
والتبغ شهراً وإن أخذوه إلى السجن
قال ولا بأس أخلو قليلاً إلى النفس
في صحبة الذكريات
وإن أرجعوه إلى بيته قال
لا بأس فالبيت بيتي
وقلت له مرة غاضباً كيف تحيا غداً
قال لا شأن لي بغدي إنه فكرة
لا تراودني وأنا هكذا هكذا لن
يغيرني أي شيء كما لم أغير أنا
أي شيء فلا تحجب الشمس عني
فقلت له لستُ اسكند المتعالي
ولست ديوجين
فقال ولكن في اللامبالاة فلسفة
إنها صفة من صفات الأمل
قصيدة محمود درويش

شال حرير

شال على غصن شجرة مرَّت فتاةٌ من هنا
أو مرّت ريح بدلاً منها وعلَّقت شالها على
الشجرة ليس هذا خبراً بل هو مطلع
قصيدة لشاعر متمهِّل أَعفاه الحُبُّ من الأَلم
فصار ينظر اليه عن بعد كمشهد
طبيعةٍ جميل وضع نفسه في المشهد
الصفصافة عالية والشال من حرير وهذا
يعني أن الفتاة كانت تلتقي فتاها في
الصيف ويجلسان على عشب ناشف وهذا
يعني أيضاً أنهما كانا يستدرجان العصافير
إلى عرس سري فالأفق الواسع أمامهما
على هذه التلة يغري بالطيران ربما قال
لها أَحنُّ اليك، وأَنتِ معي كما لو
كنتِ بعيدة وربما قالت له أَحضنكَ
وأَنت بعيد كما لو كنتَ نهديَّ وربما
قال لها نظرتك إليَّ تذوِّبني فأصير
موسيقى وربما قالت له ويدك على
ركبتي تجعل الوقت يَعرَق فافْرُكْني لأذوب
واسترسل الشاعر في تفسير شال الحرير
دون أن ينتبه الى أن الشال كان غيمة
تعبر مصادفة بين أغصان الشجر عند
الغروب
قصيدة رومنسية لمحمود درويش

جهة المنفى

يتلفت المنفيّ نحو جهاته
وتفر منه المفردات الذكريات
ليس الأمام أمامه
ليس الوراء وراءه
وعلى اليمين إشارة ضوئية
وعلى اليسار إشارة أخرى
فيسأل نفسه
من أين تبتديء الحياة
لابد لي من نرجس
لأكون صاحب صورتي
ويقول إن الحر من يختار منفاه
لأمر ما
أنا حرٌ إذن
أمشي فتتضح الجهات
قصيدة شاعر فلسطين محمود درويش

بين ريتا وعيوني بندقية

بين ريتا وعيوني بندقية
والذي يعرف ريتا ينحني
ويصلي
لإله في العيون العسلية
وأنا قبَّلت ريتا
عندما كانت صغيرة
وأنا أذكر كيف التصقت
بي، وغطت ساعدي أحلى ضفيرة
وأنا أذكر ريتا
مثلما يذكر عصفورٌ غديره
آه ريتا
بينما مليون عصفور وصورة
ومواعيد كثيرة
أطلقت ناراً عليها بندقية
اسم ريتا كان عيداً في فمي
جسم ريتا كان عرساً في دمي
وأنا ضعت بريتا سنتين
وهي نامت فوق زندي سنتين
وتعاهدنا على أجمل كأس، واحترقنا
في نبيذ الشفتين
وولدنا مرتين
آه ريتا
أي شيء ردَّ عن عينيك عينيَّ
سوى إغفاءتين
وغيوم عسلية
قبل هذي البندقية
كان يا ما كان
يا صمت العشيّة
قمري هاجر في الصبح بعيداً
في العيون العسلية
والمدينة
كنست كل المغنين وريتا
بين ريتا وعيوني بندقية
قصيدة رومانسية لمحمود درويش