هكذا قالت الشجرة المهملة

خارج الطقس
أو داخل الغابة الواسعة
وطني
هل تحس العصافير أني لها
وطن أو سفر
إنني أنتظر
في خريف الغصون القصير
أو ربيع الجذور الطويل
زمني
هل تحس الغزالة أني لها
جسد أو ثمر
إنني أنتظر
في المساء الذي يتنزه بين العيون
أزرقا أخضرا أو ذهب بدني
هل يحسّ المحبّون أني لهم
شرفة أو قمر
إنني أنتظر
في الجفاف الذي يكسر الريح
هل يعرف الفقراء أنني
منبع الريح هل يشعرون بأني لهم
خنجر أو مطر
أنني أنتظر
خارج الطقس
أو داخل الغابة الواسعة
كان يهملني من أحب ولكنني
لن أودع أغصاني الضائعة
في رخام الشجر
إنني أنتظر
قصيدة شاعر فلسطين محمود درويش

وشم العبيد

روما على جلودنا
أرقام أسرى و السياط
تفكها إذا هوت، أو ترتخي
كان العبيد عزّلا
ففتتوا البلاط
بابل حول جيدنا
وشم سبايا عائدة
تغيرت ملابس الطاغوت
من عاش بعد الموت
لو آمنت.. لا يموت
متنا و عشنا، و الطريق واحدة
إفريقيا في رقصنا
طبل.. و نار حافية
وشهوة على دخان غانية
في ذات يوم.. أحسن العزف على
ناي الجذوع الهاوية
أنوّم الأفعى
وأرمي نابها في ناحية
فتلقي في رقصة جديدة.. جديدة
إفريقيا..وآسيه
قصيدة محمود درويش

خائف من القمر

خبئيني أتى القمر
ليت مرآتنا حجر
ألف سرّ سري
وصدرك عار
وعيون على الشجر
لا تغطّي كواكبا
ترشح الملح و الخدر
خبّئيني من القمر
وجه أمسي مسافر
ويدانا على سفر
منزلي كان خندقا
لا أراجيح للقمر
خبّئيني بوحدتي
وخذي المجد و السهر
ودعي لي مخدتي
أنت عنديأم القمر؟
قصيدة غزل لمحمود درويش

كمقهى صغير هو الحب

كمقهي صغير علي شارع الغرباء
هو الحبّ يفتح أبوابه للجميع
كمقهي يزيد وينقص وفق المناخ
إذا هَطَلَ المطر ازداد روَّاده
وإذا اعتدل الجوّ قَلّوا ومَلّوا
أَنا هاهنا يا غريبة في الركن أجلس
ما لون عينيكِ ما إسمك كيف
أناديك حين تمرِّين بي وأَنا جالس
في انتظاركِ
مقهي صغيرٌ هو الحبّ أَطلب كأسيْ
نبيذ وأَشرب نخبي ونخبك أَحمل
قبَّعتين وشمسيَّة إنها تمطر الآن
تمطر أكثر من أيِّ يوم ولا تدخلينَ
أَقول لنفسي أَخيرا لعلَّ التي كنت
أنتظر انتظَرتْني أَو انتظرتْ رجلا
آخرَ انتظرتنا ولم تتعرف عليه عليَّ
وكانت تقول أَنا هاهنا في انتظاركَ
ما لون عينيكَ أَيَّ نبيذٍ تحبّ
وما اَسمكَ كيف أناديكَ حين
تمرّ أَمامي
كمقهي صغير هو الحب
قصيدة حب لمحمود درويش

ثلاث صور

كان القمر
كعهده منذ ولدنا باردا
الحزن في جبينه مرقرق
روافدا روافدا
قرب سياج قرية
خر حزينا
شاردا
كان حبيبي
كعهده منذ التقينا ساهما
الغيم في عيونه
يزرع أفقا غائما
والنار في شفاهه
تقول لي ملاحما
ولم يزل في ليله يقرأ شعرا حالما
يسألني هديه
وبيت شعر ناعما
كان أبي
كعهده محملا متاعبا
يطارد الرغيف أينما مضى
لأجله يصارع الثعالبا
ويصنع الأطفال
والتراب
والكواكبا
أخي الصغير اهترأت
ثيابه فعاتبا
وأختي الكبرى اشترت جواربا
وكل من في بيتنا يقدم المطالبا
ووالدي كعهده
يسترجع المناقبا
ويفتل الشواربا
ويصنع الأطفال
والتراب
والكواكبا
أبيات محمود درويش

كنت أحب الشتاء

كُنْتُ في ما مضى أَنحني للشتاء احتراماً
وأصغي إلى جسدي مَطَرٌ مطر كرسالة
حب تسيلُ إباحيَّةٌ من مُجُون السماء
شتاءٌ نداءٌ صدى جائع لاحتضان النساء
هواءٌ يُرَى من بعيد على فرس تحمل
الغيم بيضاءَ بيضاءَ كنت أُحبُّ
الشتاء وأَمشي إلى موعدي فرحاً
مرحاً في الفضاء المبلِّل بالماء كانت
فتاتي تنشِّفُ شعري القصير بشعر طويل
تَرَعْرَعَ في القمح والكستناء ولا تكتفي
بالغناء أنا والشتاء نحبُّكَ فابْقَ
إذاً مَعَنا وتدفئ صدري على
شادِنَيْ ظبيةٍ ساخنين وكنت أُحبُّ
الشتاء وأسمعه قطرة قطرة
مطر مطر كنداءٍ يُزَفَ إلى العاشق
أُهطلْ على جسدي لم يكن في
الشتاء بكاء يدلُّ على آخر العمر
كان البدايةَ كان الرجاءَ فماذا
سأفعل والعمر يسقط كالشَّعْر
ماذا سأفعل هذا الشتاء
قصيدة محمود درويش