كان لبعضِ الناسِ نعجتان

كان لبعضِ الناسِ نعجتان وكانتا في الغيْطِ ترعيانِ
إحداهما سمينة ٌ، والثانِيهْ عِظامها منَ الهُزالِ باديَه
فكانتِ الأولى تباهي بالسمنْ وقولهم بأنها ذات الثمنْ
وتَدَّعي أَن لها مقدارا وأنها تستوقفُ الأبصارا
فتصبرُ الأختُ على الإذلالِ حاملة ً مَرارة َ الإدلال
حتى أتى الجزَّارُ ذاتَ يوم وقلبَ النعجة َ دون القومِ
فقال لِلمالِكِ: أَشْترِيها ونقدَ الكيسَ النفيسَ فيها
فانطلقتْ من فورِها لأُختِها وهْيَ تَشكُّ في صلاح بختِها
تقولُ: يا أُختاهُ خبِّرِيني هل تعرِفينَ حاملَ السِّكين؟
قالت: دعيني وهزالي والزمنَ وكلِّمِي الجزّارَ يا ذاتَ الثَّمَنْ!
لكلِّ حال حلوها ومرُّها ما أَدَبُ النعجة ِ إلا صبرُها

لما أتم نوح السفينة

لمَّا أَتمَّ نوحٌ السَّفِينةوحَرَّكَتْها القُدْرَة المُعِينة
جَرى بها ما لا جَرَى بِبالِفما تعالى الموْجُ كالجِبالِ
حتى مشى الليثُ مع الحماروأَخَذ القِطُّ بأَيدِي الفارِ
واستمعَ الفيلَ إلى الخنزيرِمُؤتَنِساً بصوتِه النَّكيرِ
وجلس الهِرُّ بجنب الكلبِوقبَّل الخروفُ نابَ الذِّئبِ
وعطفَ البازُ على الغزالِواجتمع النملُ على الأكَّال
وفلت الفرخة ُ صوفَ الثعلبوتيَّمَ ابنَ عرسَ حبُّ الأرنبِ
فذهبتْ سوابقُ الأحقادِوظَهر الأَحبابُ في الأَعادي
حتى إذا حطُّوا بسفحِ الجوديوأيقنوا بعودة ِ الوجودِ
عادوا إلى ما تَقتَضيهِ الشِّيمةوَرَجَعُوا للحالة القديمة
فقسْ على ذلك أحوالَ البشرْإذْ كلهم على الزمان العادي
قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي

لم يَتَّفِقْ مما جَرَى في المركبِ

لم يَتَّفِقْ مما جَرَى في المركبِ ككذبِ القردِ على نوحِ النبي
فإنه كان بأقصى السطحِ فاشتاقَ من خفته للمزحِ
وصاحَ: يا للطير والأسماكِ لِموْجَة ٍ تجِدُّ في هَلاكي!
فَبعثَ النبي له النسورا فوجَدَتْه لاهياً مسرورا
ثم أتى ثانية ً يصيحُ قد ثقبتْ مركبنا يا نوحُ!
فأَرسَل النبيُّ كلَّ مَن حَضرْ فلم يروا كما رأى القرد خطر
وبينما السَّفيهُ يوماً يَلعبُ جادَتْ به على المِياهِ المركبُ
فسمعوه في الدُّجى ينوحُ يقولُ: إني هالكٌ يا نوحُ
سَقطْتُ من حماقتي في الماءِ وصِرْتُ بين الأَرضِ والسماءِ
فلم يصدقْ أحدٌ صياحهْ وقيلَ حقاً هذه وقاحَهْ
قد قال في هذا المقامِ مَن سَبَقْ أكذبُ ما يلفي الكذوبُ إن صدق
من كان ممنواً بداءِ الكذبِ لا يَترُكُ الله، ولا يُعفِي نبي!

