رَمَضانُ وَلّى هاتِها يا ساقي | مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ |
ما كانَ أَكثَرَهُ عَلى أُلّافِها | وَأَقَلَّهُ في طاعَةِ الخَلّاقِ |
اللَهُ غَفّارُ الذُنوبِ جَميعِها | إِن كانَ ثَمَّ مِنَ الذُنوبِ بَواقي |
بِالأَمسِ قَد كُنّا سَجينَي طاعَةٍ | وَاليَومَ مَنَّ العيدُ بِالإِطلاقِ |
ضَحِكَت إِلَيَّ مِنَ السُرورِ وَلَم تَزَل | بِنتُ الكُرومِ كَريمَةَ الأَعراقِ |
هاتِ اِسقِنيها غَيرَ ذاتِ عَواقِبٍ | حَتّى نُراعَ لِصَيحَةِ الصَفّاقِ |
صِرفاً مُسَلَّطَةَ الشُعاعِ كَأَنَّما | مِن وَجنَتَيكَ تُدارُ وَالأَحداقِ |
حَمراءَ أَو صَفراءَ إِنَّ كَريمَها | كَالغيدِ كُلُّ مَليحَةٍ بِمَذاقِ |
وَحَذارِ مِن دَمِها الزَكِيِّ تُريقُهُ | يَكفيكَ يا قاسي دَمُ العُشّاقِ |
لا تَسقِني إِلّا دِهاقاً إِنَّني | أُسقى بِكَأسٍ في الهُمومِ دِهاقِ |
فَلَعَلَّ سُلطانَ المُدامَةِ مُخرِجي | مِن عالَمٍ لَم يَحوِ غَيرَ نِفاقِ |
وَطَني أَسِفتُ عَلَيكَ في عيدِ المَلا | وَبَكَيتُ مِن وَجدٍ وَمِن إِشفاقِ |
لا عيدَ لي حَتّى أَراكَ بِأُمَّةٍ | شَمّاءَ راوِيَةٍ مِنَ الأَخلاقِ |
ذَهَبَ الكِرامُ الجامِعونَ لِأَمرِهِم | وَبَقيتُ في خَلَفٍ بِغَيرِ خَلاقِ |
أَيَظَلُّ بَعضُهُمُ لِبَعضٍ خاذِلاً | وَيُقالُ شَعبٌ في الحَضارَةِ راقي |
وَإِذا أَرادَ اللَهُ إِشقاءَ القُرى | جَعَلَ الهُداةَ بِها دُعاةَ شِقاقِ |
العيدُ بَينَ يَدَيكَ يا اِبنَ مُحَمَّدٍ | نَثَرَ السُعودَ حُلىً عَلى الآفاقِ |
وَأَتى يُقَبِّلُ راحَتَيكَ وَيَرتَجي | أَن لايَفوتَكُما الزَمانَ تَلاقِ |
قابَلتُهُ بِسُعودِ وَجهِكَ وَالسَنا | فَاِزدادَ مِن يُمنٍ وَمِن إِشراقِ |
فَاِهنَأ بِطالِعِهِ السَعيدِ يَزينُهُ | عيدُ الفَقيرِ وَلَيلَةُ الأَرزاقِ |
يَتَنَزَّلُ الأَجرانِ في صُبحَيهِما | جَزلَينِ عَن صَومٍ وَعَن إِنفاقِ |
إِنّي أُجِلُّ عَنِ القِتالِ سَرائِري | إِلّا قِتالَ البُؤسِ وَالإِملاقِ |
وَأَرى سُمومَ العالَمينَ كَثيرَةً | وَأَرى التَعاوُنَ أَنجَعَ التِرياقِ |
قَسَمَت بَنيها وَاِستَبَدَّت فَوقَهُم | دُنيا تَعُقُّ لَئيمَةُ الميثاقِ |
وَاللَهُ أَتعَبَها وَضَلَّلَ كَيدَها | مِن راحَتَيكَ بِوابِلٍ غَيداقِ |
