لِكُلِّ زَمانٍ مَضى آيَةٌ – وَآيَةُ هَذا الزَمانِ الصُحُف |
لِسانُ البِلادِ وَنَبضُ العِبادِ – وَكَهفُ الحُقوقِ وَحَربُ الجَنَف |
تَسيرُ مَسيرَ الضُحى في البِلادِ – إِذا العِلمُ مَزَّقَ فيها السَدَف |
وَتَمشي تُعَلِّمُ في أُمَّةٍ – كَثيرَةِ مَن لا يَخُطُّ الأَلِف |
فَيا فِتيَةَ الصُحفُ صَبراً إِذا – نَبا الرِزقُ فيها بِكُم وَاِختَلَف |
فَإِنَّ السَعادَةَ غَيرُ الظُهورِ – وَغَيرُ الثَراءِ وَغَيرُ التَرَف |
وَلَكِنَّها في نَواحي الضَميرِ – إِذا هُوَ بِاللَومِ لَم يُكتَنَف |
خُذوا القَصدَ وَاِقتَنِعوا بِالكَفافِ – وَخَلّوا الفُضولَ يَغِلها السَرَف |
وَروموا النُبوغَ فَمَن نالَهُ – تَلَقّى مِنَ الحَظِّ أَسنى التُحَف |
وَما الرِزقُ مُجتَنِبٌ حِرفَةً – إِذا الحَظُّ لَم يَهجُرِ المُحتَرِف |
إِذا آخَتِ الجَوهَرِيَّ الحُظوظُ – كَفَلنَ اليَتيمَ لَهُ في الصَدَف |
وَإِن أَعرَضَت عَنهُ لَم يَحلُ في – عُيونِ الخَرائِدِ غَيرُ الخَزَف |
رَعى اللَهُ لَيلَتَكُم إِنَّها – تَلَت عِندَهُ لَيلَةَ المُنتَصَف |
لَقَد طَلَعَ البَدرُ مِن جُنحِها – وَأَوما إِلى صُبحِها أَن يَقِف |
جَلَوتُم حَواشِيَها بِالفُنونِ – فَمِن كُلِّ فَنٍّ جَميلٍ طَرَف |
فَإِن تَسأَلوا ما مَكانُ الفُنونِ – فَكَم شَرَفٍ فَوقَ هَذا الشَرَف |
أَريكَةُ مولِييرَ فيما مَضى – وَعَرشُ شِكِسبيرَ فيما سَلَف |
وَعودُ اِبنِ ساعِدَةٍ في عُكاظَ – إِذا سالَ خاطِرُهُ بِالطُرَف |
فَلا يَرقَيَن فيهِ إِلّا فَتىً – إِلى دَرَجاتِ النُبوغِ اِنصَرَف |
تُعَلِّمُ حِكمَتُهُ الحاضِرينَ – وَتُسمِعُ في الغابِرينَ النُطَف |
حَمَدنا بَلاءَكُمُ في النِضالِ – وَأَمسُ حَمَدنا بَلاءَ السَلَف |
وَمَن نَسِيَ الفَضلَ لِلسابِقينَ – فَما عَرَفَ الفَضلَ فيما عَرَف |
أَلَيسَ إِلَيهِم صَلاحُ البِناءِ – إِذا ما الأَساسُ سَما بِالغُرَف |
فَهَل تَأذَنونَ لِذي خِلَّةٍ – يَفُضُّ الرَياحينَ فَوقَ الجِيَف |
فَأَينَ اللِواءُ وَرَبُّ اللِواءِ – إِمامُ الشَبابِ مِثالُ الشَرَف |
وَأَينَ الَّذي بَينَكُم شِبلُهُ – عَلى غايَةِ الحَقِّ نِعمَ الخَلَف |
وَلا بُدَّ لِلغَرسِ مِن نَقلِهِ – إِلى مَن تَعَهَّدَ أَو مَن قَطَف |
فَلا تَجحَدَنَّ يَدَ الغارِسينَ – وَهَذا الجَنى في يَدَيكَ اِعتَرَف |
أُولَئِكَ مَرّوا كَدودِ الحَريرِ – شَجاها النَفاعُ وَفيهِ التَلَف |
الشاعر احمد شوقي
أمير الشعراء أحمد شوقي قصائد مميزة ومجموعة أشعار أحمد شوقي هنا.
