وأَمَّا الربيعُ فما يكتب الشعراءُ السكارى |
إذا أَفلحوا في التقاط الزمان السريع |
بصُنَّارة الكلمات – وعادوا إلى صحوهم سالمين |
قليلٌ من البرد في جَمْرَةِ الجُلَنار |
يُخفِّفُ من لسعة النار في الاستعارة |
لو كنتُ أَقربَ منكِ إلى |
لقبَّلْتُ نفسي |
قليلٌ من اللون في زهرة اللوز يحمي |
السماوات من حجَّة الَوثنَيَّ الأخيرة |
مهما اختلفنا سَندْرِكُ أَنَّ السعادة |
ممكنةٌ مثل هَزَّةِ أرضٍ |
قليلٌ من الرقص في مهرجان الزواج الإباحي |
بين النباتات سوف ينشِّط دورتنا الدمويَّة |
لا تعرف البذرة الموت |
مهما ابتعدنا |
ولا تخجلُ الأبديَّةُ من أَحَدٍ |
حين تمنَحُ عانَتَها للجميع |
هنا – في الربيع السريع |
محمود درويش
محمود سليم حسين درويش شاعر فلسطيني مشهور يلقب بشاعر فلسطين و شاعر المقاومة الفلسطينية, اعتقله الإحتلال الصهيوني عدة مرات, ولد في فلسطين وعاش بين لبنان و مصر وفرنسا و توفي في الولايات المتحدة عام 2008.
فراغ فسيح
فراغ فسيح. نحاس. عصافير حنطيَّة |
اللون. صفصافَة. كَسَل. أفق مهْمَل |
كالحكايا الكبيرة. أَرض مجعَّدة الوجه |
صَيْف كثير التثاؤب كالكلب في ظلِّ |
زيتونة يابس عرَق في الحجارة |
شمس عمودية لا حياة ولا موت |
حول المكان جفاف كرائحة الضوء في القمح |
لا ماء في البئر و القلب |
لا حبَّ في عَمَل الحبِّ – كالواجب الوطنيِّ |
هو الحبّ صحراء غير سياحيَّةٍ غير |
مرئيَّةٍ خلف هذا الجفاف جفاف |
كحرية السجناء بتنظيف أعلامهم من |
براز الطيور جفاف كحقِّ النساء |
بطاعة أزواجهنَّ وهجر المضاجع, لا |
عشب أَخضر، لا عشب أَصفر, لا |
لون في مَرَض اللون, كلّ الجهات |
رمادٌية |
لا انتظارٌ إذاً |
للبرابرة القادمين إلينا |
غداة احتفالاتنا بالوطنْ |
قراءة في وجه حبيبتي
وحين أُحدِّق فيك أرى مُدناً ضائعة أرى زمناً قرمزياً أرى سبب الموت والكبرياء أرى لغة لم تسجّل وآلهة تترجل أمام المفاجأة الرائعة وتنتشرين أمامي صفوفاً من الكائنات التي لا تُسمى وما وطني غير هذي العيون التي تجعل الأرضَ جسما وأسهر فيك على خنجر واقفٍ في جبين الطفولة هو الموت مفتتح الليلة الحلوة القادمة وأنتِ جميلة كعصفورة نادمة وحين أحدِّقُ فيكِ أرى كربلاء ويوتوبيا والطفولة وأقرأ لائحة الأنبياء وسفر الرضا والرذيلة أرى الأرض تلعب فوق رمال السماءْ من البحر والشرفات البخيلة! |
السروة انكسرت
السروةُ إنكسَرَتْ كمئذنةٍ، ونامت في |
الطريق على تَقَشُّف ظِلِّها، خضراءَ، داكنةً، |
كما هِيَ. لم يُصَبْ أَحدٌ بسوء. مَرّت |
العَرَباتُ مُسْرِعَةً على أغصانها. هَبَّ الغبارُ |
على الزجاج السروةُ انكسرتْ، ولكنَّ |
الحمامة لم تغيِّر عُشَّها العَلَنيَّ في دارٍ |
