| إذا الشعبُ يوما أراد الحياة | فلا بد أن يستجيب القـدر |
| ولا بـد لليـل أن ينجلي | ولا بـد للقيـد أن ينكسـر |
| ومن لم يعانقْـه شـوْقُ الحياة | تبخر فــي جوها واندثر |
| فويل لمن لم تَشُـقهُ الحياة | من صفْعـة العــدَم المنتصر |
| كـذلك قـالت ليَ الكائناتُ | وحدثني روحُها المستترْ |
| ودمــدمتِ الــرِّيحُ بيــن الفِجـاج | وفوق الجبال وتحت الشجرْ |
| إذا ما طمحتُ إلــى غايةٍ | ركبتُ المُنى, ونسِـيت الحذرْ |
| ولــم أتجــنَّب وعــورَ الشِّـعاب | ولا كُبَّةَ اللّهَب المستعرْ |
| ومن يتهيب صعود الجبال | يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحفرْ |
| فعجَّــتْ بقلبــي دمــاءُ الشـباب | وضجَّــت بصـدري ريـاحٌ أخَـرْ |
| وأطـرقتُ, أصغـي لقصـف الرعـودِ | وعــزفِ الريــاحِ, ووقـعِ المطـرْ |
| وقـالت لـي الأرضُ لمـا سـألت | أيــا أمُّ هــل تكــرهين البشــر |
| أُبــارك فـي النـاس أهـلَ الطمـوح | ومــن يســتلذُّ ركــوبَ الخــطرْ |
| وألْعــنُ مــن لا يماشــي الزمـانَ | ويقنـــع بــالعيْشِ عيشِ الحجَــرْ |
| هــو الكــونُ حـيٌّ, يحـبُّ الحيـاة | ويحــتقر المَيْــتَ, مهمــا كــبُرْ |
| فـلا الأفْـق يحـضن ميْـتَ الطيـورِ | ولا النحــلُ يلثــم ميْــتَ الزهـرْ |
| ولــولا أمُومــةُ قلبِــي الــرّؤوم | لَمَــا ضمّــتِ الميْـتَ تلـك الحُـفَرْ |
| فــويلٌ لمــن لــم تشُــقه الحيـا | ة, مِــن لعنــة العــدم المنتصِـرْ |
| وفــي ليلــة مـن ليـالي الخـريف | مثقَّلـــةٍ بالأســـى, والضجــرْ |
| ســكرتُ بهـا مـن ضيـاء النجـوم | وغنَّيْــتُ للحُــزْن حــتى ســكرْ |
| سـألتُ الدُّجـى: هـل تُعيـد الحيـاةُ | لمـــا أذبلتــه, ربيــعَ العمــر |
| فلـــم تتكلّم شــفاه الظــلام | ولــم تــترنَّمْ عــذارى السَّــحَرْ |
| وقال ليَ الغــابُ في رقَّـةٍ | مُحَبَّبَـــةٍ مثــل خــفْق الوتــرْ |
| يجــئ الشــتاءُ شــتاء الضبـاب | شــتاء الثلــوج, شــتاء المطــرْ |
| فينطفــئُ السِّـحرُ سـحرُ الغصـونِ | وســحرُ الزهــورِ, وسـحرُ الثمـرْ |
| وســحرُ السـماءِ الشـجيُّ الـوديعُ | وســحرُ المـروجِ, الشـهيُّ, العطِـرْ |
| وتهـــوِي الغصــونُ وأوراقُهــا | وأزهــارُ عهــدٍ حــبيبٍ نضِــرْ |
| وتلهــو بهـا الـريحُ فـي كـل وادٍ | ويدفنُهَــا الســيلُ أنَّــى عــبرْ |
| ويفنــى الجــميعُ كحُــلْمٍ بــديعٍ | تـــألّق فـــي مهجــةٍ واندثــرْ |
| وتبقــى البــذورُ, التــي حُـمِّلَتْ | ذخــيرةَ عُمْــرٍ جــميلٍ غَــبَرْ |
| وذكــرى فصــولٍ ورؤيـا حيـاةٍ | وأشــباحَ دنيــا تلاشــتْ زُمَـرْ |
| معانقــةً وهـي تحـت الضبـابِ | وتحــت الثلـوجِ وتحـت المَـدَرْ |
| لِطَيْــفِ الحيــاةِ الــذي لا يُمَــلُّ | وقلــبِ الــربيعِ الشــذيِّ الخـضِرْ |
