و قوفكَ في الديارِ عليكَ عارٌ

و قوفكَ في الديارِ عليكَ عارٌ ، و قدْ ردَّ الشبابُ المستعارُ
أبعدَ الأربعينَ محرماتٌ : تمادٍ في الصبابة ِ ، واغترارُ ؟ ! ..
نزعتُ عنِ الصبا ، إلاَّ بقايا ، يحفدها ، على الشيبِ ، العقارُ
وَقَالَ الغَانِيَاتُ: «سَلا، غُلاماً، فكيفَ بهِ ، وقدْ شابَ العذارُ؟ “
و ما أنسى الزيارة َ منكِ ، وهناً ، و موعدنا ” معانٌ” و” الحيارُ “
وَطَالَ اللّيلُ بي، وَلَرُبّ دَهْرٍ نعمتُ بهِ ، لياليهِ قصارُ
و ندماني : السريعُ إلى لقائي ، على عجلٍ ، وأقداحي الكبارُ
عشقتُ بها عواريَّ الليالي ” أحقُّ الخيلِ بالركضِ المعارُ
وَكَمْ مِنْ لَيْلَة ٍ لمْ أُرْوَ مِنْهَا حننتُ لها ، وأرقني ادكارُ !
قَضَاني الدَّينَ مَاطِلُهُ، وَوَافى ، إليَّ بها ، الفؤادُ المستطارُ
فبتُّ أعلُّ خمراً منْ رضابٍ لها سكرٌ وليسَ لها خمارُ
إلى أنْ رقَّ ثوبُ الليلِ عنَّـا وقالتْ : ” قمْ ! فقدْ بردَ السوارُ !
وَوَلّتْ تَسْرُقُ اللّحَظَاتِ نحوِي عَلى فَرَقٍ كَمَا التَفَتَ الصُّوَارُ
دنا ذاكَ الصباحُ ، فلستُ أدري أشَوْقٌ كَانَ مِنْهُ؟ أمْ ضِرَارُ؟
وَقَد عَادَيتُ ضَوْءَ الصّبحِ حتى لِطَرْفي، عَنْ مَطَالِعِهِ، ازْوِرَارُ
و مضطغنٍ يراودُ فيَّ عيباً سَيَلْقَاهُ، إذا سُكِنَتْ وَبَارُ
وَأحْسِبُ أنّهُ سَيَجُرّ حَرْباً عَلى قَوْمٍ ذُنُوبُهُمُ صِغَارُ
كما خزيتْ بـ “راعيها ” ” نميرٌ ” ، وجرَّ على “بني أسدٍ” ” يسارُ “
وَكَمْ يَوْمٍ وَصَلْتُ بفَجْرِ لَيْلٍ كأنَّ الركبَ تحتهما صدارُ ؟
إذا انْحَسَرَ الظّلامُ امْتَدّ آلٌ كأنا درهُ ، وهوَ البحارُ
يَمُوجُ عَلى النّوَاظِرِ، فَهْوَ مَاءٌ و يلفحُ بالهواجرِ فهو نارُ
إذَا مَا العِزّ أصْبَحَ في مَكَانٍ سموتُ لهُ، وإنْ بعدَ المزارُ
مقامي ، حيثُ لا أهوى ، قليلٌ ونومي ، عندَ منْ أقلي غرارُ
أبَتْ لي هِمّتي، وَغِرَارُ سَيْفي، وَعَزْمي، وَالمَطِيّة ُ، وَالقِفَارُ
وَنَفْسٌ، لا تُجَاوِرُهَا الدّنَايَا، وَعِرْضٌ، لا يَرِفّ عَلَيْهِ عَارُ
وَقَوْمٌ، مِثلُ مَن صَحِبوا، كِرَامٌ وَخَيلٌ، مِثلُ من حَملتْ، خيارُ
و كمْ بلدٍِ شتتناهنَّ فيهِ ضُحى ً، وَعَلا مَنَابِرَهُ الغُبَارُ
وَخَيلٍ، خَفّ جَانِبُهَا، فَلَمّا ذُكِرْنَا بَيْنَهَا نُسِيَ الفِرَارُ
و كمْ ملكٍ ، نزعنا الملكَ عنهُ ، و جبارٍ ، بها دمهُ جبارُ ؟
وَكُنّ إذَا أغَرْنَا عَلَى دِيَارٍ رجعنَ ، ومنْ طرائدها الديارُ
فَقَدْ أصْبَحْنَ وَالدّنْيَا جَمِيعاً لنا دارٌ ، ومنْ تحويهِ جارُ
إذَا أمْسَتْ نِزَارُ لَنَا عَبِيداً فإنَّ الناسَ كلهمُ ” نزارُ “