يَأسو جِراحَ اليائِسينَ مِنَ الوَرى | وَيُساعِدُ الأَنفاسَ في الأَرماقِ |
بَلَغَ الكِرامُ المَجدَ حينَ جَرَوا لَهُ | بِسَوابِقٍ وَبَلَغتَهُ بِبُراقِ |
وَرَأَوا غُبارَكَ في السُها وَتَراكَضوا | مَن لِلنُجومِ وَمَن لَهُم بِلَحاقِ |
مَولايَ طِلبَةُ مِصرَ أَن تَبقى لَها | فَإِذا بَقيتَ فَكُلُّ خَيرٍ باقِ |
سَبَقَ القَريضُ إِلَيكَ كُلَّ مُهَنِّئٍ | مِن شاعِرٍ مُتَفَرِّدٍ سَبّاقِ |
لَم يَدَّخِر إِلّا رِضاكَ وَلا اِقتَنى | إِلّا وَلاءَكَ أَنفَسَ الأَعلاقِ |
إِنَّ القُلوبَ وَأَنتَ مِلءُ صَميمِها | بَعَثَت تَهانيها مِنَ الأَعماقِ |
وَأَنا الفَتى الطائِيُّ فيكَ وَهَذِهِ | كَلِمي هَزَزتُ بِها أَبا إِسحاقِ |
الشاعر احمد شوقي
أمير الشعراء أحمد شوقي قصائد مميزة ومجموعة أشعار أحمد شوقي هنا.
أعقاب في عنان الجو لاح
أَعُقابٌ في عَنانِ الجَوِّ لاح | أَم سَحابٌ فَرَّ مِن هَوجِ الرِياح |
أَم بِساطُ الريحِ رَدَّتهُ النَوى | بَعدَ ما طَوَّفَ في الدَهرِ وَساح |
أَو كَأَنَّ البُرجَ أَلقى حوتَهُ | فَتَرامى في السَماواتِ الفِساح |
أَقبَلَت مِن بُعُدٍ تَحسَبُها | نَحلَةً عَنَّت وَطَنَّت في الرِياح |
يا سِلاحَ العَصرِ بُشِّرنا بِهِ | كُلُّ عَصرٍ بِكَمِيٍّ وَسِلاح |
إِنَّ عِزّاً لَم يُظَلَّل في غَدٍ | بِجَناحَيكَ ذَليلٌ مُستَباح |
فَتَكاثَر وَتَأَلَّف فَيلَقاً | تَعصِمُ السِلمَ وَتَعلو لِلكِفاح |
مِصرُ لِلطَيرِ جَميعاً مَسرَحٌ | ما لَنا فيهِ ذُنابى أَو جَناح |
رُبَّ سِربٍ قاطِعٍ مَرَّ بِهِ | هَبَطَ الأَرضَ مَلِيّاً وَاِستَراح |
لِمَ لا يُفتَنُ فِتيانَ الحِمى | ذَلِكَ الإِقدامُ أَو ذاكَ الطِماح |
مِن فَتىً حَلَّ مِنَ الجَوِّ بِهِم | فَتَلَقّوهُ عَلى هامٍ وَراح |
إِنَّهُ أَوَّلُ عُصفورٍ لَهُم | هَزَّ في الجَوِّ جَناحَيهِ وَصاح |
دَبَّت الهِمَّةُ فيهِ وَمَشَت | عَزَماتٌ مِنكَ يا حَربُ صِحاح |
ناطَحَ النَجمَ فَتىً عَلَّمتُهُ | في حَياةٍ حُرَّةٍ كَيفَ النِطاح |
لَكَ في الأَجيالِ تِمثالٌ مَشى | وَجَدوا الرُشدَ عَلَيهِ وَالصَلاح |
جاوَزَ النيلَ وَعَبرَيهِ إِلى | أَكَمِ الشامِ وَهاتيكَ البِطاح |
فارِسَ الجَوِّ سَلامٌ في الذُرى | وَعَلى الماءِ وَمِن كُلِّ النَواح |
