وطني يعلّمني حديدُ سلاسلي |
عنفَ النسورِ ورِقّةَ المتفائلِ |
ما كنتُ أعرفُ أنَّ تحتَ جلودنا |
ميلادُ عاصفةٍ… وعرسُ جداولِ |
سدّوا عليَّ النورَ في زنزانةٍ |
فتوهّجتْ في القلبِ شمسُ مشاعلِ |
كتبوا على الجدرانِ رقمَ بطاقتي |
فنما على الجدرانِ مرجُ سنابلِ |
رسموا على الجدرانِ صورةَ قاتلي |
فمحتْ ملامحَها ظلالُ جدائلِ |
وحفرتُ بالأسنانِ رسمك دامياً |
وكتبتُ أغنيةَ العذابِ الراحلِ |
أغمدتُ في لحمِ الظلامِ هزيمتي |
وغرزتُ في شعرِ الشموسِ أناملي |
والفاتحونَ على سطوحِ منازلي |
لم يفتحوا إلا وعودَ زلازلي |
لن يبصروا إلا توهّجَ جبهتي |
لن يسمعوا إلا صريرَ سلاسلي |
فإذا احترقتُ على صليبِ عبادتي |
أصبحتُ قدّيساً بزيِّ مقاتلِ |
قصائد محمود درويش
في حب الوطن و قصائد محمود درويش في الحب مجموعة كبيرة من قصائد محمود درويش الشاعر الفلسطيني المشهور.
عن إنسان
وضعوا على فمه السلاسل |
ربطوا يديه بصخرة الموتى |
وقالوا: أنت قاتل |
أخذوا طعامه و الملابس و البيارق |
ورموه في زنزانة الموتى |
وقالوا: أنت سارق |
طردوه من كل المرافيء |
أخذوا حبيبته الصغيرة |
ثم قالوا: أنت لاجيء |
يا دامي العينين و الكفين |
إن الليل زائل |
لا غرفة التوقيف باقية |
ولا زرد السلاسل |
نيرون مات، ولم تمت روما |
بعينيها تقاتل |
وحبوب سنبلة تموت |
ستملأ الوادي سنابل |
لم أنتظر أحدا
سأعرفُ مهما ذَهَبْتَ مَعَ الريح كيفَ |
أُعيدُكَ. أَعرفُ من أَين يأتي بعيدُكَ |
فذهَب كما تذهب الذكرياتُ إلى بئرها |
الأَبديَّةِ لن تَجدَ السومريَّةَ حاملةً جَرَّة |
للصدى في انتظارِكَ |
أَمَّا أَنا فسأعرف كيف أُعيدُكَ |
فاذهبْ تقودُكَ ناياتُ أَهل البحار القدامى |
وقافلةُ الملح في سَيْرِها اللانهائيِّ واذهبْ |
نشيدُكَ يُفْلِتُ منِّي ومنك ومن زَمَني |
باحثاً عن حصان جديدٍ يُرَقِّصُ إِيقاعَهُ |
الحُرَّ. لن تجد المستحيل َ كما كان يَوْمَ |
وَجَدْتُكُ يوم وَلَدْتُكَ من شهوتي |
جالساً في انتظارِك |
أَمَّا أَنا فسأعرف كيف أُعيدُكَ |
واُذهب مع النهر من قَدَرٍ نحو |
آخر فالريحُ جاهزة لاقتلاعك من |
قمري والكلامُ الأخيرُ على شجري جاهزٌ |
للسقوط على ساحة الترو كاديرو تَلَفَّتْ |
وراءك كي تجد الحُلْمَ واذهب |
إلى أَيِّ شَرْقٍ وغربٍ يزيدُك منفىً |
ويُبْعدُني خطوةً عن سريري وإحدى |
سماوات نفسي الحزينةِ إنَّ النهاية |
أُختُ البداية فاذهب تَجِدْ ما تركتَ |
هنا في انتظارك |
لم أَنتظِرْكَ ولم أَنتظر أَحداً |
كان لا بُدَّ لي أَن أُمشِّطَ شعري |
على مَهَلٍ أُسْوَةً بالنساء الوحيدات |
في ليلهنَّ وأَن أَتدبَّرَ أَمري وأكسِرَ |
فوق الرخام زجاجةَ ماء الكولونيا وأَمنعَ |
نفسي من الانتباه إلى نفسها في |
الشتاء كأني أَقولُ لها: دَفِّئيني |
أُدفِّئْكِ يا اُمرأتي واُعْتَني بيديك |
فنا هو شأنُهما بنزول السماء إلى |
الأرض أَو رحْلةِ الأرض نحو السماء |
اُعتني بيديك لكي تَحْمِلاَك يَدَاكِ |
هُما سَيِّداكِ كما قال إيلور فاذهب |
أُريدُكَ أو أريدُك |
لمَ أنتظِرْكَ ولم أنتظر أَحداً |
كان لا بُدَّ لي أَن أَصبَّ النبيذَ |
