قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا ~ كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا |
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي ~ يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا |
سُبحانَكَ اللَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ ~ عَلَّمتَ بِالقَلَمِ القُرونَ الأولى |
أَخرَجتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ ~ وَهَدَيتَهُ النورَ المُبينَ سَبيلا |
وَطَبَعتَهُ بِيَدِ المُعَلِّمِ تارَةً ~ صَدِئَ الحَديدُ وَتارَةً مَصقولا |
أَرسَلتَ بِالتَوراةِ موسى مُرشِداً ~ وَاِبنَ البَتولِ فَعَلِّمِ الإِنجيلا |
وَفَجَرتَ يَنبوعَ البَيانِ مُحَمَّداً ~ فَسَقى الحَديثَ وَناوَلَ التَنزيلا |
عَلَّمتَ يوناناً وَمِصرَ فَزالَتا ~ عَن كُلِّ شَمسٍ ما تُريدُ أُفولا |
وَاليَومَ أَصبَحَتا بِحالِ طُفولَةٍ ~ في العِلمِ تَلتَمِسانِهِ تَطفيلا |
مِن مَشرِقِ الأَرضِ الشَموسُ تَظاهَرَت ~ ما بالُ مَغرِبِها عَلَيهِ أُديلا |
يا أَرضُ مُذ فَقَدَ المُعَلِّمُ نَفسَهُ ~ بَينَ الشُموسِ وَبَينَ شَرقِكِ حيلا |
ذَهَبَ الَّذينَ حَمَوا حَقيقَةَ عِلمِهِم ~ وَاِستَعذَبوا فيها العَذابَ وَبيلا |
في عالَمٍ صَحِبَ الحَياةَ مُقَيَّداً ~ بِالفَردِ مَخزوماً بِهِ مَغلولا |
صَرَعَتهُ دُنيا المُستَبِدِّ كَما هَوَت ~ مِن ضَربَةِ الشَمسِ الرُؤوسُ ذُهولا |
سُقراطُ أَعطى الكَأسَ وَهيَ مَنِيَّةٌ ~ شَفَتَي مُحِبٍّ يَشتَهي التَقبيلا |
عَرَضوا الحَياةَ عَلَيهِ وَهيَ غَباوَةٌ ~ فَأَبى وَآثَرَ أَن يَموتَ نَبيلا |
إِنَّ الشَجاعَةَ في القُلوبِ كَثيرَةٌ ~ وَوَجَدتُ شُجعانَ العُقولِ قَليلا |
إِنَّ الَّذي خَلَقَ الحَقيقَةَ عَلقَماً ~ لَم يُخلِ مِن أَهلِ الحَقيقَةِ جيلا |
وَلَرُبَّما قَتَلَ الغَرامُ رِجالَها ~ قُتِلَ الغَرامُ كَمِ اِستَباحَ قَتيلا |
أَوَكُلُّ مَن حامى عَنِ الحَقِّ اِقتَنى ~ عِندَ السَوادِ ضَغائِناً وَذُحولا |
لَو كُنتُ أَعتَقِدُ الصَليبَ وَخَطبُهُ ~ لَأَقَمتُ مِن صَلبِ المَسيحِ دَليلا |
أَمُعَلِّمي الوادي وَساسَةَ نَشئِهِ ~ وَالطابِعينَ شَبابَهُ المَأمولا |
وَالحامِلينَ إِذا دُعوا لِيُعَلِّموا ~ عِبءَ الأَمانَةِ فادِحاً مَسؤولا |
كانَت لَنا قَدَمٌ إِلَيهِ خَفيفَةٌ ~ وَرِمَت بِدَنلوبٍ فَكانَ الفيلا |
حَتّى رَأَينا مِصرَ تَخطو إِصبَعاً ~ في العِلمِ إِن مَشَتِ المَمالِكُ ميلا |
