قم للمعلم وفه التبجيلا

قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا ~ كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي ~ يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا
سُبحانَكَ اللَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ ~ عَلَّمتَ بِالقَلَمِ القُرونَ الأولى
أَخرَجتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ ~ وَهَدَيتَهُ النورَ المُبينَ سَبيلا
وَطَبَعتَهُ بِيَدِ المُعَلِّمِ تارَةً ~ صَدِئَ الحَديدُ وَتارَةً مَصقولا
أَرسَلتَ بِالتَوراةِ موسى مُرشِداً ~ وَاِبنَ البَتولِ فَعَلِّمِ الإِنجيلا
وَفَجَرتَ يَنبوعَ البَيانِ مُحَمَّداً ~ فَسَقى الحَديثَ وَناوَلَ التَنزيلا
عَلَّمتَ يوناناً وَمِصرَ فَزالَتا ~ عَن كُلِّ شَمسٍ ما تُريدُ أُفولا
وَاليَومَ أَصبَحَتا بِحالِ طُفولَةٍ ~ في العِلمِ تَلتَمِسانِهِ تَطفيلا
مِن مَشرِقِ الأَرضِ الشَموسُ تَظاهَرَت ~ ما بالُ مَغرِبِها عَلَيهِ أُديلا
يا أَرضُ مُذ فَقَدَ المُعَلِّمُ نَفسَهُ ~ بَينَ الشُموسِ وَبَينَ شَرقِكِ حيلا
ذَهَبَ الَّذينَ حَمَوا حَقيقَةَ عِلمِهِم ~ وَاِستَعذَبوا فيها العَذابَ وَبيلا
في عالَمٍ صَحِبَ الحَياةَ مُقَيَّداً ~ بِالفَردِ مَخزوماً بِهِ مَغلولا
صَرَعَتهُ دُنيا المُستَبِدِّ كَما هَوَت ~ مِن ضَربَةِ الشَمسِ الرُؤوسُ ذُهولا
سُقراطُ أَعطى الكَأسَ وَهيَ مَنِيَّةٌ ~ شَفَتَي مُحِبٍّ يَشتَهي التَقبيلا
عَرَضوا الحَياةَ عَلَيهِ وَهيَ غَباوَةٌ ~ فَأَبى وَآثَرَ أَن يَموتَ نَبيلا
إِنَّ الشَجاعَةَ في القُلوبِ كَثيرَةٌ ~ وَوَجَدتُ شُجعانَ العُقولِ قَليلا
إِنَّ الَّذي خَلَقَ الحَقيقَةَ عَلقَماً ~ لَم يُخلِ مِن أَهلِ الحَقيقَةِ جيلا
وَلَرُبَّما قَتَلَ الغَرامُ رِجالَها ~ قُتِلَ الغَرامُ كَمِ اِستَباحَ قَتيلا
أَوَكُلُّ مَن حامى عَنِ الحَقِّ اِقتَنى ~ عِندَ السَوادِ ضَغائِناً وَذُحولا
لَو كُنتُ أَعتَقِدُ الصَليبَ وَخَطبُهُ ~ لَأَقَمتُ مِن صَلبِ المَسيحِ دَليلا
أَمُعَلِّمي الوادي وَساسَةَ نَشئِهِ ~ وَالطابِعينَ شَبابَهُ المَأمولا
وَالحامِلينَ إِذا دُعوا لِيُعَلِّموا ~ عِبءَ الأَمانَةِ فادِحاً مَسؤولا
كانَت لَنا قَدَمٌ إِلَيهِ خَفيفَةٌ ~ وَرِمَت بِدَنلوبٍ فَكانَ الفيلا
حَتّى رَأَينا مِصرَ تَخطو إِصبَعاً ~ في العِلمِ إِن مَشَتِ المَمالِكُ ميلا
تِلكَ الكُفورُ وَحَشوُها أُمِّيَّةٌ ~ مِن عَهدِ خوفو لا تَرَ القِنديلا
تَجِدُ الَّذينَ بَنى المِسَلَّةَ جَدُّهُم ~ لا يُحسِنونَ لِإِبرَةٍ تَشكيلا
وَيُدَلَّلونَ إِذا أُريدَ قِيادُهُم ~ كَالبُهمِ تَأنَسُ إِذ تَرى التَدليلا
يَتلو الرِجالُ عَلَيهُمُ شَهَواتِهِم ~ فَالناجِحونَ أَلَدُّهُم تَرتيلا
الجَهلُ لا تَحيا عَلَيهِ جَماعَةٌ ~ كَيفَ الحَياةُ عَلى يَدَي عِزريلا
وَاللَهِ لَولا أَلسُنٌ وَقَرائِحٌ ~ دارَت عَلى فِطَنِ الشَبابِ شَمولا
وَتَعَهَّدَت مِن أَربَعينَ نُفوسَهُم ~ تَغزو القُنوطَ وَتَغرِسُ التَأميلا
عَرَفَت مَواضِعَ جَدبِهِم فَتَتابَعَت ~ كَالعَينِ فَيضاً وَالغَمامِ مَسيلا