ضج الحجاز وضج البيت والحرم
ضَجَّ الحِجازُ وَضَجَّ البَيتُ وَالحَرَمُ – وَاِستَصرَخَت رَبَّها في مَكَّةَ الأُمَمُ |
قَد مَسَّها في حِماكَ الضُرُّ فَاِقضِ لَها – خَليفَةَ اللَهِ أَنتَ السَيِّدُ الحَكَمُ |
لَكَ الرُبوعُ الَّتي ريعَ الحَجيجُ بِها – أَلِلشَريفِ عَلَيها أَم لَكَ العَلَمُ |
أُهينَ فيها ضُيوفُ اللَهِ وَاِضطُهِدوا – إِن أَنتَ لَم تَنتَقِم فَاللَهُ مُنتَقِمُ |
أَفي الضُحى وَعُيونُ الجُندِ ناظِرَةٌ – تُسبى النِساءُ وَيُؤذى الأَهلُ وَالحَشَمُ |
وَيُسفِكُ الدَمُ في أَرضٍ مُقَدَّسَةٍ – وَتُستَباحُ بِها الأَعراضُ وَالحُرَمُ |
يَدُ الشَريفِ عَلى أَيدي الوُلاةِ عَلَت – وَنَعلُهُ دونَ رُكنِ البَيتِ تُستَلَمُ |
نَيرونُ إِن قيسَ في بابِ الطُغاةِ بِهِ – مُبالَغٌ فيهِ وَالحَجّاجُ مُتَّهَمُ |
أَدِّبهُ أَدِّب أَميرَ المُؤمِنينَ فَما – في العَفوِ عَن فاسِقٍ فَضلٌ وَلا كَرَمُ |
لا تَرجُ فيهِ وَقاراً لِلرَسولِ فَما – بَينَ البُغاةِ وَبَينَ المُصطَفى رَحِمُ |
اِبنُ الرَسولِ فَتىً فيهِ شَمائِلُهُ – وَفيهِ نَخوَتُهُ وَالعَهدُ وَالشَمَمُ |
ما كانَ طَهَ لِرَهطِ الفاسِقينَ أَباً – آلَ النَبِيِّ بِأَعلامِ الهُدى خُتِموا |
خَليفَةَ اللَهِ شَكوى المُسلِمينَ رَقَت – لِسُدَّةِ اللَهِ هَل تَرقى لَكَ الكَلِمُ |
الحَجُّ رُكنٌ مِنَ الإِسلامِ نُكبِرُهُ – وَاليَومَ يوشِكُ هَذا الرُكنُ يَنهَدِمُ |
مِنَ الشَريفِ وَمِن أَعوانِهِ فَعَلَت – نُعمى الزِيادَةِ ما لا تَفعَلُ النِقَمُ |
عَزَّ السَبيلُ إِلى طَهَ وَتُربَتِهِ – فَمَن أَرادَ سَبيلاً فَالطَريقُ دَمُ |
مُحَمَّدٌ رُوِّعتَ في القَبرِ أَعظَمُهُ – وَباتَ مُستَأمَناً في قَومِهِ الصَنَمُّ |
وَخانَ عَونُ الرَفيقِ العَهدَ في بَلَدٍ – مِنهُ العُهودُ أَتَت لِلناسِ وَالذِمَمُ |
قَد سالَ بِالدَمِ مِن ذَبحٍ وَمِن بَشَرٍ – وَاِحمَرَّ فيهِ الحِمى وَالأَشهُرُ الحُرُمُ |
وَفُزِّعَت في الخُدورِ الساعِياتُ لَهُ – الداعِياتُ وَقُربُ اللَهِ مُغتَنَمُ |
آبَت ثَكالى أَيامى بَعدَ ما أَخَذَت – مِن حَولِهِنَّ النَوى وَالأَينُقُ الرَسُمُ |
حُرِمنَ أَنوارَ خَيرِ الخَلقِ مِن كَثَبٍ – فَدَمعُهُنَّ مِنَ الحِرمانِ مُنسَجِمُ |
أَيُّ الصَغائِرِ في الإِسلامِ فاشِيَةً – تودى بِأَيسَرِها الدَولاتُ وَالأُمَمُ |
يَجيشُ صَدري وَلا يَجري بِها قَلَمي – وَلَو جَرى لَبَكى وَاِستَضحَكَ القَلَمُ |
أَغضَيتُ ضَنّاً بِعِرضي أَن أَلَمَّ بِهِ – وَقَد يَروقُ العَمى لِلحُرِّ وَالصَمَمِ |
مَوِّه عَلى الناسِ أَو غالِطهُمُ عَبَثاً – فَلَيسَ تَكتُمُهُم ما لَيسَ يَنكَتِمُ |
مِنَ الزِيادَةِ في البَلوى وَإِن عَظُمَت – أَن يَعلَمَ الشامِتونَ اليَومَ ما عَلِموا |