تِلكَ الكُفورُ وَحَشوُها أُمِّيَّةٌ ~ مِن عَهدِ خوفو لا تَرَ القِنديلا |
تَجِدُ الَّذينَ بَنى المِسَلَّةَ جَدُّهُم ~ لا يُحسِنونَ لِإِبرَةٍ تَشكيلا |
وَيُدَلَّلونَ إِذا أُريدَ قِيادُهُم ~ كَالبُهمِ تَأنَسُ إِذ تَرى التَدليلا |
يَتلو الرِجالُ عَلَيهُمُ شَهَواتِهِم ~ فَالناجِحونَ أَلَدُّهُم تَرتيلا |
الجَهلُ لا تَحيا عَلَيهِ جَماعَةٌ ~ كَيفَ الحَياةُ عَلى يَدَي عِزريلا |
وَاللَهِ لَولا أَلسُنٌ وَقَرائِحٌ ~ دارَت عَلى فِطَنِ الشَبابِ شَمولا |
وَتَعَهَّدَت مِن أَربَعينَ نُفوسَهُم ~ تَغزو القُنوطَ وَتَغرِسُ التَأميلا |
عَرَفَت مَواضِعَ جَدبِهِم فَتَتابَعَت ~ كَالعَينِ فَيضاً وَالغَمامِ مَسيلا |
تُسدي الجَميلَ إِلى البِلادِ وَتَستَحي ~ مِن أَن تُكافَأَ بِالثَناءِ جَميلا |
ما كانَ دَنلوبٌ وَلا تَعليمُهُ ~ عِندَ الشَدائِدِ يُغنِيانِ فَتيلا |
رَبّوا عَلى الإِنصافِ فِتيانَ الحِمى ~ تَجِدوهُمُ كَهفَ الحُقوقِ كُهولا |
فَهوَ الَّذي يَبني الطِباعَ قَويمَةً ~ وَهوَ الَّذي يَبني النُفوسَ عُدولا |
وَيُقيمُ مَنطِقَ كُلِّ أَعوَجِ مَنطِقٍ ~ وَيُريهِ رَأياً في الأُمورِ أَصيلا |
وَإِذا المُعَلِّمُ لَم يَكُن عَدلاً مَشى ~ روحُ العَدالَةِ في الشَبابِ ضَئيلا |
وَإِذا المُعَلِّمُ ساءَ لَحظَ بَصيرَةٍ ~ جاءَت عَلى يَدِهِ البَصائِرُ حولا |
وَإِذا أَتى الإِرشادُ مِن سَبَبِ الهَوى ~ وَمِنَ الغُرورِ فَسَمِّهِ التَضليلا |
وَإِذا أُصيبَ القَومُ في أَخلاقِهِم ~ فَأَقِم عَلَيهِم مَأتَماً وَعَويلا |
إِنّي لَأَعذُرُكُم وَأَحسَبُ عِبئَكُم ~ مِن بَينِ أَعباءِ الرِجالِ ثَقيلا |
وَجَدَ المُساعِدَ غَيرُكُم وَحُرِمتُمُ ~ في مِصرَ عَونَ الأُمَّهاتِ جَليلا |
وَإِذا النِساءُ نَشَأنَ في أُمِّيَّةً ~ رَضَعَ الرِجالُ جَهالَةً وَخُمولا |
لَيسَ اليَتيمُ مَنِ اِنتَهى أَبَواهُ مِن ~ هَمِّ الحَياةِ وَخَلَّفاهُ ذَليلا |
فَأَصابَ بِالدُنيا الحَكيمَةِ مِنهُما ~ وَبِحُسنِ تَربِيَةِ الزَمانِ بَديلا |
إِنَّ اليَتيمَ هُوَ الَّذي تَلقى لَهُ ~ أُمّاً تَخَلَّت أَو أَباً مَشغولا |
مِصرٌ إِذا ما راجَعَت أَيّامَها ~ لَم تَلقَ لِلسَبتِ العَظيمِ مَثيلا |
البَرلَمانُ غَداً يُمَدُّ رُواقُهُ ~ ظِلّاً عَلى الوادي السَعيدِ ظَليلا |
نَرجو إِذا التَعليمُ حَرَّكَ شَجوَهُ ~ أَلّا يَكونَ عَلى البِلادِ بَخيلا |
قُل لِلشَبابِ اليَومَ بورِكَ غَرسُكُم ~ دَنَتِ القُطوفُ وَذُلِّلَت تَذليلا |