| وحالمـــةً بأغـــاني الطيـــورِ | وعِطْــرِ الزهــورِ, وطَعـمِ الثمـرْ |
| ويمشـي الزمـانُ, فتنمـو صـروفٌ | وتــذوِي صــروفٌ, وتحيـا أُخَـرْ |
| وتُصبِـــحُ أحلامُهـــا يقظَـــةً | مُوَشَّـــحةً بغمـــوضِ السَّــحَرْ |
| تُســائل: أيــن ضبـابُ الصبـاحِ | وسِــحْرُ المسـاء? وضـوء القمـر |
| وأســرابُ ذاك الفَــراشِ الأنيــق | ونحــلٌ يغنِّــي, وغيــمٌ يمــر |
| وأيـــن الأشـــعَّةُ والكائنــاتُ | وأيــن الحيــاةُ التــي أنتظــر |
| ظمِئـتُ إلـى النـور, فـوق الغصونِ | ظمِئـتُ إلـى الظـلِ تحـت الشـجرْ |
| ظمِئـتُ إلـى النَّبْـعِ, بيـن المـروجِ | يغنِّــي, ويــرقص فـوقَ الزّهَـرْ |
| ظمِئــتُ إلــى نَغَمــاتِ الطيـورِ | وهَمْسِ النّســيمِ, ولحــنِ المطــرْ |
| ظمِئـتُ إلـى الكـونِ! أيـن الوجـودُ | وأنَّـــى أرى العــالَمَ المنتظــر |
| هـو الكـونُ, خـلف سُـباتِ الجـمودِ | وفـــي أُفــقِ اليقظــاتِ الكُــبَرْ |
| ومـــا هــو إلا كخــفقِ الجنــا | حِ حــتى نمــا شــوقُها وانتصـرْ |
| فصَـــدّعت الأرضَ مــن فوقهــا | وأبْصــرتِ الكـونَ عـذبَ الصُّـوَرْ |
| وجـــاء الـــربيعُ, بأنغامِـــه | وأحلامِـــه, وصِبـــاه العطِــرْ |
| وقبَّلهـــا قُبَـــلاً فــي الشــفاهِ | تعيــدُ الشــبابَ الــذي قـد غَـبَرْ |
| وقــال لهــا: قـد مُنِحْـتِ الحيـاةَ | وخُــلِّدْتِ فــي نســلكِ المُدّخَــرْ |
| وبـــاركَكِ النُّـــورُ, فاســتقبلي | شــبابَ الحيــاةِ وخِــصْبَ العُمـرْ |
| ومَــن تعبــدُ النــورَ أحلامُــه | يُبَارِكُـــهُ النّــورُ أنّــى ظهــرْ |
| إليــكِ الفضــاءَ, إليــكِ الضيـاءَ | إليــك الــثرى, الحـالمَ, المزدهـرْ |
| إليــكِ الجمــالَ الــذي لا يَبيــدُ! | إليــكِ الوجـودَ, الرحـيبَ, النضِـرْ |
| فميـدي كمـا شئتِ فوق الحقولِ | بحــلوِ الثمــارِ وغــضِّ الزّهَــرْ |
| ونــاجي النســيمَ ونـاجي الغيـومَ | ونــاجي النجــومَ, ونـاجي القمـرْ |
| ونـــاجي الحيـــاةَ وأشــواقَها | وفتنــةَ هــذا الوجــود الأغــرْ |
| وشـفَّ الدجـى عـن جمـالٍ عميـقٍ | يشُــبُّ الخيــالَ, ويُــذكي الفِكَـرْ |
| ومُــدّ عـلى الكـون سِـحرٌ غـريبٌ | يُصَرّفــــه ســـاحرٌ مقتـــدرْ |
| وضـاءت شـموعُ النجـومِ الوِضـاءِ | وضــاع البَخُــورُ, بخـورُ الزّهَـرْ |
| ورفــرف روحٌ غــريبُ الجمـال | بأجنحــةٍ مــن ضيــاء القمــرْ |
| ورنَّ نشـــيدُ الحيـــاةِ المقـــدّ | سُ فــي هيكـلٍ, حـالمٍ قـد سُـحِرْ |
| وأعْلِــنَ فــي الكـون أنّ الطمـوحَ | لهيـــبُ الحيــاةِ ورُوحُ الظفَــرْ |
| إذا طمحـــتْ للحيـــاةِ النفــوسُ | فــلا بــدّ أنْ يســتجيبَ القــدر |
أجمل القصائد
أجمل قصائد الشعر من العصر الجاهلي والعصر الأموي والعصر العباسي والعصر الحديث هنا في صفحة أجمل القصائد.