مُجَاورةٍ. وحلّق طائران مهاجران على |
كَفَاف مكانها، وتبادلا بعضَ الرموز. |
وقالت امرأةٌ لجارتها تُرَى، شأهَدْتِ عاصفةً؟ |
فقالت لا، ولا جرَّافةً والسروةُ |
انكسرتْ. وقال العابرون على الحُطام |
لعلَّها سَئِمَتْ من الإهمال أَو هَرِمَتْ |
من الأيّام، فَهْيَ طويلةٌ كزرافةٍ، وقليلةُ |
المعنى كمكنسةِ الغبار، ولا تُظَلِّلُ عاشِقَيْن. |
وقال طفلٌ كنتُ أَرسمها بلا خطأ، |
فإنَّ قوامَها سَهْلٌ. وقالت طفلةٌ إن |
السماءَ اليوم ناقصةٌ لأن السروةٌ انكسرت. |
وقال فتىً ولكنَّ السماءَ اليوم كاملةٌ |
لأن السروةَ انكسرتْ. وقُلْتُ أَنا |
لنفسي لا غُموضَ ولا وُضُوحَ، |
السروة انكسرتْ، وهذا كُلُّ ما في |
الأمرِ إنَّ السروة انكسرتْ. |
وقوع الغريب على نفسه في الغريب
لا اسمَ لنا يا غريبةُ عند وُقُوع |
الغريب على نفسه في الغريب لَنَا من |
حديقتنا من أرض ليلك ولتُبْطِني |
وما تشائين . جئنا على عَجَلٍ من غروب |
مكانين في زمن واحد وبحثنا معاً |
عن عناويننا: فاذهبي خَلْف ظلِّك |
شَرْقَ نشيد الأَناشيد راعيةً للقطا |
تجدي نجمةً سَكَنَتْ موتها فاصعدي جَبَلاً |
مُهْمَلاً تجدي أَمسِ يُكْمِلُ دورتَهُ في غدي |
تجدي أَين نكون معاً |
واحدٌ نحن في اُثنين |
فاذهب إلى البحر غَرْبَ كتابك |
واغطُسْ خفيفاً خفيفاً كأنَّك تحمل |
نَفْسَكَ عند الولادة في موجتين |
تجدْ غابةً من حشائش مائيةٍ خفيفاً |
خفيفاً كأنك لا شيء في أَيَّ سيء |
تجدنا معاً |
واحدٌ نحن في اُثنين |
فاذهب إلى البحر غَرْبَ كتابك |
واغطُسْ خفيفاً كأنَّك تحمل |
نَفْسَكَ عند الولادة في موجتين |
تجدْ غابةً من حشائش مائيةٍ وسماءً |
من الماء كأنك لا شيء في أَيَّ شيء |
تجدنا معاً |
واحدٌ نحن في اُثنين |
ينقُصُنا أَن نرى كيف كنا هنا يا |
غريبةُ ظلِّين ينفتحانِ وينغلقانِ على ما |
تشكَّل من شكلنا يختفي ثم يظهَرُ |
في جَسَدٍ يختفي في التباس الثنائية |
الأَبدية ينقُصُنا أَن نعودَ إلى اُثنين |
كي نتعانق أكثر لا اسم لنا يا غريبة |
عند وقوع الغريب على نفسه في الغريب |
وأنتِ معي
وأنتِ معي لا أَقول هنا الآن |
نحن معاً بل أَقول أَنا أَنتِ |
والأَبديةُ نسبح في لا مكانْ |
هواءٌ وماءٌ نفكُّ الرموز نُسَمِّي |
نُسَمَّى ولا نتكلّم إلاّ لنعلم كم |
نَحْنُ نَحْنَ وننسى الزمانْ |
ولا أَتذكَّرُ في أَيَّ أرضٍ وُلدتِ |
ولا أَتذكر من أَيّ أَرض بُعثتُ |
هواءٌ وماء ونحن على نجمة طائرانْ |
وأَنتِ معي يَعْرَقُ الصمتُ يغرورقُ |
الصَّحْوْ بالغيم، والماءُ يبكي الهواء |
على نفسه كلما اُتَّحد الجسدانْ |
ولا حُبَّ في الحبِّ |
لمنه شَبَقُ الروح للطيرانْ |