أَبكيكَ إسماعيلَ مِصرَ، وفي البُكا | بعدَ التَّذَكُّرِ راحة ُ المسْتَعبِر |
ومن القيام ببعض حقِّك أنني | أَرْقى لِعِزِّكَ والنعيم المدبِرِ |
هذي بيوتُ الرُّومِ، كيف سكنتها | بعد القصورِ المزريااتِ بقيصر؟ |
ومن العجائبِ أَن نفسَك أَقصَرَتْ | والدهرُ في إحراجها لم يقصر |
ما زالَ يُخلي منكَ كلَّ مَحِلَّة ٍ | حتى دُفِعْتَ إلى المكانِ الأَقفَرِ |
نظرَ الزمان إلى دياركَ كلِّها | نظرَ الرشيدِ إلى منازلِ جعفر |
قصائد العصر الحديث
قصائد عربية رائعة من العصر الحديث لأمير الشعراء و شاعر النيل و شاعر الخضراء أجمل القصائد.
الله يحكم في المداين والقرى
الله يحكمُ في المداينِ والقُرى | يا مِيتَ غَمْرَ خُذِي القضاءَ كما جرى |
ما جَلَّ خَطْبٌ ثم قِيسَ بغيْرِه | إلا وهوَّنه القياسُ وصغَّرا |
فسَلي عمورَة َ أَو سدُون تأَسِّياً | أَو مرْتنيقَ غداة وورِيَتِ الثرى |
مُدنٌ لقِينَ من القضاءِ ونارِه | شَرراً بجَنب نَصيبِها مُستَصْغَرا |
هذي طلولكِ أنفساً وحجارة ً | هل كنتِ رُكناً من جَهَنَّمَ مُسْعَرا؟! |
قد جئتُ أبكيها وآخذُ عبرة ً | فوقفتُ معتبراً بها مستعبرا |
أجدُ الحياة َ حياة َ دهرٍ ساعة ً | وأرى النعيمَ نعيمَ عمرٍ مقصرا |
وأَعُدُّ من حَزْمِ الأُمورِ وعزمها | للنفس أَن ترضَى ، وأَلاَّ تَضْجَرا |
ما زلتُ أسمعُ بالشَّقاءِ رواية ً | حتى رأيتُ بكِ الشَّقاءَ مصوَّرا |
فعل الزمانُ بشمْلِ أَهلِك فِعْلَهُ | ببني أميَّة َ ، أو قرابة ِ جعفرا |
بالأمسِ قد سكنوا الديارَ ، فأصبحوا | لا يُنظَرون، ولا مساكنُهم تُرَى |
فإذا لقِيت لقيت حيّاً بائساً | وإذا رأيت رأيت مَيْتاً مُنْكرا |
والأُمهاتُ بغير صبرٍ: هذه | تبكي الصغيرَ ، وتلك تبكي الأصغرا |
من كلِّ مُودِعَة ِ الطُّلولِ دموعَها | من أَجْلِ طفلٍ في الطلولِ استأْخرا |
كانت تؤمِّل أن تطولَ حياته | واليومَ تسألُ أن يعودَ فيقبرا |
طلعتْ عليكِ النارُ شؤمها | فمحتكِ آساساً ، وغيرتِ الذرا |
مَلَكَتْ جهاتِكَ ليلة ً ونهارَها | حمراءَ يبدو الموتُ منها أحمرا |
لا ترهبُ الوفانَ في طغيانها | لو قابَلَتْه، ولا تهابُ الأَبْحُرا |
لو أن نيرون الجمادَ فؤاده | يُدْعَى ليَنْظُرَها لعاف المنظرا |
أوأنه ابتلى َ الخليلُ بمثلها | ـ أَستغفِرُ الرحمنَ ـ ولَّى مُدْبِرا |
أو أن سيلاً عاصمٌ من شرها | عصمَ الديارَ من المامع مال جرى |
أَمْسَى بها كلُّ البيوتِ مُبَوَّباً | ومطنَّباً ، ومسيَّجاً ، ومسوَّرا |