لو كانت الأيام في قبضتي
| لو كَانَتِ الأَيّامُ في قبضتي | أذريتها للريح، مثل الرمال |
| وقلتُ: يا ريحُ، بها فاذهبي | وبدِّديها في سَحيقِ الجبالُ |
| بل في فجاج الموت.. في عالَمٍ | لا يرقُصُ النُّورُ بِهِ والظِّلالْ |
| لو كان هذا الكونُ في قبضتي | ألقيْتُه في النّار، نارِ الجحيمْ |
| ما هذه الدنيا، وهذا الورى | وذلكَ الأُفْقُ، وَتِلْكَ النُّجُومْ |
| النَّارُ أوْلى بعبيدِ الأسى | ومسرحِ الموتِ، وعشِّ الهمومْ |
| يا أيّها الماضِي الذي قد قَضَى | وضمَّهُ الموتُ، وليلُ الأَبَدْ |
| يا حاضِرَ النَّاس الذي لم يَزُل | يا أيُّها الآتي الذي لم يَلِدْ |
| سَخَافة ٌ دنياكُمُ هذه | تائهة ٌ في ظلمة ِ لا تُحَدْ |
نحن نمشي وحولنا هاته الأكوان
| نحنُ نمشي وحولَنَا هاته الأَكــ | وانُ تمشي لكنْ لأَيَّةِ غايَة |
| نحنُ نشدو مع العَصافيرِ للشَّمْــ | سِ وهذا الرَّبيعُ ينفُخُ نَايَهْ |
| نحنُ نَتْلو روايَةَ الكونِ للمو | تِ ولكنْ ماذا خِتامُ الرِّواية |
| هكذا قلتُ للرِّياحِ فقالتْ | سَلْ ضميرَ الوُجُودِ كيف البدايَة |
| وتغشَّى الضَّبابُ نفسي فصاحتْ | في مَلالٍ مُرٍّ إلى أَيْنَ أَمشي |
| قلتُ سيري معَ الحَيَاةِ فقالتْ | مَا جنينا تُرى من السَّيْرِ أَمسِ |
| فَتَهافَتُّ كالهشيمِ على الأَر | ضِ وناديتُ أَيْنَ يا قلبُ رفشي |
| هاتِهِ علَّني أَخُطُّ ضريحي | في سكونِ الدُّجى وأَدفُنُ نفسي |
| هاتِهِ فالظَّلامُ حولي كثيفٌ | وضبابُ الأَسى مُنيخٌ عليَّا |
| وكؤوسُ الغرامِ أَترعَهَا الفَجْــ | رُ ولكنْ تَحَطَّمَتْ في يدَيَّا |
| والشَّبابُ الغرير ولَّى إلى الما | ضي وخلَّى النَّحيبَ في شَفَتَيَّا |
| هاتِهِ يا فؤادُ إنَّا غَريبا | نِ نَصُوعُ الحَيَاةَ فنًّا شَجِيَّا |
| قَدْ رقصْنا معَ الحَيَاةِ طويلاً | وشدوْنا مع الشَّبابِ سنينا |
| وعدَوْنا مع اللَّيالي حُفاةً | في شِعابِ الحَيَاةِ حتَّى دَمينا |
| وأكلْنا التُّرابَ حتَّى مَلِلْنا | وشَربْنا الدُّموعَ حتَّى رَوِينا |
| ونَثَرْنا الأَحْلامَ والحبَّ والآلا | مَ واليأسَ والأَسى حيثُ شِينا |
| ثمَّ ماذا هذا أنا صرتُ في الدُّن | يا بعيداً عن لهوِها وغِنَاها |