تُسدي الجَميلَ إِلى البِلادِ وَتَستَحي ~ مِن أَن تُكافَأَ بِالثَناءِ جَميلا
ما كانَ دَنلوبٌ وَلا تَعليمُهُ ~ عِندَ الشَدائِدِ يُغنِيانِ فَتيلا
رَبّوا عَلى الإِنصافِ فِتيانَ الحِمى ~ تَجِدوهُمُ كَهفَ الحُقوقِ كُهولا
فَهوَ الَّذي يَبني الطِباعَ قَويمَةً ~ وَهوَ الَّذي يَبني النُفوسَ عُدولا
وَيُقيمُ مَنطِقَ كُلِّ أَعوَجِ مَنطِقٍ ~ وَيُريهِ رَأياً في الأُمورِ أَصيلا
وَإِذا المُعَلِّمُ لَم يَكُن عَدلاً مَشى ~ روحُ العَدالَةِ في الشَبابِ ضَئيلا
وَإِذا المُعَلِّمُ ساءَ لَحظَ بَصيرَةٍ ~ جاءَت عَلى يَدِهِ البَصائِرُ حولا
وَإِذا أَتى الإِرشادُ مِن سَبَبِ الهَوى ~ وَمِنَ الغُرورِ فَسَمِّهِ التَضليلا
وَإِذا أُصيبَ القَومُ في أَخلاقِهِم ~ فَأَقِم عَلَيهِم مَأتَماً وَعَويلا
إِنّي لَأَعذُرُكُم وَأَحسَبُ عِبئَكُم ~ مِن بَينِ أَعباءِ الرِجالِ ثَقيلا
وَجَدَ المُساعِدَ غَيرُكُم وَحُرِمتُمُ ~ في مِصرَ عَونَ الأُمَّهاتِ جَليلا
وَإِذا النِساءُ نَشَأنَ في أُمِّيَّةً ~ رَضَعَ الرِجالُ جَهالَةً وَخُمولا
لَيسَ اليَتيمُ مَنِ اِنتَهى أَبَواهُ مِن ~ هَمِّ الحَياةِ وَخَلَّفاهُ ذَليلا
فَأَصابَ بِالدُنيا الحَكيمَةِ مِنهُما ~ وَبِحُسنِ تَربِيَةِ الزَمانِ بَديلا
إِنَّ اليَتيمَ هُوَ الَّذي تَلقى لَهُ ~ أُمّاً تَخَلَّت أَو أَباً مَشغولا
مِصرٌ إِذا ما راجَعَت أَيّامَها ~ لَم تَلقَ لِلسَبتِ العَظيمِ مَثيلا
البَرلَمانُ غَداً يُمَدُّ رُواقُهُ ~ ظِلّاً عَلى الوادي السَعيدِ ظَليلا
نَرجو إِذا التَعليمُ حَرَّكَ شَجوَهُ ~ أَلّا يَكونَ عَلى البِلادِ بَخيلا
قُل لِلشَبابِ اليَومَ بورِكَ غَرسُكُم ~ دَنَتِ القُطوفُ وَذُلِّلَت تَذليلا
حَيّوا مِنَ الشُهَداءِ كُلَّ مُغَيَّبٍ ~ وَضَعوا عَلى أَحجارِهِ إِكليلا
لِيَكونَ حَظُّ الحَيِّ مِن شُكرانِكُم ~ جَمّاً وَحَظُّ المَيتِ مِنهُ جَزيلا
لا يَلمَسُ الدُستورُ فيكُم روحَهُ ~ حَتّى يَرى جُندِيَّهُ المَجهولا
ناشَدتُكُم تِلكَ الدِماءَ زَكِيَّةً ~ لا تَبعَثوا لِلبَرلَمانِ جَهولا
فَليَسأَلَنَّ عَنِ الأَرائِكِ سائِلٌ ~ أَحَمَلنَ فَضلاً أَم حَمَلنَ فُضولا
إِن أَنتَ أَطلَعتَ المُمَثِّلَ ناقِصا ~ لَم تَلقَ عِندَ كَمالِهِ التَمثيلا
فَاِدعوا لَها أَهلَ الأَمانَةِ وَاِجعَلوا ~ لِأولى البَصائِرِ مِنهُمُ التَفضيلا
إِنَّ المُقَصِّرَ قَد يَحولُ وَلَن تَرى ~ لِجَهالَةِ الطَبعِ الغَبِيِّ مُحيلا
فَلَرُبَّ قَولٍ في الرِجالِ سَمِعتُم ~ ثُمَّ اِنقَضى فَكَأَنَّهُ ما قيلا
وَلَكَم نَصَرتُم بِالكَرامَةِ وَالهَوى ~ مَن كانَ عِندَكُمُ هُوَ المَخذولا
كَرَمٌ وَصَفحٌ في الشَبابِ وَطالَما ~ كَرُمَ الشَبابُ شَمائِلاً وَمُيولا
قوموا اِجمَعوا شَعبَ الأُبُوَّةِ وَاِرفَعوا ~ صَوتَ الشَبابِ مُحَبَّباً مَقبولا
ما أَبعَدَ الغاياتِ إِلّا أَنَّني ~ أَجِدُ الثَباتَ لَكُم بِهِنَّ كَفيلا
فَكِلوا إِلى اللَهِ النَجاحَ وَثابِروا ~ فَاللَهُ خَيرٌ كافلاً ووكيلا
أشهر قصائد أمير الشعراء أحمد شوقي

