بين ريتا وعيوني بندقية

بين ريتا وعيوني بندقية
والذي يعرف ريتا ينحني
ويصلي
لإله في العيون العسلية
وأنا قبَّلت ريتا
عندما كانت صغيرة
وأنا أذكر كيف التصقت
بي، وغطت ساعدي أحلى ضفيرة
وأنا أذكر ريتا
مثلما يذكر عصفورٌ غديره
آه ريتا
بينما مليون عصفور وصورة
ومواعيد كثيرة
أطلقت ناراً عليها بندقية
اسم ريتا كان عيداً في فمي
جسم ريتا كان عرساً في دمي
وأنا ضعت بريتا سنتين
وهي نامت فوق زندي سنتين
وتعاهدنا على أجمل كأس، واحترقنا
في نبيذ الشفتين
وولدنا مرتين
آه ريتا
أي شيء ردَّ عن عينيك عينيَّ
سوى إغفاءتين
وغيوم عسلية
قبل هذي البندقية
كان يا ما كان
يا صمت العشيّة
قمري هاجر في الصبح بعيداً
في العيون العسلية
والمدينة
كنست كل المغنين وريتا
بين ريتا وعيوني بندقية
قصيدة رومانسية لمحمود درويش

عن الصمود

لو يذكر الزيتون غارسه
لصار الزيت دمعا
يا حكمة الأجداد
لو من لحمنا نعطيك درعا
لكنّ سهل الريح
لا يعطي عبيد الريح زرعا
إنّا سنقلع بالرموش
الشوك و الأحزان .. قلعا
وإلام نحمل عارنا و صليبنا
والكون يسعى
سنظل في الزيتون خضرته
وحول الأرض درعا
إنّا نحبّ الورد
لكنّا نحبّ القمح أكثر
ونحبّ عطر الورد
لكن السنابل منه أطهر
فاحموا سنابلكم من الأعصار
بالصدر المسمّر
هاتوا السياج من الصدور
من الصدور فكيف يكسر
إقبض على عنق السنابل
مثلما عانقت خنجر
الأرض و الفلاح و الإصرار
قل لي كيف تقهر
هذي الأقانيم الثلاثة
كيف تقهر
عيناك يا صديقتي العجوز يا صديقتي المراهقة
عيناك شحّاذان في ليل الزوايا الخانقة
لا يضحك الرجاء فيهما و لا تنام الصاعقة
لم يبق شيء عندنا .. إلّا الدموع الغارقة
قولي: متى ستضحكين مرة و إن تكن منافقة
كفاك يا صديقتي ذئبان جائعان
مصّي بقايا دمنا، و بعدنا الطوفان
وإن سغبت مرة، لا تتركي الجثمان
وإن سئمت بعدها، فعندك الديدان
إنّا خلقنا غلطة .. في غفلة من الزمان
وأنت يا صديقي العجوز .. يا صديقتي المراهقة
كوني على أشلائنا، كالزنبقات العابقة
الغاب يا صديقتي يكفّن الأسرار
وحولنا الأشجار لا تهرّب الأخبار
والشمس عند بابنا معمية الأنوار
واشية، لكنها لا تعبر الأسوار
إن الحياة خلفنا غريبة منافقة
فابني على عظامنا دار علاك الشاهقة
أسمع يا صديقتي ما يهتف الأعداء
أسمعهم من فجوة في خيمة السماء
يا ويل من تنفست رئاته الهواء
من رئة مسروقة
ياويل من شرابه دماء
ومن بنى حديقة .. ترابها أشلاء
يا ويله من وردها المسموم
قصيدة محمود درويش

أمل

ما زال في صحونكم بقية من العسل
ردوا الذباب عن صحونكم
لتحفظوا العسل
ما زال في كرومكم عناقد من العنب
ردوا بنات آوى
يا حارسي الكروم
لينضج العنب
ما زال في بيوتكم حصيرة .. وباب
سدوا طريق الريح عن صغاركم
ليرقد الأطفال
الريح برد قارس .. فلتغلقوا الأبواب
ما زال في قلوبكم دماء
لا تسفحوها أيّها الآباء
فإن في أحشائكم جنين
مازال في موقدكم حطب
وقهوة .. وحزمة من اللهب
قصيدة محمود درويش