أسرتهمو ، وتملَّكتْ طرقاتهم | مَنْ فرَّ لم يجدِ الطريقَ مُيَسَّرا |
خفَّتْ عليهم يومَ ذلك مورداً | وأَضلَّهُمْ قدَرٌ، فضَلُّوا المَصْدَرا |
حيثُ التفتَّ ترى الطريقَ كأنها | ساحاتُ حاتمِ غبَّ نيرانِ القرى |
وترى الدعائمَ في السوادِ كهيكلٍ | خمدَتْ به نارُ المجوسِ، وأَقْفَرا |
وتَشَمُّ رائحة َ الرُّفاتِ كريهة ً | وتشمُّ منها الثاكلاتُ العَنْبَرا |
كثرتْ عليها الطيرُ في حوماتها | يا طيرُ، «كلُّ الصَّيْدِ في جَوْفِ الفَرا» |
هل تأمنين طوارقَ الأحداثِ أن | تغشى عليكِ الوكرَ في سنة ِ الكرى |
والناسُ مِنْ داني القُرى وبعيدِها | تأْتي لتمشِيَ في الطُّلولِ وتَخْبُرا |
يتساءلون عن الحريقِ وهوله | وأرى الفرائسَ بالتساؤلِ أجدرا |
يا رَبِّ، قد خَمَدَتْ، وليس سواكَ مَنْ | يُطفِي القلوبَ المُشْعَلاتِ تَحسُّرا |
فتحوا اكتتاباً للإغانة فاكتتبْ | بالصبر فهوَ بمالِهم لا يُشترى |
إن لم تكن للبائسين فمن لهم؟ | أَو لم تكن للاجئين فمَنْ ترى ؟! |
فتولَّ جَمْعاً في اليَبَاب مُشتَّتاً | وارحم رميما في التراب مبعثرا |
فعلتَ بمصرَ النارُ ما لم تأتهِ | آياتكَ السبعُ القديمة ُ في الورى |
أوَ ما تراها في البلاد كقاهرٍ | في كلِّ ناحية يُسيِّر عَسْكرا؟! |
فادفعْ قضاءَك، أَو فصيِّرْ نارَه | برداً، وخذْ باللأُّطفِ فيما قدِّرا |
مُدُّوا الأَكفَّ سَخِيَّة ً، واستغفِري | يا أُمَّة ً قد آن أَن تَستغفرا |
أولى بعهطفِ الموسرين وبرِّهم | مَنْ كان مِثلَهُمُ فأَصبَح مُعْسِرا |
يا أيُّها السُّجناءُ في أموالهم | أأمنتموا الأيامَ أن تتغيَّرا؟ |
لا يملكُ الإنسانُ من أحواله | ما تملك الأَقدارُ، مهما قَدَّرا |
لا يُبْطِرنَّكَ من حرير مَوْطِىء ٌ | فلرُبَّ ماشٍ في الحريرِ تَعثَّرَا |
وإذا الزمانُ تنكرتْ أحداثه | لأخيكَ، فاذكره عسى أن تذكرا |
شرفاً نصيرُ ، ارفعْ جبينكَ عالياً
شرفاً نصيرُ ، ارفعْ جبينكَ عالياً | وتَلقَّ من أوطانك الإكليلا |
يَهنِيكَ ما أُعطِيتَ من إكرامِها | ومُنِحْتَ مِن عطف ابنِ إسماعيلا |
اليومَ يَومُ السَّابِقين، فكنْ فتًى | لم يبغِ من قصبِ الرِّهانِ بديلا |
وإذا جَرَيْتَ مع السوابق فاقتحِمْ | غرراً تسيل إلى المدى وحجولا |
حتى يراكَ الجمعُ أوَّلَ طالعٍ | ويَرَوْا على أَعرافِك المِنْديلا |
هذا زمانٌ لا توسُّط عنده | يَبْغِي المُغامِرُ عالياً وجليلا |
كنْ سابقاً فيه، أَو کبْقَ بِمَعْزِلٍ | ليس التوسُّطُ للنُبوغِ سبيلا |