| في ظلامِ الفَنَاءِ أَدفُنُ أَيَّا | مي ولا أستطيعُ حتَّى بكاها |
| وزهورُ الحياة تهوي بِصَمْتٍ | محزنٍ مُضْجِرٍ على قدميَّا |
| جَفَّ سِحْرُ الحَيَاةِ يا قلبيَ البــا | كي فهيَّا نُجَرِّبُ الموتَ هيَّا |
ذكر الصبي ومراتع الآرام
| ذِكَرُ الصّبَي وَمَرَاتِعِ الآرَامِ | جَلَبَتْ حِمامي قَبلَ وَقْتِ حِمامي |
| دِمَنٌ تَكاثَرَتِ الهُمُومُ عَليّ في | عَرَصَاتِها كَتَكاثُرِ اللُّوّامِ |
| وَكَأنّ كُلّ سَحَابَةٍ وَقَفَتْ بهَا | تَبكي بعَيْنيْ عُرْوَةَ بنِ حِزَامِ |
| وَلَطَالَمَا أفْنَيْتُ رِيقَ كَعَابِهَا | فِيهَا وَأفْنَتْ بالعِتابِ كَلامي |
| قَد كُنْتَ تَهْزَأُ بالفِراقِ مَجَانَةً | وَتَجُرّ ذَيْلَيْ شِرّةٍ وَعُرَامِ |
| لَيسَ القِبابُ على الرّكَابِ وَإنّمَا | هُنّ الحَيَاةُ تَرَحّلَتْ بسَلامِ |
| ليتَ الذي فَلَقَ النّوَى جعَل الحَصَى | لخِفافِهِنّ مَفَاصِلي وَعِظامي |
| مُتَلاحِظَينِ نَسُحُّ مَاءَ شُؤونِنَا | حَذَراً مِنَ الرُّقَبَاءِ في الأكْمَامِ |
| أرْوَاحُنَا انهَمَلَتْ وَعِشْنَا بَعدَهَا | من بَعدِ ما قَطَرَتْ على الأقدامِ |
| لَوْ كُنّ يَوْمَ جرَينَ كُنّ كصَبرِنَا | عندَ الرّحيلِ لَكُنّ غَيرَ سِجَامِ |
| لم يَتْرُكُوا لي صاحِباً إلاّ الأسَى | وَذَمِيلَ ذِعْلِبَةٍ كَفَحْلِ نَعَامِ |
| وَتَعَذُّرُ الأحْرارِ صَيّرَ ظَهْرَهَا | إلاّ إلَيْكَ عَليَّ ظَهْرَ حَرَامِ |
| أنتَ الغَريبَةُ في زَمَانٍ أهْلُهُ | وُلِدَتْ مَكارِمُهُمْ لغَيرِ تَمَامِ |
| أكْثَرْتَ من بَذْلِ النّوَالِ وَلم تزَلْ | عَلَماً على الإفْضالِ وَالإنْعَامِ |
| صَغّرْتَ كلّ كَبيرَةٍ وَكَبُرْتَ عَنْ | لَكَأنّهُ وَعَدَدْتَ سِنّ غُلامِ |
| وَرَفَلْتَ في حُلَلِ الثّنَاءِ وَإنّمَا | عَدَمُ الثّنَاءِ نِهَايَةُ الإعْدامِ |
| عَيْبٌ عَلَيكَ تُرَى بسَيفٍ في الوَغى | مَا يَصْنَعُ الصّمْصَامُ بالصّمصَامِ |
| إنْ كانَ مِثْلُكَ كانَ أوْ هُوَ كائِنٌ | فَبَرِئْتُ حِينَئِذٍ مِنَ الإسْلامِ |
| مَلِكٌ زُهَتْ بِمَكَانِهِ أيّامُهُ | حتى افتَخَرْنَ بهِ على الأيّامِ |
| وَتَخالُهُ سَلَبَ الوَرَى مِن حِلْمِهِ | أحْلامَهُمْ فَهُمُ بِلا أحْلامِ |
| وَإذا امتَحَنْتَ تَكَشّفَتْ عَزَمَاتُهُ | عَن أوْحَدِيّ النّقْضِ وَالإبْرامِ |