ثِب إِلىالنَجمِ وَزاحِم رُكنَهُ | وَاِمتَلِئ مِن خُيَلاءٍ وَمِراح |
إِنَّ هَذا الفَتحَ لا عَهدَ بِهِ | لِضِفافِ النيلِ مِن عَهدِ فِتاح |
تِلكَ أَبوابُ السَماءِ اِنفَتَحَت | ما وَراءَ البابِ يا طَيرَ النَجاح |
أَسَماءُ النيلِ أَيضاً حَرَمٌ | مِن طَريقِ الهِندِ أَم جَوٌّ مُباح |
عَينُ شَمسٍ مُلِأَت مِن مَوكِبٍ | كانَ لِلأَبطالِ أَحياناً يُتاح |
رُبَّما جَلَّلَ وَجهَ الأَرضِ أَو | رُبَّما سَدَّ عَلى الشَمسِ السَراح |
إِن يَفُتهُ الجَيشُ أَو رَوَّعتُهُ | لَم يَفُتهُ النَشَأُ الزُهرُ الصِباح |
وَفِدى فائِزَةٍ سُمرُ القَنا | وَفِدى حارِسِها بيضُ الصِفاح |
وَلَقَد أَبطَأَت حَتّى لَم يَنَم | لِلحِمى لَيلٌ وَلَم يَنعَم صَباح |
فَاِبتَغي العُذرَ كِرامٌ وَاِنبَرَت | أَلسُنٌ في الثَلمِ وَالهَدمِ فِصاح |
تَلتَوي الخَيلُ عَلى راكِبِها | كَيفَ بِالعاصِفِ في يَومِ الجِماح |
لَيسَ مَن يَركَبُ سَرجاً لَيِّناً | مِثلَ مَن يَركَبُ أَعرافَ الرِياح |
سِر رُوَيداً في فَضاءٍ سافِرٍ | ضاحِكِ الصَفحَةِ كَالفِردَوسِ صاح |
طَرَفَت عَيناً بِهِ الشَمسُ فَلَو | خُيِّرَت لَم تَتَحَفَّز لِلرَواح |
وَتَكادُ الطَيرُ مِن خِفَّتِهِ | تَتَعالى فيهِ مِن غَيرِ جَناح |
قِف تَأَمَّل مِن عُلُوٍّ قُبَّةً | رُفِعَت لِلفَصلِ وَالرَأيِ الصُراح |
نَزَلَ النُوّابُ فيها فِتيَةً | في جَناحٍ وَشُيوخاً في جَناح |
حَمَلوا الحَقَّ وَقاموا دونَهُ | كَرَعيلِ الخَيلِ أَو صَفِّ الرِماح |
يا أَبا الفاروقِ مَن تَرعى فَفي | كَنَفِ الفَضلِ وَفي ظِلِّ السِماح |
أَنتَ مِن آباؤُكِ السُحبُ وَما | في بِناءِ السُحُبِ الأَيدي الشِحاح |
يَدُكَ السَمحَةُ في الخَيرِ وَفي | هِمَّةِ الغَرسِ وَفي أُسوِ الجِراح |
نَحنُ أَفلَحنا عَلى الأَرضِ بِكُم | وَرَجَونا في السَماواتِ الفَلاح |
عادت أغاني العرس رجع نواح
عادَت أَغاني العُرسِ رَجعَ نُواحِ | وَنُعيتِ بَينَ مَعالِمِ الأَفراحِ |
كُفِّنتِ في لَيلِ الزَفافِ بِثَوبِهِ | وَدُفِنتِ عِندَ تَبَلُّجِ الإِصباحِ |
شُيِّعتِ مِن هَلَعٍ بِعَبرَةِ ضاحِكٍ | في كُلِّ ناحِيَةٍ وَسَكرَةِ صاحِ |
ضَجَّت عَلَيكِ مَآذِنٌ وَمَنابِرٌ | وَبَكَت عَلَيكَ مَمالِكٌ وَنَواحِ |
الهِندُ والِهَةٌ وَمِصرُ حَزينَةٌ | تَبكي عَلَيكِ بِمَدمَعٍ سَحّاحِ |
