الأمر أيسر مما أنت مضمره

الأمر أيسر مما أنت مضمره ~ فاطرح أذاك ويسر كل ما صعبا
ولا يسرك إن بلغته أمل ~ ولا يهمك غربيب إذا نعبا
إن جد عالمك الأرضي في نبأ ~ يغشاهم فتصور جدهم لعبا
ما الرأي عندك في ملك تدين له ~ مصر أيختار دون الراحة التعبا
لن تستقيم أمور الناس في عصر ~ ولا استقامت فذا أمناً وذا رعبا
ولا يقوم على حق بنو زمن ~ من عهد آدم كانوا في الهوى شعبا
قصيدة لشاعر العصر العباسي أبو العلاء المعري

أرى العنقاء تكبر أن تصادا

أرى العنقاء تكبر أن تصادا ~ فعاند من تطيق له عنادا
وما نهنهت عن طلب ولكن ~ هي الأيام لا تعطي قيادا
فلا تلم السوابق والمطايا ~ إذا غرض من الأغراض حادا
لعلك أن تشن بها مغاراً ~ فتنجح أو تجشمها طرادا
مقارعة أحجتها العوالي ~ مجنبة نواظرها الرقادا
نلوم على تبلدها قلوباً ~ تكابد من معيشتها جهادا
إذا ما النار لم تطعم ضراماً ~ فأوشك أن تمر بها رمادا
فظن بسائر الإخوان شراً ~ ولا تأمن على سر فؤادا
فلو خبرتهم الجوزاء خبري ~ لما طلعت مخافة أن تكادا
تجنبت الأنام فلا أواخي ~ وزدت عن العدو فما أُعادى
ولمّا أنْ تَجَهّمَني مُرادي ~ جَرَيْتُ معَ الزّمانِ كما أرادا
وهونت الخطوب علي حتى ~ كأني صرت أمنحها الودادا
أَأُنْكِرُها ومَنْبِتُها فؤادي ~ وكيفَ تُناكِرُ الأرضُ القَتادا
فأيّ النّاسِ أجْعَلُهُ صَديقا ~ وأيّ الأرضِ أسْلُكُهُ ارْتِيادا
ولو أنّ النّجومَ لديّ مالٌ ~ نَفَتْ كَفّايَ أكْثرَها انْتِقادا
كأني في لِسانِ الدهْرِ لَفْظٌ ~ تَضَمّنَ منه أغْراضاً بِعادا
يُكَرّرُني ليَفَهَمَني رِجالٌ ~ كما كَرّرْتَ مَعْنىً مُسْتَعادا
ولو أني حبِيت الخلد فرداً ~ لما أحببت بالخلد انفرادا
فلا هَطَلَتْ عَلَيّ ولا بأرْضي ~ سَحائبُ ليسَ تنْتَظِمُ البِلادا
وكم مِن طالِبٍ أمَدي سيَلْقى ~ دُوَيْنَ مَكانيَ السبْعَ الشّدادا
يُؤجِّجُ في شُعاعِ الشمسِ ناراً ~ ويَقْدَحُ في تَلَهّبِها زِنادا
ويَطْعَنُ في عُلايَ وإنّ شِسْعي ~ لَيَأنَفُ أن يكونَ له نِجادا
ويُظْهِرُ لي مَوَدّتَهُ مَقالا ~ ويُبْغِضُني ضَميراً واعْتِقادا
فلا وأبيكَ ما أخْشَى انتِقاضاً ~ ولا وأبيكَ ما أرْجو ازْديادا
ليَ الشّرَفُ الّذي يَطَأُ الثُريّا ~ معَ الفَضْلِ الذي بَهَرَ العِبادا
وكم عَيْنٍ تُؤَمّلُ أن تَراني ~ وتَفْقِدُ عندَ رؤيَتِيَ السّوادا
ولو مَلأ السُّهى عَيْنَيْهِ مِنّي ~ أَبَرَّ على مَدَى زُحَلٍ وزادا
أفُلّ نَوائبَ الأيامِ وحْدي ~ إذا جَمَعَتْ كَتائِبَها احْتِشادا
وقد أثبت رجلي في ركاب ~ جعلت من الزماع له بدادا
