أرى العنقاء تكبر أن تصادا

أرى العنقاء تكبر أن تصادا ~ فعاند من تطيق له عنادا
وما نهنهت عن طلب ولكن ~ هي الأيام لا تعطي قيادا
فلا تلم السوابق والمطايا ~ إذا غرض من الأغراض حادا
لعلك أن تشن بها مغاراً ~ فتنجح أو تجشمها طرادا
مقارعة أحجتها العوالي ~ مجنبة نواظرها الرقادا
نلوم على تبلدها قلوباً ~ تكابد من معيشتها جهادا
إذا ما النار لم تطعم ضراماً ~ فأوشك أن تمر بها رمادا
فظن بسائر الإخوان شراً ~ ولا تأمن على سر فؤادا
فلو خبرتهم الجوزاء خبري ~ لما طلعت مخافة أن تكادا
تجنبت الأنام فلا أواخي ~ وزدت عن العدو فما أُعادى
ولمّا أنْ تَجَهّمَني مُرادي ~ جَرَيْتُ معَ الزّمانِ كما أرادا
وهونت الخطوب علي حتى ~ كأني صرت أمنحها الودادا
أَأُنْكِرُها ومَنْبِتُها فؤادي ~ وكيفَ تُناكِرُ الأرضُ القَتادا
فأيّ النّاسِ أجْعَلُهُ صَديقا ~ وأيّ الأرضِ أسْلُكُهُ ارْتِيادا
ولو أنّ النّجومَ لديّ مالٌ ~ نَفَتْ كَفّايَ أكْثرَها انْتِقادا
كأني في لِسانِ الدهْرِ لَفْظٌ ~ تَضَمّنَ منه أغْراضاً بِعادا
يُكَرّرُني ليَفَهَمَني رِجالٌ ~ كما كَرّرْتَ مَعْنىً مُسْتَعادا
ولو أني حبِيت الخلد فرداً ~ لما أحببت بالخلد انفرادا
فلا هَطَلَتْ عَلَيّ ولا بأرْضي ~ سَحائبُ ليسَ تنْتَظِمُ البِلادا
وكم مِن طالِبٍ أمَدي سيَلْقى ~ دُوَيْنَ مَكانيَ السبْعَ الشّدادا
يُؤجِّجُ في شُعاعِ الشمسِ ناراً ~ ويَقْدَحُ في تَلَهّبِها زِنادا
ويَطْعَنُ في عُلايَ وإنّ شِسْعي ~ لَيَأنَفُ أن يكونَ له نِجادا
ويُظْهِرُ لي مَوَدّتَهُ مَقالا ~ ويُبْغِضُني ضَميراً واعْتِقادا
فلا وأبيكَ ما أخْشَى انتِقاضاً ~ ولا وأبيكَ ما أرْجو ازْديادا
ليَ الشّرَفُ الّذي يَطَأُ الثُريّا ~ معَ الفَضْلِ الذي بَهَرَ العِبادا
وكم عَيْنٍ تُؤَمّلُ أن تَراني ~ وتَفْقِدُ عندَ رؤيَتِيَ السّوادا
ولو مَلأ السُّهى عَيْنَيْهِ مِنّي ~ أَبَرَّ على مَدَى زُحَلٍ وزادا
أفُلّ نَوائبَ الأيامِ وحْدي ~ إذا جَمَعَتْ كَتائِبَها احْتِشادا
وقد أثبت رجلي في ركاب ~ جعلت من الزماع له بدادا
إذا أوْطَأتُها قَدَمَيْ سُهَيْلٍ ~ فلا سُقِيَتْ خُناصِرَةُ العِهادا
كأنّ ظِماءَهُنّ بناتُ نَعْشٍ ~ يَرِدْنَ إذا وَرَدنا بِنا الثِّمادا
ستَعْجَبُ من تَغَشْمُرِها لَيالٍ ~ تُبارِينا كواكبُها سُهادا
