دامت معاليك فينا يا بن فاطمة ٍ | ودام منكم لأُفْق البيتِ نِبراسُ |
قل للخديوِ إذا وافيتَ سُدَّتَه | تمشي إليه ويمشي خلفَكَ الناس |
حجُّ الأمير له الدنيا قد إبتهجتْ | والعودُ والعيدُ أفراحٌ وأعراس |
فلتحيَ ملَّنا! فلتحيَ أُمَّتنا! | فليحي سلطاننا! فليحي عباس! |
الشاعر احمد شوقي
أمير الشعراء أحمد شوقي قصائد مميزة ومجموعة أشعار أحمد شوقي هنا.
أبكيك إسماعيل مصر وفي البكا
أَبكيكَ إسماعيلَ مِصرَ، وفي البُكا | بعدَ التَّذَكُّرِ راحة ُ المسْتَعبِر |
ومن القيام ببعض حقِّك أنني | أَرْقى لِعِزِّكَ والنعيم المدبِرِ |
هذي بيوتُ الرُّومِ، كيف سكنتها | بعد القصورِ المزريااتِ بقيصر؟ |
ومن العجائبِ أَن نفسَك أَقصَرَتْ | والدهرُ في إحراجها لم يقصر |
ما زالَ يُخلي منكَ كلَّ مَحِلَّة ٍ | حتى دُفِعْتَ إلى المكانِ الأَقفَرِ |
نظرَ الزمان إلى دياركَ كلِّها | نظرَ الرشيدِ إلى منازلِ جعفر |
الله يحكم في المداين والقرى
الله يحكمُ في المداينِ والقُرى | يا مِيتَ غَمْرَ خُذِي القضاءَ كما جرى |
ما جَلَّ خَطْبٌ ثم قِيسَ بغيْرِه | إلا وهوَّنه القياسُ وصغَّرا |
فسَلي عمورَة َ أَو سدُون تأَسِّياً | أَو مرْتنيقَ غداة وورِيَتِ الثرى |
مُدنٌ لقِينَ من القضاءِ ونارِه | شَرراً بجَنب نَصيبِها مُستَصْغَرا |
هذي طلولكِ أنفساً وحجارة ً | هل كنتِ رُكناً من جَهَنَّمَ مُسْعَرا؟! |
قد جئتُ أبكيها وآخذُ عبرة ً | فوقفتُ معتبراً بها مستعبرا |
أجدُ الحياة َ حياة َ دهرٍ ساعة ً | وأرى النعيمَ نعيمَ عمرٍ مقصرا |
وأَعُدُّ من حَزْمِ الأُمورِ وعزمها | للنفس أَن ترضَى ، وأَلاَّ تَضْجَرا |
ما زلتُ أسمعُ بالشَّقاءِ رواية ً | حتى رأيتُ بكِ الشَّقاءَ مصوَّرا |
فعل الزمانُ بشمْلِ أَهلِك فِعْلَهُ | ببني أميَّة َ ، أو قرابة ِ جعفرا |
بالأمسِ قد سكنوا الديارَ ، فأصبحوا | لا يُنظَرون، ولا مساكنُهم تُرَى |
فإذا لقِيت لقيت حيّاً بائساً | وإذا رأيت رأيت مَيْتاً مُنْكرا |
والأُمهاتُ بغير صبرٍ: هذه | تبكي الصغيرَ ، وتلك تبكي الأصغرا |
من كلِّ مُودِعَة ِ الطُّلولِ دموعَها | من أَجْلِ طفلٍ في الطلولِ استأْخرا |
كانت تؤمِّل أن تطولَ حياته | واليومَ تسألُ أن يعودَ فيقبرا |
طلعتْ عليكِ النارُ شؤمها | فمحتكِ آساساً ، وغيرتِ الذرا |
مَلَكَتْ جهاتِكَ ليلة ً ونهارَها | حمراءَ يبدو الموتُ منها أحمرا |
لا ترهبُ الوفانَ في طغيانها | لو قابَلَتْه، ولا تهابُ الأَبْحُرا |
لو أن نيرون الجمادَ فؤاده | يُدْعَى ليَنْظُرَها لعاف المنظرا |
أوأنه ابتلى َ الخليلُ بمثلها | ـ أَستغفِرُ الرحمنَ ـ ولَّى مُدْبِرا |
أو أن سيلاً عاصمٌ من شرها | عصمَ الديارَ من المامع مال جرى |
