السجين و القمر

في آخر الليل التقينا تحت قنطرة الجبال
منذ اعْتُقِلتُ وأنت أدرى بالسببْ
ألان أغنية تدافع عن عبير البرتقال
وعن التحدي والغضب
دفنوا قرنفلة المغني في الرمال
~~~~
عَلمانِ نحن على تماثيل الغيوم الفستقية
بالحب محكومان باللون المغني
كلُّ الليالي السودُ تسقط في أغانينا ضحية والضوء يشرب ليل أحزاني وسجني
فتعال ما زالت لقصتنا بقيهْ
سأحدث الَّجان حين يراك
عن حب قديمْ
فلربما وصل الحديث بنا إلى ثمن الأغاني
هذا أنا في القيد أمتشق النجوم
وهو الذي يقتات ، حراً من دخاني
ومن السلاسل والوجوم
~~~~
كانت هويتنا ملاييناً من الأزهار
كنا في الشوارع مهرجان
الريح منزلنا
وصوت حبيبتي قُبَلٌ
وكُنْتَ الموعدا
لكنهم جاؤوا من المدن القديمةِ
من أقاليم الدخان
كي يسحبوها من شراييني
فعانقت المدى
والموت والميلاد في وطني المؤلَّه توأمان
ستموت يوماً حين تعنينا الرسوم عن الشجر
وتباع في الأسواق أجنحة البلابلْ
وأنا سأغرق في الزحام غداً , وأحلم بالمطر
وأحدث المسراء عن طعم السلاسل
وأقول موعدنا القمر
شعر محمود درويش

امرأة جميلة في سدوم

يأخذ الموت على جسمك
شكل المغفرة
وبودي لو أموت
داخل اللذة يا تفاحتي
يا امرأتي المنكسرة
وبودّي لو أموت
خارج العالم.. في زوبعة مندثرة
للتي أعشقها وجهان
وجه خارج الكون
ووجه داخل سدوم العتيقة
وأنا بينهما
أبحث عن وجه الحقيقة
صمت عينيك يناديني
إلى سكّين نشوة
وأنا في أوّل العمر
رأيت الصمت
والموت الذي يشرب قهوة
وعرفت الداء
والميناء
لكنك.. حلوة
و أنا أنتشر الآن على جسمك
كالقمح، كأسباب بقائي ورحيلي
وأنا أعرف أن الأرض أمي
وعلى جسمك تمضي شهوتي بعد قليل
وأنا أعرف أنّ الحب شيء
والذي يجمعنا، الليلة، شيء
وكلانا كافر بالمستحيل
وكلانا يشتهي جسما بعيدا
وكلانا يقتل الآخر خلف النافذة
التي يطلبها جسمي
جميلة
كالتقاء الحلم باليقظة
كالشمس التي تمضي إلى البحر
بزي البرتقالة
والتي يطلبها جسمي
جميلة
كالتقاء اليوم بالأمس
وكالشمس التي يأتي إليها البحر
من تحت الغلاله
لم نقل شيئا عن الحبّ
الذي يزداد موتا
لم نقل شيئا
ولكنا نموت الآن
موسيقى وصمتا
ولماذا
وكلانا ذابل كالذكريات الآن
لا يسأل: من أنت
ومن أين: أتيت
وكلانا كان في حطين
والأيام تعتاد على أن تجد الأحياء
موتى
أين أزهاري
أريد الآن أن يمتليء البيت زنابق
أين أشعاري
أريد الآن موسيقى السكاكين التي تقتل
كي يولد عاشق
وأريد الآن أن أنساك
كي يبتعد الموت قليلا
فاحذري الموت الذي
لا يشبه الموت الذي
فاجأ أمّي
التي يطلبها جسمي
لها وجهان
وجه خارج الكون
ووجه داخل سدوم العتيقة
وأنا بينهما
أبحث عن الحقيقة
من قصائد محمود درويش

