منك الصدود ومني بالصدود رضى

منك الصدود ومني بالصدود رضى ~ من ذا علي بهذا في هواك قضى
بي منك ما لو غدا بالشمس ما طلعت ~ من الكآبة أو بالبرق ما ومضا
إذا الفتى ذم عيشاً في شبيبته ~ فما يقول إذا عصر الشباب مضى
وقد تعوضت من كل بمشبِهه ~ فما وجدت لأيام الصبا عوضا
وقد غرضت من الدنيا فهل زمني ~ معط حياتي لغر بعد ما غرضا
جربت دهري وأهليه فما ترَكت ~ لي التجارب في ود امرئ غرضا
وليلة سرت فيها وابن مزنتها ~ كميت عاد حياً بعدما قبضا
كأنما هي إذ لاحت كواكبها ~ خود من الزنج تجلى وشحت خضضا
كأنما النسر قد قصت قوادمه ~ فالضعف يكسر منه كلما نهضا
والبدر يحتث نحو الغرب أينقه ~ فكلما خاف من شمس الضحى ركضا
ومنهل ترد الجوزاء غمرته ~ إذا السماكان شطر المغرب اعترَضا
وردته ونجوم الليل وانية ~ تشكو إلى الفجر أن لم تطعم الغمضا
من قصائد العصر العباسي للشاعر أبو العلاء المعري