| وَإذا سَألْتَ بَنَانَهُ عَنْ نَيْلِهِ | لم يَرْضَ بالدّنْيَا قَضاءَ ذِمَامِ |
| مَهْلاً ألا لِلّهِ ما صَنَعَ القَنَا | في عَمْرِو حَابِ وَضَبّةَ الأغْتَامِ |
| لمّا تَحَكّمَتِ الأسِنّةُ فِيهِمِ | جَارَتْ وَهُنّ يَجُرْنَ في الأحكامِ |
| فَتَرَكْتَهُمْ خَلَلَ البُيُوتِ كأنّما | غَضِبَتْ رُؤوسُهُمُ على الأجْسامِ |
| أحجارُ ناسٍ فَوْقَ أرْضٍ مِنْ دَمٍ | وَنُجُومُ بَيْضٍ في سَمَاءِ قَتَامِ |
| وَذِراعُ كُلّ أبي فُلانٍ كُنْيَةً | حَالَتْ فَصَاحِبُها أبُو الأيْتَامِ |
| عَهْدي بمَعْرَكَةِ الأميرِ وَخَيْلُهُ | في النّقْعِ مُحْجِمَةٌ عنِ الإحجامِ |
| صَلّى الإل?هُ عَلَيْكَ غَيرَ مُوَدَّعٍ | وَسَقَى ثَرَى أبَوَيْكَ صَوْبَ غَمَامِ |
| وَكَسَاكَ ثَوْبَ مَهَابَةٍ مِنْ عِنْدِهِ | وَأرَاكَ وَجهَ شَقيقِكَ القَمْقَامِ |
| فَلَقَدْ رَمَى بَلَدَ العَدُوّ بنَفْسِهِ | في رَوْقِ أرْعَنَ كالغِطَمّ لُهَامِ |
| قَوْمٌ تَفَرّسَتِ المَنَايَا فِيكُمُ | فرَأتْ لكُمْ في الحرْبِ صَبرَ كِرَامِ |
| تَالله مَا عَلِمَ امرُؤٌ لَوْلاكُمُ | كَيفَ السّخاءُ وَكَيفَ ضرْبُ الهَامِ |
من أية الطرق يأتي مثلك الكرم
| من أيّةِ الطُّرْقِ يأتي مثلَكَ الكَرَمُ | أينَ المَحاجِمُ يا كافُورُ وَالجَلَمُ |
| جازَ الأُلى مَلكَتْ كَفّاكَ قَدْرَهُمُ | فعُرّفُوا بكَ أنّ الكَلْبَ فوْقَهُمُ |
| ساداتُ كلّ أُنَاسٍ مِنْ نُفُوسِهِمِ | وَسادَةُ المُسلِمينَ الأعْبُدُ القَزَمُ |
| أغَايَةُ الدّينِ أنْ تُحْفُوا شَوَارِبَكم | يا أُمّةً ضَحكَتْ مِن جَهلِها الأُمَمُ |
| ألا فَتًى يُورِدُ الهِنْدِيَّ هَامَتَهُ | كَيما تزولَ شكوكُ النّاسِ وَالتُّهمُ |
| فإنّهُ حُجّةٌ يُؤذي القُلُوبَ بهَا | مَنْ دينُهُ الدّهرُ وَالتّعطيلُ وَالقِدمُ |
| ما أقدَرَ الله أنْ يُخْزِي خَليقَتَهُ | وَلا يُصَدِّقَ قَوْماً في الذي زَعَمُوا |
الرأي قبل شجاعة الشجعان
| الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ | هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني |
| فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ حُرّةٍ | بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ |
