بين ريتا وعيوني بندقية |
والذي يعرف ريتا ينحني |
ويصلي |
لإله في العيون العسلية |
وأنا قبَّلت ريتا |
عندما كانت صغيرة |
وأنا أذكر كيف التصقت |
بي، وغطت ساعدي أحلى ضفيرة |
وأنا أذكر ريتا |
مثلما يذكر عصفورٌ غديره |
آه ريتا |
بينما مليون عصفور وصورة |
ومواعيد كثيرة |
أطلقت ناراً عليها بندقية |
اسم ريتا كان عيداً في فمي |
جسم ريتا كان عرساً في دمي |
وأنا ضعت بريتا سنتين |
وهي نامت فوق زندي سنتين |
وتعاهدنا على أجمل كأس، واحترقنا |
في نبيذ الشفتين |
وولدنا مرتين |
آه ريتا |
أي شيء ردَّ عن عينيك عينيَّ |
سوى إغفاءتين |
وغيوم عسلية |
قبل هذي البندقية |
كان يا ما كان |
يا صمت العشيّة |
قمري هاجر في الصبح بعيداً |
في العيون العسلية |
والمدينة |
كنست كل المغنين وريتا |
بين ريتا وعيوني بندقية |
محمود درويش
محمود سليم حسين درويش شاعر فلسطيني مشهور يلقب بشاعر فلسطين و شاعر المقاومة الفلسطينية, اعتقله الإحتلال الصهيوني عدة مرات, ولد في فلسطين وعاش بين لبنان و مصر وفرنسا و توفي في الولايات المتحدة عام 2008.
عن الصمود
لو يذكر الزيتون غارسه |
لصار الزيت دمعا |
يا حكمة الأجداد |
لو من لحمنا نعطيك درعا |
لكنّ سهل الريح |
لا يعطي عبيد الريح زرعا |
إنّا سنقلع بالرموش |
الشوك و الأحزان .. قلعا |
وإلام نحمل عارنا و صليبنا |
والكون يسعى |
سنظل في الزيتون خضرته |
وحول الأرض درعا |
إنّا نحبّ الورد |
لكنّا نحبّ القمح أكثر |
ونحبّ عطر الورد |
لكن السنابل منه أطهر |
فاحموا سنابلكم من الأعصار |
بالصدر المسمّر |
هاتوا السياج من الصدور |
من الصدور فكيف يكسر |
إقبض على عنق السنابل |
مثلما عانقت خنجر |
الأرض و الفلاح و الإصرار |
قل لي كيف تقهر |
هذي الأقانيم الثلاثة |
كيف تقهر |
عيناك يا صديقتي العجوز يا صديقتي المراهقة |
عيناك شحّاذان في ليل الزوايا الخانقة |
لا يضحك الرجاء فيهما و لا تنام الصاعقة |
لم يبق شيء عندنا .. إلّا الدموع الغارقة |
قولي: متى ستضحكين مرة و إن تكن منافقة |
كفاك يا صديقتي ذئبان جائعان |
مصّي بقايا دمنا، و بعدنا الطوفان |
وإن سغبت مرة، لا تتركي الجثمان |
وإن سئمت بعدها، فعندك الديدان |
إنّا خلقنا غلطة .. في غفلة من الزمان |
وأنت يا صديقي العجوز .. يا صديقتي المراهقة |
كوني على أشلائنا، كالزنبقات العابقة |
الغاب يا صديقتي يكفّن الأسرار |
وحولنا الأشجار لا تهرّب الأخبار |
والشمس عند بابنا معمية الأنوار |
واشية، لكنها لا تعبر الأسوار |
إن الحياة خلفنا غريبة منافقة |
فابني على عظامنا دار علاك الشاهقة |
أسمع يا صديقتي ما يهتف الأعداء |
أسمعهم من فجوة في خيمة السماء |
يا ويل من تنفست رئاته الهواء |
من رئة مسروقة |
ياويل من شرابه دماء |
ومن بنى حديقة .. ترابها أشلاء |
يا ويله من وردها المسموم |
أمل
ما زال في صحونكم بقية من العسل |
ردوا الذباب عن صحونكم |
لتحفظوا العسل |
ما زال في كرومكم عناقد من العنب |
ردوا بنات آوى |
يا حارسي الكروم |
لينضج العنب |
ما زال في بيوتكم حصيرة .. وباب |
سدوا طريق الريح عن صغاركم |