أَمْسَى بها كلُّ البيوتِ مُبَوَّباً | ومطنَّباً ، ومسيَّجاً ، ومسوَّرا |
أسرتهمو ، وتملَّكتْ طرقاتهم | مَنْ فرَّ لم يجدِ الطريقَ مُيَسَّرا |
خفَّتْ عليهم يومَ ذلك مورداً | وأَضلَّهُمْ قدَرٌ، فضَلُّوا المَصْدَرا |
حيثُ التفتَّ ترى الطريقَ كأنها | ساحاتُ حاتمِ غبَّ نيرانِ القرى |
وترى الدعائمَ في السوادِ كهيكلٍ | خمدَتْ به نارُ المجوسِ، وأَقْفَرا |
وتَشَمُّ رائحة َ الرُّفاتِ كريهة ً | وتشمُّ منها الثاكلاتُ العَنْبَرا |
كثرتْ عليها الطيرُ في حوماتها | يا طيرُ، «كلُّ الصَّيْدِ في جَوْفِ الفَرا» |
هل تأمنين طوارقَ الأحداثِ أن | تغشى عليكِ الوكرَ في سنة ِ الكرى |
والناسُ مِنْ داني القُرى وبعيدِها | تأْتي لتمشِيَ في الطُّلولِ وتَخْبُرا |
يتساءلون عن الحريقِ وهوله | وأرى الفرائسَ بالتساؤلِ أجدرا |
يا رَبِّ، قد خَمَدَتْ، وليس سواكَ مَنْ | يُطفِي القلوبَ المُشْعَلاتِ تَحسُّرا |
فتحوا اكتتاباً للإغانة فاكتتبْ | بالصبر فهوَ بمالِهم لا يُشترى |
إن لم تكن للبائسين فمن لهم؟ | أَو لم تكن للاجئين فمَنْ ترى ؟! |
فتولَّ جَمْعاً في اليَبَاب مُشتَّتاً | وارحم رميما في التراب مبعثرا |
فعلتَ بمصرَ النارُ ما لم تأتهِ | آياتكَ السبعُ القديمة ُ في الورى |
أوَ ما تراها في البلاد كقاهرٍ | في كلِّ ناحية يُسيِّر عَسْكرا؟! |
فادفعْ قضاءَك، أَو فصيِّرْ نارَه | برداً، وخذْ باللأُّطفِ فيما قدِّرا |
مُدُّوا الأَكفَّ سَخِيَّة ً، واستغفِري | يا أُمَّة ً قد آن أَن تَستغفرا |
أولى بعهطفِ الموسرين وبرِّهم | مَنْ كان مِثلَهُمُ فأَصبَح مُعْسِرا |
يا أيُّها السُّجناءُ في أموالهم | أأمنتموا الأيامَ أن تتغيَّرا؟ |
لا يملكُ الإنسانُ من أحواله | ما تملك الأَقدارُ، مهما قَدَّرا |
لا يُبْطِرنَّكَ من حرير مَوْطِىء ٌ | فلرُبَّ ماشٍ في الحريرِ تَعثَّرَا |
وإذا الزمانُ تنكرتْ أحداثه | لأخيكَ، فاذكره عسى أن تذكرا |
يا رب ما حكمك ماذا ترى
يا ربِّ، ما حكمكَ؟ ماذا ترى | في ذلك الحلمِ العريضِ الطويلْ؟ |
قد قام غليومٌ خطيباً، فما | أعطاكَ من ملككَ إلا القليل! |
شيَّد في جنبكَ ملكاً له | ملككَ إن قيسَ إليهِ الضَّئيل |
قد وَرَّثَ العالَم حيّاً، فما | غادرَ من فجٍّ، ولا من سبيل |
فالنصفُ للجرمانِ في زعمه | والنصفُ للرومان فيما يقول |
يا رَبِّ، قلْ: سيْفُكَ أَم سَيْفُه؟ | أيُّهما – ياربِّ – ماضِ ثقيل؟! |
إن صدقتْ – يا ربِّ – أحلامه | فإنَّ خطْبَ المسلمين الجليل |
لا نحنُ جرمانُ لنا حصَّة ٌ | ولا برومانَ فتعطى فتيل |
يا رَبِّ، لا تنسَ رعاياك في | يومٍ رعاياك الفريقُ الذليل |
جناية ُ الجهلِ على أهله | قديمة ٌ، والجهلُ بئسَ الدليل |
يا ليتَ لم نمددْ بشرٍّ يداً | وليتَ ظلَّ السلمِ باقٍ ظليل! |