كُلُّ الجِراحِ بِآلامٍ فَما لَمَسَت – يَدُ العَدُوِّ فَثَمَّ الجُرحُ وَالأَلَمُ |
وَالمَوتُ أَهوَنُ مِنها وَهيَ دامِيَةٌ – إِذا أَساها لِسانٌ لِلعِدى وَفَمُ |
رَبَّ الجَزيرَةِ أَدرِكها فَقَد عَبَثَت – بِها الذِئابُ وَضَلَّ الراعِيَ الغَنَمُ |
إِنَّ الَّذينَ تَوَلَّوا أَمرَها ظَلَموا – وَالظُلمُ تَصحَبُهُ الأَهوالُ وَالظُلَمُ |
في كُلِّ يَومٍ قِتالٌ تَقشَعِرُّ لَهُ – وَفِتنَةٌ في رُبوعِ اللَهِ تَضطَرِمُ |
أَزرى الشَريفُ وَأَحزابُ الشَريفِ بِها – وَقَسَّموها كَإِرثِ المَيتِ وَاِنقَسَموا |
لا تُجزِهِم عَنكَ حُلماً وَاِجزِهِم عَنَتاً – في الحِلمِ ما يَسَمُ الأَفعالَ أَو يَصِمِ |
كَفى الجَزيرَةَ ما جَرّوا لَها سَفَهاً – وَما يُحاوِلُ مِن أَطرافِها العَجَمُ |
تِلكَ الثُغورُ عَلَيها وَهيَ زينَتُها – مَناهِلٌ عَذُبَت لِلقَومِ فَاِزدَحَموا |
في كُلِّ لُجٍّ حَوالَيها لَهُم سُفُنٌ – وَفَوقَ كُلِّ مَكانٍ يابِسٍ قَدَمُ |
والاهُمُ أُمَراءُ السوءِ وَاِتَّفَقوا – مَعَ العُداةِ عَلَيها فَالعُداةُ هُمُ |
فَجَرِّدِ السَيفَ في وَقتٍ يُفيدُ بِهِ – فَإِنَّ لِلسَيفِ يَوماً ثُمَّ يَنصَرِمُ |
خدعوها بقولهم حسناء
خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ – وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَناءُ |
أَتُراها تَناسَت اِسمِيَ لَمّا – كَثُرَت في غَرامِها الأَسماءُ |
إِن رَأَتني تَميلُ عَنّي كَأَن لَم – تَكُ بَيني وَبَينَها أَشياءُ |
نَظرَةٌ فَاِبتِسامَةٌ فَسَلامٌ – فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ |
يَومَ كُنّا وَلا تَسَل كَيفَ كُنّا – نَتَهادى مِنَ الهَوى ما نَشاءُ |
وَعَلَينا مِنَ العَفافِ رَقيب – تَعِبَت في مِراسِهِ الأَهواءُ |
جاذَبَتني ثَوبي العصِيَّ وَقالَت – أَنتُمُ الناسُ أَيُّها الشُعَراء |
فَاِتَّقوا اللَهَ في قُلوبِ العَذارى – فَالعَذارى قُلوبُهُنَّ هَواء |
نَظرَةٌ فَاِبتِسامَةٌ فَسَلام – فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاء |
فَفِراقٌ يَكونُ فيهِ دَواء – أَو فِراقٌ يَكونُ مِنهُ الداءُ |
قم للمعلم وفه التبجيلا
قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا ~ كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا |
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي ~ يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا |
سُبحانَكَ اللَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ ~ عَلَّمتَ بِالقَلَمِ القُرونَ الأولى |
أَخرَجتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ ~ وَهَدَيتَهُ النورَ المُبينَ سَبيلا |
وَطَبَعتَهُ بِيَدِ المُعَلِّمِ تارَةً ~ صَدِئَ الحَديدُ وَتارَةً مَصقولا |