| وَلَرُبّما طَعَنَ الفَتى أقْرَانَهُ | بالرّأيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الأقرانِ |
| لَوْلا العُقولُ لكانَ أدنَى ضَيغَمٍ | أدنَى إلى شَرَفٍ مِنَ الإنْسَانِ |
| وَلما تَفَاضَلَتِ النّفُوسُ وَدَبّرَتْ | أيدي الكُماةِ عَوَاليَ المُرّانِ |
| لَوْلا سَميُّ سُيُوفِهِ وَمَضَاؤهُ | لمّا سُلِلْنَ لَكُنّ كالأجْفانِ |
| خاضَ الحِمَامَ بهنّ حتى ما دُرَى | أمِنِ احتِقارٍ ذاكَ أمْ نِسْيَانِ |
| وَسَعَى فَقَصّرَ عن مَداهُ في العُلى | أهْلُ الزّمانِ وَأهْلُ كلّ زَمَانِ |
| تَخِذُوا المَجالِسَ في البُيُوتِ وَعندَه | أنّ السّرُوجَ مَجالِسُ الفِتيانِ |
| وَتَوَهّموا اللعِبَ الوَغى والطعنُ في الـ | ـهَيجاءِ غَيرُ الطّعْنِ في الميدانِ |
| قادَ الجِيَادَ إلى الطّعانِ وَلم يَقُدْ | إلاّ إلى العاداتِ وَالأوْطانِ |
| كُلَّ ابنِ سَابقَةٍ يُغيرُ بحُسْنِهِ | في قَلْبِ صاحِبِهِ عَلى الأحزانِ |
| إنْ خُلِّيَتْ رُبِطَتْ بآدابِ الوَغَى | فدُعاؤها يُغني عنِ الأرْسانِ |
| في جَحْفَلٍ سَتَرَ العُيُونَ غبارُهُ | فكأنّمَا يُبْصِرْنَ بالآذانِ |
| يَرْمي بهَا البَلَدَ البَعيدَ مُظَفَّرٌ | كُلُّ البَعيدِ لَهُ قَرِيبٌ دانِ |
| فكأنّ أرْجُلَهَا بتُرْبَةِ مَنْبِجٍ | يَطرَحنَ أيديَها بحِصْنِ الرّانِ |
| حتى عَبرْنَ بأرْسَنَاسَ سَوَابحاً | يَنْشُرْنَ فيهِ عَمَائِمَ الفُرْسانِ |
| يَقْمُصْنَ في مثلِ المُدَى من بارِدٍ | يَذَرُ الفُحُولَ وَهنّ كالخصْيانِ |
| وَالماءُ بَينَ عَجاجَتَينِ مُخَلِّصٌ | تَتَفَرّقانِ بِهِ وَتَلْتَقِيَانِ |
| رَكَضَ الأميرُ وَكاللُّجَينِ حَبَابُهُ | وَثَنى الأعِنّةَ وَهْوَ كالعِقيانِ |
| فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فوْقَهُ | وَبَنى السّفينَ لَهُ منَ الصّلْبانِ |
| وَحَشاهُ عادِيَةً بغَيرِ قَوَائِمٍ | عُقُمَ البطونِ حَوَالِكَ الألوَانِ |
| تأتي بما سَبَتِ الخُيُولُ كأنّهَا | تحتَ الحِسانِ مَرَابضُ الغِزْلانِ |
| بَحْرٌ تَعَوّدَ أنْ يُذِمّ لأهْلِهِ | من دَهْرِهِ وَطَوَارِقِ الحِدْثَانِ |
| فتَرَكْتَهُ وَإذا أذَمّ مِنَ الوَرَى | رَاعَاكَ وَاستَثنى بَني حَمدانِ |