ياقاهرَ الغربِ العتيدِ ، ملأته | بثناءِ مِصْرَ على الشفاهِ جَميلا |
قلَّبتَ فيه يداً تكاد لشدَّة ٍ | في البأْسِ ترفع في الفَضاءِ الفِيلا! |
إن الذي خلق الحديدَ وبأسه | جعل الحديد لساعديكَ ذليلا |
زَحْزَحْتَه، فتخاذلتْ أَجلادُه | وطَرحْتَه أَرضاً، فصَلَّ صَليلا |
لِمَ لا يَلِينُ لك الحديدُ ولم تزَلْ | تتلو عليه وتقرأُ التَّنزِيلا؟ |
الأَزْمَة اشْتَدَّتْ ورانَ بلاؤُها | فاصدمْ بركنك ركنها ليميلا |
شمشونُ أَنت، وقد رَستْ أَركانُها | فتَمشَّ في أَركانِها لِتَزولا |
قلْ لي نصيرُ وأنت برٌّ صادقٌ | أحملتَ إنساناً عليك ثقيلا ؟ |
أحملتَ ديناً في حياتك مرَّة ً ؟ | أحملتَ يوماً في الضُّلوعِ غليلا ؟ |
أحملتَ ظلماً من قريبٍ غادرٍ | أو كاشحٍ بالأَمسِ كان خَليلا؟ |
أحملتَ منًّا من قريبٍ مكرَّراً | والليلِ، مِنْ مُسْدٍ إليك جَميلا؟ |
أحملتَ طغيانَ اللثيمِ إذا اغتنى | أَو نال مِنْ جاهِ الأُمورِ قليلا؟ |
أحملتَ في النادي الغبيَّ إذا التقى | من سامعيه الحمدَ والتّبجيلا ؟ |
تلك الحياة ُ، وهذه أَثقالُها | وزن الحديدُ بها فعاد ضئيلا ! |
ياابنَ زيدونَ ، مرحبا
ياابنَ زيدونَ ، مرحبا | قد أطلتَ التغيُّبا |
إن ديوانَكَ الذي | ظلَّ سرًّ محجبَّا ، |
يشتكي اليتيم درُّه | ويقاسي التَّغرُّبا. . . |
. . . صار في كل بلدة ٍ | للأَلِبَّاءِ مَطْلبا |
جاءنا كاملٌ به | عربيًّا مهذَّبا |
تجدُ النَّصَّ معجبا | وترى الشَّرح أعجبا |
أنتَ في القول كلِّه | أَجْملُ الناسِ مَذهبا |
بأبي أنتَ هيكلاً | مِن فنونٍ مُركَّبا |
شاعِراً أَم مُصَوِّراً | كنتَ ، أم كنتَ مطربا ؟ |
ترسل اللحنَ كلَّه | مبدعاً فيه ، مربا |
أحسنَ الناس هاتفاً | بالغواني مشبِّبا |
ونزيلَ المتوَّج | ـينَ، النديمَ المُقرَّبا |
كم سقاهم بشعره | مِدْحَة ً أَو تَعَتُّبا |
ومن المدحِ ما جزى | وأَذاعَ المناقِبا |
وإذا الهجرُ هاجهُ | لمُعَاناته أبى |
ورآه رذيلهً | لا تماشي التأدُّبا |
ما رأَى الناسُ شاعِراً | فاضل الخُلْقِ طيِّبا |
دَسَّ للناشقين في | زَنبَقِ الشعرِ عَقربا |
جُلتَ في الخُلد جوْلة ً | هل عن الخلد مِنْ نَبا؟ |
صف لنا ما وراءه | من عيونٍ، ومن رُبَى |
ونعيمٍ ونَضرة ٍ | وظلالٍ من الصِّبا |
وصِفِ الحور موجزاً | |
قم ترى الأرضَ مثلما | كنتمو أمسِ ملعبا |
وترى العيشَ لم يزلْ | لبني الموتِ مأربا |
وترى ذَاكَ بالذي | عند هذا مُعَذَّبا |
