كانَ لِلغربانِ في العصرِ مَلِيكْ

كانَ لِلغربانِ في العصرِ مَلِيكْ وله في النخلة ِ الكبرى أريكْ
فيه كرسيٌّ، وخِدْرٌ، ومُهودْ لصغارِ الملك أصحابِ العهود
جاءهُ يوماً ندورُ الخادمُ وهوَ في البابِ الأمينُ الحازمُ
قال: يا فرعَ الملوكِ الصالحينْ أنت ما زلتَ تحبُّ الناصحينْ
سوسة ٌ كانت على القصرِ تدورْ جازتْ القصرَ، ودبتْ في الجدور
فابعث الغربانَ في إهلاكها قبلَ أن نهلكَ في أشراكها
ضحكَ السلطانُ من هذا المقال ثم أدنى خادمَ الخير، وقال:
أنا ربُّ الشوكة ِ الضافي الجناح أنا ذو المنقارِ، غلاَّبُ الرياح
أَنا لا أَنظُرُ في هَذي الأُمور أَنا لا أُبصِرُ تَحتي بانُدور
ثُمَّ لَمّا كانَ عامٌ بَعدَ عام قامَ بَينَ الريحِ وَالنَخلِ خِصام
وَإِذا النَخلَةُ أَقوى جِذعُها فَبَدا لِلريحِ سَهلاً قَلعُها
فهوتْ للأرضِ كالتلِّ الكبير وَهَوَى الديوانُ، وانقضَّ السَّرير
فدها السلطان ذا الخطبُ المهول ودعا خادمه الغالي يقول:
يا ندورَ الخير، أسعفْ بالصياح ما تَرى ما فعلَتْ فينا الرياح؟
قال: يا مولايَ، لا تسأل ندور أنا لا أنظر في هذي الأمور!

ظبيٌ رأى صورتهْ في الماء

ظبيٌ رأى صورتهْ في الماء فرفع الرأْسَ إلى السماءِ
وقال يا خالِقَ هذا الجيدِ زنهُ بعقدِ اللؤلؤ النَّضيدِ
فسمعَ الماءَ يقولُ مفصحا طلبْتَ يا ذا الظَّبْيُ ما لن تُمنَحا
إنّ الذي أعطاكَ هذا الجيدا لم يُبق في الحسنِ له مَزيدا
لو أن حسنهُ على النحورِ لم يخرج الدُّر من البحورِ
فافتتَن الظبيُ بِذِي المقالِ وزادهُ شوقاً إلى اللآلي
ولم يَنلهُ فمُهُ السقيمُ فعاش دهراً في الفَلا يَهيم
حتى تَقضَّى العمرُ في الهُيامِ وهجْرِ طِيبِ النَّومِ والطعام
فسارَ نحو الماءِ ذاتَ مرهْ يَشكو إليه نفعَهُ وضرَّه
وبينما الجارانِ في الكلام أقبلَ راعي الدَّيرِ في الظلام
يتبعه حيثُ مشى خنزيرُ في جِيدِهِ قِلادة ٌ تُنير
فاندفع الظبيُ لذاكَ يبكي وقال من بعدِ انجلاءِ الشكِ
ما آفة ُ السعيِ سوى الضلالِ ما آفهُ العمرِ سوى الآمال
لولا قضاءُ الملكِ القدير لما سعى العقدُ إلى الخنزير
فالتفتَ الماءُ إلى الغزال وقال: حالُ الشيخِ شرُّ حال
لا عَجَبٌ، إن السنينَ مُوقِظهْ حفظتَ عمراً لو حفظتَ موعظهْ

لمَّا دعا داعي أبي الأشباِ

لمَّا دعا داعي أبي الأشباِ مبشِّراً بأولِ الأنجالِ
سعَتْ سباعُ الأَرضِ والسماءِ وانعقد المجلسُ للهناءِ
وصدرَ المرسومُ بالأمانِ في الأَرضِ للقاصي بها والدَّاني
فضاقَ بالذيولِ صحنُ الدار من كلِّ ذي صوفٍ وذي منقار
حتى إذا استكملَتِ الجمعيَّهْ نادى منادي اللَّيْث في المَعيَّهْ
هل من خطيبٍ محسنٍ خبيرِ يدعو بطول العمر للأمير؟
فنهض الفيلُ المشيرُ السامي وقال ما يليقُ بالمقام
ثم تلاه الثعلبُ السفيرُ ينشدُ، حتى قيلَ: ذا جرير
واندفعَ القردَ مديرُ الكاسِ فقيلَ: أحسنتَ أبا نواسِ!
وأَوْمأَ الحِمارُ بالعقيرَه يريدُ أَن يُشرِّفَ العشيره
فقال: باسمِ خالِقِ الشعيرِ وباعثِ العصا إلى الحمير!…
فأزعج الصوتُ وليَّ العهدِ فماتَ من رعديهِ في المهدِ
فحملَ القومُ على الحمارِ بجملة ِ الأنيابِ والأظفار
وانتُدبَ الثَّعلبُ لِلتأبينِ فقال في التعريضِ بالمسكينِ:
لا جعَلَ الله له قرارا عاشَ حِماراً ومضى حمارا!