أرى العنقاء تكبر أن تصادا

أرى العنقاء تكبر أن تصادا ~ فعاند من تطيق له عنادا
وما نهنهت عن طلب ولكن ~ هي الأيام لا تعطي قيادا
فلا تلم السوابق والمطايا ~ إذا غرض من الأغراض حادا
لعلك أن تشن بها مغاراً ~ فتنجح أو تجشمها طرادا
مقارعة أحجتها العوالي ~ مجنبة نواظرها الرقادا
نلوم على تبلدها قلوباً ~ تكابد من معيشتها جهادا
إذا ما النار لم تطعم ضراماً ~ فأوشك أن تمر بها رمادا
فظن بسائر الإخوان شراً ~ ولا تأمن على سر فؤادا
فلو خبرتهم الجوزاء خبري ~ لما طلعت مخافة أن تكادا
تجنبت الأنام فلا أواخي ~ وزدت عن العدو فما أُعادى
ولمّا أنْ تَجَهّمَني مُرادي ~ جَرَيْتُ معَ الزّمانِ كما أرادا
وهونت الخطوب علي حتى ~ كأني صرت أمنحها الودادا
أَأُنْكِرُها ومَنْبِتُها فؤادي ~ وكيفَ تُناكِرُ الأرضُ القَتادا
فأيّ النّاسِ أجْعَلُهُ صَديقا ~ وأيّ الأرضِ أسْلُكُهُ ارْتِيادا
ولو أنّ النّجومَ لديّ مالٌ ~ نَفَتْ كَفّايَ أكْثرَها انْتِقادا
كأني في لِسانِ الدهْرِ لَفْظٌ ~ تَضَمّنَ منه أغْراضاً بِعادا
يُكَرّرُني ليَفَهَمَني رِجالٌ ~ كما كَرّرْتَ مَعْنىً مُسْتَعادا
ولو أني حبِيت الخلد فرداً ~ لما أحببت بالخلد انفرادا
فلا هَطَلَتْ عَلَيّ ولا بأرْضي ~ سَحائبُ ليسَ تنْتَظِمُ البِلادا
وكم مِن طالِبٍ أمَدي سيَلْقى ~ دُوَيْنَ مَكانيَ السبْعَ الشّدادا
يُؤجِّجُ في شُعاعِ الشمسِ ناراً ~ ويَقْدَحُ في تَلَهّبِها زِنادا
ويَطْعَنُ في عُلايَ وإنّ شِسْعي ~ لَيَأنَفُ أن يكونَ له نِجادا
ويُظْهِرُ لي مَوَدّتَهُ مَقالا ~ ويُبْغِضُني ضَميراً واعْتِقادا
فلا وأبيكَ ما أخْشَى انتِقاضاً ~ ولا وأبيكَ ما أرْجو ازْديادا
ليَ الشّرَفُ الّذي يَطَأُ الثُريّا ~ معَ الفَضْلِ الذي بَهَرَ العِبادا
وكم عَيْنٍ تُؤَمّلُ أن تَراني ~ وتَفْقِدُ عندَ رؤيَتِيَ السّوادا
ولو مَلأ السُّهى عَيْنَيْهِ مِنّي ~ أَبَرَّ على مَدَى زُحَلٍ وزادا
أفُلّ نَوائبَ الأيامِ وحْدي ~ إذا جَمَعَتْ كَتائِبَها احْتِشادا
وقد أثبت رجلي في ركاب ~ جعلت من الزماع له بدادا
إذا أوْطَأتُها قَدَمَيْ سُهَيْلٍ ~ فلا سُقِيَتْ خُناصِرَةُ العِهادا
كأنّ ظِماءَهُنّ بناتُ نَعْشٍ ~ يَرِدْنَ إذا وَرَدنا بِنا الثِّمادا
ستَعْجَبُ من تَغَشْمُرِها لَيالٍ ~ تُبارِينا كواكبُها سُهادا
كأنّ فِجاجَها فَقَدَتْ حَبيباً ~ فصَيّرَتِ الظّلامَ لها حِدادا
وقد كتَبَ الضّريبُ بها سُطوراً ~ فخِلْتَ الأرضَ لابِسَةً بِجادا
كأنّ الزِّبْرِقانَ بها أسيرٌ ~ تُجُنِّبَ لا يُفَكُّ ولا يُفادى
وبعضُ الظاعِنينَ كقَرْنِ شَمْسٍ ~ يَغيبُ فإنْ أضاء الفَجْرُ عادا
ولكِنّي الشّبابُ إذا تَوَلّى ~ فجَهْلٌ أنْ تَرومَ له ارْتِدادا
وأحْسَبُ أنّ قَلْبي لو عَصاني ~ فَعاوَدَ ما وَجَدْتُ له افْتِقادا
تذكَّرْتُ البِداوَةَ في أُناسٍ ~ تَخالُ رَبيعَهُمْ سَنَةً جَمادا
يَصيدونَ الفَوَارِسَ كلَّ يومٍ ~ كما تَتَصَيّدُ الأُسْدُ النِّقادا
طلَعْتُ عليهِمْ واليوْمُ طِفْلٌ ~ كأنّ على مَشارِقِهِ جِسادا
إذا نَزَلَ الضّيوفُ ولم يُريحُوا ~ كرامَ سَوامِهمْ عَقَروا الجِيادا
بُناةُ الشِّعْرِ ما أكْفَوْا رَوِيّاً ~ ولا عَرَفوا الإجازَةَ والسِّنادا
عَهِدْتُ لأحْسَنِ الحَيّيْنِ وَجْهاً ~ وأوْهَبِهِمْ طريفاً أو تِلادا
وأطْوَلِهِمْ إذا ركِبوا قَناةً ~ وأرْفَعِهِمْ إذا نزَلوا عِمادا
فتىً يَهَبُ اللُّجَيْنَ المَحضَ جوداً ~ ويَدَّخِرُ الحديدَ له عَتادا
ويَلْبَسُ من جُلودِ عِداهُ سِبْتاً ~ ويَرْفَعُ من رُؤوسِهِمُ النِّضَادا
أبَنَّ الغَزْوَ مُكْتَهِلاً وبَدْرا ~ وعُوّدَ أنْ يَسودَ ولا يُسادا
جَهولٌ بالمَناسِكِ ليس يَدري ~ أغَيّاً باتَ يَفْعَلُ أم رَشادا
طَموحُ السّيفِ لا يخْشَى إلهاً ~ ولا يَرجو القِيامَةَ والمَعادا
ويَغْبِقُ أهْلَهُ لبَنَ الصّفايا ~ ويَمْنَحُ قَوْتَ مُهْجَتِهِ الجَوادا
يَذودُ سَخاؤُهَ الأذْوادَ عنه ~ ويُحْسِنُ عن حرائِبِهِ الذِّيادا
يَرُدّ بتُرْسِهِ النّكْباءَ عنّي ~ ويجْعَلُ دِرْعَهُ تحْتي مِهادا
فبِتُّ وإنّما ألْقَى خَيَالاً ~ كمَنْ يَلْقَى الأسِنّةَ والصِّعادا
وأطْلَسَ مُخْلِقِ السِّرْبالِ يَبْغي ~ نَوافِلَنا صَلاحاً أو فَسادا
كأنّي إذْ نَبَذْتُ له عِصاماً ~ وَهَبْتُ له المَطِيّةَ والمَزَادا
وبَالي الجِسْمِ كالذّكَرِ اليَماني ~ أفُلّ به اليَمانِيَةَ الحِدادا
طَرَحْتُ له الوَضِينَ فخِلْتُ أني ~ طرَحْتُ له الحَشِيّةَ والوِسادا
ولي نفس تحل بي الروابي ~ وتأبى أن تحل بي الوهادا
تمد لتقبض القمرين كفّا ~ وتحمل كي تبذ النجم زادا
قصيدة لشاعر العصر العباسي أبو العلاء المعري