حَيّوا مِنَ الشُهَداءِ كُلَّ مُغَيَّبٍ ~ وَضَعوا عَلى أَحجارِهِ إِكليلا |
لِيَكونَ حَظُّ الحَيِّ مِن شُكرانِكُم ~ جَمّاً وَحَظُّ المَيتِ مِنهُ جَزيلا |
لا يَلمَسُ الدُستورُ فيكُم روحَهُ ~ حَتّى يَرى جُندِيَّهُ المَجهولا |
ناشَدتُكُم تِلكَ الدِماءَ زَكِيَّةً ~ لا تَبعَثوا لِلبَرلَمانِ جَهولا |
فَليَسأَلَنَّ عَنِ الأَرائِكِ سائِلٌ ~ أَحَمَلنَ فَضلاً أَم حَمَلنَ فُضولا |
إِن أَنتَ أَطلَعتَ المُمَثِّلَ ناقِصا ~ لَم تَلقَ عِندَ كَمالِهِ التَمثيلا |
فَاِدعوا لَها أَهلَ الأَمانَةِ وَاِجعَلوا ~ لِأولى البَصائِرِ مِنهُمُ التَفضيلا |
إِنَّ المُقَصِّرَ قَد يَحولُ وَلَن تَرى ~ لِجَهالَةِ الطَبعِ الغَبِيِّ مُحيلا |
فَلَرُبَّ قَولٍ في الرِجالِ سَمِعتُم ~ ثُمَّ اِنقَضى فَكَأَنَّهُ ما قيلا |
وَلَكَم نَصَرتُم بِالكَرامَةِ وَالهَوى ~ مَن كانَ عِندَكُمُ هُوَ المَخذولا |
كَرَمٌ وَصَفحٌ في الشَبابِ وَطالَما ~ كَرُمَ الشَبابُ شَمائِلاً وَمُيولا |
قوموا اِجمَعوا شَعبَ الأُبُوَّةِ وَاِرفَعوا ~ صَوتَ الشَبابِ مُحَبَّباً مَقبولا |
ما أَبعَدَ الغاياتِ إِلّا أَنَّني ~ أَجِدُ الثَباتَ لَكُم بِهِنَّ كَفيلا |
فَكِلوا إِلى اللَهِ النَجاحَ وَثابِروا ~ فَاللَهُ خَيرٌ كافلاً ووكيلا |
امير الشعراء
هو لقب للشاعر الكبير أحمد شوقي وهو شاعر مصري من شعراء العصر الحديث.
خطونا في الجهاد خطا فساحا
خَطَوْنا في الجِهادِ خُطاً فِساحا | وهادَنَّا، ولم نُلقِ السِّلاحَا |
رضينا في هوى الوطنِ المفدَّى | دمَ الشهداءِ والماَ المطاحا |
ولمّا سلّّت البيضُ المواضي | تقلدنا لها الحقَّ الصراحا |
فحطَّمْنا الشَّكيمَ سِوَى بقايا | إذا عَضَّتْ أَرَيْناها الجِماحا |
وقمنا في شِراعِ الحق نَلْقَى | وندفع عن جوانيه الرياحا |
نعالج شدة ً، ونروض أخرى | ونسعى السعيَ مشروعاً مباحا |
ونستولي على العقبات إلا | كمينَ الغيبِ والقدرَ المتاحا |
ومنْ يصبرْ يجدْ طولَ التمنِّي | على الأَيام قد صار اقتراحا |
وأَيامٍ كأَجواف الليالي | فقدنَ النجمَ والقمرَ اللياحا |
قضيناها حيالَ الحربِ نخشى | بقاءَ الرِّق، أو نرجو السراجا |
تَرَكْنَ الناسَ بالوادي قعودا | من الإعياءِ كالإبل الرَّزاحى |
جنود السلم لا ظفرٌ جزاهم | بما صبروا، ولا موتٌ أَراحا |
ولا تلْقى سوى حيٍّ كَميْتٍ | ومنزوفٍ وإن لم يسقَ راحا |
ترى أسرى وما شهدوا قتالاً | ولا اعتقلوا الأسنَّة والصفاحا |