إذا أوْطَأتُها قَدَمَيْ سُهَيْلٍ ~ فلا سُقِيَتْ خُناصِرَةُ العِهادا
كأنّ ظِماءَهُنّ بناتُ نَعْشٍ ~ يَرِدْنَ إذا وَرَدنا بِنا الثِّمادا
ستَعْجَبُ من تَغَشْمُرِها لَيالٍ ~ تُبارِينا كواكبُها سُهادا
كأنّ فِجاجَها فَقَدَتْ حَبيباً ~ فصَيّرَتِ الظّلامَ لها حِدادا
وقد كتَبَ الضّريبُ بها سُطوراً ~ فخِلْتَ الأرضَ لابِسَةً بِجادا
كأنّ الزِّبْرِقانَ بها أسيرٌ ~ تُجُنِّبَ لا يُفَكُّ ولا يُفادى
وبعضُ الظاعِنينَ كقَرْنِ شَمْسٍ ~ يَغيبُ فإنْ أضاء الفَجْرُ عادا
ولكِنّي الشّبابُ إذا تَوَلّى ~ فجَهْلٌ أنْ تَرومَ له ارْتِدادا
وأحْسَبُ أنّ قَلْبي لو عَصاني ~ فَعاوَدَ ما وَجَدْتُ له افْتِقادا
تذكَّرْتُ البِداوَةَ في أُناسٍ ~ تَخالُ رَبيعَهُمْ سَنَةً جَمادا
يَصيدونَ الفَوَارِسَ كلَّ يومٍ ~ كما تَتَصَيّدُ الأُسْدُ النِّقادا
طلَعْتُ عليهِمْ واليوْمُ طِفْلٌ ~ كأنّ على مَشارِقِهِ جِسادا
إذا نَزَلَ الضّيوفُ ولم يُريحُوا ~ كرامَ سَوامِهمْ عَقَروا الجِيادا
بُناةُ الشِّعْرِ ما أكْفَوْا رَوِيّاً ~ ولا عَرَفوا الإجازَةَ والسِّنادا
عَهِدْتُ لأحْسَنِ الحَيّيْنِ وَجْهاً ~ وأوْهَبِهِمْ طريفاً أو تِلادا
وأطْوَلِهِمْ إذا ركِبوا قَناةً ~ وأرْفَعِهِمْ إذا نزَلوا عِمادا
فتىً يَهَبُ اللُّجَيْنَ المَحضَ جوداً ~ ويَدَّخِرُ الحديدَ له عَتادا
ويَلْبَسُ من جُلودِ عِداهُ سِبْتاً ~ ويَرْفَعُ من رُؤوسِهِمُ النِّضَادا
أبَنَّ الغَزْوَ مُكْتَهِلاً وبَدْرا ~ وعُوّدَ أنْ يَسودَ ولا يُسادا
جَهولٌ بالمَناسِكِ ليس يَدري ~ أغَيّاً باتَ يَفْعَلُ أم رَشادا
طَموحُ السّيفِ لا يخْشَى إلهاً ~ ولا يَرجو القِيامَةَ والمَعادا
ويَغْبِقُ أهْلَهُ لبَنَ الصّفايا ~ ويَمْنَحُ قَوْتَ مُهْجَتِهِ الجَوادا
يَذودُ سَخاؤُهَ الأذْوادَ عنه ~ ويُحْسِنُ عن حرائِبِهِ الذِّيادا
يَرُدّ بتُرْسِهِ النّكْباءَ عنّي ~ ويجْعَلُ دِرْعَهُ تحْتي مِهادا
فبِتُّ وإنّما ألْقَى خَيَالاً ~ كمَنْ يَلْقَى الأسِنّةَ والصِّعادا
وأطْلَسَ مُخْلِقِ السِّرْبالِ يَبْغي ~ نَوافِلَنا صَلاحاً أو فَسادا
كأنّي إذْ نَبَذْتُ له عِصاماً ~ وَهَبْتُ له المَطِيّةَ والمَزَادا
وبَالي الجِسْمِ كالذّكَرِ اليَماني ~ أفُلّ به اليَمانِيَةَ الحِدادا
طَرَحْتُ له الوَضِينَ فخِلْتُ أني ~ طرَحْتُ له الحَشِيّةَ والوِسادا
ولي نفس تحل بي الروابي ~ وتأبى أن تحل بي الوهادا
تمد لتقبض القمرين كفّا ~ وتحمل كي تبذ النجم زادا
قصيدة لشاعر العصر العباسي أبو العلاء المعري