بم التعلل لا أهل ولا وطن

بم التعلل لا أهل ولا وطن ~ ولا نديم ولا كأس ولا سكن
أريد من زمني ذا أن يبلغني ~ ما ليس يبلغه من نفسه الزمن
لا تلق دهرك إلا غير مكترث ~ مادام يصحب فيه روحك البدن
فما يدوم سرور ما سررت به ~ ولا يرد عليك الفائت الحزن
مما أضر بأهل العشق أنهم ~ هووا وما عرفوا الدنيا وما فطنوا
تفنى عيونهم دمعا وأنفسهم ~ في إثر كل قبيح وجهه حسن
تحملوا حملتكم كل ناجية ~ فكل بين علي اليوم مؤتمن
ما في هوادجكم من مهجتي عوض ~ إن مت شوقا ولا فيها لها ثمن
يا من نعيت على بعد بمجلسه ~ كل بما زعم الناعون مرتهن
كم قد قتلت وكم قد مت عندكم ~ ثم انتفضت فزال القبر والكفن
قد كان شاهد دفني قبل قولهم ~ جماعة ثم ماتوا قبل من دفنوا
ما كل ما يتمنى المرء يدركه ~ تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
رأيتكم لا يصون العرض جاركم ~ ولا يدر على مرعاكم اللبن
جزاء كل قريب منكم ملل ~ وحظ كل محب منكم ضغن
وتغضبون على من نال رفدكم ~ حتى يعاقبه التنغيص والمنن
فغادر الهجر ما بيني وبينكم ~ يهماء تكذب فيها العين والأذن
تحبو الرواسم من بعد الرسيم بها ~ وتسأل الأرض عن أخفافها الثفن
إني أصاحب حلمي وهو بي كرم ~ ولا أصاحب حلمي وهو بي جبن
ولا أقيم على مال أذل به ~ ولا ألذ بما عرضي به درن
سهرت بعد رحيلي وحشة لكم ~ ثم استمر مريري وارعوى الوسن
وإن بليت بود مثل ودكم ~ فإنني بفراق مثله قمن
أبلى الأجلة مهري عند غيركم ~ وبدل العذر بالفسطاط والرسن
عند الهمام أبي المسك الذي غرقت ~ في جوده مضر الحمراء واليمن
وإن تأخر عني بعض موعده ~ فما تأخر آمالي ولا تهن
هو الوفي ولكني ذكرت له ~ مودة فهو يبلوها ويمتحن
قصيدة شهيرة للشاعر أبو الطيب المتنبي

