سكن الظلام وبات قلبك يخفق

سَكَنَ الظَلامُ وباتَ قَلبُكَ يَخفِقُوَسطا عَلى جَنبَيكَ هَمٌّ مُقلقُ
حارَ الفِراشُ وَحِرتُ فيهِ فَأَنتُماتَحتَ الظَلامِ مُعَذَبٌ وَمُؤرَّقُ
دَرَجَ الزَمانُ وَأَنتَ مَفتونُ المُنىوَمَضى الشَبابُ وَأَنتَ ساهٍ مُطرِقُ
عَجَباً يَلَذُّ لَكَ السُكوتُ مَعَ الهَوىوَسِواكَ يَبعَثُهُ الغَرامُ فَيَنطِقُ
خُلِقَ الغَرامُ لِأَصغَرَيكَ وَطالَماظَنّوا الظُنونَ بِأَصغَرَيكَ وَأَغرَقوا
وَرَمَوكَ بِالسَلوى وَلَو شَهِدوا الذيتَطويهِ في تِلكَ الضُلوعِ لَأَشفَقوا
أَخفَيتَ أَسرارَ الفُؤادِ وَإِنَّماسِرُّ الفُؤادِ مِنَ النَواظِرِ يُسرَقُ
نَفِّس بِرَبِّكَ عَن فُؤادِكَ كَربَهُوَاِرحَم حَشاكَ فَإِنَّها تَتَمَزَّقُ
وَاِذكُر لَنا عَهدَ الَّذينَ بِنايِهِمجَمَعوا عَلَيكَ هُمومَهُم وَتَفَرَّقوا
ما لِلقَوافي أَنكَرَتكَ وَلَم تَكُنلِكَسادِها في غَيرِ سوقِكَ تَنفُقُ
ما لِلبَيانِ بِغَيرِ بابِكَ واقِفاًيَبكي وَيُعجِلُهُ البُكاءُ فَيَشرَقُ
إِنّي كَهَمِّكَ في الصَبابَةِ لَم أَزَلأَلهو وَأَرتَجِلُ القَريضَ وَأَعشَقُ
نَفسي بِرَغمِ الحادِثاتِ فَتِيَّةٌعودي عَلى رَغمِ الكَوارِثِ مورِقُ
إِنَّ الَّذي أَغرى السُهادَ بِمُقلَتيمُتَعَنِّتٌ قَلبي بِهِ مُتَعَلِّقُ
واثَقتُهُ أَلّا أَبوحَ وَإِنَّمايَومَ الحِسابِ يُحَلُّ ذاكَ المَوثِقُ
وَشَقيتُ مِنهُ بِقُربِهِ وَبِعادِهِوَأَخو الشَقاءِ إِلى الشَقاءِ مُوَفَّقُ
صاحَبتُ أَسبابَ الرِضا لِرُكوبِهِمَتنَ الخِلافِ لِما بِهِ أَتَخَلَّقُ
وَصَبَرتُ مِنهُ عَلى الَّذي يَعيا بِهِحِلمُ الحَليمِ وَيَتَّقيهِ الأَحمَقُ
أَصبَحتُ كَالدَهرِيِّ أَعبُدُ شَعرَهُوَجَبينَهُ وَأَنا الشَريفُ المُعرِقُ
وَغَدَوتُ أَنظِمُ مِن ثَنايا ثَغرِهِدُرَراً أُقَلِّدُها المَها وَأُطَوِّقُ
صَبري اِستَثَرتَ دَفائِني وَهَزَزتَنيوَأَرَيتَني الإِبداعَ كَيفَ يُنَسَّقُ
فَأَبَحتَ لي شَكوى الهَوى وَسَبَقتَنيفي مَدحِ عَبّاسٍ وَمِثلُكَ يَسبِقُ
قالَ الرَئيسُ فَما لِقَولٍ بَعدَهُباعٌ تَطولُ وَلا لِمَدحٍ رَونَقُ
شَوقي نَسَبتَ فَما مَلَكتُ مَدامِعيمِن أَن يَسيلَ بِها النَسيبُ الشَيِّقُ
أَعجَزتَ أَطواقَ الأَنامِ بِمَدحِهِسَجَدَ البَيانُ لِرَبِّها وَالمَنطِقُ
لَم تَترُكا لي في المَدائِحِ فَضلَةًيَجري بِها قَلَمي الضَعيفُ وَيَلحَقُ
نَفسي عَلى شَوقٍ لِمَدحِ أَميرِهاوَيَراعَتي بَينَ الأَنامِلِ أَشوَقُ
ماذا أَقولُ وَأَنتُما في مَدحِهِبَحرانِ باتَ كِلاهُما يَتَدَفَّقُ
العَجزُ أَقعَدَني وَإِنَّ عَزائِميلَولاكُما فَوقَ السِماكِ تُحَلِّقُ
فَليَهنَئِ العَبّاسُ أَنَّ بِكَفِّهِعَلَمَينِ هَزَّهُما الوَلاءُ المُطلَقُ
وَليَبقَ ذُخراً لِلبِلادِ وَأَهلِهايَعفو وَيَرحَمُ مَن يَشاءُ وَيُعتِقُ
عَبّاسُ وَالعيدُ الكَبيرُ كِلاهُمامُتَأَلِّقٌ بِإِزائِهِ مُتَأَلِّقُ
هَذا لَهُ تَجري الدِماءُ وَذا لَهُتَجري القَرائِحُ بِالمَديحِ وَتُعنِقُ
صَدَقَ الَّذي قَد قالَ فيهِ وَحَسبُهُأَنَّ الزَمانَ لِما يَقولُ مُصَدِّقُ
لَكَ مِصرُ ماضيها وَحاضِرُها مَعاًوَلَكَ الغَدُ المُتَحَتِّمُ المُتَحَقِّقُ
قصيدة حافظ إبراهيم