وَيَدٍ يَرَاهَا الدّهْرُ غَيْرَ ذَمِيمَة ٍ

وَيَدٍ يَرَاهَا الدّهْرُ غَيْرَ ذَمِيمَة ٍ، تمحو إساءتهُ إليَّ وتغفرُ
أهدتْ إليَّ مودة ً منْ صاحبٍ تزكو المودة ُ في ثراهُ ، وتثمرُ
علقتْ يدي منهُ بعلقِ مضنة ٍ مِمّا يُصَانُ عَلى الزّمَانِ وَيُدْخَرُ
إني عليكَ ” أبا حصينٍ “، عاتبٌ و الحرُّ يحتملُ الصديقَ ، ويصبرُ
وَإذا وَجَدْتُ عَلى الصّدِيقِ شكَوْتُهُ سِرَّاً إلَيْهِ وَفي المَحَافِلِ أشْكُرُ
مَا بَالُ شِعْرِي لا تَرُدّ جَوَابَهُ؟ سَحْبَانُ عِنْدَكَ بَاقِلٌ، لا أعذُرُ

كَأنّمَا المَاءُ عَلَيْهِ الجِسْرُ

كَأنّمَا المَاءُ عَلَيْهِ الجِسْرُ دَرْجُ بَيَاضٍ خُطّ فيهِ سَطْرُ
كأننا ، لمَّـا استتبَّ العبرُ، أسرة ُ ” موسى ” يومَ شقَّ البحرُ !

قدْ عرفنا مغزاكَ ، يا عيارُ

قدْ عرفنا مغزاكَ ، يا عيارُ وَتَلَظّتْ، كمَا أرَدْتَ، النّارُ
لم أزلْ ثابتاً على الهجرِ حتى خفَّ صبري ، وقلَّتِ الأنصارِ
وَإذَا أحْدَثَ الحَبِيبَانِ أمْراً كانَ فيهِ على المحبِّ الخيارُ

أيا أمَّ الأسيرِ ، سقاكِ غيثٌ

أيا أمَّ الأسيرِ ، سقاكِ غيثٌ ، بكُرْهٍ مِنْكِ، مَا لَقِيَ الأسِيرُ!
أيا أمَّ الأسيرِ ، سقاكِ غيثٌ ، تَحَيّرَ، لا يُقِيم وَلا يَسِير!
أيا أمَّ الأسيرِ ، سقاكِ غيثٌ ، إلى منْ بالفدا يأتي البشيرُ؟
أيا أمَّ الأسيرِ ، لمن تربى وقدْ متِّ ، الذوائبُ والشعورُ ؟
إذا ابنكِ سارَ في برٍ وبحرٍ ، فمنْ يدعو لهُ ، أو يستجيرُ ؟
حرامٌ أن يبيتَ قريرَ عينٍ ! ولؤمٌ أنْ يلمَّ بهِ السرورُ !
وَقَد ذُقتِ الرَزايا وَالمَنايا وَلا وَلَدٌ لَدَيكِ وَلا عَشيرُ
و غابَ حبيبُ قلبكِ عنْ مكانٍ ، مَلائِكَة ُ السّمَاءِ بِهِ حُضور
لِيَبْكِكِ كُلُّ يَوْمٍ صُمتِ فيهِ مُصَابِرَة ً وَقَد حَميَ الهَجِير
لِيَبْكِكِ كُلّ لَيلٍ قُمْتِ فيهِ إلى أنْ يبتدي الفجرُ المنيرُ!
لِيَبْكِكِ كُلّ مُضْطَهَدٍ مَخُوفٍ أجرتيهِ ، وقدْ عزّ المجيرُ !
لِيَبْكِكِ كُلّ مِسكِينٍ فَقِيرٍ أغَثْتِيهِ، وَمَا في العَظْمِ زِير
أيا أماهُ ، كمْ همٍّ طويلٍ مضى بكِ لمْ يكنْ منهُ نصيرُ ! ؟
أيا أماهُ ، كمْ سرٍّمصونٍ بقلْبِكِ، مَاتَ لَيسَ لَه ظُهُور
أيا أماهُ ، كمْ بشرى بقربي أتَتْكِ، وَدُونَها الأجَلِ القَصِير
إلى منْ أشتكي ؟ ولمنْ أناجي ، إذا ضاقتْ بما فيها الصدورُ ؟
بِأيّ دُعَاءِ دَاعِيَة ٍ أُوَقّى ؟ بأيِّ ضياءِ وجهٍ أستنيرُ ؟
بِمَن يُستَدفَعُ القَدرَ المُوَفّى بِمَن يُستَفتَحُ الأَمرُ العَسيرُ
نُسلَّى عنكَ : أنا عنْ قليلٍ ، إلى ما صرتِ في الأخرى ، نصيرُ

أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ

أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ، أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ ؟
بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعة ٌ ، ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ !
إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ
تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة ُ والفِكْرُ
معللتي بالوصلِ ، والموتُ دونهُ ، إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ!
حفظتُ وضيعتِ المودة َ بيننا و أحسنَ ، منْ بعضِ الوفاءِ لكِ ، العذرُ
و ما هذهِ الأيامُ إلا صحائفٌ لأحرفها ، من كفِّ كاتبها بشرُ
بنَفسي مِنَ الغَادِينَ في الحَيّ غَادَة ً هوايَ لها ذنبٌ ، وبهجتها عذرُ
تَرُوغُ إلى الوَاشِينَ فيّ، وإنّ لي لأذْناً بهَا، عَنْ كُلّ وَاشِيَة ٍ، وَقرُ
بدوتُ ، وأهلي حاضرونَ ، لأنني أرى أنَّ داراً ، لستِ من أهلها ، قفرُ
وَحَارَبْتُ قَوْمي في هَوَاكِ، وإنّهُمْ وإيايَ ، لولا حبكِ ، الماءُ والخمرُ
فإنْ كانَ ما قالَ الوشاة ُ ولمْ يكنْ فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ مَا شَيّدَ الكُفرُ
وفيتُ ، وفي بعضِ الوفاءِ مذلة ٌ لآنسة ٍ في الحي شيمتها الغدرُ
وَقُورٌ، وَرَيْعَانُ الصِّبَا يَسْتَفِزّها، فتأرنُ ، أحياناً ، كما يأرنُ المهرُ
تسائلني: ” منْ أنتَ ؟ ” ، وهي عليمة ٌ ، وَهَلْ بِفَتى ً مِثْلي عَلى حَالِهِ نُكرُ؟
فقلتُ ، كما شاءتْ ، وشاءَ لها الهوى : قَتِيلُكِ! قالَتْ: أيّهُمْ؟ فهُمُ كُثرُ
فقلتُ لها: ” لو شئتِ لمْ تتعنتي ، وَلمْ تَسألي عَني وَعِنْدَكِ بي خُبرُ!
فقالتْ: ” لقد أزرى بكَ الدهرُ بعدنا! فقلتُ: “معاذَ اللهِ! بلْ أنت لاِ الدهرُ،
وَما كانَ للأحزَانِ، لَوْلاكِ، مَسلَكٌ إلى القلبِ؛ لكنَّ الهوى للبلى جسرُ
وَتَهْلِكُ بَينَ الهَزْلِ والجِدّ مُهجَة ٌ إذا مَا عَداها البَينُ عَذّبَها الهَجْرُ
فأيقنتُ أنْ لا عزَّ ، بعدي ، لعاشقٍ ؛ وَأنُّ يَدِي مِمّا عَلِقْتُ بِهِ صِفْرُ
وقلبتُ أمري لا أرى لي راحة ً ، إذا البَينُ أنْسَاني ألَحّ بيَ الهَجْرُ
فَعُدْتُ إلى حكمِ الزّمانِ وَحكمِها، لَهَا الذّنْبُ لا تُجْزَى به وَليَ العُذْرُ
كَأني أُنَادي دُونَ مَيْثَاءَ ظَبْيَة ً على شرفٍ ظمياءَ جللها الذعرُ
تجفَّلُ حيناً ، ثم تدنو كأنما تنادي طلا ـ، بالوادِ ، أعجزهُ الحضرُ
فلا تنكريني ، يابنة َ العمِّ ، إنهُ ليَعرِفُ مَن أنكَرْتِهِ البَدْوُ وَالحَضْرُ