صوت صفير البلبل

صوت صفير البلبلِ ~ هيج قلبي الثملِ
الماء والزهر معاً ~ مع زهرِ لحظِ المٌقَلِ
وأنت يا سيد لي ~ وسيدي ومولى لي
فكم فكم تيمني ~ غُزَيلٌ عُقيقلي
قطَّفتَه من وجنةٍ ~ من لثم ورد الخجلِ
فقال لا لا لا لا لا ~ وقد غدا مهرولِ
والخود مالت طرباً ~ من فعل هذا الرجلِ
فولولت وولولت ~ ولي ولي يا ويل لي
فقلت لا تولولي ~ وبيني اللؤلؤ لي
قالت له حين كذا ~ انهض وجد بالنقلِ
وفتية سقونني ~ قهوة كالعسل لي
شممتها بأنفيَ ~ أزكى من القرنفلِ
في وسط بستان حلي ~ بالزهر والسرور لي
والعود دندن دنا لي ~ والطبل طبطب طب لي
طب طبطب طب طبطب ~ طب طبطب طبطب لي
والسقف سق سق سق لي ~ والرقص قد طاب إلي
شوى شوى وشاهش ~ على ورق سفرجلِ
وغرد القمري يصيح ~ ملل في مللِ
ولو تراني راكباً ~ على حمار أهزلِ
يمشي على ثلاثة ~ كمشية العرنجلِ
والناس ترجم جملي ~ في السوق بالقلقللِ
والكل كعكع كعِكَع ~ خلفي ومن حويللي
لكن مشيت هارباً ~ من خشية العقنقلِ
إلى لقاء ملكٍ ~ معظمٍ مبجلِ
يأمر لي بخلعةٍ ~ حمراء كالدم دملي
أجر فيها ماشياً ~ مبغدداً للذيلِ
أنا الأديب الألمعي ~ من حي أرض الموصلِ
نظمت قطعاً زخرفت ~ يعجز عنها الأدبُ لي
أقول في مطلعها ~ صوت صفير البلبلِ
قصيدة تحدى بها الأصمعي الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور

أيا معشر العشاق

يقول الأصمعي: بينما كنت اسير في البادية إذ مررت بحجر مكتوب عليه هذا البيت:
أيا معشر العشاق بالله خبروا ~ إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع
فكتبت تحته البيت التالي: يداري هواه ثم يكتم سره ~ ويخشع في كل الامور ويخضع
يقول ثم عدت في اليوم التالي فوجدت مكتوبا تحته هذا البيت:
وكيف يداري والهوى قاتل الفتى ~ وفي كل يوم قلبه يتقطع
فكتبت تحته البيت التالي:
إذا لم يجد صبرا لكتمان سره ~ فليس له شيء سوى الموت ينفع
يقول الاصمعي فعدت في اليوم الثالث فوجدت شاباً ملقى تحت الحجر ميتا ومكتوب تحته هذان البيتان:
سمعنا أطعنا ثم متنا فبلغوا ~ سلامي إلى من كان بالوصل يمنع
هنيئا لارباب النعيم نعيمهم ~ وللعاشق المسكين ما يتجرع
الشاعر أبو سعيد الأصمعي

ورائي أمام والأمام وراء

وَرَائي أمامٌ والأمام وراء ~ إذا أنا لم تكبِرني الكبرَاء
بأي لسان ذامني متجاهل ~ علي وخفق الريح فيّ ثَناء
تكَلم بالقول المضلّل حاسد ~ وكل كلام الحاسدين هراء
ومَنْ هوَ حتى يحمل النطق عن فمي ~ إليه وتمْشي بينَنا السفَراء
وإنّي لَمثر يا ابن آخر ليلة ~ وإنْ عَزّ مال فالقنوع ثراء
ومُذْ قال إنّ ابن اللئيمة شاعر ~ ذَوُو الجَهْلِ مات الشعر والشعَراء
تُساوِرُ فَحْلَ الشعر أو ليث غابه ~ سِفاهاً وأنتَ الناقةُ العَشراء
أتَمْشي القَوافي تحت غيرِ لوائنا ~ ونحْنُ على قُوّالِهَا أُمَراء
وأيُّ عَظيمٍ راب أهل بلادنا ~ فإنّا على تغييره قدراء
وما سلبتنا العز قط قبيلة ~ ولا باتَ مِنّا فيهِم أسَراء
ولا سارَ في عرض السماوَة بارق ~ وليس له من قومنا خفراء
ولسنا بفقرى يا طغام إليكم ~ وأنتم إلى معروفنا فقراء
قصيدة لشاعر العصر العباسي أبو العلاء المعري

القلب كالماء والأهواء طافية

القلب كالماء والأهواء طافية ~ عليه، مثلَ حَبابِ الماءِ في الماءِ
منه تنمّت ويأتي ما يغيّرها ~ فيخلق العهد من هند وأسماء
والقولُ كالخلقِ من سَيْء ومن حسَن ~ والناسُ كالدّهرِ من نور وظَلماءِ
يُقالُ إن زمانا يَستقِيد لهم ~ حتى يبَدِّلَ من بؤس بنعماء
ويوجد الصقر في الدرماء معتقداً ~ رأيَ امرىء القيس في عمرو بن درماء
ولست أحسبُ هذا كائناً أبداً ~ فابغ الورود لنفس ذات أظماء
أبيات الشاعر أبو العلاء المعري

إذا صاحبت في أيام بؤس

إذا صاحبت في أيام بؤس ~ فلا تنس المودة في الرخاء
ومن يعدم أخوه على غناه ~ فما أدى الحقيقة في الإخاء
ومن جعلَ السخاء لأقربِيه ~ فليس بعارف طرق السخاء
أبيات الشاعر أبو العلاء المعري