سنون تعاد ودهر يعيد

سُنونٌ تُعادُ وَدَهرٌ يُعيدلَعَمرُكَ ما في اللَيالي جَديد
أَضاءَ لِآدَمَ هَذا الهِلالُفَكَيفَ تَقولُ الهِلالُ الوَليد
نَعُدُّ عَلَيهِ الزَمانَ القَريبَوَيُحصي عَلَينا الزَمانَ البَعيد
عَلى صَفحَتَيهِ حَديثُ القُرىوَأَيّامُ عادٍ وَدُنيا ثَمود
وَطيبَةُ آهِلَةٌ بِالمُلوكِوَطيبَةُ مُقفِرَةٌ بِالصَعيد
يَزولُ بِبَعضِ سَناهُ الصَفاوَيَفنى بِبَعضِ سَناهُ الحَديد
وَمِن عَجَبٍ وَهوَ جَدُّ اللَيالييُبيدُ اللَيالِيَ فيما يُبيد
يَقولونَ يا عامُ قَد عُدتَ ليفَيالَيتَ شِعري بِماذا تَعود
لَقَد كُنتَ لي أَمسِ ما لَم أُرِدفَهَل أَنتَ لي اليَومَ ما لا أُريد
وَمَن صابَرَ الدَهرَ صَبري لَهُشَكا في الثَلاثينَ شَكوى لَبيد
ظَمِئتُ وَمِثلي بَرِيٍّ أَحَقُّكَأَنّي حُسَينٌ وَدَهري يَزيد
تَغابَيتُ حَتّى صَحِبتُ الجَهولَوَدارَيتُ حَتّى صَحِبتُ الحَسود
أبيات شعر أمير الشعراء أحمد شوقي

أمر باسمك

أمر باسمك إذ أخلو إلى نفسكما يمرّ دمشقي بأندلسي
هنا أضاء لك الليمون ملح دميوهاهنا وقعت ريحٌ على الفرسِ
أمر باسمك لا جيشٌ يحاصرنيولا بلاد كأني آخر الحرسِ
أو شاعر يتمشّى في هواجسهفي دمشق تطير الحمامات
خلف سياج الحريراثنتين ثنتين
في دمشق ارى لغتي كلها على حبة قمح مكتوبةبأبرة انثى ينقحها حجر الرافدين.
في دمشق تطرز أسماء خيل العربمن الجاهلية حتى القيامة أو بعدها
بخيوط الذهبفي دمشق تسير السماء على الطرق القديمة
حافية حافيةفما حاجة الشعراء الى الوحي و الوزن و القافية
قصيدة محمود درويش