ولا تنكريني ، إنني غيرُ منكرٍ إذا زلتِ الأقدامِ ؛ واستنزلَ النضرُ
وإني لجرارٌ لكلِّ كتيبة ٍ معودة ٍ أنْ لا يخلَّ بها النصرُ
و إني لنزالٌ بكلِّ مخوفة ٍ كثيرٌ إلى نزالها النظرُ الشزرُ
فَأَظمأُ حتى تَرْتَوي البِيضُ وَالقَنَا وَأسْغَبُ حتى يَشبَعَ الذّئبُ وَالنّسرُ
وَلا أُصْبِحُ الحَيَّ الخَلُوفَ بِغَارَة ٍ، وَلا الجَيشَ مَا لمْ تأتِه قَبليَ النُّذْرُ
وَيا رُبّ دَارٍ، لمْ تَخَفْني، مَنِيعَة ٍ طلعتُ عليها بالردى ، أنا والفجرُ
و حيّ ٍرددتُ الخيلَ حتى ملكتهُ هزيماً وردتني البراقعُ والخمرُ
وَسَاحِبَة ِ الأذْيالِ نَحوي، لَقِيتُهَا فلمْ يلقها جهمُ اللقاءِ ، ولا وعرُ
وَهَبْتُ لهَا مَا حَازَهُ الجَيشُ كُلَّهُ و رحتُ ، ولمْ يكشفْ لأثوابها سترُ
و لا راحَ يطغيني بأثوابهِ الغنى و لا باتَ يثنيني عن الكرمِ الفقر
و ما حاجتي بالمالِ أبغي وفورهُ ؟ إذا لم أفِرْ عِرْضِي فَلا وَفَرَ الوَفْرُ
أسرتُ وما صحبي بعزلٍ، لدى الوغى ، ولا فرسي مهرٌ ، ولا ربهُ غمرُ !
و لكنْ إذا حمَّ القضاءُ على أمرىء ٍ فليسَ لهُ برٌّ يقيهِ، ولا بحرُ !
وقالَ أصيحابي: ” الفرارُ أوالردى ؟ “ فقُلتُ: هُمَا أمرَانِ، أحلاهُما مُرّ
وَلَكِنّني أمْضِي لِمَا لا يَعِيبُني، وَحَسبُكَ من أمرَينِ خَيرُهما الأسْرُ
يقولونَ لي: ” بعتَ السلامة َ بالردى “ فَقُلْتُ: أمَا وَالله، مَا نَالَني خُسْرُ
و هلْ يتجافى عني الموتُ ساعة ً ، إذَا مَا تَجَافَى عَنيَ الأسْرُ وَالضّرّ؟
هُوَ المَوْتُ، فاختَرْ ما عَلا لك ذِكْرُه، فلمْ يمتِ الإنسانُ ما حييَ الذكرُ
و لا خيرَ في دفعِ الردى بمذلة ٍ كما ردها ، يوماً بسوءتهِ ” عمرو”
يمنونَ أنْ خلوا ثيابي ، وإنما عليَّ ثيابٌ ، من دمائهمُ حمرُ
و قائم سيفي ، فيهمُ ، اندقَّ نصلهُ وَأعقابُ رُمحٍ فيهِمُ حُطّمَ الصّدرُ
سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدّ جدّهُمْ، ” وفي الليلة ِ الظلماءِ ، يفتقدُ البدرُ ”
فإنْ عِشْتُ فَالطّعْنُ الذي يَعْرِفُونَه و تلكَ القنا ، والبيضُ والضمرُ الشقرُ
وَإنْ مُتّ فالإنْسَانُ لا بُدّ مَيّتٌ وَإنْ طَالَتِ الأيّامُ، وَانْفَسَحَ العمرُ
ولوْ سدَّ غيري ، ما سددتُ ، اكتفوا بهِ؛ وما كانَ يغلو التبرُ ، لو نفقَ الصفرُ
وَنَحْنُ أُنَاسٌ، لا تَوَسُّطَ عِنْدَنَا، لَنَا الصّدرُ، دُونَ العالَمينَ، أو القَبرُ
تَهُونُ عَلَيْنَا في المَعَالي نُفُوسُنَا، و منْ خطبَ الحسناءَ لمْ يغلها المهرُ
أعزُّ بني الدنيا ، وأعلى ذوي العلا ، وَأكرَمُ مَن فَوقَ الترَابِ وَلا فَخْرُ