أبو الحصينِ جالَ في السفينهْ | فعرفَ السمينَ والسمينه |
يقولُ: إنّ حاله استحالا | وإنّ ما كان قديماً زالا |
لكونِ ما حلَّ من المصائبِ | من غضبِ اللهِ على الثعالبِ |
ويغلظُ الأيمانَ للديوكِ | لِما عَسَى يَبقى من الشكوك |
بأَنهمْ إن نَزَلوا في الأَرضِ | يَرَوْنَ منه كلَّ شيءٍ يُرْضِي |
قيل: فلمّا تركوا السفينه | مشى مع السمينِ والسمينه |
حتى إذا نصفوا الطريقا | لم يبقِ منهمْ حولهُ رفيقا |
وقال: إذْ قالوا عَديمُ الدِّينِ | لا عَجَبٌ إن حَنَثَتْ يَميني |
فإنما نحن بَني الدَّهاءِ | نَعْمَلُ في الشِّدّة ِ للرَّخاءِ |
ومَنْ تخاف أَن يَبيعَ دينَهْ | تَكفيكَ منه صُحْبَة ُ السفينه! |
شعر احمد شوقي
أبيات شعر مختارة لأمير الشعراء الشاعر المصري الكبير أحمد شوقي.
سعي الفتى في عيشه عباده
سعْيُ الفَتى في عَيْشِهِ عِبادَة | وقائِدٌ يَهديهِ للسعادة |
لأَنّ بالسَّعي يقومُ الكوْنُ | والله للسَّاعِينَ نِعْمَ العَونُ |
فإن تشأ فهذه حكاية | تعدُّ في هذا المقامِ غاية |
كانت بأرضِ نملة ٌ تنبالهْ | لم تسلُ يوماً لذة َ البطالة |
واشتهرتْ في النمل بالتقشُّف | واتَّصفَتْ بالزُّهْدِ والتَّصَوُّفِ |
لكن يقومُ الليْلَ مَن يَقتاتُ | فالبطْنُ لا تَملؤُه الصلاة ُ |
والنملُ لا يَسعَى إليهِ الحبُّ | ونملتي شقَّ عليها الدأبُ |
فخرجَتْ إلى التِماسِ القوتِ | وجعلتْ تطوفُ بالبيوتِ |
تقولُ: هل من نَملة ٍ تَقِيَّهْ | تنعمُ بالقوتِ لذي الوليهْ |
لقد عَيِيتُ بالطِّوى المُبَرِّحِ | ومُنذ ليْلتيْن لم أُسَبِّحِ |
فصاحتِ الجاراتُ يا للعارِ | لم تتركِ النملة ُ للصرصارِ |
متى رضينا مثلَ هذي الحالِ | متى مددنا الكفَّ للسؤالِ |
ونحن في عين الوجودِ أمَّة | ذاتُ اشتِهارٍ بعُلوِّ الهمّة |
نحملُ ما لا يصبرُ الجمالُ | عن بعضِه لو أَنها نِمالُ |
أَلم يقلْ من قولُه الصوابُ | ما عِندنا لسائلٍ جَوابُ |
فامضي، فإنَّا يا عجوزَ الشُّومِ | نرى كمالَ الزهدِ أن تصومي |
يمامة كانت بأعلى الشجرة
يمامة ٌ كانت بأَعلى الشَّجرة | آمنة ً في عشِّها مستترة |
فأَقبلَ الصَّيّادُ ذات يَومِ | وحامَ حولَ الروضِ أيَّ حومِ |
فلم يجِدْ للطَّيْر فيه ظِلاَّ | وهمَّ بالرحيلِ حينَ مَلاَّ |
فبرزتْ من عشِّها الحمقاءُ | والحمقُ داءٌ ما له دواءُ |
تقولُ جهلا بالذي سيحدثُ | يا أيُّها الإنسانُ، عَمَّ تبحث |
فالتَفَتَ الصيادُ صوبَ الصوتِ | ونَحوهَ سدَّدَ سهْمَ الموتِ |
فسَقَطَت من عرشِها المَكينِ | ووقعت في قبضة ِ السكينِ |
تقول قولَ عارف محقق | مَلكْتُ نفْسِي لو مَلكْتُ مَنْطِقي |
كان لبعض الناس ببغاء
كان لبعض الناسِ ببغاءُ | ما ملَّ يوماً نطقها الإصغاءُ |
رفيعة القدْرِ لَدَى مولاها | وكلُّ مَنْ في بيتِه يهواها |
وكان في المنزل كلبٌ عالي | أرخصتهُ وجودُ هذا الغالي |
كذا القليلُ بالكثيرِ ينقصُ | والفضلُ بعضُه لبعضٍ مُرْخِصُ |
فجاءَها يوماً على غِرارِ | وقلبُهُ من بُغضِها في نارِ |
وقال: يا مليكة َ الطُّيورِ | ويا حياة َ الأنسِ والسرورِ |
بحسنِ نطقكِ الذي قد أصبى | إلا أَرَيْتنِي اللِّسانَ العذْبا |
لأَنني قد حِرْتُ في التفكُّر | لمَّا سمعتُ أنه من سكُّر |
فأَخْرَجتْ من طيشِها لسانها | فعضَّهُ بنابه، فشانها |
ثم مضى من فوره يصيحُ | قطعتُه لأنه فصِيحُ |
وما لها عنديَ من ثأْرٍ يُعدّ | غيرَ الذي سمَّوْهُ قِدْماً بالحسدْ |
كان لبعضهم حمار وجمل
كان لبعضهمْ حمارٌ وجملْ | نالهما يوماً من الرقّ مللْ |
فانتظرَا بَشائِرَ الظَّلماءِ | وانطَلقا معاً إلى البَيْداءِ |
يجتليان طلعة َ الحريَّهْ | وينشقانِ ريحها الزكيَّهْ |
فاتفقا أن يقضيا العمرَ بها | وارتضَيا بمائِها وعُشبِها |
وبعدَ ليلة ٍ من المسيرِ | التفت الحِمارُ لِلبعيرِ |
وقال: كربٌ يا أَخي عظيمُ | فقفْ، فمشي كلَّهُ عقيمُ |
فقال: سَلْ فِداكَ أُمِّي وأَبي | عسى تَنالُ بي جليلَ المطلبِ |
قال: انطلقْ معي لإدراكِ المُنى | أَو انتظِر صاحبَكَ الحرَّ هنا |
لابدّ لي من عودة للبلد | لأَنني تركتُ فيه مِقوَدِي |
فقال سر والزَمْ أَخاك الوتِدا | فإنما خُلِقْتَ كي تُقيَّدا |
غزالة مرت على أتان
غزالة ٌ مرَّتْ على أتانِ | تُقبِّلُ الفَطِيمَ في الأَسنانِ |
وكان خلف الظَّبْية ِ ابنُها الرَّشا | بودِّها لو حملهُ في الحشا |
ففعلتْ بسيِّد الصِّغارِ | فِعْلَ الأَتَانِ بکبنِها الحمارِ |
فأَسرع الحمارُ نحوَ أُمِّهِ | وجاءها والضحكُ ملءُ فمهِ |
يصيحُ: يا أُمّاه ماذا قد دَها | حتى الغزالة ُ استَخفَّت ابنَها |