أناخ اليكم طالب طال ما نات

أناخَ إلَيكُمْ طالِبٌ طَالَ ما نَأت – بهِ الدّارُ دانٍ بالقرابةِ عَالِمِ
تَذَكّرَ أيْنَ الجَابِرُونَ قَنَاتَهُ – فَقَال: بَنُو عَمّي أبانُ بنُ دارِمِ
رَمَوْا لي رحلي إذ أنَخْتُ إلَيهِمُ – بِعُجْمِ الأوَابي واللِّقَاحِ الرّوَايِمِ
وَقالُوا ابنُ لَيْلى سَوْفَ يَضْمَنُ للّتي – بها يُطْلَقُ الجَاني، شَديدَ الشكائِمِ
لَهُم عَدَدٌ في قَوْمِهِمْ شَافعُ الحَصَى – وَدَثْرٌ من الأنْعامِ غَيرُ الأصَارِمِ
فإني وإيّاهُمْ كَذِي الدّلُو أوْرَدَت – على مَائِحِ مَنْ يَأتِهِ غَيرُ لائِمِ
تَجاوَزْتُ أقْوَاماً إلَيكُمْ، وَإنّهُم – ليَدْعُونَني، فاختَرْتُكُمْ للعظائمِ
وَكُنْتُمْ أُنَاساً كانَ يُشفَى بمالِكُم – وَأحْلامِكُمْ صَدْعُ الثّأى المُتَفاقِمِ
هُمُ ما هُمُ عندَ الحَفيظَةِ وَالقِرَى – وَضَرْبِ كِباشِ القَوْمِ فوْقَ الجماجمِ
وَإنّ مُناخي فيكُمُ سَوْفَ يَلْتَقي – بهِ الرّكْبُ مِنْ نَجْدٍ وَأهلِ المَوَاسِم
وَأينَ مُناخي بَعْدَكُمْ، إنْ نَبَوْتُم – عَليّ، وَهَلْ تَنْبُو ظُبَاتُ الصّوَارِمِ
ألَيْسَ أبي أدْنى أباكُمْ، وَأنْتُمُ – بمَا انَ يَلقَى سَيفُهُ كلَّ جارِمِ
فَما إخُوَةٌ مِنّا نُبَايِعُكُمْ بهِم – بحَبْسٍ على المَوْلى وَتَنكِيلِ ظالمِ
قصيدة لشاعر العصر الأموي الفرزدق

ندمت ندامة الكسعي لما

نَدِمْتُ نَدَامَةَ الكُسَعِيّ لَمّا – غَدَتْ مِنّي مُطَلَّقَة نَوَارُ
وَكَانَتْ جَنّتي، فَخَرَجْتُ منها – كَآدَمَ حِينَ لَجّ بِهِ الضِّرَارُ
وَكُنْتُ كَفاقىءٍ عَيْنَيْهِ عَمْداً – فَأصْبَحَ مَا يُضِيءُ لَهُ النّهَارُ
وَلا يُوفي بحبِّ نَوَارَ عِندِي – وَلا كَلَفي بهَا إلاّ انْتِحَارُ
وَلَوْ رَضِيتْ يَدايَ بهَا وَقَرّت – لَكَانَ لهَا عَلى القَدَرِ الخِيَارُ
وَمَا فَارَقْتُهَا شِبَعاً، وَلَكِن – رَأيْتُ الدّهْرَ يَأخُذُ مَا يُعَارُ
أبيات شاعر العصر الأموي الفرزدق التميمي