كأنّ فِجاجَها فَقَدَتْ حَبيباً ~ فصَيّرَتِ الظّلامَ لها حِدادا
وقد كتَبَ الضّريبُ بها سُطوراً ~ فخِلْتَ الأرضَ لابِسَةً بِجادا
كأنّ الزِّبْرِقانَ بها أسيرٌ ~ تُجُنِّبَ لا يُفَكُّ ولا يُفادى
وبعضُ الظاعِنينَ كقَرْنِ شَمْسٍ ~ يَغيبُ فإنْ أضاء الفَجْرُ عادا
ولكِنّي الشّبابُ إذا تَوَلّى ~ فجَهْلٌ أنْ تَرومَ له ارْتِدادا
وأحْسَبُ أنّ قَلْبي لو عَصاني ~ فَعاوَدَ ما وَجَدْتُ له افْتِقادا
تذكَّرْتُ البِداوَةَ في أُناسٍ ~ تَخالُ رَبيعَهُمْ سَنَةً جَمادا
يَصيدونَ الفَوَارِسَ كلَّ يومٍ ~ كما تَتَصَيّدُ الأُسْدُ النِّقادا
طلَعْتُ عليهِمْ واليوْمُ طِفْلٌ ~ كأنّ على مَشارِقِهِ جِسادا
إذا نَزَلَ الضّيوفُ ولم يُريحُوا ~ كرامَ سَوامِهمْ عَقَروا الجِيادا
بُناةُ الشِّعْرِ ما أكْفَوْا رَوِيّاً ~ ولا عَرَفوا الإجازَةَ والسِّنادا
عَهِدْتُ لأحْسَنِ الحَيّيْنِ وَجْهاً ~ وأوْهَبِهِمْ طريفاً أو تِلادا
وأطْوَلِهِمْ إذا ركِبوا قَناةً ~ وأرْفَعِهِمْ إذا نزَلوا عِمادا
فتىً يَهَبُ اللُّجَيْنَ المَحضَ جوداً ~ ويَدَّخِرُ الحديدَ له عَتادا
ويَلْبَسُ من جُلودِ عِداهُ سِبْتاً ~ ويَرْفَعُ من رُؤوسِهِمُ النِّضَادا
أبَنَّ الغَزْوَ مُكْتَهِلاً وبَدْرا ~ وعُوّدَ أنْ يَسودَ ولا يُسادا
جَهولٌ بالمَناسِكِ ليس يَدري ~ أغَيّاً باتَ يَفْعَلُ أم رَشادا
طَموحُ السّيفِ لا يخْشَى إلهاً ~ ولا يَرجو القِيامَةَ والمَعادا
ويَغْبِقُ أهْلَهُ لبَنَ الصّفايا ~ ويَمْنَحُ قَوْتَ مُهْجَتِهِ الجَوادا
يَذودُ سَخاؤُهَ الأذْوادَ عنه ~ ويُحْسِنُ عن حرائِبِهِ الذِّيادا
يَرُدّ بتُرْسِهِ النّكْباءَ عنّي ~ ويجْعَلُ دِرْعَهُ تحْتي مِهادا
فبِتُّ وإنّما ألْقَى خَيَالاً ~ كمَنْ يَلْقَى الأسِنّةَ والصِّعادا
وأطْلَسَ مُخْلِقِ السِّرْبالِ يَبْغي ~ نَوافِلَنا صَلاحاً أو فَسادا
كأنّي إذْ نَبَذْتُ له عِصاماً ~ وَهَبْتُ له المَطِيّةَ والمَزَادا
وبَالي الجِسْمِ كالذّكَرِ اليَماني ~ أفُلّ به اليَمانِيَةَ الحِدادا
طَرَحْتُ له الوَضِينَ فخِلْتُ أني ~ طرَحْتُ له الحَشِيّةَ والوِسادا
ولي نفس تحل بي الروابي ~ وتأبى أن تحل بي الوهادا
تمد لتقبض القمرين كفّا ~ وتحمل كي تبذ النجم زادا
قصيدة لشاعر العصر العباسي أبو العلاء المعري

اترك تعليقاً