وجَرْحَى السَّوْطِ لا جَرْحَى المواضي | بما عمل الجواسيسُ اجتراحا |
صباحُك كان إقبالاً وسعداً | فيا يومَ الرِّسالة ِ، عِمْ صَباحا |
وما تألوا نهاركَ ذكرياتٍ | ولا برهانَ عزتك التماحا |
تكاد حِلاك في صفحات مصرٍ | بها التاريخُ يفتتح افتتاحا |
جلالك عن سنا الأضحى تجلَّى | ونورك عن هلالِ الفطر لاحا |
هما حقٌّ، وأنت ملئتَ حقَّا | ومثَّلتْ الضحيَّة َ والسماحا |
بعثنا فيك هاروناً وموسى | إلى فرعونَ فکبتَدَآ الكفاحا |
وكان أعزَّ من روما سيوفاً | وأطغى من قياصرها رماحا |
يكاد من الفتوح وما سَقَتْهُ | يخالُ وراءَ هيكلهِ فتاحا |
وردَّ المسلمون فقيل: خابوا | فيا لَكِ خيبة ً عادت نجاحا! |
أَثارت وادياً من غايَتَيْه | ولامت فرقة ً وأستْ جراحا |
وشَدَّتْ مِن قُوَى قَومٍ مِراضٍ | عزائمهم فردَّتْها صِحاحا |
كأن بلالَ نوديَ: قم فأذَّنْ | فرجَّ شعابَ مكة َ والبطاحا |
كأَن الناس في دينٍ جديدٍ | على جنباته استبَقوا الصلاحا |
وقد هانت حياتهمُ عليهم | وكانوا بالحياة ِ هُمُ الشّحاحا |
فتسمع في مآتمهم غناءً | وتسمع في ولائمهم نُواحا |
حواريينَ أوفدنا ثقاتٍ | إذا تركَ البلاغُ لهم، فصاحا |
فكانوا الحقَّ منقبضاً حيياً | تحدَّى السيفَ مُنصلِتاً وَقاحا |
لهم منَّا براءة ُ أهلِ بدرٍ | فلا إثماً نَعُدُّ ولا جُناحا |
ترى الشَّحناءَ بينهم عِتاباً | وتحسب جدَّهم فيها مزاحا |
جعلنا الخلدَ منزلَهم، وزدنا | على الخلدِ الثناءَ والامتداحا |
يميناً بالتي يسعى إليها | غُدُوّاً بالندامة ، أَو رَوَاحا |
وتَعبَقُ في أنوف الحجِّ رُكناً | وتحتَ جِباهِهم رَحْباً، وساحا |
وبالدستور، وهْوَ لنا حياة ٌ | نرى فيه السلامة َ والفلاحا |
أَخذناه على المُهَجِ الغوالي | ولم نأخذه نَيلاً مُستماحا |
بنينا فيه من دمعٍ رواقاً | ومن دمِ كلِّ نابتة ٍ جناحا… |
… لما ملأ الشبابَ كروح سعدٍ | ولا جعل الحياة َ لهم طماحا |
سلواعنه القضية َ، هل حماها | وكان حمى القضية ِ مستباحا؟ |
وهل نظم الكهولَ الصِّيدَ صَفّاً | وألف من تجاربهم رداحا؟ |
هو الشيخُ الفتيُّ، لو استراحت | من الدأبِ الكواكبُ ما استراحا |
وليس بذائقِ النومِ اغتباقاً | إذا دار الرقادُ، ولا اصطِباحا |
فيالَكَ ضَيْغَماً سهِر الليالي | وناضل دونَ غايتِه، ولاحَى |
ولا حَطَمَتْ لك الأَيامُ ناباً | ولا غضَّت لك الدنيا صياحا |
معالي العهد قمت بها فطيما
معالي العهدِ قمتَ بها فطيما | وكانَ إليكَ مرجعها قديما |