وَالشامُ تَسأَلُ وَالعِراقُ وَفارِسٌ | أَمَحا مِنَ الأَرضِ الخِلافَةَ ماحِ |
وَأَتَت لَكِ الجُمَعُ الجَلائِلُ مَأتَمًا | فَقَعَدنَ فيهِ مَقاعِدَ الأَنواحِ |
يا لَلرِجالِ لَحُرَّةٍ مَوؤودَةٍ | قُتِلَت بِغَيرِ جَريرَةٍ وَجُناحِ |
إِنَّ الَّذينَ أَسَتْ جِراحَكِ حَربُهُمْ | قَتَلَتكِ سَلمُهُمُ بِغَيرِ جِراحِ |
هَتَكوا بِأَيديهِمْ مُلاءَةَ فَخرِهِمْ | مَوشِيَّةً بِمَواهِبِ الفَتّاحِ |
نَزَعوا عَنِ الأَعناقِ خَيرَ قِلادَةٍ | وَنَضَوا عَنِ الأَعطافِ خَيرَ وِشاحِ |
حَسَبٌ أَتى طولُ اللَيالي دونَهُ | قَد طاحَ بَينَ عَشِيَّةٍ وَصَباحِ |
وَعَلاقَةٌ فُصِمَت عُرى أَسبابِها | كانَت أَبَرَّ عَلائِقِ الأَرواحِ |
جَمَعَتْ عَلى البِرِّ الحُضورَ وَرُبَّما | جَمَعَتْ عَلَيهِ سَرائِرَ النُزّاحِ |
نَظَمَتْ صُفوفَ المُسلِمينَ وَخَطوَهُمْ | في كُلِّ غَدوَةِ جُمعَةٍ وَرَواحِ |
بَكَتِ الصَلاةُ وَتِلكَ فِتنَةُ عابِثٍ | بِالشَرعِ عِربيدِ القَضاءِ وَقاحِ |
أَفتى خُزَعبِلَةً وَقالَ ضَلالَةً | وَأَتى بِكُفرٍ في البِلادِ بَواحِ |
إِنَّ الَّذينَ جَرى عَلَيهِمْ فِقهُهُ | خُلِقوا لِفِقهِ كَتيبَةٍ وَسِلاحِ |
إِن حَدَّثوا نَطَقوا بِخُرسِ كَتائِبٍ | أَو خوطِبوا سَمِعوا بِصُمِّ رِماحِ |
أَستَغفِرُ الأَخلاقَ لَستُ بِجاحِدٍ | مَن كُنتُ أَدفَعُ دونَهُ وَأُلاحي |
مالي أُطَوِّقُهُ المَلامَ وَطالَما | قَلَّدتُهُ المَأثورَ مِن أَمداحي |
هُوَ رُكنُ مَملَكَةٍ وَحائِطُ دَولَةٍ | وَقَريعُ شَهباءٍ وَكَبشُ نِطاحِ |
أَأَقولُ مَن أَحيا الجَماعَةَ مُلحِدٌ | وَأَقولُ مَن رَدَّ الحُقوقَ إِباحي |
الحَقُّ أَولى مِن وَلِيِّكَ حُرمَةً | وَأَحَقُّ مِنكَ بِنُصرَةٍ وَكِفاحِ |
فَامدَح عَلى الحَقِّ الرِجالَ وَلُمهُمُ | أَو خَلِّ عَنكَ مَواقِفَ النُصّاحِ |
وَمِنَ الرِجالِ إِذا انبَرَيتَ لِهَدمِهِمْ | هَرَمٌ غَليظُ مَناكِبِ الصُفّاحِ |
فَإِذا قَذَفتَ الحَقَّ في أَجلادِهِ | تَرَكَ الصِراعَ مُضَعضَعَ الأَلواحِ |
أَدُّوا إِلى الغازي النَصيحَةَ يَنتَصِحْ | إِنَّ الجَوادَ يَثوبُ بَعدَ جِماحِ |
إِنَّ الغُرورَ سَقى الرَئيسَ بِراحِهِ | كَيفَ احتِيالُكَ في صَريعِ الراحِ |