ليرقد الأطفال |
الريح برد قارس .. فلتغلقوا الأبواب |
ما زال في قلوبكم دماء |
لا تسفحوها أيّها الآباء |
فإن في أحشائكم جنين |
مازال في موقدكم حطب |
وقهوة .. وحزمة من اللهب |
الجميلات هن الجميلات
الجميلات هن الجميلات |
نقش الكمنجات في الخاصرة |
الجميلات هن الضعيفات |
عرشٌ طفيفٌ بلا ذاكرة |
الجميلات هن القويات |
يأسٌ يضيء ولا يحترق |
الجميلات هن الأميرات |
ربَّاتُ وحي قلق |
الجميلات هن القريبات |
جاراتُ قوس قزح |
الجميلات هن البعيدات |
مثل أغاني الفرح |
الجميلات هن الفقيرات |
مثل الوصيفات في حضرة الملكة |
الجميلات هن الطويلات |
خالات نخل السماء |
الجميلات هن القصيرات |
يُشرَبْنَ في كأس ماء |
الجميلات هن الكبيرات |
مانجو مقشرةٌ ونبيذٌ معتق |
الجميلات هن الصغيرات |
وَعْدُ غدٍ وبراعم زنبق |
الجميلات، كلّْ الجميلات، أنت ِ |
إذا ما اجتمعن ليخترن لي أنبل القاتلات |
أهديها غزالا
وشاح المغرب الوردي فوق ضفائر الحلوة |
وحبة برتقال كانت الشمس |
تحاول كفها البيضاء أن تصطادها عنوة |
وتصرخ بي، و كل صراخها همس |
أخي! يا سلمي العالي |
أريد الشمس بالقوة |
و في الليل رماديّ، رأينا الكوكب الفضي |
ينقط ضوءه العسلي فوق نوافذ البيت |
وقالت، و هي حين تقول، تدفعني إلى الصمت |
تعال غدا لنزرعه.. مكان الشوك في الأرض |
أبي من أجلها صلّى و صام |
وجاب أرض الهند و الإغريق |
إلها راكعا لغبار رجليها |
وجاع لأجلها في البيد.. أجيالا يشدّ النوق |
وأقسم تحت عينيها |
يمين قناعة الخالق بالمخلوق |
تنام، فتحلم اليقظة في عيني مع السّهر |
فدائيّ الربيع أنا، و عبد نعاس عينيها |
وصوفي الحصى، و الرمل، و الحجر |
سأعبدهم، لتلعب كالملاك، و ظل رجليها |
على الدنيا، صلاة الأرض للمطر |
حرير شوك أيّامي،على دربي إلى غدها |
حرير شوك أيّامي |
وأشهى من عصير المجد ما ألقى.. لأسعدها |
وأنسى في طفولتها عذاب طفولتي الدامي |
وأشرب، كالعصافير، الرضا و الحبّ من يدها |
سأهديها غزالا ناعما كجناح أغنية |
له أنف ككرملنا |
وأقدام كأنفاس الرياح، كخطو حريّة |
وعنق طالع كطلوع سنبلنا |
من الوادي ..إلى القمم السماويّة |
سلاما يا وشاح الشمس، يا منديل جنتنا |
ويا قسم المحبة في أغانينا |
سلاما يا ربيعا راحلا في الجفن! يا عسلا بغصتنا |
ويا سهر التفاؤل في أمانينا |
لخضرة أعين الأطفال.. ننسج ضوء رايتنا |
وصلنا متأخرين
في مرحلة ما من هشاشةٍ نُسمّيها |
نضجاً لانكون متفائلين ولامتشائمين |
أقلعنا عن الشغف والحنين وعن تسمية |
الأشياء بأضدادها من فرط ما التبس |
علينا الأمر بين الشكل والجوهر ودرّبنا |
الشعور على التفكير الهاديء قبل البوح |
للحكمة أسلوبُ الطبيب في النظر الى الجرح |
وإذ ننظر الى الوراء لنعرف أين نحن منّا ومن الحقيقة |
نسأل: كم ارتكبنا من الأخطاء |
وهل وصلنا الى الحكمة متأخرين |
لسنا متأكدين من صواب الريح |
فماذا ينفعنا أن نصل الى أيّ شيء متأخرين |
حتى لو كان هنالك من ينتظرنا على سفح الجبل |
ويدعونا الى صلاة الشكر لأننا وصلنا سالمين |
لامتفائلين ولامتشائمين لكن متأخرين |