لمن الديار غشيتها بسحام

لمن الديار غشيتها بسحام ~ فعمايتين فهضب ذي أقدام
فصفا الاطيطِ فصاحتين فغاضر ~ تمشي النعاج بها مع الآرام
دار لهند والرباب وفرتنى ~ ولميس قبل حوادث الأيام
عوجا على الطلل المحيل لأننا ~ نبكي الديار كما بكى ابن خذام
أو ما ترى أضغانهن بواكراً ~ كالنخل من شوكان حين صرام
حوراً تعللُ بالعبير جلودها ~ وأنا المعالي صفحة النوام
فظللت في دمن الديار كأنني ~ نشوان باكره صبوح مدام
أنفٍ كلونِ دم الغزال معتق ~ من خمر عانة أو كروم شبام
وكأن شاربها أصاب لسانه ~ مومٌ يخالط جسمه بسقام
ومجدة نسأتها فتكمشت ~ رنك النعامة في طريق حام
تخذي على العلاتِ سامٍ رأسها ~ روعاء منسمها رثيم دام
جالت لتصرعني فقلتُ لها اقصري ~ إني امرءٌ صرعي عليك حرام
فجزيتِ خيرَ جزاء ناقة واحدٍ ~ ورجعت سالمة القرا بسلام
وكأنما بدر وصيل كتيفة ~ وَكأنما من عاقل أرمام
أبلغ سبيعاً أن عرضت رسالة ~ إني كهمك إن عشوت أمامي
أقصر إليك من الوعيد فَأنّني ~ مِمّا أُلاقي لا أشد حزامي
وأنا المبنهُ بعدَ ما قد نوّموا ~ وأنا المعالنُ صفحة َ النوام
وأنا الذي عرفت معدٌ فضلهُ ~ ونشدتُ عن حجر ابن أمِّ قطام
وأنازل البطل الكرية نزاله ~ وإذا أناضل لا تطيش سهامي
خالي ابن كبشة قد علمت مكانه ~ وأبو يزيد ورهطه أعمامي
وإذا أذيت ببلدة ودعتها ~ ولا أقيم بغير دار مقام
قصيدة من العصر الجاهلي للشاعر امرؤ القيس الكندي

ألما على الربع القديم بعسعسا

ألما على الربع القديم بعسعسا ~ كأني أنادي أو أكلم أخرسا
فلو أن أهل الدّار فيها كعهدنَا ~ وجدت مقيلاً عندهم ومعرسا
فلا تنكروني إنني أنا ذاكم ~ ليالي حل الحي غولاً فألعسا
فإما تريني لا أغمض ساعة ~ من الليل إلا أن أكب فأنعسا
تأوبني دائي القديم فغلسا ~ أحاذر أن يرتد دائي فأنكسا
فيا رب مكروب كررت وراءه ~ وطاعنت عنه الخيل حتى تنفسا
ويا رب يوم قد أروح مرجلاً ~ حبيبا إلى البيض الكواعب أملسا
يرعنَ إلى صوتي إذا ما سمعنه ~ كما ترعوي عيط إلى صوت أعيسا
أراهن لا يحببن مَن قل ماله ~ ولا من رأين الشيب فيه وقوا
وما خفتُ تبريح الحياة كما أرى ~ تضيق ذراعي أن أقوم فألبسا
فلو أنها نفس تموت جميعة ~ ولكنها نفس تساقط أنفسا
وبدلت قرحاً دامياً بعد صحة ~ فيا لك من نعمى تحوّلن أبؤسا
لقد طمح الطماح من بعد أرضه ~ ليلبسني من دائه ما تلبسا
ألا إن بعد العُدم للمرء قنوة ~ وَبعد المشيب طول عمر وملبسا
قصيدة لشاعر العصر الجاهلي امرؤ القيس الكندي

ديمة هطلاء فيها وطف

ديمة هطلاء فيها وطف ~ طبق الأَرض تحرى وتدر
تخرج الود إذا ما أشجذت ~ وتواريه إذا ما تشتكر
وترى الضب خفيفا ماهرًا ~ ثانيًا برثنه ما ينعفر
وترى الشجراء في ريقه ~ كرؤوس قطعت فيها الخمر
ساعة ثم انتحاها وابل ~ ساقط الأَكناف واه منهمر
راح تمريه الصبا ثم انتحى ~ فيه شؤبوب جنوب منفجر
ثج حتى ضاق عن آذيه ~ عرض خيم فجفاف فيسر
قد غدا يحملني في أنفه ~ لاحق الإطلَين محبوك ممر
قصيدة لشاعر العصر الجاهلي امرؤ القيس الكندي

أجارتنا ان الخطوب تنوب

أجارتنا ان الخطوب تنوب ~ واني مقيم ما اقام عسيب
أجارتنا أنا غريبان هاهنا ~ وكل غريب للغريب نسيب
فإن تصلينا فالقرابة بيننا ~ وإن تصرمينا فالغريب غريب
اجارتنا مافات ليس يؤؤب ~ وما هو آت في الزمان قريب
وليس غريبا من تناءت دياره ~ ولكن من وارى التراب غريب
قصيدة لشاعر العصر الجاهلي امرؤ القيس الكندي