الجميلات هن الجميلات

الجميلات هن الجميلات
نقش الكمنجات في الخاصرة
الجميلات هن الضعيفات
عرشٌ طفيفٌ بلا ذاكرة
الجميلات هن القويات
يأسٌ يضيء ولا يحترق
الجميلات هن الأميرات
ربَّاتُ وحي قلق
الجميلات هن القريبات
جاراتُ قوس قزح
الجميلات هن البعيدات
مثل أغاني الفرح
الجميلات هن الفقيرات
مثل الوصيفات في حضرة الملكة
الجميلات هن الطويلات
خالات نخل السماء
الجميلات هن القصيرات
يُشرَبْنَ في كأس ماء
الجميلات هن الكبيرات
مانجو مقشرةٌ ونبيذٌ معتق
الجميلات هن الصغيرات
وَعْدُ غدٍ وبراعم زنبق
الجميلات، كلّْ الجميلات، أنت ِ
إذا ما اجتمعن ليخترن لي أنبل القاتلات
أبيات شاعر فلسطين محمود درويش

أهديها غزالا

وشاح المغرب الوردي فوق ضفائر الحلوة
وحبة برتقال كانت الشمس
تحاول كفها البيضاء أن تصطادها عنوة
وتصرخ بي، و كل صراخها همس
أخي! يا سلمي العالي
أريد الشمس بالقوة
و في الليل رماديّ، رأينا الكوكب الفضي
ينقط ضوءه العسلي فوق نوافذ البيت
وقالت، و هي حين تقول، تدفعني إلى الصمت
تعال غدا لنزرعه.. مكان الشوك في الأرض
أبي من أجلها صلّى و صام
وجاب أرض الهند و الإغريق
إلها راكعا لغبار رجليها
وجاع لأجلها في البيد.. أجيالا يشدّ النوق
وأقسم تحت عينيها
يمين قناعة الخالق بالمخلوق
تنام، فتحلم اليقظة في عيني مع السّهر
فدائيّ الربيع أنا، و عبد نعاس عينيها
وصوفي الحصى، و الرمل، و الحجر
سأعبدهم، لتلعب كالملاك، و ظل رجليها
على الدنيا، صلاة الأرض للمطر
حرير شوك أيّامي،على دربي إلى غدها
حرير شوك أيّامي
وأشهى من عصير المجد ما ألقى.. لأسعدها
وأنسى في طفولتها عذاب طفولتي الدامي
وأشرب، كالعصافير، الرضا و الحبّ من يدها
سأهديها غزالا ناعما كجناح أغنية
له أنف ككرملنا
وأقدام كأنفاس الرياح، كخطو حريّة
وعنق طالع كطلوع سنبلنا
من الوادي ..إلى القمم السماويّة
سلاما يا وشاح الشمس، يا منديل جنتنا
ويا قسم المحبة في أغانينا
سلاما يا ربيعا راحلا في الجفن! يا عسلا بغصتنا
ويا سهر التفاؤل في أمانينا
لخضرة أعين الأطفال.. ننسج ضوء رايتنا
قصيدة محمود درويش

وصلنا متأخرين

في مرحلة ما من هشاشةٍ نُسمّيها
نضجاً لانكون متفائلين ولامتشائمين
أقلعنا عن الشغف والحنين وعن تسمية
الأشياء بأضدادها من فرط ما التبس
علينا الأمر بين الشكل والجوهر ودرّبنا
الشعور على التفكير الهاديء قبل البوح
للحكمة أسلوبُ الطبيب في النظر الى الجرح
وإذ ننظر الى الوراء لنعرف أين نحن منّا ومن الحقيقة
نسأل: كم ارتكبنا من الأخطاء
وهل وصلنا الى الحكمة متأخرين
لسنا متأكدين من صواب الريح
فماذا ينفعنا أن نصل الى أيّ شيء متأخرين
حتى لو كان هنالك من ينتظرنا على سفح الجبل
ويدعونا الى صلاة الشكر لأننا وصلنا سالمين
لامتفائلين ولامتشائمين لكن متأخرين
أبيات شعر محمود درويش