تنقَّلْ من يدٍ ليدٍ كريما | كروحِ الله إذ خلفَ الكليما |
تَنَحَّى لابنِ مريمَ حينَ جاءَ | وخلَّى النَّجْمُ لِلقَمَرِ الفَضاءَ |
ضِياءٌ لِلعيون تَلا ضِياءَ | يَفيضُ مَيامِناً، وهدى ً عَميما |
كذا أنتم بني البيتِ الكريمِ | وهل مُتَجَزِّىء ٌ ضوْءُ النُّجوم؟ |
وأَين الشُّهْبُ من شرفٍ صَميمِ | تألقَ عقدهُ بكمو نظيما؟ |
أرى مستقبلاً يبدو عجابا | وعنواناً يكنُّ لنا كتابا |
وكان محمدٌ أملاً شهابا | وكان اليأسُ شيطاناً رجيما |
وأَشرقتِ الهياكِلُ والمباني | كما كانت وأزينَ في الزمانِ |
وأصبحَ ما تكنُّ من المعاني | على الآفاق مسطوراً رقيما |
سألتُ، فقيل له: وضعتهُ طفلا | وهذا عِيدُهُ في مِصْرَ يُجْلَى |
في انتفاضٍ كانتفاضِ البلبل | |
فقلت: كذلِكم آنَسْتُ قَبْلا | فأَما أَنتَ يا نجلَ المعالي |
يمنتزهِ الإمارة ِ هلَّ فجرا | هلالاً في منازله أغرَّا |
فباتت مِصرُ حوْلَ المهدِ ثغرا | وباتَ الثغر للدنيا نديما |
لجيلكَ في عدٍ جيلِ المعالي | وشعبِ المجدِ والهممِ العوالي |
… أَزُفُّ نوابغَ الكَلِمِ الغَوالي | وأُهدِي حكمتي الشَّعْبَ الحكيما |
إذا أَقبلتَ يا زمن البنينا | وشَبُّوا فيك واجتازوا السنينا |
فدُرْ مِنْ بَعدِنا لهُم يَمينا | وكن لوُرودِك الماءَ الحميما |
ويا جيلَ الأميرِ، إذا نشأتا | وشاءً الجدُّ أن تعطى ، وشئتا |
فخذ سُبُلاً إلى العلياء شَتَّى | وخلِّ دليلكَ الدينَ القويما |
وضِنَّ به، فإن الخير فيه | وخُذْهُ من الكتابِ وما يَليهِ |
ولا تأخُذْهُ من شَفَتَيْ فقيهِ | ولا تهجرْ مع الدين العلوما |
وثقْ بالنفسِ في كلِّ الشئونِ | وكن مما اعتقدتَ على يَقين |
كأنك من ضميرك عند دين | فمن شرفِ المبادىء أن تقيما |
وإن ترمِ المظاهرَ في الحياة | فرُمْها باجتهادِك والثباتِ |
وخذها بالمساعي باهراتِ | تنافسُ في جلالتها النجوما |
وإن تخرجْ لحربٍ أو سلامِ | فأقدمْ قبلَ إقدامِ الأنام |
وكن كالليث: يَأْتي من أَمامِ | فيَمْلأ كلَّ ناطِقة ٍ وُجُوما |
وكنْ شَعْبَ الخصائصِ والمزايا | فأقدمْ قبلَ إقدامِ الأنام |
وكن كالنحلِ والدُنيا الخلايا | يمرُّ بها، ولا يَمضِي عَقيما |
ولا تطمحْ إلى طَلَبِ المُحالِ | ولا تقنعْ إلى هجرِ المعالي |
فإن أَبطأنَ فاصبرْ غيرَ سالِ | كصبرِ الأنبياءِ لها قديما |
ولا تقبَلْ لغير الله حُكما | ولا تحمل لغير الدهرِ ظلما |
ولا ترضَ القليلَ الدُّونَ قسما | إذا لم تقدرِ الأمرَ المروما |
ولا تيأَسْ، ولا تكُ بالضَّجُور | ولا تثِقَنَّ من مَجرَى الأُمورِ |