| ألمُخْفِرِينَ بكُلّ أبيَضَ صَارِمٍ | ذِممَ الدّرُوعِ على ذوي التّيجانِ |
| مُتَصَعْلِكينَ على كَثَافَةِ مُلكِهم | مُتَوَاضِعِينَ على عَظيمِ الشّانِ |
| يَتَقَيّلُونَ ظِلالَ كُلّ مُطَهَّمٍ | أجَلِ الظّليمِ وَرِبْقَةِ السِّرْحانِ |
| خَضَعتْ لمُنصُلكَ المَناصِلُ عَنوَةً | وَأذَلّ دِينُكَ سَائِرَ الأدْيانِ |
| وَعلى الدّروبِ وَفي الرّجوعِ غضَاضَةٌ | وَالسّيرُ مُمْتَنِعٌ مِنَ الإمْكانِ |
| وَالطّرْقُ ضَيّقَةُ المَسَالِكِ بالقَنَا | وَالكُفْرُ مُجتَمعٌ على الإيمَانِ |
| نَظَرُوا إلى زُبَرِ الحَديدِ كأنّمَا | يَصْعَدْنَ بَينَ مَناكِبِ العِقْبانِ |
| وَفَوَارِسٍ يُحيي الحِمامُ نُفوسَها | فكأنّهَا لَيستْ مِنَ الحَيَوَانِ |
| مَا زِلتَ تَضرِبهُم دِرَاكاً في الذُّرَى | ضَرْباً كأنّ السّيفَ فيهِ اثْنانِ |
| خصّ الجَماجمَ وَالوُجوهَ كأنّمَا | جاءتْ إليكَ جُسُومُهمْ بأمانِ |
| فرَمَوْا بما يَرْمونَ عَنْهُ وَأدْبَرُوا | يَطَأونَ كُلّ حَنِيّةٍ مِرْنَانِ |
| يَغشاهُمُ مَطَرُ السّحاب مُفَصَّلاً | بمُهَنّدٍ وَمُثَقَّفٍ وَسِنَانِ |
| حُرِموا الذي أمَلُوا وَأدرَكَ منهُمُ | آمَالَهُ مَنْ عادَ بالحِرْمانِ |
| وَإذا الرّماحُ شَغَلنَ مُهجَةَ ثائِرٍ | شَغَلَتْهُ مُهْجَتُهُ عَنِ الإخْوَانِ |
| هَيهاتِ عاقَ عنِ العِوادِ قَوَاضِبٌ | كَثُرَ القَتيلُ بها وَقَلّ العَاني |
| وَمُهَذَّبٌ أمَرَ المَنَايَا فِيهِمِ | فأطَعْنَهُ في طاعَةِ الرّحْمانِ |
| قد سَوّدتْ شجرَ الجبالِ شُعُورُهم | فكأنّ فيهِ مُسِفّةَ الغِرْبانِ |
| وَجَرَى على الوَرَقِ النّجيعُ القَاني | فكأنّهُ النّارَنْجُ في الأغصانِ |
| إنّ السّيُوفَ معَ الذينَ قُلُوبُهُمْ | كقُلُوبهنّ إذا التَقَى الجَمعانِ |
| تَلْقَى الحُسامَ على جَرَاءَةِ حدّهِ | مثلَ الجَبانِ بكَفّ كلّ جَبَانِ |
| رَفعتْ بكَ العرَبُ العِمادَ وَصَيّرَتْ | قِمَمَ المُلُوكِ مَوَاقِدَ النّيرانِ |
| أنسابُ فَخرِهِمِ إلَيْكَ وَإنّمَا | أنْسَابُ أصْلِهِمِ إلى عَدْنَانِ |
| يا مَنْ يُقَتِّلُ مَنْ أرَادَ بسَيْفِهِ | أصْبَحتُ منْ قَتلاكَ بالإحْسانِ |
| فإذا رَأيتُكَ حارَ دونَكَ نَاظرِي | وَإذا مَدَحتُكَ حارَ فيكَ لِساني |