بكأسين مكسورتين وأَمنعَ نفسي من |
الانتباه إلى نفسها في انتظارك |
عن الأمنيات
لا تقل لي: | ليتني بائع خبز في الجزائر, لأغني مع ثائر |
لا تقل لي: | ليتني داعي مواش في اليمن, لأغني لانتفاضات الزمن |
لا تقل لي: | ليتني عامل مقهى في هفانا, لأغني لانتصارات الحزانى |
لا تقل لي: | ليتني أعمل في أسوان حمّالا صغير, لأغنّي للصخور يا صديقي |
لن يصب النيل في الفولغا ولا الكونغو | ولا الكونغو، و لا الأردن، في نهر الفرات |
كل نهر، و له نبع … و مجرى … و حياة | يا صديقي! أرضنا ليست بعاقر |
كل أرض، و لها ميلادها | كل فجر، و له موعد ثائر |
الحزن و الغضب
الصوت في شفتيك لا يطرب |
والنار في رئتيك لا تغلب |
وأبو أبيك على حذاء مهاجر يصلب وشفاهها تعطي سواك و نهدها يحلب |
فعلام لا تغضب |
أمس التقينا في طريق الليل من حان لحان |
شفتاك حاملتان |
كل أنين غاب السنديان |
ورويت لي للمرة الخمسين |
حب فلانه و هوى فلان |
وزجاجة الكونياك |
والخيام و السيف اليماني |
عبثا تخدر جرحك المفتوح |
عربدة القناني |
عبثا تطوع يا كنار الليل جامحة الأماني |
الريح في شفتيك تهدم ما بنيت من الأغاني |
فعلام لا تغضب |
قالوا إبتسم لتعيش |
فابتسمت عيونك للطريق |
وتبرأت عيناك من قلب يرمده الحريق |
وحلفت لي إني سعيد يا رفيق |
وقرأت فلسفة ابتسامات الرقيق |
الخمر و الخضراء و الجسد الرشيق |
فإذا رأيت دمي بخمرك |
كيف تشرب يا رفيق |
القرية الأطلال |
والناطور و الأرض و اليباب |
وجذوع زيتوناتكم |
أعشاش بوم أو غراب |
من هيأ المحراث هذا العام |
من ربي التراب |
يا أنت أين أخوك أين أبوك |
إنهما سراب |
من أين جئت أمن جدار |
أم هبطت من السحاب |
أترى تصون كرامة الموتى |
وتطرق في ختام الليل باب |
وعلام لا تغضب |
أتحبها |
أحببت قبلك |
وارتجفت على جدائلها الظليلة |
كانت جميله |
لكنها رقصت على قبري و أيامي القليلة |
وتحاصرت و الآخرين بحلبة الرقص الطويلة |
وأنا و أنت نعاتب التاريخ |
والعلم الذي فقد الرجوله |
من نحن |
دع نزق الشوارع |
يرتوي من ذل رايتنا القتيلة |
فعلام لا تغضب |
إنا حملنا الحزن أعواما و ما طلع الصباح |
والحزن نار تخمد الأيام شهوتنا |
وتوقظها الرياح |
والريح عندك كيف تلجمها |
وما لك من سلاح |
إلا لقاء الريح و النيران |
في وطن مباح |
أنا يوسف يا أبي
أنا يوسف يا أبي |
يا أبي، إخوتي لا يحبونني |
لا يريدونني بينهم يا أبي |
يعتدون علي ويرمونني بالحصى والكلام |
يريدونني أن أموت لكي يمدحوني |
وهم أوصدوا باب بيتك دوني |
وهم طردوني من الحقل |
هم سمَّمُوا عنبي يا أَبي |
وهم حطَّمُوا لُعبي يا أَبي |
حين مرَّ النَّسيمُ ولاعب شعرِي |
غاروا وثارُوا عليَّ وثاروا عليك |
فماذا صنعتُ لهم يا أَبي |
الفراشات حطَت على كتفي |
ومالت علي السَنابل |
والطير حطت على راحتي |
فماذا فعلت أنا يا أبي |
ولماذا أنا |
أنت سميتني يوسفًا |
وهمو أوقعوني في الجب، واتهموا الذئب |
والذئب أرحم من إخوتي |
أبتي هل جنيت على أحد عندما قلت إني |
رأَيت أحد عشر كوكبًا، والشمس والقمر، رأيتهم لي ساجدين |