فليسَ مع الحوادثِ من قديرِ | ولا أَحدٌ بما تأْتِي عليما |
وفي الجُهّالِ لا تَضَع الرجاءَ | كوَضع الشمْسِ في الوَحَلِ الضِّياءَ |
يَضيعُ شُعاعُها فيه هَباءَ | وكان الجهلُ ممقوتاً ذَميما |
وبالغ في التدبر والتحري | ولا تَعجَلْ، وثِق من كلِّ أَمر |
وكن كالأُسْدِ: عند الماءِ تجرِي | وليست وُرَّداً حتى تَحوما |
وما الدنيا بمثوى للعبادِ | فكن ضَيْفَ الرِّعاية ِ والوِدادِ |
ولا تَستَكثِرَنّ من الأَعادي | فشَرُّ الناسِ أَكثرُهم خُصوما |
ولا تجعلْ تودُّدَكَ ابتِذَالا | ولا تسمحْ بحلمك أن يذالا |
وكن ما بين ذاك وذاك حالا | فلن تُرضِي العدُوَّ ولا الحميما |
وصلِّ صلاة َ من يرجو ويخشى | وقبلَ الصَّوْمِ صُمْ عن كلِّ فَحْشا |
ولا تحسب بأن الله يرشى | وأَنَّ مُزَكِّياً أَمِنَ الجحيما |
لكلِّ جنى زكاة ٌ في الحياة ِ | ومعنى البِرِّ في لفظِ الزكاة |
وما لله فينا من جُباة ِ | ولا هو لاِمْرِىء ٍ زكَّى غَرِيما |
فإن تكُ عالماً فاعملْ، وفَطِّنْ | وإن تك حاكماً فاعدِلْ، وأَحسِنْ |
وإن تك صانعاً شيئاً فأَتقِنْ | وكن للفرْضِ بعدئذٍ مُقيما |
وصُنْ لغة ً يَحِقُّ لها الصِّيانُ | فخيرُ مظاهِرِ الأُممِ البَيَانُ |
وكان الشعبُ ليس له لِسانُ | غريباً في مواطنه مضيما |
ألم ترها تنالُ بكل ضيرِ | وكان الخيرُ إذ كانت بخير؟ |
أَيَنطِقُ في المَشَارقِ كلُّ طيرِ | ويبقى أهلها رخماً وبوما؟ |
فعلِّمْها صغيرَك قبلَ كلِّ | ودعْ دعوى تمدُّنهم وخلِّ |
فما بالعيِّ في الدنيا التحلِّي | ولا خَرَسُ الفتى فضلاً عظيما |
وخذ لغة َ المعاصرِ، فهيَ دنيا | ولا تجعل لِسانَ الأَصلِ نسْيَا |
كما نقلَ الغرابُ فضلَّ مشيا | وما بلغَ الجديدَ، ولا القديما |
لجيلك يومَ نشأته مقالي | فأما أنتَ يا نجلَ العالي |
فتنظرُ من أَبيكَ إلى مِثال | يُحيِّرُ في الكمالات الفهُوما |
نصائحُ ما أَردتُ بها لأَهدِي | ولا أبغي بها جدواكَ بعدي |
ولكنِّي أحبُّ النَّفعَ جهدي | وكان النفع في الدنيا لزوما |
فإن أقرئتَ – يا مولاي – شعري | فإن أَباك يَعرِفُه ويَدْرِي |
وجدُّكَ كان شأوي حينَ أجري | فأَصرَعُ في سوابِقِها تَميما |
بنونا أنتَ صبحهمو الأجلُّ | وعهدكَ عصمة ٌ لهمو وظلُّ |
فلمْ لا نَرْتَجيكَ لهم وكلُّ | يعيشُ بأَنْ تعيش وأَن تَدوما؟ |
أبكيك إسماعيل مصر وفي البكا
أَبكيكَ إسماعيلَ مِصرَ، وفي البُكا | بعدَ التَّذَكُّرِ راحة ُ المسْتَعبِر |