أَرسَلتَ بِالتَوراةِ موسى مُرشِداً ~ وَاِبنَ البَتولِ فَعَلِّمِ الإِنجيلا |
وَفَجَرتَ يَنبوعَ البَيانِ مُحَمَّداً ~ فَسَقى الحَديثَ وَناوَلَ التَنزيلا |
عَلَّمتَ يوناناً وَمِصرَ فَزالَتا ~ عَن كُلِّ شَمسٍ ما تُريدُ أُفولا |
وَاليَومَ أَصبَحَتا بِحالِ طُفولَةٍ ~ في العِلمِ تَلتَمِسانِهِ تَطفيلا |
مِن مَشرِقِ الأَرضِ الشَموسُ تَظاهَرَت ~ ما بالُ مَغرِبِها عَلَيهِ أُديلا |
يا أَرضُ مُذ فَقَدَ المُعَلِّمُ نَفسَهُ ~ بَينَ الشُموسِ وَبَينَ شَرقِكِ حيلا |
ذَهَبَ الَّذينَ حَمَوا حَقيقَةَ عِلمِهِم ~ وَاِستَعذَبوا فيها العَذابَ وَبيلا |
في عالَمٍ صَحِبَ الحَياةَ مُقَيَّداً ~ بِالفَردِ مَخزوماً بِهِ مَغلولا |
صَرَعَتهُ دُنيا المُستَبِدِّ كَما هَوَت ~ مِن ضَربَةِ الشَمسِ الرُؤوسُ ذُهولا |
سُقراطُ أَعطى الكَأسَ وَهيَ مَنِيَّةٌ ~ شَفَتَي مُحِبٍّ يَشتَهي التَقبيلا |
عَرَضوا الحَياةَ عَلَيهِ وَهيَ غَباوَةٌ ~ فَأَبى وَآثَرَ أَن يَموتَ نَبيلا |
إِنَّ الشَجاعَةَ في القُلوبِ كَثيرَةٌ ~ وَوَجَدتُ شُجعانَ العُقولِ قَليلا |
إِنَّ الَّذي خَلَقَ الحَقيقَةَ عَلقَماً ~ لَم يُخلِ مِن أَهلِ الحَقيقَةِ جيلا |
وَلَرُبَّما قَتَلَ الغَرامُ رِجالَها ~ قُتِلَ الغَرامُ كَمِ اِستَباحَ قَتيلا |
أَوَكُلُّ مَن حامى عَنِ الحَقِّ اِقتَنى ~ عِندَ السَوادِ ضَغائِناً وَذُحولا |
لَو كُنتُ أَعتَقِدُ الصَليبَ وَخَطبُهُ ~ لَأَقَمتُ مِن صَلبِ المَسيحِ دَليلا |
أَمُعَلِّمي الوادي وَساسَةَ نَشئِهِ ~ وَالطابِعينَ شَبابَهُ المَأمولا |
وَالحامِلينَ إِذا دُعوا لِيُعَلِّموا ~ عِبءَ الأَمانَةِ فادِحاً مَسؤولا |
كانَت لَنا قَدَمٌ إِلَيهِ خَفيفَةٌ ~ وَرِمَت بِدَنلوبٍ فَكانَ الفيلا |
حَتّى رَأَينا مِصرَ تَخطو إِصبَعاً ~ في العِلمِ إِن مَشَتِ المَمالِكُ ميلا |
تِلكَ الكُفورُ وَحَشوُها أُمِّيَّةٌ ~ مِن عَهدِ خوفو لا تَرَ القِنديلا |
تَجِدُ الَّذينَ بَنى المِسَلَّةَ جَدُّهُم ~ لا يُحسِنونَ لِإِبرَةٍ تَشكيلا |
وَيُدَلَّلونَ إِذا أُريدَ قِيادُهُم ~ كَالبُهمِ تَأنَسُ إِذ تَرى التَدليلا |
يَتلو الرِجالُ عَلَيهُمُ شَهَواتِهِم ~ فَالناجِحونَ أَلَدُّهُم تَرتيلا |
الجَهلُ لا تَحيا عَلَيهِ جَماعَةٌ ~ كَيفَ الحَياةُ عَلى يَدَي عِزريلا |
وَاللَهِ لَولا أَلسُنٌ وَقَرائِحٌ ~ دارَت عَلى فِطَنِ الشَبابِ شَمولا |
وَتَعَهَّدَت مِن أَربَعينَ نُفوسَهُم ~ تَغزو القُنوطَ وَتَغرِسُ التَأميلا |
عَرَفَت مَواضِعَ جَدبِهِم فَتَتابَعَت ~ كَالعَينِ فَيضاً وَالغَمامِ مَسيلا |
تُسدي الجَميلَ إِلى البِلادِ وَتَستَحي ~ مِن أَن تُكافَأَ بِالثَناءِ جَميلا |
ما كانَ دَنلوبٌ وَلا تَعليمُهُ ~ عِندَ الشَدائِدِ يُغنِيانِ فَتيلا |
رَبّوا عَلى الإِنصافِ فِتيانَ الحِمى ~ تَجِدوهُمُ كَهفَ الحُقوقِ كُهولا |