هنالك عرس

هنالك عُرْسٌ على بُعْدِ بيتين منا
فلا تُغْلِقُوا البابَ… لا تحجبوا نزوةَ
الفَرَح الشاذِّ عنا فإن ذبلت وردةٌ
لا يحسُّ الربيع بواجبه في البكاء
وإن صَمتَ العندليبُ المريضُ أَعارَ الكناريَّ
حصِّتَهُ في الغناء وإن وقعت نجمةٌ
لا تُصَابُ السماء بسوء
هنالك عُرْسٌ
فلا تغلقوا الباب في وجه هذا الهواء
المضمَّخ بالزنجبيل وخوخ العروس التي
تَنْضجْ الآن تبكي وتضحك كالماء
لا جُرْحَ في الماء. لا أَثَرٌ لدمٍ
سال في الليل
قيل: قويُّ هو الحُبُّ كالموت
قُلْتُ: ولكن شهوتنا للحياة
ولو خذلتنا البراهينُ أَقوى من
الحبّ والموتِ
فلننه طقس جنازتنا كي نشاركَ
جيراننا في الغناء
الحياة بديهيَّةٌ .. وحقيقيَّةٌ كالهباء
قصيدة محمود درويش

لا أعرف الشخص الغريب

لا أَعرف الشخصَ الغريبَ و لا مآثرَهُ
رأيتُ جِنازةً فمشيت خلف النعش
مثل الآخرين مطأطئ الرأس احتراماً. لم
أَجد سَبَباً لأسأل: مَنْ هُو الشخصُ الغريبُ
وأين عاش, وكيف مات [فإن أسباب
الوفاة كثيرةٌ من بينها وجع الحياة]
سألتُ نفسي: هل يرانا أَم يرى
عَدَماً ويأسفُ للنهاية؟ كنت أَعلم أنه
لن يفتح النَّعْشَ المُغَطَّى بالبنفسج كي
يُودِّعَنا ويشكرنا ويهمسَ بالحقيقة
[ما الحقيقة؟]. رُبِّما هُوَ مثلنا في هذه
الساعات يطوي ظلِّهُ. لكَّنهُ هُوَ وحده
الشخصُ الذي لم يَبْكِ في هذا الصباح،
ولم يَرَ الموت المحلِّقَ فوقنا كالصقر
[فالأحياء هم أَبناءُ عَمِّ الموت، والموتى
نيام هادئون وهادئون] ولم
أَجد سبباً لأسأل: من هو الشخص
الغريب وما اسمه؟ [لا برق
يلمع في اسمه] والسائرون وراءه
عشرون شخصاً ما عداي [أنا سواي]
وتُهْتُ في قلبي على باب الكنيسة
ربما هو كاتبٌ أو عاملٌ أو لاجئ
أو سارقٌ, أو قاتلٌ… لا فرق
فالموتى سواسِيَةٌ أمام الموت… لا يتكلمون
وربما لا يحملون
وقد تكون جنازةٌ الشخصِ الغريب جنازتي
لكنِّ أَمراً ما إلهياً يُؤَجَّلُها
لأسبابٍ عديدةْ
من بينها: خطأ كبير في القصيدةْ
أشعار محمود درويش

لا تتركيني

وطني جبينك، فاسمعيني
لا تتركيني
خلف السياج
كعشبة برية
كيمامة مهجورة
لا تتركيني
قمرا تعيسا
كوكبا متسولا بين الغصون
لا تتركيني
حرا بحزني
واحبسيني
بيد تصبّ الشمس
فوق كوى سجوني
وتعوّدي أن تحرقيني
إن كنت لي
شغفا بأحجاري بزيتوني
بشبّاكي… بطيني
وطني جبينك، فاسمعيني
لا تتركيني!
قصيدة محمود درويش

برتقالية

بُرْتُقَاليةً تدخلُ الشمس في البحرِ
والبرتقالةُ قنديلُ ماءٍ على شَجَرٍ باردٍ
برتقاليةً، تَلِدُ الشمسُ طفلَ الغروب الإلهيَّ
والبرتقالةُ,إحدى وصيفاتها، تتأمَّلُ مجهولها
~~~
برتقاليةً, تسكب الشمسُ سائلها في فم البحرِ
والبرتقالةُ خائفة من فمٍ جائعٍ
برتقاليةً، تدخل الشمسُ في دورة الأبديّةِ
والبرتقالةُ تحظى بتمجيد قاتِلِها
تلك فاكهةٌ مثل حَبَّة شمسٍ
تُقَشَّرُ باليد والفمِ، مَبْحُوحَةُ الطعمِ
ثرثارةُ العطر سكري بسائلها
لونها لا شبيهَ له غيرها
لونها صِفَةُ الشمس في نومها
لونها طعمها: حامضٌ سُكَّريٌّ
غنيٌّ بعافية الضوء والفيتامين سي
وليس على الشعر من حَرَجٍ إنْ
تلعثم في سَرْدِهِ، وانتبهْ
إلى خَلَلٍ رائعٍ في الشَّبَهْ
قصيدة شاعر فلسطين محمود درويش