فرحا بشيء ما

فرحا بشيء ما خفيٍّ، كنْت أَحتضن
الصباح بقوَّة الإنشاد، أَمشي واثقا
بخطايَ، أَمشي واثقا برؤايَ، وَحْي ما
يناديني: تعال كأنَّه إيماءة سحريَّة
وكأنه حلْم ترجَّل كي يدربني علي أَسراره
فأكون سيِّدَ نجمتي في الليل… معتمدا
علي لغتي. أَنا حلْمي أنا. أنا أمّ أمِّي
في الرؤي، وأَبو أَبي، وابني أَنا
فرحا بشيء ما خفيٍّ، كان يحملني
علي آلاته الوتريِّة الإنشاد . يَصْقلني
ويصقلني كماس أَميرة شرقية
ما لم يغَنَّ الآن
في هذا الصباح
فلن يغَنٌي
أَعطنا، يا حبّ، فَيْضَكَ كلَّه لنخوض
حرب العاطفيين الشريفةَ، فالمناخ ملائم
والشمس تشحذ في الصباح سلاحنا
يا حبُّ! لا هدفٌ لنا إلا الهزيمةَ في
حروبك.. فانتصرْ أَنت انتصرْ، واسمعْ
مديحك من ضحاياكَ: انتصر سَلِمَتْ
يداك! وَعدْ إلينا خاسرين… وسالما
فرحا بشيء ما خفيٍّ، كنت أَمشي
حالما بقصيدة زرقاء من سطرين من
سطرين… عن فرح خفيف الوزن
مرئيٍّ وسرِّيٍّ معا
مَنْ لا يحبّ الآن
في هذا الصباح
فلن يحبَّ
قصيدة حب لمحمود درويش

أحبك أكثر

تكبر تكبر
فمهما يكن من جفاك
ستبقى بعيني و لحمي ملاك
وتبقى كما شاء لي حبنا أن أراك
نسيمك عنبر
وأرضك سكر
وإني أحبك .. أكثر
يداك خمائل
ولكنني لا أغني
ككل البلابل
فإن السلاسل
تعلمني أن أقاتل
أقاتل .. أقاتل
لأني أحبك أكثر
غنائي خناجر ورد
وصمتي طفولة رعد
وزنبقة من دماء
فؤادي
وأنت الثرى والسماء
وقلبك اخضر
وجزر الهوى فيك مد
فكيف إذن لا أحبك أكثر
وأنت كما شاء لي حبنا أن أراك
نسيمك عنبر
وأرضك سكر
وقلبك أخضر
وغني طفل هواك
على حضنك الحلو
أنمو وأكبر
قصائد محمود درويش

عابرون في كلام عابر

أيها المارون بين الكلمات العابرة
احملوا أسماءكم وانصرفوا
وأسحبوا ساعاتكم من وقتنا وانصرفوا
وخذوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة
وخذوا ما شئتم من صور كي تعرفوا
انكم لن تعرفوا
كيف يبني حجر من ارضنا سقف السماء
ايها المارون بين الكلمات العابرة
منكم السيف – ومنا دمنا
منكم الفولاذ والنار- ومنا لحمنا
منكم دبابة اخرى- ومنا حجر
منكم قنبلة الغاز – ومنا المطر
وعلينا ما عليكم من سماء وهواء
فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا
وادخلوا حفل عشاء راقص ~ وانصرفوا
وعلينا، نحن، ان نحرس ورد الشهداء
وعلينا، نحن، ان نحيا كما نحن نشاء
ايها المارون بين الكلمات العابرة
كالغبار المر مُرّوا اينما شئتم ولكن
لا تمرّوا بيننا كالحشرات الطائرة
فلنا في ارضنا ما نعمل
ولنا قمح نربّيه ونسقيه ندى اجسادنا
ولنا ما ليس يرضيكم هنا
حجر ~ او خجل
فخذوا الماضي، اذا شئتم الى سوق التحف
وأعيدوا الهيكل العظمي للهدهد ان شئتم
على صحن خزف
لنا ما ليس يرضيكم، لنا المستقبل ولنا في ارضنا ما نعمل
ايها المارون بين الكلمات العابرة
كدِّسوا اوهامكم في حفرة مهجورة، وانصرفوا
وأعيدوا عقرب الوقت الى شرعية العجل المقدس
او الى توقيت موسيقى المسدس
فلنا ما ليس يرضيكم هنا، فانصرفوا
ولنا ما ليس فيكم: وطن ينزف وشعب ينزف
وطن يصلح للنسيان او للذاكرة
ايها المارون بين الكلمات العابرة
آن أن تنصرفوا
وتقيموا اينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا
آن أن تنصرفوا
ولتموتوا اينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا
فلنا في ارضنا ما نعمل
ولنا الماضي هنا
ولنا صوت الحياة الاول
ولنا الحاضر، والحاضر والمستقبل
ولنا الدنيا هنا ~ والاخرة
فاخرجوا من ارضنا
من برنا ~ من بحرنا
من قمحنا ~ من ملحنا ~ من جرحنا
من كل شيء واخرجوا
من مفردات الذاكرة
ايها المارون بين الكلمات العابرة
قصائد محمود درويش

أمر باسمك

أمر باسمك إذ أخلو إلى نفسكما يمرّ دمشقي بأندلسي
هنا أضاء لك الليمون ملح دميوهاهنا وقعت ريحٌ على الفرسِ
أمر باسمك لا جيشٌ يحاصرنيولا بلاد كأني آخر الحرسِ
أو شاعر يتمشّى في هواجسهفي دمشق تطير الحمامات
خلف سياج الحريراثنتين ثنتين
في دمشق ارى لغتي كلها على حبة قمح مكتوبةبأبرة انثى ينقحها حجر الرافدين.
في دمشق تطرز أسماء خيل العربمن الجاهلية حتى القيامة أو بعدها
بخيوط الذهبفي دمشق تسير السماء على الطرق القديمة
حافية حافيةفما حاجة الشعراء الى الوحي و الوزن و القافية
قصيدة محمود درويش