ومن القيام ببعض حقِّك أنني | أَرْقى لِعِزِّكَ والنعيم المدبِرِ |
هذي بيوتُ الرُّومِ، كيف سكنتها | بعد القصورِ المزريااتِ بقيصر؟ |
ومن العجائبِ أَن نفسَك أَقصَرَتْ | والدهرُ في إحراجها لم يقصر |
ما زالَ يُخلي منكَ كلَّ مَحِلَّة ٍ | حتى دُفِعْتَ إلى المكانِ الأَقفَرِ |
نظرَ الزمان إلى دياركَ كلِّها | نظرَ الرشيدِ إلى منازلِ جعفر |
الله يحكم في المداين والقرى
الله يحكمُ في المداينِ والقُرى | يا مِيتَ غَمْرَ خُذِي القضاءَ كما جرى |
ما جَلَّ خَطْبٌ ثم قِيسَ بغيْرِه | إلا وهوَّنه القياسُ وصغَّرا |
فسَلي عمورَة َ أَو سدُون تأَسِّياً | أَو مرْتنيقَ غداة وورِيَتِ الثرى |
مُدنٌ لقِينَ من القضاءِ ونارِه | شَرراً بجَنب نَصيبِها مُستَصْغَرا |
هذي طلولكِ أنفساً وحجارة ً | هل كنتِ رُكناً من جَهَنَّمَ مُسْعَرا؟! |
قد جئتُ أبكيها وآخذُ عبرة ً | فوقفتُ معتبراً بها مستعبرا |
أجدُ الحياة َ حياة َ دهرٍ ساعة ً | وأرى النعيمَ نعيمَ عمرٍ مقصرا |
وأَعُدُّ من حَزْمِ الأُمورِ وعزمها | للنفس أَن ترضَى ، وأَلاَّ تَضْجَرا |
ما زلتُ أسمعُ بالشَّقاءِ رواية ً | حتى رأيتُ بكِ الشَّقاءَ مصوَّرا |
فعل الزمانُ بشمْلِ أَهلِك فِعْلَهُ | ببني أميَّة َ ، أو قرابة ِ جعفرا |
بالأمسِ قد سكنوا الديارَ ، فأصبحوا | لا يُنظَرون، ولا مساكنُهم تُرَى |
فإذا لقِيت لقيت حيّاً بائساً | وإذا رأيت رأيت مَيْتاً مُنْكرا |
والأُمهاتُ بغير صبرٍ: هذه | تبكي الصغيرَ ، وتلك تبكي الأصغرا |
من كلِّ مُودِعَة ِ الطُّلولِ دموعَها | من أَجْلِ طفلٍ في الطلولِ استأْخرا |
كانت تؤمِّل أن تطولَ حياته | واليومَ تسألُ أن يعودَ فيقبرا |
طلعتْ عليكِ النارُ شؤمها | فمحتكِ آساساً ، وغيرتِ الذرا |
مَلَكَتْ جهاتِكَ ليلة ً ونهارَها | حمراءَ يبدو الموتُ منها أحمرا |
لا ترهبُ الوفانَ في طغيانها | لو قابَلَتْه، ولا تهابُ الأَبْحُرا |
لو أن نيرون الجمادَ فؤاده | يُدْعَى ليَنْظُرَها لعاف المنظرا |
أوأنه ابتلى َ الخليلُ بمثلها | ـ أَستغفِرُ الرحمنَ ـ ولَّى مُدْبِرا |
أو أن سيلاً عاصمٌ من شرها | عصمَ الديارَ من المامع مال جرى |
أَمْسَى بها كلُّ البيوتِ مُبَوَّباً | ومطنَّباً ، ومسيَّجاً ، ومسوَّرا |
أسرتهمو ، وتملَّكتْ طرقاتهم | مَنْ فرَّ لم يجدِ الطريقَ مُيَسَّرا |
خفَّتْ عليهم يومَ ذلك مورداً | وأَضلَّهُمْ قدَرٌ، فضَلُّوا المَصْدَرا |
حيثُ التفتَّ ترى الطريقَ كأنها | ساحاتُ حاتمِ غبَّ نيرانِ القرى |