الخيل و الليل و البيداء تعرفني

واحر قلباه ممن قلبه شبم ~ ومن بجسمي وحالي عنده سقم
ما لي أُكتِم حبّاً قد برَى جسدي ~ وتَدعي حب سيف الدولة الأُمم
إن كَان يجمَعنا حب لِغرّته ~ فَليت أنّا بقدر الحب نقتسم
قد زرته وَسيوف الهند مغمدة ~ وقد نظرت إليه والسيوف دم
فكان أحسن خلق الله كلّهم ~ وَكان أحسن ما في الأحسن الشيم
فَوْتُ العَدُوّ الذي يَمّمْتَهُ ظَفَرٌ ~ في طَيّهِ أسَف في طيه نعم
قد نابَ عنكَ شديد الخوْف وَاصطنعت ~ لَك المَهابَة ما لا تَصنع البهم
أَلزَمتَ نَفسَك شَيئاً لَيس يَلزمها ~ أَن لا يوارِيَهُم أَرض ولا علم
أكلّما رمت جيْشاً فانْثَنى هَرَباً ~ تَصَرفَت بك في آثَارِه الهمم
عَلَيْكَ هَزْمُهُمُ في كلّ مُعْتَرَكٍ ~ وَمَا عَلَيْكَ بهِمْ عارٌ إذا انهَزَمُوا
أمَا تَرَى ظَفَراً حُلْواً سِوَى ظَفَرٍ ~ تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الهِنْدِ وَاللِّمم
يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي ~ فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكم
أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً ~ أن تحسبَ الشحم فيمن شحمه وَرم
وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ ~ إذا اسْتَوَتْ عندَه الأنْوار وَالظُلم
سَيعْلَمُ الجَمعُ ممّنْ ضَمّ مَجلِسُنا ~ بأنّني خَيرُ مَنْ تَسْعَى به قدم
أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي ~ وَأسْمَعَتْ كَلِماتي من به صمم
أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا ~ وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ
وَجاهِلٍ مَدّهُ في جَهْلِهِ ضَحِكي ~ حَتى أتَتْه يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ
إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً ~ فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ
وَمُهْجَةٍ مُهْجَتي من هَمّ صَاحِبها ~ أدرَكْتُهَا بجَوَادٍ ظَهْرُه حَرَمُ
رِجلاهُ في الرّكضِ رِجلٌ وَاليدانِ يَدٌ ~ وَفِعْلُهُ مَا تُريدُ الكَفُّ وَالقَدَمُ
وَمُرْهَفٍ سرْتُ بينَ الجَحْفَلَينِ بهِ ~ حتى ضرَبْتُ وَمَوْجُ المَوْتِ يَلْتَطِمُ
الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني ~ وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ
صَحِبْتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ منفَرِداً ~ حتى تَعَجّبَ مني القُورُ وَالأكَمُ
يَا مَنْ يَعِزّ عَلَيْنَا أن نفارقَهم ~ وجداننا كلَ شيءٍ بَعدَكم عدم
مَا كانَ أخلَقنَا منكم بتكرمَة ~ لَو أن أمرَكم مِن أمرنَا أمم
إنْ كانَ سَرّكُمُ ما قالَ حاسِدُنَا ~ فَمَا لجرح إذا أرْضاكم ألم
وَبَيْنَنَا لَوْ رَعَيْتُمْ ذاكَ مَعرِفَةٌ ~ إنّ المَعارِفَ في أهْل النُهَى ذمم
كم تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْباً فيُعجِزُكمْ ~ وَيَكْرَهُ الله ما تَأتُونَ وَالكَرم
ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شرَفي ~ أنَا الثرَيّا وَذان الشيب وَالهرم
لَيْتَ الغَمَامَ الذي عندي صَواعِقُهُ ~ يُزيلُهُنّ إلى مَنْ عِنْدَهُ الدِّيَمُ
أرَى النّوَى يَقتَضيني كلَّ مَرْحَلَةٍ ~ لا تَسْتَقِلّ بها الوَخّادَةُ الرُّسُمُ
لَئِنْ تَرَكْنَ ضُمَيراً عَنْ مَيامِنِنا ~ لَيَحْدُثَنّ لمَنْ وَدّعْتُهُمْ نَدَمُ
إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا ~ أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ
شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ ~ وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ
وَشَرُّ ما قَنّصَتْهُ رَاحَتي قَنَصٌ ~ شُهْبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ والرَّخَمُ
بأيّ لَفْظٍ تَقُولُ الشّعْرَ زِعْنِفَةٌ ~ تَجُوزُ عِندَكَ لا عُرْبٌ وَلا عَجَمُ
هَذا عِتابُكَ إلاّ أنّهُ مِقَةٌ ~ قد ضُمّنَ الدُّرَّ إلاّ أنّهُ كَلِمُ
قصيدة شهيرة للشاعر أبو الطيب المتنبي

صاحب لما أساء

صاحبٌ لمَّـا أساءَأتبعَ الـدَّلوَ الرشاءَ
ربَّ داءٍ لا أرى منــــهُ سوى الصبرِ شفاءَ
أحمدُ اللهَ على ماسرَّ منْ أمري وساءَ
شعر أبو فراس الحمداني

كان قضيبا له انثناء

كانَ قضيباً لهُ انثناءُو كانَ بدراً لهُ ضياءُ
فَزَادَهُ رَبُّهُ عِذَاراًتَمّ بِهِ الحُسْنُ وَالبَهَاءُ
كذلكَ اللهُ كلّ َ وقتٍيزيدُ في الخلقِ ما يشاءُ
شعر أبو فراس الحمداني