فَهوَ الَّذي يَبني الطِباعَ قَويمَةً ~ وَهوَ الَّذي يَبني النُفوسَ عُدولا |
وَيُقيمُ مَنطِقَ كُلِّ أَعوَجِ مَنطِقٍ ~ وَيُريهِ رَأياً في الأُمورِ أَصيلا |
وَإِذا المُعَلِّمُ لَم يَكُن عَدلاً مَشى ~ روحُ العَدالَةِ في الشَبابِ ضَئيلا |
وَإِذا المُعَلِّمُ ساءَ لَحظَ بَصيرَةٍ ~ جاءَت عَلى يَدِهِ البَصائِرُ حولا |
وَإِذا أَتى الإِرشادُ مِن سَبَبِ الهَوى ~ وَمِنَ الغُرورِ فَسَمِّهِ التَضليلا |
وَإِذا أُصيبَ القَومُ في أَخلاقِهِم ~ فَأَقِم عَلَيهِم مَأتَماً وَعَويلا |
إِنّي لَأَعذُرُكُم وَأَحسَبُ عِبئَكُم ~ مِن بَينِ أَعباءِ الرِجالِ ثَقيلا |
وَجَدَ المُساعِدَ غَيرُكُم وَحُرِمتُمُ ~ في مِصرَ عَونَ الأُمَّهاتِ جَليلا |
وَإِذا النِساءُ نَشَأنَ في أُمِّيَّةً ~ رَضَعَ الرِجالُ جَهالَةً وَخُمولا |
لَيسَ اليَتيمُ مَنِ اِنتَهى أَبَواهُ مِن ~ هَمِّ الحَياةِ وَخَلَّفاهُ ذَليلا |
فَأَصابَ بِالدُنيا الحَكيمَةِ مِنهُما ~ وَبِحُسنِ تَربِيَةِ الزَمانِ بَديلا |
إِنَّ اليَتيمَ هُوَ الَّذي تَلقى لَهُ ~ أُمّاً تَخَلَّت أَو أَباً مَشغولا |
مِصرٌ إِذا ما راجَعَت أَيّامَها ~ لَم تَلقَ لِلسَبتِ العَظيمِ مَثيلا |
البَرلَمانُ غَداً يُمَدُّ رُواقُهُ ~ ظِلّاً عَلى الوادي السَعيدِ ظَليلا |
نَرجو إِذا التَعليمُ حَرَّكَ شَجوَهُ ~ أَلّا يَكونَ عَلى البِلادِ بَخيلا |
قُل لِلشَبابِ اليَومَ بورِكَ غَرسُكُم ~ دَنَتِ القُطوفُ وَذُلِّلَت تَذليلا |
حَيّوا مِنَ الشُهَداءِ كُلَّ مُغَيَّبٍ ~ وَضَعوا عَلى أَحجارِهِ إِكليلا |
لِيَكونَ حَظُّ الحَيِّ مِن شُكرانِكُم ~ جَمّاً وَحَظُّ المَيتِ مِنهُ جَزيلا |
لا يَلمَسُ الدُستورُ فيكُم روحَهُ ~ حَتّى يَرى جُندِيَّهُ المَجهولا |
ناشَدتُكُم تِلكَ الدِماءَ زَكِيَّةً ~ لا تَبعَثوا لِلبَرلَمانِ جَهولا |
فَليَسأَلَنَّ عَنِ الأَرائِكِ سائِلٌ ~ أَحَمَلنَ فَضلاً أَم حَمَلنَ فُضولا |
إِن أَنتَ أَطلَعتَ المُمَثِّلَ ناقِصا ~ لَم تَلقَ عِندَ كَمالِهِ التَمثيلا |
فَاِدعوا لَها أَهلَ الأَمانَةِ وَاِجعَلوا ~ لِأولى البَصائِرِ مِنهُمُ التَفضيلا |
إِنَّ المُقَصِّرَ قَد يَحولُ وَلَن تَرى ~ لِجَهالَةِ الطَبعِ الغَبِيِّ مُحيلا |
فَلَرُبَّ قَولٍ في الرِجالِ سَمِعتُم ~ ثُمَّ اِنقَضى فَكَأَنَّهُ ما قيلا |
وَلَكَم نَصَرتُم بِالكَرامَةِ وَالهَوى ~ مَن كانَ عِندَكُمُ هُوَ المَخذولا |
كَرَمٌ وَصَفحٌ في الشَبابِ وَطالَما ~ كَرُمَ الشَبابُ شَمائِلاً وَمُيولا |
قوموا اِجمَعوا شَعبَ الأُبُوَّةِ وَاِرفَعوا ~ صَوتَ الشَبابِ مُحَبَّباً مَقبولا |
ما أَبعَدَ الغاياتِ إِلّا أَنَّني ~ أَجِدُ الثَباتَ لَكُم بِهِنَّ كَفيلا |
فَكِلوا إِلى اللَهِ النَجاحَ وَثابِروا ~ فَاللَهُ خَيرٌ كافلاً ووكيلا |