جنى علينا عصبة ٌ جازفوا | فحسبنا الله، ونعمَ الوكيل! |
سما يناغي الشهبا
سما يناغي الشهبا | هل مسَّها فالتهبا |
كالدَّيدبانِ ألزموهُ | في البحار مرقبا |
شيع منه مركبا | وقام يلقي مركبا |
بشر بالدار وبالأَهلِ | السُّراة الغُيَّبا |
وخَطَّ بالنُّور على | لوْحِ الظلام: مَرْحَبَا |
كالبارق المُلِحِّ لم | يولِّ إلا عقَّبا |
يا رُبَّ ليلٍ لم تَذُقْ | فيه الرقاد طربا |
بتنا نراعيه كما | يرعى السُّراة الكوكبا |
سعادة ٌ يعرفها | في الناس من كان أَبَا |
مَشَى على الماءِ، وجاب | كالمسيح العببا |
وقام في موضعه | مُستشرِفاً مُنَقِّبا |
يرمي إلى الظلام طرفاٌ | حائراٌ مذبذبا |
كمبصرٍ أدار عيناٌ | في الدجى ، وقلِّبا |
كبصر الأَعشى أَصاب | في الظلام ، ونبا |
وكالسراج في يَدِ الــريح | أضاءَ، وخَبا |
كلمحة ٍ من خاطرٍ | ما جاء حتى ذهبا |
مجتنبُ العالم في | عُزلته مُجْتَنَبا |
إلا شراعاً ضلَّ ، أو | فُلْكاً يُقاسي العَطَبا |
وكان حارس الفنارِ | رجُلاً مُهذَّبا |
يهوى الحياة ، ويحبَّ | العيش سهلاً طيِّبا |
أتت عليه سنواتٌ | مُبْعَداً مُغْتَرِبا |
لم يَرَ فيها زَوْجَهُ | ولا ابنَه المحبَّبا |
وكان قد رعى الخطيبَ | ووعى ما خطَبا |
فقال : يا حارسُ | خلٍّ السُّخط والتعتُّبا |
من يُسعِفُ الناسَ إذا | نُودِي كلٌّ فأَبى |
ما الناس إخوتي ولا | آدمُ كان لي أبا |
أنظر إليَّ ، كيف أقضي | لهم ما وجَبا |
قد عشتُ في خِدمتهم | ولا تراني تعبا |
كم من غريقٍ قمت | عند رأسه مطبَّبا |
وكان جسماَ هامداً | حرّكتهُ فاضطربا |
وكنت وطَّأت له | مَناكبي، فرَكبا |
حتى أتى الشطَّ ، فبشَّ | من به ورحَّبا |
وطاردوني ، فانقلب | تُ خاسراَ مخيٍّبا |
ما نلت منهم فضة َ | ولا منحت ذهبا |
وما الجزاء ؟ لا تسل | كان الجزاءُ عجبا! |
ألقوا عليّ شبكا | وقطَّعوني إربا |
واتخذ الصٌّنَّاع من | شَحميَ زَيْتا طيِّباً |
ولم يَزَلْ إسعافُهم | ليَ الحياة َ مذهبا |
ولم يزل سَجِيَّتي | وعملي المُحبَّبا |
إذا سمعتُ صرخة ً | طرتُ إليها طربا |
لا أَجِدُ المُسْعِفَ | إلا ملكاً مقرَّبا |
والمسعفون في غدٍ | يؤلفون مَوْكبا |
يقول رِضوانُ لهم | هيَّا أدخلوها مرحبا |
مُذنِبُكم قد غَفَر | اللهُ لهُ ما أذنبا |
أمن البحر صائغ عبقري
أَمِنَ البحرِ صائغٌ عَبْقَرِيٌّ | بالرمالِ النواعمِ البيضِ مغرى |
طاف تحتَ الضُّحَى عليهنَّ، والجوْ | هَرُ في سُوقِه يُباعُ ويُشْرَى |
جئنهُ في معاصمٍ ونحوٍ | فكسا معصماً، وآخرَ عرى |
وأبى أن يقلدَ الدرَّ واليا | قوتَ نحراً، وقلَّدَ الماسَ نحْرا |
وترى خاتماً وراءَ بَنانٍ | وبَناناً من الخواتمِ صِفْرا |