وترى الدعائمَ في السوادِ كهيكلٍ | خمدَتْ به نارُ المجوسِ، وأَقْفَرا |
وتَشَمُّ رائحة َ الرُّفاتِ كريهة ً | وتشمُّ منها الثاكلاتُ العَنْبَرا |
كثرتْ عليها الطيرُ في حوماتها | يا طيرُ، «كلُّ الصَّيْدِ في جَوْفِ الفَرا» |
هل تأمنين طوارقَ الأحداثِ أن | تغشى عليكِ الوكرَ في سنة ِ الكرى |
والناسُ مِنْ داني القُرى وبعيدِها | تأْتي لتمشِيَ في الطُّلولِ وتَخْبُرا |
يتساءلون عن الحريقِ وهوله | وأرى الفرائسَ بالتساؤلِ أجدرا |
يا رَبِّ، قد خَمَدَتْ، وليس سواكَ مَنْ | يُطفِي القلوبَ المُشْعَلاتِ تَحسُّرا |
فتحوا اكتتاباً للإغانة فاكتتبْ | بالصبر فهوَ بمالِهم لا يُشترى |
إن لم تكن للبائسين فمن لهم؟ | أَو لم تكن للاجئين فمَنْ ترى ؟! |
فتولَّ جَمْعاً في اليَبَاب مُشتَّتاً | وارحم رميما في التراب مبعثرا |
فعلتَ بمصرَ النارُ ما لم تأتهِ | آياتكَ السبعُ القديمة ُ في الورى |
أوَ ما تراها في البلاد كقاهرٍ | في كلِّ ناحية يُسيِّر عَسْكرا؟! |
فادفعْ قضاءَك، أَو فصيِّرْ نارَه | برداً، وخذْ باللأُّطفِ فيما قدِّرا |
مُدُّوا الأَكفَّ سَخِيَّة ً، واستغفِري | يا أُمَّة ً قد آن أَن تَستغفرا |
أولى بعهطفِ الموسرين وبرِّهم | مَنْ كان مِثلَهُمُ فأَصبَح مُعْسِرا |
يا أيُّها السُّجناءُ في أموالهم | أأمنتموا الأيامَ أن تتغيَّرا؟ |
لا يملكُ الإنسانُ من أحواله | ما تملك الأَقدارُ، مهما قَدَّرا |
لا يُبْطِرنَّكَ من حرير مَوْطِىء ٌ | فلرُبَّ ماشٍ في الحريرِ تَعثَّرَا |
وإذا الزمانُ تنكرتْ أحداثه | لأخيكَ، فاذكره عسى أن تذكرا |
يا رب ما حكمك ماذا ترى
يا ربِّ، ما حكمكَ؟ ماذا ترى | في ذلك الحلمِ العريضِ الطويلْ؟ |
قد قام غليومٌ خطيباً، فما | أعطاكَ من ملككَ إلا القليل! |
شيَّد في جنبكَ ملكاً له | ملككَ إن قيسَ إليهِ الضَّئيل |
قد وَرَّثَ العالَم حيّاً، فما | غادرَ من فجٍّ، ولا من سبيل |
فالنصفُ للجرمانِ في زعمه | والنصفُ للرومان فيما يقول |
يا رَبِّ، قلْ: سيْفُكَ أَم سَيْفُه؟ | أيُّهما – ياربِّ – ماضِ ثقيل؟! |
إن صدقتْ – يا ربِّ – أحلامه | فإنَّ خطْبَ المسلمين الجليل |
لا نحنُ جرمانُ لنا حصَّة ٌ | ولا برومانَ فتعطى فتيل |
يا رَبِّ، لا تنسَ رعاياك في | يومٍ رعاياك الفريقُ الذليل |
جناية ُ الجهلِ على أهله | قديمة ٌ، والجهلُ بئسَ الدليل |
يا ليتَ لم نمددْ بشرٍّ يداً | وليتَ ظلَّ السلمِ باقٍ ظليل! |
جنى علينا عصبة ٌ جازفوا | فحسبنا الله، ونعمَ الوكيل! |