نَقَلَ الشَرائِعَ وَالعَقائِدَ وَالقُرى | وَالناسَ نَقْلَ كَتائِبٍ في الساحِ |
تَرَكَتهُ كَالشَبَحِ المُؤَلَّهِ أُمَّةٌ | لَم تَسلُ بَعدُ عِبادَةَ الأَشباحِ |
هُمْ أَطلَقوا يَدَهُ كَقَيصَرَ فيهُمُ | حَتّى تَناوَلَ كُلَّ غَيرِ مُباحِ |
غَرَّتهُ طاعاتُ الجُموعِ وَدَولَةٌ | وَجَدَ السَوادُ لَها هَوى المُرتاحِ |
وَإِذا أَخَذتَ المَجدَ مِن أُمِّيَّةٍ | لَم تُعطَ غَيرَ سَرابِهِ اللَمّاحِ |
مَن قائِلٌ لِلمُسلِمينَ مَقالَةً | لَم يوحِها غَيرَ النَصيحَةِ واحِ |
عَهدُ الخِلافَةِ فِيَّ أَوَّلُ ذائِدٍ | عَن حَوضِها بِبَراعَةٍ نَضّاحِ |
حُبٌّ لِذاتِ اللهِ كانَ وَلَم يَزَلْ | وَهَوًى لِذاتِ الحَقِّ وَالإِصلاحِ |
إِنّي أَنا المِصباحُ لَستُ بِضائِعٍ | حَتّى أَكونَ فَراشَةَ المِصباحِ |
غَزَواتُ (أَدهَمَ) كُلِّلَت بَذَوابِلٍ | وَفُتوحُ (أَنوَرَ) فُصِّلَت بِصِفاحِ |
وَلَّتْ سُيوفُهُما وَبانَ قَناهُما | وَشَبا يَراعي غَيرُ ذاتِ بَراحِ |
لا تَبذُلوا بُرَدَ النَبِيِّ لِعاجِزٍ | عُزُلٍ يُدافِعُ دونَهُ بِالراحِ |
بِالأَمسِ أَوهى المُسلِمينَ جِراحَةً | وَاليَومَ مَدَّ لَهُمْ يَدَ الجَرّاحِ |
فَلتَسمَعُنَّ بِكُلِّ أَرضٍ داعِيًا | يَدعو إِلى الكَذّابِ أَو لِسَجاحِ |
وَلتَشهَدُنَّ بِكُلِّ أَرضٍ فِتنَةً | فيها يُباعُ الدينُ بَيعَ سَماحِ |
يُفتى عَلى ذَهَبِ المُعِزِّ وَسَيفِهِ | وَهَوى النُفوسِ وَحِقدِها المِلحاحِ |
ردت الروح على المضنى معك
رُدَّتِ الروحُ عَلى المُضنى مَعَك | أَحسَنُ الأَيّامِ يَومٌ أَرجَعَك |
مَرَّ مِن بُعدِكَ ما رَوَّعَني | أَتُرى يا حُلوُ بُعدي رَوَّعَك |
كَم شَكَوتُ البَينَ بِاللَيلِ إِلى | مَطلَعِ الفَجرِ عَسى أَن يُطلِعَك |
وَبَعَثتُ الشَوقَ في ريحِ الصَبا | فَشَكا الحُرقَةَ مِمّا اِستَودَعَك |
يا نَعيمي وَعَذابي في الهَوى | بِعَذولي في الهَوى ما جَمَعَك |
أَنتَ روحي ظَلَمَ الواشي الَّذي | زَعَمَ القَلبَ سَلا أَو ضَيَّعَك |
مَوقِعي عِندَكَ لا أَعلَمُه | آهِ لَو تَعلَمُ عِندي مَوقِعَك |
أَرجَفوا أَنَّكَ شاكٍ موجَعٌ | لَيتَ لي فَوقَ الضَنا ما أَوجَعَك |
نامَتِ الأَعيُنُ إِلّا مُقلَةً | تَسكُبُ الدَمعَ وَتَرعى مَضجَعَك |
حكاية الكلب مع الحمامة
