الخيل و الليل و البيداء تعرفني

واحر قلباه ممن قلبه شبم ~ ومن بجسمي وحالي عنده سقم
ما لي أُكتِم حبّاً قد برَى جسدي ~ وتَدعي حب سيف الدولة الأُمم
إن كَان يجمَعنا حب لِغرّته ~ فَليت أنّا بقدر الحب نقتسم
قد زرته وَسيوف الهند مغمدة ~ وقد نظرت إليه والسيوف دم
فكان أحسن خلق الله كلّهم ~ وَكان أحسن ما في الأحسن الشيم
فَوْتُ العَدُوّ الذي يَمّمْتَهُ ظَفَرٌ ~ في طَيّهِ أسَف في طيه نعم
قد نابَ عنكَ شديد الخوْف وَاصطنعت ~ لَك المَهابَة ما لا تَصنع البهم
أَلزَمتَ نَفسَك شَيئاً لَيس يَلزمها ~ أَن لا يوارِيَهُم أَرض ولا علم
أكلّما رمت جيْشاً فانْثَنى هَرَباً ~ تَصَرفَت بك في آثَارِه الهمم
عَلَيْكَ هَزْمُهُمُ في كلّ مُعْتَرَكٍ ~ وَمَا عَلَيْكَ بهِمْ عارٌ إذا انهَزَمُوا
أمَا تَرَى ظَفَراً حُلْواً سِوَى ظَفَرٍ ~ تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الهِنْدِ وَاللِّمم
يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي ~ فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكم
أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً ~ أن تحسبَ الشحم فيمن شحمه وَرم
وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ ~ إذا اسْتَوَتْ عندَه الأنْوار وَالظُلم
سَيعْلَمُ الجَمعُ ممّنْ ضَمّ مَجلِسُنا ~ بأنّني خَيرُ مَنْ تَسْعَى به قدم
أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي ~ وَأسْمَعَتْ كَلِماتي من به صمم
أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا ~ وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ
وَجاهِلٍ مَدّهُ في جَهْلِهِ ضَحِكي ~ حَتى أتَتْه يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ
إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً ~ فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ
وَمُهْجَةٍ مُهْجَتي من هَمّ صَاحِبها ~ أدرَكْتُهَا بجَوَادٍ ظَهْرُه حَرَمُ
رِجلاهُ في الرّكضِ رِجلٌ وَاليدانِ يَدٌ ~ وَفِعْلُهُ مَا تُريدُ الكَفُّ وَالقَدَمُ
وَمُرْهَفٍ سرْتُ بينَ الجَحْفَلَينِ بهِ ~ حتى ضرَبْتُ وَمَوْجُ المَوْتِ يَلْتَطِمُ
الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني ~ وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ
صَحِبْتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ منفَرِداً ~ حتى تَعَجّبَ مني القُورُ وَالأكَمُ
يَا مَنْ يَعِزّ عَلَيْنَا أن نفارقَهم ~ وجداننا كلَ شيءٍ بَعدَكم عدم
مَا كانَ أخلَقنَا منكم بتكرمَة ~ لَو أن أمرَكم مِن أمرنَا أمم
إنْ كانَ سَرّكُمُ ما قالَ حاسِدُنَا ~ فَمَا لجرح إذا أرْضاكم ألم
وَبَيْنَنَا لَوْ رَعَيْتُمْ ذاكَ مَعرِفَةٌ ~ إنّ المَعارِفَ في أهْل النُهَى ذمم
كم تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْباً فيُعجِزُكمْ ~ وَيَكْرَهُ الله ما تَأتُونَ وَالكَرم
ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شرَفي ~ أنَا الثرَيّا وَذان الشيب وَالهرم
لَيْتَ الغَمَامَ الذي عندي صَواعِقُهُ ~ يُزيلُهُنّ إلى مَنْ عِنْدَهُ الدِّيَمُ
أرَى النّوَى يَقتَضيني كلَّ مَرْحَلَةٍ ~ لا تَسْتَقِلّ بها الوَخّادَةُ الرُّسُمُ
لَئِنْ تَرَكْنَ ضُمَيراً عَنْ مَيامِنِنا ~ لَيَحْدُثَنّ لمَنْ وَدّعْتُهُمْ نَدَمُ
إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا ~ أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ
شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ ~ وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ
وَشَرُّ ما قَنّصَتْهُ رَاحَتي قَنَصٌ ~ شُهْبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ والرَّخَمُ
بأيّ لَفْظٍ تَقُولُ الشّعْرَ زِعْنِفَةٌ ~ تَجُوزُ عِندَكَ لا عُرْبٌ وَلا عَجَمُ
هَذا عِتابُكَ إلاّ أنّهُ مِقَةٌ ~ قد ضُمّنَ الدُّرَّ إلاّ أنّهُ كَلِمُ
قصيدة شهيرة للشاعر أبو الطيب المتنبي

اترك تعليقاً