قد ود نوح أن يباسط قومه

قد وَدّ نوحٌ أَن يُباسِطَ قوْمَهُفدعا إليهِ معاشرَ الحيوانِ
وأشار أنْ يليَ السفينة َ قائدٌمنهم يكونُ من النهى بمكان
فتقدّمَ الليثُ الرفيع جلالهوتعرّضَ الفيلُ الفخيمُ الشان
وتلاهما باقي السباعِ، وكلهمْخَرُّوا لهيبتِهِ إلى الأَذقان
حتى إذا حيُّوا المؤيَّدَ بالهدىودَعَوْا بطولِ العزِّ والإمكان
سبقتهم لخطابِ نوحٍ نملة ٌكانت هناكَ بجانِبِ الأَرْدان
قالت: نبيَّ اللهِ، أرضى فارسٌوأَنا يَقيناً فارسُ الميْدانِ
سأديرُ دفتها، وأحمي أهلهاوأقودها في عصمة ٍ وأمان
ضحكَ النبيُّ وقال: إنّ سفينتيَلهِيَ الحياة ، وأَنتِ كالإنسان
كل الفضائِل والعظائمِ عندههو أَوّلٌ، والغيْرُ فيها الثاني
ويودُّ لو ساسَ الزَّمانَ، وما لَهُبأَقلِّ أَشغالِ الزمان يَدان
قصيدة شعر أحمد شوقي

الدبُّ معروفٌ بسوءِ الظنِّ

الدبُّ معروفٌ بسوءِ الظنِّ فاسمعْ حديثَهُ العجيبَ عنِّي
لمَّا استطال المُكْثَ في السَّفينهْ ملَّ دوامَ العيشة ِ الظنينه
وقال: إن الموْتَ في انتظاري والماءُ لا شكَّ به قراري
ثم رأى موجاً على بعدٍ علا فظنَّ أن في الفضاء جبلا
فقال: لا بُدَّ من النزولِ وصَلْتُ، أَو لم أَحْظَ بالوُصولِ
قد قال مَن أَدَّبَهُ اختبارُه السعيُ للموتِ ولا انتظاره!
فأَسلمَ النفسَ إلى الأمواجِ وهْيَ مع الرياحِ في هياجِ
فشرِبَ التعيسُ منها، فانتفَخْ ثم رَسا على القرارِ، ورسَخ
وبعدَ ساعتَينِ غِيضَ الماءُ وأَقلَعَتْ بأَمْرِهِ السماءُ
وكان في صاحبنا بعض الرمق إذ جاءَهُ الموتُ بطيئاً في الغرَقْ
وكان في صاحبنا فوقَ الجودي والرَّكبُ في خيْرٍ وفي سُعودِ
فقال: يا لجدِّي التعيسِ أسأت ظني بالنبي الرئيسِ!
ما كان ضَرّني لو امتثَلتُ ومِثلَما قد فعلوا فعلتُ؟!

يقال إنّ الليثَ في ذي الشدّهْ

يقال إنّ الليثَ في ذي الشدّهْ رأَى من الذِّئبِ صَفا الموَدَّه
فقال: يا منْ صانَ لي محلِّي في حالتي ولا يتي وعزلي
إنْ عُدْتُ للأَرض بإذنِ الله وعاد لي فيها قديمُ الجاهِ
أُعطيكَ عِجْليْنِ وأَلفَ شاة ثم تكونُ واليَ الولاة ِ
وصاحِبَ اللِّواءِ في الذِّئابِ وقاهرَ الرعاة ِ والكلابِ
حتى إذا ما تَمَّتِ الكرامَهْ ووَطِىء الأَرضَ على السلاَمه
سعى إليه الذئبُ بعدَ شهرِ وهوَ مطاعُ النهيِ ماضي الأمرِ
فقال: يا منْ لا تداسُ أرضه ومنْ له طولُ الفلا وعرضه
قد نِلتَ ما نِلتَ منَ التكريمِ وذا أَوان الموْعِدِ الكريمِ
قال: تجرَّأتَ وساءَ زعمكا فمن تكونُ يا فتى ؟ وما اسمكا؟
أجابه: إن كان ظنِّي صادقا فإنَّني والي الوُلاة ِ سابِقَا!