خطونا في الجهاد خطا فساحا
خَطَوْنا في الجِهادِ خُطاً فِساحا | وهادَنَّا، ولم نُلقِ السِّلاحَا |
رضينا في هوى الوطنِ المفدَّى | دمَ الشهداءِ والماَ المطاحا |
ولمّا سلّّت البيضُ المواضي | تقلدنا لها الحقَّ الصراحا |
فحطَّمْنا الشَّكيمَ سِوَى بقايا | إذا عَضَّتْ أَرَيْناها الجِماحا |
وقمنا في شِراعِ الحق نَلْقَى | وندفع عن جوانيه الرياحا |
نعالج شدة ً، ونروض أخرى | ونسعى السعيَ مشروعاً مباحا |
ونستولي على العقبات إلا | كمينَ الغيبِ والقدرَ المتاحا |
ومنْ يصبرْ يجدْ طولَ التمنِّي | على الأَيام قد صار اقتراحا |
وأَيامٍ كأَجواف الليالي | فقدنَ النجمَ والقمرَ اللياحا |
قضيناها حيالَ الحربِ نخشى | بقاءَ الرِّق، أو نرجو السراجا |
تَرَكْنَ الناسَ بالوادي قعودا | من الإعياءِ كالإبل الرَّزاحى |
جنود السلم لا ظفرٌ جزاهم | بما صبروا، ولا موتٌ أَراحا |
ولا تلْقى سوى حيٍّ كَميْتٍ | ومنزوفٍ وإن لم يسقَ راحا |
ترى أسرى وما شهدوا قتالاً | ولا اعتقلوا الأسنَّة والصفاحا |
وجَرْحَى السَّوْطِ لا جَرْحَى المواضي | بما عمل الجواسيسُ اجتراحا |
صباحُك كان إقبالاً وسعداً | فيا يومَ الرِّسالة ِ، عِمْ صَباحا |
وما تألوا نهاركَ ذكرياتٍ | ولا برهانَ عزتك التماحا |
تكاد حِلاك في صفحات مصرٍ | بها التاريخُ يفتتح افتتاحا |
جلالك عن سنا الأضحى تجلَّى | ونورك عن هلالِ الفطر لاحا |
هما حقٌّ، وأنت ملئتَ حقَّا | ومثَّلتْ الضحيَّة َ والسماحا |
بعثنا فيك هاروناً وموسى | إلى فرعونَ فکبتَدَآ الكفاحا |
وكان أعزَّ من روما سيوفاً | وأطغى من قياصرها رماحا |
يكاد من الفتوح وما سَقَتْهُ | يخالُ وراءَ هيكلهِ فتاحا |
وردَّ المسلمون فقيل: خابوا | فيا لَكِ خيبة ً عادت نجاحا! |
أَثارت وادياً من غايَتَيْه | ولامت فرقة ً وأستْ جراحا |
وشَدَّتْ مِن قُوَى قَومٍ مِراضٍ | عزائمهم فردَّتْها صِحاحا |
كأن بلالَ نوديَ: قم فأذَّنْ | فرجَّ شعابَ مكة َ والبطاحا |
كأَن الناس في دينٍ جديدٍ | على جنباته استبَقوا الصلاحا |
وقد هانت حياتهمُ عليهم | وكانوا بالحياة ِ هُمُ الشّحاحا |
فتسمع في مآتمهم غناءً | وتسمع في ولائمهم نُواحا |
حواريينَ أوفدنا ثقاتٍ | إذا تركَ البلاغُ لهم، فصاحا |
فكانوا الحقَّ منقبضاً حيياً | تحدَّى السيفَ مُنصلِتاً وَقاحا |
لهم منَّا براءة ُ أهلِ بدرٍ | فلا إثماً نَعُدُّ ولا جُناحا |
ترى الشَّحناءَ بينهم عِتاباً | وتحسب جدَّهم فيها مزاحا |
جعلنا الخلدَ منزلَهم، وزدنا | على الخلدِ الثناءَ والامتداحا |
يميناً بالتي يسعى إليها | غُدُوّاً بالندامة ، أَو رَوَاحا |
وتَعبَقُ في أنوف الحجِّ رُكناً | وتحتَ جِباهِهم رَحْباً، وساحا |
وبالدستور، وهْوَ لنا حياة ٌ | نرى فيه السلامة َ والفلاحا |