إنَّ مروانَ عصبة ٌ | يَصنعونَ العجائبَا |
طوَّفوا الأَرض مَشرِقاً | بالأيادي ومغربا |
هالة ٌ أَطلعتْكَ في | ذِروة المجدِ كوكبا |
أَنت للفتحِ تنتمي | وكفى الفتحُ منصبا |
لستُ أَرْضَى بغيره | لك جدًّا ولا أبا |
وعصابة ٍ بالخيرِ ألِّف شملهم
وعصابة ٍ بالخيرِ ألِّف شملهم | والخيرُ أفضلُ عصبة ً ورفاقا |
جعلوا التَّعاونَ والبناية َ هَمَّهم | واستنهضوا الآدابَ والأَخلاقا |
ولقد يُداوُون الجِراح بِبرِّهم | ويقاتلون البؤسَ والإملاقا |
يسمونَ بالأدب الجديدِ ، وتارة ً | يَبْنُون للأَدبِ القديمِ رِواقا |
عَرَضَ القُعودُ فكان دون نُبوغِهِ | قَيداً، ودونَ خُطَى الشباب وِثاقا |
البلبلُ الغردُ الذي هزَّ الرُّبى | وشجى الغصونَ ، وحرَّكَ الأوراقا |
خَلَفَ البَهاءَ على القريض وكأْسِهِ | فسَقَى بعَذبِ نسيبِه العُشَّاقا |
في القيد مُمتنِعُ الخُطى ، وخياله | يَطوِي البلادَ ويَنشُر الآفاقا |
سبَّاقُ غاياتِ البيانِ جَرى بلا | ساقٍ ، فكيف إذا استرادَّ الساقا ؟ ! |
لو يطعمُ الطِّبُّ الصناعُ بيانه | أو لو يسسغُ لما يقولُ مذاقا . . . |
. . . غالي بقيمته ، فلم يصنعُ له | إلا الجَناحَ مُحلِّقاً خفَّاقا! |
لبنانُ ، مجدكَ في المشارق أوَّلُ
لبنانُ ، مجدكَ في المشارق أوَّلُ | والأَرضُ رابية ٌ وأَنتَ سَنامُ |
وبنوك أَلطفُ مِن نسيمِكَ ظلُّهُمْ | وأَشمُّ مِن هَضَبَاتِك الأَحلام |
أَخرجتَهم للعالمين جَحاجِحاً | عرباً ، وأبناءُ الكريم كرامُ |
بين الرياض وبين أفقٍ زاهرٍ | طلع المسيحُ عليه والإسلام |
هذا أديبك يحتفى بوسامهِ | وبيانُه للمَشْرقَيْنِ وِسامُ |
ويُجَلُّ قدْرُ قِلادة ٍ في صدره | وله القلائدُ سمطها الإلهام |
صدرٌ حَوالَيْه الجلالُ، ومِلؤهُ | كرمٌ ، وخشية ُ مومنٍ ، وذمام |
حلاَّهُ لإحسانُ الخديو ، وطالما | حلاَّه فضلُ اللهِ والإنعام |
لِعُلاك يا مُطرانُ، أَم لنهاك، أَم | لخلالك التّشرفُ والإكرام ؟ ! |
أَم للمواقف لم يَقِفْها ضَيْغَمٌ | لولاك لا ضطربت له الأهرام ؟ ! |
هذا مقامُ القولِ فيك ، ولم يزلْ | لك في الضمائر محفلٌ ومقام |
غالي بقيمتك الأمير محمد | وسعى إليك يحفه الإعظام |
في مجمعٍ هزّ البيانُ لواءه | بك فيه، واعتزَّتْ بك الأَقلامُ |
ابنُ الملوكِ تلا الثناءَ مخلَّداً | هيهات يذهبُ للملوكِ كلام |
فمنِ البشِير لبعْلَبَكَّ وبينَها | نسبٌ تضيءُ بنوره الأيام ؟ |
يبْلَى المكينُ الفخْمُ من آثارها | يوماً ، وآثارُ الخليل قيام ! |