نظرَ الليثُ إلى عجلٍ سمينْ

نظرَ الليثُ إلى عجلٍ سمينْ كان بالقربِ على غيْطٍ أَمينْ
فاشتهتْ من لحمه نفسُ الرئيس وكذا الأنفسُ يصبيها النفيس
قال للثعلبِ: يا ذا الاحتيال رأسكَ المحبوبُ، أو ذاك الغزال!
فدعا بالسعدِ والعمرِ الطويل ومضى في الحالِ للأمرِ الجليل
وأتى الغيظَ وقد جنَّ الظلام فأرى العجلَ فأهداهُ السلام
قائلاً: يا أيها الموْلى الوزيرْ أنت أهلُ العفوِ والبرِّ الغزير
حملَ الذئبَ على قتلي الحسد فوشَى بي عندَ مولانا الأَسد
فترامَيْتُ على الجاهِ الرفيع وهْوَ فينا لم يزَل نِعمَ الشَّفيع!
فبكى المغرورُ من حالِ الخبيث ودنا يسأَلُ عن شرح الحديث
قال: هل تَجهلُ يا حُلْوَ الصِّفات أَنّ مولانا أَبا الأَفيالِ مات؟
فرأَى السُّلطانُ في الرأْس الكبير ولأَمْرِ المُلكِ ركناً يُذخر
ولقد عدُّوا لكم بين الجُدود مثل آبيسَ ومعبودِ اليهود
فأَقاموا لمعاليكم سرِير عن يمين الملكِ السامي الخطير
واستَعدّ الطير والوحشُ لذاك في انتظار السيدِ العالي هناك
فإذا قمتمْ بأَعباءِ الأُمورْ وانتَهى الأُنسُ إليكم والسرورْ
برِّئُوني عندَ سُلطانِ الزمان واطلبوا لي العَفْوَ منه والأمان
وكفاكم أنني العبدُ المطيع أخدمُ المنعمَ جهدَ المستطيع
فأحدَّ العجلُ قرنيه، وقال: أَنت مُنذُ اليومِ جاري، لا تُنال!
فامْضِ واكشِفْ لي إلى الليثِ الطريق أنا لا يشقى لديه بي رفيق
فمَضى الخِلاَّنِ تَوّاً للفَلاه ذا إلى الموتِ، وهذا للحياه
وهناك ابتلعَ الليثُ الوزير وحبا الثعلبَ منه باليسير
فانثنى يضحكُ من طيشِ العُجولْ وجَرى في حَلْبَة ِ الفَخْر يقولْ:
سلمَ الثعلبُ بالرأسِ الصغير فقداه كلُّ ذي رأسٍ كبير!

مر الغراب بشاة

مرَّ الغرابُ بشاة ٍقد غابَ عنها الفطيمُ
تقولُ والدمعُ جاروالقلبُ منها كلِيم
يا ليْت شِعْريَ يا کبنِيوواحِدِي، هل تَدوم
وهل تكونُ بجَنْبيعداً على ما أروم
فقال: يا أمَّ سعدٍهذا عذابُ أليم
فكَّرتِ في الغَدِ، والفِكـرُ مقعدٌ ومقيم
لكلِّ يومٍ خُطُوبٌتكفي، وشُغلٌ عظيم
وبينما هُوَ يهذِيأتى النَّعيُّ الذَّميم
يقول: خَلَّفْتُ سعْداًوالعظمُ منه هشيم
رأَى منَ الذِّئْبِ ما قدرأَى أَبوه الكريم
فقال ذو البَيْنِ للأُم حين ولَّتْ تَهيم
إن الحكيمَ نبيُّلسانه معصوم
ألم أقلْ لكِ توالكل يومٍ هُموم
قالت صدقتَ ولكِنْهذا الكلامُ قديم
فإن قَوْميَ قالواوجْهُ الغُراب مَشوم
أبيات شعر أحمد شوقي

وقف الهدهد في باب سليمان بذله

وقفَ الهُدْهُدُ في با بِ سليمانَ بذلِّهْ
قال: يا مولايَ، كن لي عشتي صارت مملَّه
متُّ من حَبَّة ِ بُرٍّ أحدثتْ في الصدر علَّه
لا مياهُ النيلِ ترويـ ـها، ولا أَمواهُ دِجْله
وإذا دامت قليلا قتلتْني شرَّ قِتْلَه
فأشار السيد العا لي غلى من كان حوله:
قد جنى الهدهدُ ذنباً وأتى في اللؤوم فعله
تِلك نارُ الإثمِ في الصَّدْ رِ، وذي الشكوى تَعِلَّه
ما أرى الحبة إلا سُرِقت من بيتِ نمله
إن للظالم صَدْراً يشتكي من غير عله