سُنونٌ تُعادُ وَدَهرٌ يُعيد | لَعَمرُكَ ما في اللَيالي جَديد |
أَضاءَ لِآدَمَ هَذا الهِلالُ | فَكَيفَ تَقولُ الهِلالُ الوَليد |
نَعُدُّ عَلَيهِ الزَمانَ القَريبَ | وَيُحصي عَلَينا الزَمانَ البَعيد |
عَلى صَفحَتَيهِ حَديثُ القُرى | وَأَيّامُ عادٍ وَدُنيا ثَمود |
وَطيبَةُ آهِلَةٌ بِالمُلوكِ | وَطيبَةُ مُقفِرَةٌ بِالصَعيد |
يَزولُ بِبَعضِ سَناهُ الصَفا | وَيَفنى بِبَعضِ سَناهُ الحَديد |
وَمِن عَجَبٍ وَهوَ جَدُّ اللَيالي | يُبيدُ اللَيالِيَ فيما يُبيد |
يَقولونَ يا عامُ قَد عُدتَ لي | فَيالَيتَ شِعري بِماذا تَعود |
لَقَد كُنتَ لي أَمسِ ما لَم أُرِد | فَهَل أَنتَ لي اليَومَ ما لا أُريد |
وَمَن صابَرَ الدَهرَ صَبري لَهُ | شَكا في الثَلاثينَ شَكوى لَبيد |
ظَمِئتُ وَمِثلي بَرِيٍّ أَحَقُّ | كَأَنّي حُسَينٌ وَدَهري يَزيد |
تَغابَيتُ حَتّى صَحِبتُ الجَهولَ | وَدارَيتُ حَتّى صَحِبتُ الحَسود |
امير الشعراء
هو لقب للشاعر الكبير أحمد شوقي وهو شاعر مصري من شعراء العصر الحديث.
لقد لامني يا هند في الحب لائم
لَقَد لامَني يا هِندُ في الحُبِّ لائِمٌ | مُحِبٌّ إِذا عُدَّ الصِحابُ حَبيبُ |
فَما هُوَ بِالواشي عَلى مَذهَبِ الهَوى | وَلا هُوَ في شَرعِ الوِدادِ مُريبُ |
وَصَفتُ لَهُ مَن أَنتِ ثُمَّ جَرى لَنا | حَديثٌ يَهُمُّ العاشِقينَ عَجيبُ |
وَقُلتُ لَه صَبراً فَكُلُّ أَخي هَوى | عَلى يَدِ مَن يَهوى غَداً سَيَتوبُ |
قف بطوكيو وطف على يوكاهامه
قِف بِطوكِيو وَطُف عَلى يوكاهامَه | وَسَلِ القَريَتَينِ كَيفَ القِيامَة |
دَنَتِ الساعَةُ الَّتي أُنذِرَ الناسُ | وَحَلَّت أَشراطُها وَالعَلامَة |
قِف تَأَمَّل مَصارِعَ القَومِ وَاِنظُر | هَل تَرى دِيارَ عادٍ دِعامَة |
خُسِفَت بِالمَساكِنِ الأَرضُ خَسفاً | وَطَوى أَهلُها بِساطَ الإِقامَة |
طَوَّفَت بِالمَدينَتَينِ المَنايا | وَأَدارَ الرَدى عَلى القَومِ جامَة |
لا تَرى العَينُ مِنهُما أَينَ جالَت | غَيرَ نِقضٍ أَو رِمَّةٍ أَو حُطامَه |
حازَهُم مِن مَراجِلِ الأَرضِ قَبرٌ | في مَدى الظَنِّ عُمقُهُ أَلفُ قامَة |
تَحسَبُ المَيتَ في نَواحيهِ يُعي | نَفخَةَ الصورِ أَن تَلُمَّ عِظامَه |
أَصبَحوا في ذَرا الحَياةِ وَأَمسَوا | ذَهَبَت ريحُهُم وَشالوا نَعامَه |
ثِق بِما شِئتَ مِن زَمانِكَ إِلّا | صُحبَةَ العَيشِ أَو جِوارَ السَلامَة |