أَخذناه على المُهَجِ الغوالي | ولم نأخذه نَيلاً مُستماحا |
بنينا فيه من دمعٍ رواقاً | ومن دمِ كلِّ نابتة ٍ جناحا… |
… لما ملأ الشبابَ كروح سعدٍ | ولا جعل الحياة َ لهم طماحا |
سلواعنه القضية َ، هل حماها | وكان حمى القضية ِ مستباحا؟ |
وهل نظم الكهولَ الصِّيدَ صَفّاً | وألف من تجاربهم رداحا؟ |
هو الشيخُ الفتيُّ، لو استراحت | من الدأبِ الكواكبُ ما استراحا |
وليس بذائقِ النومِ اغتباقاً | إذا دار الرقادُ، ولا اصطِباحا |
فيالَكَ ضَيْغَماً سهِر الليالي | وناضل دونَ غايتِه، ولاحَى |
ولا حَطَمَتْ لك الأَيامُ ناباً | ولا غضَّت لك الدنيا صياحا |
معالي العهد قمت بها فطيما
معالي العهدِ قمتَ بها فطيما | وكانَ إليكَ مرجعها قديما |
تنقَّلْ من يدٍ ليدٍ كريما | كروحِ الله إذ خلفَ الكليما |
تَنَحَّى لابنِ مريمَ حينَ جاءَ | وخلَّى النَّجْمُ لِلقَمَرِ الفَضاءَ |
ضِياءٌ لِلعيون تَلا ضِياءَ | يَفيضُ مَيامِناً، وهدى ً عَميما |
كذا أنتم بني البيتِ الكريمِ | وهل مُتَجَزِّىء ٌ ضوْءُ النُّجوم؟ |
وأَين الشُّهْبُ من شرفٍ صَميمِ | تألقَ عقدهُ بكمو نظيما؟ |
أرى مستقبلاً يبدو عجابا | وعنواناً يكنُّ لنا كتابا |
وكان محمدٌ أملاً شهابا | وكان اليأسُ شيطاناً رجيما |
وأَشرقتِ الهياكِلُ والمباني | كما كانت وأزينَ في الزمانِ |
وأصبحَ ما تكنُّ من المعاني | على الآفاق مسطوراً رقيما |
سألتُ، فقيل له: وضعتهُ طفلا | وهذا عِيدُهُ في مِصْرَ يُجْلَى |
في انتفاضٍ كانتفاضِ البلبل | |
فقلت: كذلِكم آنَسْتُ قَبْلا | فأَما أَنتَ يا نجلَ المعالي |
يمنتزهِ الإمارة ِ هلَّ فجرا | هلالاً في منازله أغرَّا |
فباتت مِصرُ حوْلَ المهدِ ثغرا | وباتَ الثغر للدنيا نديما |
لجيلكَ في عدٍ جيلِ المعالي | وشعبِ المجدِ والهممِ العوالي |
… أَزُفُّ نوابغَ الكَلِمِ الغَوالي | وأُهدِي حكمتي الشَّعْبَ الحكيما |
إذا أَقبلتَ يا زمن البنينا | وشَبُّوا فيك واجتازوا السنينا |
فدُرْ مِنْ بَعدِنا لهُم يَمينا | وكن لوُرودِك الماءَ الحميما |
ويا جيلَ الأميرِ، إذا نشأتا | وشاءً الجدُّ أن تعطى ، وشئتا |
فخذ سُبُلاً إلى العلياء شَتَّى | وخلِّ دليلكَ الدينَ القويما |
وضِنَّ به، فإن الخير فيه | وخُذْهُ من الكتابِ وما يَليهِ |
ولا تأخُذْهُ من شَفَتَيْ فقيهِ | ولا تهجرْ مع الدين العلوما |
وثقْ بالنفسِ في كلِّ الشئونِ | وكن مما اعتقدتَ على يَقين |
كأنك من ضميرك عند دين | فمن شرفِ المبادىء أن تقيما |
وإن ترمِ المظاهرَ في الحياة | فرُمْها باجتهادِك والثباتِ |
وخذها بالمساعي باهراتِ | تنافسُ في جلالتها النجوما |
وإن تخرجْ لحربٍ أو سلامِ | فأقدمْ قبلَ إقدامِ الأنام |
وكن كالليث: يَأْتي من أَمامِ | فيَمْلأ كلَّ ناطِقة ٍ وُجُوما |