ضعف العزيمة لحد في سكينته

ضُعْفُ العزيمَةِ لَحْدٌ في سَكينَتِهِتقضي الحَيَاةُ بَنَاهُ اليأسُ والوجلُ
وفي العَزيمَةِ قُوَّاتٌ مُسَخَّرَةٌيَخِرُّ دونَ مَدَاها الشَّامِخُ الجَبَلُ
والنَّاسُ شَخْصانِ ذا يَسْعى بهِ قدَمٌمن القُنُوطِ وذا يَسْعَى بهِ الأَمَلُ
هذا إلى الموتِ والأَجداثُ ساخِرةٌوذا إلى المجدِ والدُّنيا لَهُ خَوَلُ
مَا كلُّ فِعْلٍ يُجِلُّ النَّاسُ فاعِلَهُمَجْداً فإنَّ الوَرَى بي رأْيِهِمْ خَطَلُ
ففي التَماجُدِ تَمْويهٌ وشَعْوَذَةٌوفي الحقيقَةِ مَا لا يُدْرِكُ الدَّجِلُ
مَا المَجْدِ إلاَّ ابْتِساماتٌ يَفيضُ بهافمُ الزمَّان إِذا مَا انسدَّتِ الحِيَلُ
وليسَ بالمجدِ مَا تَشْقَى الحَيَاةُ بهِفَيَحْسُدُ اليَوْمَ أَمْساً ضَمَّهُ الأَزَلُ
فما الحُرُوبُ سِوَى وَحْشيَّةٍ نَهَضَتْفي أَنْفُسِ النَّاسِ فانْقادَتْ لها الدُّوَلُ
وأَيْقَظَتْ في قُلوبِ النَّاسِ عاصِفَةًغامَ الوُجودُ لها وارْبَدَّتِ السُّبُلُ
فالدَّهْرُ مُنْتَعِلٌ بالنَّارِ مُلْتَحِفٌبالهوْلِ والويلِ والأَيامُ تَشْتَعِلُ
والأَرضُ داميةٌ بالإِثْمِ طامِيَةٌومارِدُ الشَّرِّ في أَرْجائِها ثَمِلُ
والموتُ كالمَارِدِ الجبَّارِ مُنْتَصِبٌفي الأَرضِ يَخْطُفُ من قَدْ خانَهُ الأَجَلُ
وفي المَهَامِهِ أَشلاءٌ مُمَزَّقَةٌتَتْلو على القَفْرِ شِعْراً لَيْسَ يُنْتَحَلُ
قصيدة أبو القاسم الشابي

عرضوا الأمان على الخواطر

عَرَضوا الأَمانَ عَلى الخَواطِروَاِستَعرَضوا السُمرَ الخَواطِر
فَوَقَفتُ في حَذَرٍ وَيَأبى القَلبُ إِلّا أَن يُخاطِر
يا قَلبُ شَأنَكَ وَالهَوىهَذي الغُصونُ وَأَنتَ طائِر
إِنَّ الَتي صادَتكَ تَسعى بِالقُلوبِ لَها النَواظِر
يا ثَغرَها أَمسَيتُ كَالغَوّاصِ أَحلُمُ بِالجَواهِر
يا لَحظَها مَن أُمُّهاأَو مَن أَبوها في الجَآذِر
يا شَعرَها لا تَسعَ فيهَتكي فَشَأنُ اللَيلِ ساتِر
يا قَدَّها حَتّامَ تَغدو عاذِلاً وَتَروحُ جائِر
وَبِأَيِّ ذَنبٍ قَد طَعَنتَ حَشايَ يا قَدَّ الكَبائِر
أبيات أمير الشعراء أحمد شوقي