وسواراً يزينُ زندَ كعابٍ | وسواراً من زندِ حسناءَ فرّا |
وترى الغِيدَ لُؤلؤاً ثَمَّ رَطْباً | وجماناً حوالي الماءِ نثرا |
وكأَنَّ السماءَ والماءَ شِقَّا | صدفٍ، حمَّلا رفيفاً ودرَّا |
وكأَنّ السماءَ والماءَ عُرْسٌ | مترعُ المهرجان لمحاً وعطرا |
أَو رَبيعٌ من ريشة ِ الفنِّ أَبهَى | مِن ربيع الرُّبى ، وأَفتنُ زَهْرا |
أو تهاويل شاعرٍ عبقريٍّ | طارحَ البحرَ والطبيعة َ شعرا |
يا سواريْ فيروزجٍ ولجينٍ | بها حليتْ معاصمُ مصرا |
في شُعاعِ الضُّحَى يعودان ماساً | وعلى لمحة ِ الأصائلِ تبرا |
ومَشَتْ فيهما النّجومُ فكانت | في حواشيهما يواقيتَ زهرا |
لكَ في الأرضِ موكبٌ ليس يألوالـ | ـريحَ والطيرَ والشياطينَ حشرا |
سرتَ فيه على كنوز سليما | نَ تعدُّ الخُطى اختيالاً وكِبْرا |
وتَرنَّمْتَ في الركابِ، فقلنا | راهبٌ طاف في الأَناجيل يَقرا |
هو لحنٌ مضيَّعٌ، لا جواباً | قد عرفنا له، ولا مستقرا |
لك في طيِّهِ حديثُ غرامٍ | ظلَّ في خاطر الملحنِ سرَّا |
قد بعثنا تحيَّة ً وثناءً | لكَ يا أرفعَ الزواخر ذكرا |
وغشيناكَ ساعة ً تنبشُ الما | ضي نبشاً، وتقتلُ الأمسَ فكرا |
وفتحنا القديمَ فيك كتاباً | وقرأنا الكتابَ سطراً فسطرا |
ونشرنا من طيهنَّ الليالي | فلَمَحنا من الحضارة ِ فَجْرا |
ورأَينا مصراً تُعلِّمُ يونا | نَ، ويونانَ تقبِسُ العلمَ مصرا |
تِلكَ تأْتيكَ بالبيانِ نبيّاً | عبقرياً، وتلك بالفنّ سحرا |
ورأَينا المنارَ في مطلع النَّجْـ | ـمِ على برقِهِ المُلَمَّحِ يُسرى |
شاطىء ٌ مثلُ رُقعة ِ الخُلدِ حُسناً | وأديمِ الشبابِ طيباً وبشرا |
جرَّ فيروزجاً على فضة ِ الما | ءِ، وجرَّ الأصيلُ والصبح تبرا |
كلما جئتهُ تهلل بشراً | من جميع الجهاتِ، وافترَّ ثغرا |
انثنى موجة ً، وأقبلَ يرخي | كِلَّة ً تارة ً ويَرفعُ سِترا |
شبَّ وانحطَّ مثلَ أَسرابِ طيرٍ | ماضياتٍ تلفُّ بالسهلِ وعرا |
رُبما جاءَ وَهْدَة ً فتردَّى | في المهاوي، وقامَ يطفرُ صخرا |
وترى الرملَ والقصورَ كأيكٍ | ركب الوكرُ في نواحيهِ وكرا |
وتَرى جَوْسَقاً يُزَيِّنُ رَوْضاً | وترى رَبوة ً تزيِّنُ مصرا |
سَيِّدَ الماءِ، كم لنا من صلاحٍ | و عليٍّ وراءَ مائكَ ذِكرى |
كم مَلأْناكَ بالسَّفينِ مَواقِيـ | ـرَ كشُمِّ الجبالِ جُنداً ووَفرا |
شاكياتِ السلاحِ يخرجنَ من مصـ | ـرٍ بملومة ٍ، ويدخلن مصرا |
شارعاتِ الجناحِ في ثَبَجِ الما | ءِ كنسرٍ يشدُّ في السحب نسرا |
وكأَنّ اللُّجاجَ حينَ تنَزَّى | وتسدُّ الفجاجَ كرَّا وفرَّا |
أجمٌ بعضُهُ لبعضٍ عدوٌّ | زَحَفَتْ غابة ٌ لتمزيق أُخرَى |
قذفتْ ههنا زئيراً وناباً | ورَمَت ههنا عُواء وظُفرا |
أنتَ تغلي إلى القيامة ِ كالقدْ | رِ، فلا حطَّ يومها لكَ قدرا |