دَولَةُ الشَرقِ وَهيَ في ذِروَةِ العِزِّ | تَحارُ العُيونُ فيها فَخامَة |
خانَها الجَيشُ وَهوَ في البَرِّ دِرعٌ | وَالأَساطيلُ وَهيَ في البَحرِ لامَه |
لَو تَأَمَّلتَها عَشِيَّةَ جاشَت | خِلتَها في يَدِ القَضاءِ حَمامَة |
رَجَّها رَجَّةً أَكَبَّت عَلى قَرتَيهِ | بوذا وَزَلزَلَت أَقدامَه |
اِستَعَذنا بِاللَهِ مِن ذَلِكَ السَيلِ | الَّذي يَكسَحُ البِلادَ أَمامَه |
مَن رَأى جَلمَداً يَهُبُّ هُبوباً | وَحَميماً يَسُحَّ سَحَّ الغَمامَة |
وَدُخاناً يَلُفُّ جُنحاً بِجُنحٍ | لا تَرى فيهِ مِعصَمَيها اليَمامَة |
وَهَزيماً كَما عَوى الذِئبُ في كُللِ | مَكانٍ وَزَمجَرَ الضِرغامَة |
أَتَتِ الأَرضُ وَالسَماءُ بِطوفانٍ | يُنَسّي طوفانَ نوحٍ وَعامَه |
فَتَرى البَحرَ جُنَّ حَتّى أَجازَ البَرَّ | وَاِحتَلَّ مَوجُهُ أَعلامَه |
مُزبِداً ثائِرَ اللُجاجِ كَجَيشٍ | قَوَّضَ العاصِفُ الهَبوبُ خِيامَه |
فُلكُ نوحٍ تَعوذُ مِنهُ بِنوحٍ | لَو رَأَتهُ وَتَستَجيرُ زِمامَه |
قَد تَخَيَّلتُهُم مَتابيلَ سِحرٍ | مِن قِراعِ القَضاءِ صَرعى مُدامَه |
وَتَخَيَّلتُ مَن تَخَلَّفَ مِنهُمُ | ظَنَّ لَيلَ القِيامِ ذاكَ فَنامَه |
أَبَراكينُ تِلكَ أَم نَزَواتٌ | مِن جِراحٍ قَديمَةٍ مُلتامَه |
تَجِدُ الأَرضَ راحَةً حَيثُ سالَت | راحَةُ الجِسمِ مِن وَراءِ الحَجامَة |
ما لَها لا تَضِجُّ مِمّا أَقَلَّت | مِن فَسادٍ وَحُمِّلَت مِن ظُلامَه |
كُلَّما لُبِّسَت بِأَهلِ زَمانٍ | شَهِدَت مِن زَمانِهِم آثامَه |
اِستَوَوا بِالأَذى ضِرِيّاً وَبِالشَررِ | وُلوعاً وَبِالدِماءِ نَهامَه |
لَبَّسَت هَذِهِ الحَياةُ عَلَينا | عالَمَ الشَرِّ وَحشَهُ وَأَنامَه |
ذاكَ مِن مُؤنِساتِهِ الظُفرُ وَالنابُ | وَهَذا سِلاحُهُ الصَمصامَة |
سَرَّهُ مِن أُسامَةَ البَطشُ وَالفَتكُ | فَسَمّى وَليدَهُ بِأُسامَة |
لَؤُمَت مِنهُما الطِباعُ وَلَكِن | وَلَدُ العاصِيَينِ شَرٌّ لَآمَه |
رأيت على لوح الخيال يتيمة
رَأَيتُ عَلى لَوحِ الخَيالِ يَتيمَةً | قَضى يَومَ لوسيتانيا أَبَواها |
فَيا لَكَ مِن حاكٍ أَمينٍ مُصَدَّقٍ | وَإِن هاجَ لِلنَفسِ البُكا وَشَجاها |
فَواهاً عَلَيها ذاقَتِ اليُتمَ طِفلَةً | وَقُوِّضَ رُكناها وَذَلَّ صِباها |
وَلَيتَ الَّذي قاسَت مِنَ المَوتِ ساعَةً | كَما راحَ يَطوي الوالِدَينِ طَواها |
كَفَرخٍ رَمى الرامي أَباهُ فَغالَهُ | فَقامَت إِلَيهِ أُمُّهُ فَرَماها |