وكنْ شَعْبَ الخصائصِ والمزايا | فأقدمْ قبلَ إقدامِ الأنام |
وكن كالنحلِ والدُنيا الخلايا | يمرُّ بها، ولا يَمضِي عَقيما |
ولا تطمحْ إلى طَلَبِ المُحالِ | ولا تقنعْ إلى هجرِ المعالي |
فإن أَبطأنَ فاصبرْ غيرَ سالِ | كصبرِ الأنبياءِ لها قديما |
ولا تقبَلْ لغير الله حُكما | ولا تحمل لغير الدهرِ ظلما |
ولا ترضَ القليلَ الدُّونَ قسما | إذا لم تقدرِ الأمرَ المروما |
ولا تيأَسْ، ولا تكُ بالضَّجُور | ولا تثِقَنَّ من مَجرَى الأُمورِ |
فليسَ مع الحوادثِ من قديرِ | ولا أَحدٌ بما تأْتِي عليما |
وفي الجُهّالِ لا تَضَع الرجاءَ | كوَضع الشمْسِ في الوَحَلِ الضِّياءَ |
يَضيعُ شُعاعُها فيه هَباءَ | وكان الجهلُ ممقوتاً ذَميما |
وبالغ في التدبر والتحري | ولا تَعجَلْ، وثِق من كلِّ أَمر |
وكن كالأُسْدِ: عند الماءِ تجرِي | وليست وُرَّداً حتى تَحوما |
وما الدنيا بمثوى للعبادِ | فكن ضَيْفَ الرِّعاية ِ والوِدادِ |
ولا تَستَكثِرَنّ من الأَعادي | فشَرُّ الناسِ أَكثرُهم خُصوما |
ولا تجعلْ تودُّدَكَ ابتِذَالا | ولا تسمحْ بحلمك أن يذالا |
وكن ما بين ذاك وذاك حالا | فلن تُرضِي العدُوَّ ولا الحميما |
وصلِّ صلاة َ من يرجو ويخشى | وقبلَ الصَّوْمِ صُمْ عن كلِّ فَحْشا |
ولا تحسب بأن الله يرشى | وأَنَّ مُزَكِّياً أَمِنَ الجحيما |
لكلِّ جنى زكاة ٌ في الحياة ِ | ومعنى البِرِّ في لفظِ الزكاة |
وما لله فينا من جُباة ِ | ولا هو لاِمْرِىء ٍ زكَّى غَرِيما |
فإن تكُ عالماً فاعملْ، وفَطِّنْ | وإن تك حاكماً فاعدِلْ، وأَحسِنْ |
وإن تك صانعاً شيئاً فأَتقِنْ | وكن للفرْضِ بعدئذٍ مُقيما |
وصُنْ لغة ً يَحِقُّ لها الصِّيانُ | فخيرُ مظاهِرِ الأُممِ البَيَانُ |
وكان الشعبُ ليس له لِسانُ | غريباً في مواطنه مضيما |
ألم ترها تنالُ بكل ضيرِ | وكان الخيرُ إذ كانت بخير؟ |
أَيَنطِقُ في المَشَارقِ كلُّ طيرِ | ويبقى أهلها رخماً وبوما؟ |
فعلِّمْها صغيرَك قبلَ كلِّ | ودعْ دعوى تمدُّنهم وخلِّ |
فما بالعيِّ في الدنيا التحلِّي | ولا خَرَسُ الفتى فضلاً عظيما |
وخذ لغة َ المعاصرِ، فهيَ دنيا | ولا تجعل لِسانَ الأَصلِ نسْيَا |
كما نقلَ الغرابُ فضلَّ مشيا | وما بلغَ الجديدَ، ولا القديما |
لجيلك يومَ نشأته مقالي | فأما أنتَ يا نجلَ العالي |
فتنظرُ من أَبيكَ إلى مِثال | يُحيِّرُ في الكمالات الفهُوما |
نصائحُ ما أَردتُ بها لأَهدِي | ولا أبغي بها جدواكَ بعدي |
ولكنِّي أحبُّ النَّفعَ جهدي | وكان النفع في الدنيا لزوما |
فإن أقرئتَ – يا مولاي – شعري | فإن أَباك يَعرِفُه ويَدْرِي |
وجدُّكَ كان شأوي حينَ أجري | فأَصرَعُ في سوابِقِها تَميما |
بنونا أنتَ صبحهمو الأجلُّ | وعهدكَ عصمة ٌ لهمو وظلُّ |
فلمْ لا نَرْتَجيكَ لهم وكلُّ | يعيشُ بأَنْ تعيش وأَن تَدوما؟ |