أيدري الربع أي دم أراقا

أَيَدري الرَبعُ أَيَّ دَمٍ أَراقا – وَأَيَّ قُلوبِ هَذا الرَكبِ شاقا
لَنا وَلِأَهلِهِ أَبَدًا قُلوبٌ – تَلاقى في جُسومٍ ما تَلاقى
وَما عَفَتِ الرِياحُ لَهُ مَحَلًّا – عَفاهُ مَن حَدا بِهِمُ وَساقا
فَلَيتَ هَوى الأَحِبَّةِ كانَ عَدلًا – فَحَمَّلَ كُلَّ قَلبٍ ما أَطاقا
نَظَرتُ إِلَيهِمُ وَالعَينُ شَكرى – فَصارَت كُلُّها لِلدَمعِ ماقا
وَقَد أَخَذَ التَمامُ البَدرُ فيهِمْ – وَأَعطاني مِنَ السَقَمِ المُحاقا
وَبَينَ الفَرعِ وَالقَدَمَينِ نورٌ – يَقودُ بِلا أَزِمَّتِها النِياقا
وَطَرفٌ إِن سَقى العُشّاقَ كَأسًا – بِها نَقصٌ سَقانيها دِهاقا
وَخَصرٌ تَثبُتُ الأَبصارُ فيهِ – كَأَنَّ عَلَيهِ مِن حَدَقِ نِطاقا
سَلي عَن سيرَتي فَرَسي وَسَيفي – وَرُمحي وَالهَمَلَّعَةِ الدِفاقا
تَرَكنا مِن وَراءِ العيسِ نَجدًا – وَنَكَّبنا السَماوَةَ وَالعِراقا
فَما زالَت تَرى وَاللَيلُ داجٍ – لِسَيفِ الدَولَةِ المَلِكِ ائتِلاقا
أَدِلَّتُها رِياحُ المِسكِ مِنهُ – إِذا فَتَحَت مَناخِرَها انتِشاقا
أَباحَ الوحش يا وَحشُ الأَعادي – فَلِمْ تَتَعَرَّضينَ لَهُ الرِفاقا
وَلَو تَبَّعتِ ما طَرَحَت قَناهُ – لَكَفَّكِ عَن رَذايانا وَعاقا
وَلَو سِرنا إِلَيهِ في طَريقٍ – مِنَ النيرانِ لَم نَخَفِ احتِراقا
إِمامٌ للِائمَّةِ مِن قُرَيشٍ – إِلى مَن يَتَّقونَ لَهُ شِقاقا
يَكونُ لَهُمْ إِذا غَضِبوا حُسامًا – وَلِلهَيجاءِ حينَ تَقومُ ساقا
فَلا تَستَنكِرَنَّ لَهُ ابتِسامًا – إِذا فَهِقَ المَكَرُّ دَمًا وَضاقا
فَقَد ضَمِنَت لَهُ المُهَجَ العَوالي – وَحَمَّلَ هَمَّهُ الخَيلَ العِتاقا
إِذا أُنعِلنَ في آثارِ قَومٍ – وَإِن بَعُدوا جَعَلنَهُمُ طِراقا
وَإِن نَقَعَ الصَريخُ إِلى مَكانٍ – نَصَبنَ لَهُ مُؤَلَّلَةً دِقاقا
فَكانَ الطَعنُ بَينَهُما جَوابًا – وَكانَ اللَبثُ بَينَهُما فُواقا
مُلاقِيَةً نَواصيها المَنايا – مُعَوَّدَةً فَوارِسُها العِناقا
تَبيتُ رِماحُهُ فَوقَ الهَوادي – وَقَد ضَرَبَ العَجاجُ لَها رِواقا
تَميلُ كَأَنَّ في الأَبطالِ خَمرًا – عُلِلنَ بِها اصطِباحًا وَاغتِباقا
تَعَجَّبَتِ المُدامُ وَقَد حَساها – فَلَم يَسكَر وَجادَ فَما أَفاقا
أَقامَ الشِعرُ يَنتَظِرُ العَطايا – فَلَمّا فاقَتِ الأَمطارَ فاقا
وَزَنّا قيمَةَ الدَهماءِ مِنهُ – وَوَفَّينا القِيانَ بِهِ الصَداقا
وَحاشا لِارتِياحِكَ أَن يُبارى – وَلِلكَرَمِ الَّذي لَكَ أَن يُباقى
وَلَكِنّا نُداعِبُ مِنكَ قَرمًا – تَراجَعَتِ القُرومُ لَهُ حِقاقا
فَتىً لا تَسلُبُ القَتلى يَداهُ – وَيَسلُبُ عَفوُهُ الأَسرى الوَثاقا
وَلَم تَأتِ الجَميلَ إِلَيَّ سَهوًا – وَلَم أَظفَر بِهِ مِنكَ استِراقا
فَأَبلِغ حاسِدِيَّ عَلَيكَ أَنّي – كَبا بَرقٌ يُحاوِلُ بي لَحاقا
وَهَل تُغني الرَسائِلُ في عَدوٍّ – إِذا ما لَم يَكُنَّ ظُبًا رِقاقا
إِذا ما الناسُ جَرَّبَهُمْ لَبيبٌ – فَإِنّي قَد أَكَلتُهُمُ وَذاقا
فَلَم أَرَ وُدَّهُمْ إِلّا خِداعًا – وَلَم أَرَ دينَهُم إِلّا نِفاقا
يُقَصِّرُ عَن يَمينِكَ كُلُّ بَحرٍ – وَعَمّا لَم تُلِقهُ ما أَلاقا
وَلَولا قُدرَةُ الخَلّاقِ قُلنا – أَعَمدًا كانَ خَلقُكَ أَم وِفاقا
فَلا حَطَّت لَكَ الهَيجاءُ سَرجًا – وَلا ذاقَت لَكَ الدُنيا فِراقا
أبيات شعر أبو الطيب المتنبي