حِكايَةُ الكَلبِ مَعَ الحَمامَة | تَشهَدُ لِلجِنسَينِ بِالكَرامَة |
يُقالُ كانَ الكَلبُ ذاتَ يَومِ | بَينَ الرِياضِ غارِقاً في النَومِ |
فَجاءَ مِن وَرائِهِ الثُعبانُ | مُنتَفِخاً كَأَنَّهُ الشَيطانُ |
وَهَمَّ أَن يَغدِرَ بِالأَمينِ | فَرَقَّتِ الوَرقاءُ لِلمِسكينِ |
وَنَزَلَت توّاً تُغيثُ الكَلبا | وَنَقَرَتهُ نَقرَةً فَهَبّا |
فَحَمَدَ اللَهَ عَلى السَلامَة | وَحَفِظَ الجَميلَ لِلحَمامَة |
إِذ مَرَّ ما مَرَّ مِنَ الزَمانِ | ثُمَّ أَتى المالِكُ لِلبُستانِ |
فَسَبَقَ الكَلبُ لِتِلكَ الشَجَرَة | لِيُنذِرَ الطَيرَ كَما قَد أَنذَرَه |
وَاِتَّخَذَ النَبحَ لَهُ عَلامَة | فَفَهِمَت حَديثَهُ الحَمامَة |
وَأَقلَعَت في الحالِ لِلخَلاصِ | فَسَلِمَت مِن طائِرِ الرَصاصِ |
هَذا هُوَ المَعروفُ يَا أَهلَ الفِطَن | الناسُ بِالناسِ وَمَن يُعِن يُعَن |
أريد سلوكم والقلب يأبى
أَريدُ سُلُوَّكُم وَالقَلبُ يَأبى – وَأَعتِبُكُم وَمِلءُ النَفسِ عُتبى |
وَأَهجُرُكُم فَيَهجُرُني رُقادي – وَيُضويني الظَلامُ أَسىً وَكَربا |
وَأَذكُرُكُم بِرُؤيَةِ كُلِّ حُسنٍ – فَيَصبو ناظِري وَالقَلبُ أَصبى |
وَأَشكو مِن عَذابي في هَواكُم – وَأَجزيكُم عَنِ التَعذيبِ حُبّا |
وَأَعلَمُ أَنَّ دَأبَكُمُ جَفائي – فَما بالي جَعَلتُ الحُبَّ دَأبا |
وَرُبَّ مُعاتَبٍ كَالعَيشِ يُشكى – وَمِلءُ النَفسِ مِنهُ هَوىً وَعُتبى |
أَتَجزيني عَنِ الزُلفى نِفاراً – عَتَبتكَ بِالهَوى وَكَفاكَ عَتبا |
فَكُلُّ مَلاحَةٍ في الناسِ ذَنبٌ – إِذا عُدَّ النِفارُ عَلَيكَ ذَنبا |
أَخَذتُ هَواكَ عَن عَيني وَقَلبي – فَعَيني قَد دَعَت وَالقَلبُ لَبّى |
وَأَنتَ مِنَ المَحاسِنِ في مِثالٍ – فَدَيتُكَ قالَباً فيهِ وَقَلبا |
أُحِبُّكَ حينَ تَثني الجيدَ تيهاً – وَأَخشى أَن يَصيرَ التيهُ دَأبا |
وَقالوا في البَديلِ رِضاً وَرَوحٌ – لَقَد رُمتُ البَديلَ فَرُمتُ صَعبا |
وَراجَعتُ الرَشادَ عَسايَ أَسلو – فَما بالي مَعَ السُلوانِ أَصبى |
إِذا ما الكَأسُ لَم تُذهِب هُمومي – فَقَد تَبَّت يَدُ الساقي وَتَبّا |
عَلى أَنّي أَعَفُّ مَنِ اِحتَساها – وَأَكرَمُ مِن عَذارى الدَيرِ شربا |
وَلي نَفسٌ أُرَوّيها فَتَزكو – كَزَهرِ الوَردِ نَدَّوهُ فَهَبّا |