فَلا أَبَ يَستَذري بِظِلِّ جَناحِهِ | وَلا أُمَّ يَبغي ظِلَّها وَذَراها |
وَدَبّابَةٍ تَحتَ العُبابِ بِمَكمَنٍ | أَمينٍ تَرى الساري وَلَيسَ يَراها |
هِيَ الحوتُ أَو في الحوتِ مِنها مَشابِهٌ | فَلَو كانَ فولاذاً لَكانَ أَخاها |
أَبَثُّ لِأَصحابِ السَفينِ غَوائِلاً | وَأَلأَمُ ناباً حينَ تَفغَرُ فاها |
خَئونٌ إِذا غاصَت غَدورٌ إِذا طَفَت | مُلَعَّنَةٌ في سَبحِها وَسُراها |
تُبَيِّتُ سُفنَ الأَبرِياءِ مِنَ الوَغى | وَتَجني عَلى مَن لا يَخوضُ رَحاها |
فَلَو أَدرَكَت تابوتُ موسى لَسَلَّطَت | عَلَيهِ زُباناها وَحَرَّ حُماها |
وَلَو لَم تُغَيَّب فُلكُ نوحٍ وَتَحتَجِب | لَما أَمِنَت مَقذوفَها وَلَظاها |
فَلا كانَ بانيها وَلا كانَ رَكبُها | وَلا كانَ بَحرٌ ضَمَّها وَحَواها |
وَأُفٍّ عَلى العِلمِ الَّذي تَدَّعونَهُ | إِذا كانَ في عِلمِ النُفوسِ رَداها |
عرضوا الأمان على الخواطر
عَرَضوا الأَمانَ عَلى الخَواطِر | وَاِستَعرَضوا السُمرَ الخَواطِر |
فَوَقَفتُ في حَذَرٍ وَيَأبى | القَلبُ إِلّا أَن يُخاطِر |
يا قَلبُ شَأنَكَ وَالهَوى | هَذي الغُصونُ وَأَنتَ طائِر |
إِنَّ الَتي صادَتكَ تَسعى | بِالقُلوبِ لَها النَواظِر |
يا ثَغرَها أَمسَيتُ كَال | غَوّاصِ أَحلُمُ بِالجَواهِر |
يا لَحظَها مَن أُمُّها | أَو مَن أَبوها في الجَآذِر |
يا شَعرَها لا تَسعَ في | هَتكي فَشَأنُ اللَيلِ ساتِر |
يا قَدَّها حَتّامَ تَغدو | عاذِلاً وَتَروحُ جائِر |
وَبِأَيِّ ذَنبٍ قَد طَعَنتَ | حَشايَ يا قَدَّ الكَبائِر |
عفيف الجهر والهمس
عَفيفُ الجَهرِ وَالهَمسِ | قَضى الواجِبَ بِالأَمسِ |
وَلَم يَعرِض لِذي حَقٍّ | بِنُقصانٍ وَلا بَخسِ |
وَعِندَ الناسِ مَجهولٌ | وَفي أَلسُنِهِم مَنسي |
وَفيهِ رِقَّةُ القَلبِ | لِآلامِ بَني الجِنسِ |
فَلا يَغبِطُ ذا نُعمى | وَيَرثي لِأَخي البُؤسِ |
وَلِلمَحرومِ وَالعافي | حَوالَي زادِهِ كُرسي |
وَما نَمَّ وَلا هَمَّ | بِبَعضِ الكَيدِ وَالدَسِّ |
يَنامُ اللَيلَ مَسروراً | قَليلَ الهَمِّ وَالهَجسِ |
وَيُصبِحُ لا غُبارَ عَلى | سَريرَتِهِ كَما يُمسي |
فَيا أَسعَدَ مَن يَمشي | عَلى الأَرضِ مِنَ الإِنسِ |
وَمَن طَهَّرَهُ اللَهُ | مِنَ الريبَةِ وَالرِجسِ |
أَنِل قَدرِيَ تَشريفاً | وَهَب لي قُربَكَ القُدسي |
عَسى نَفسُكَ أَن تُدمَجَ | في أَحلامِها نَفسي |
فَأَلقى بَعضَ ما تَلقى | مِنَ الغِبطَةِ وَالأُنسِ |