أنا كئيب

أَنَا كَئِيب – أَنَا غَريبْ
كَآبتي خالَفَتْ نَظَائِرَهَاغَرِيبَةٌ في عَوَالِمِ الحَزَن
كَآبتي فِكْرَةٌ مُغَرِّدَةمَجْهُولةٌ مِنْ مَسَامِعِ الزَّمَنِ
لكنَّني قَدْ سَمِعْتُ رَنَّتَهابمُهْجَتي في شَبابِيَ الثَّمِلِ
سَمِعْتُها فانْصَرَفْتُ مُكْتَئِبَاأَشْدو بحُزْنِي كطائِرِ الجَبَل
سَمِعْتُها أَنَّةً يرجِّعُهاصَوْتُ اللَّيالي ومُهْجَةُ الأزل
سَمِعْتُها صَرْخَةً مُضَعْضَعَةًكَجَدْوَلٍ في مَضايِقِ السُّبُلِ
سَمِعْتُها رَنَّةً يعَانِقُهاشوقٌ إلى عالمٍ يُضَعْضِعُها
ضَعيفةً مثلَ أنَّةٍ صَعَدَتْمِنْ مُهْجَةٍ هدَّها تَوَجُّعُها
كآبَةُ النَّاسِ شُعلةٌ وَمَتىمرَّتْ ليالٍ خَبَتْ مع الأَمَد
أَمَّا اكتِئابي فَلَوْعَةٌ سَكَنَترُوحي وتَبْقَى بها إلى الأَبدِ
أَنا كئيبٌ أَنا غَريبٌ
وليسَ في عالمِ الكَآبَةِ مَنْيحمِلُ مِعْشارَ بَعْضِ مَا أَجِدُ
كآبتي مرَّةٌ وإنْ صَرَخَتْروحي فلا يسمعنَّها الجَسَدُ
كآبَتي ذاتُ قَسْوَةٍ صَهَرَتمَشَاعِري في جَهَنَّمَ الأَلَمِ
لمْ يسمَعِ الدَّهْرُ مِثْلَ قَسْوَتِهافي يَقْظَةٍ قطُّ لا ولا حُلُمِ
كآبتي شُعْلةٌ مؤجَّجَةٌتحتَ رَمَادِ الكَوْنِ تستعرُ
سَيَعْلَمُ الكَوْنُ مَا حَقِيقَتُهَاويَطْلَعُ الفَجْرُ يومَ تَنْفَجِرَ
كآبةُ النَّاسِ شُعْلَةٌ ومتىمرَّت ليالٍ خَبَتْ مِنَ الأَمَدِ
أَمَّا اكتئابي فَلَوْعَةٌ سَكَنَتْرُوحي وَتَبْقَى بِها إلى الأَبَدِ
قصيدة لشاعر الخضراء أبو القاسم الشابي

خلقت طليقا كطيف النسيم

خُلقتَ طَليقاً كَطَيفِ النَّسيمِ ~ وحُرًّا كَنُورِ الضُّحى في سَمَاهْ
تُغَرِّدُ كالطَّيرِ أَيْنَ اندفعتَ ~ وتشدو بما شاءَ وَحْيُ الإِلهْ
وتَمْرَحُ بَيْنَ وُرودِ الصَّباحِ ~ وتنعَمُ بالنُّورِ أَنَّى تَرَاه
وتَمْشي كما شِئْتَ بَيْنَ المروج ~ وتَقْطُفُ وَرْدَ الرُّبى في رُبَاهْ
كذا صاغكَ اللهُ يا ابنَ الوُجُود ~ وأَلْقَتْكَ في الكونِ هذي الحيَاه
فما لكَ ترضَى بذُلِّ القيود ~ وتَحْني لمنْ كبَّلوكَ الجِبَاه
وتُسْكِتُ في النَّفسِ صوتَ الحَيَاة ~ القويَّ إِذا مَا تغنَّى صَدَاه
وتُطْبِقُ أَجْفانَكَ النَّيِّراتِ عن الفجر ~ والفجرُ عَذْبٌ ضيَاه
وتَقْنَعُ بالعيشِ بَيْنَ الكهوف ~ فأَينَ النَّشيدُ وأينَ الإِيَاه
أَتخشى نشيدَ السَّماءِ الجميلَ ~ أَتَرْهَبُ نورَ الفضَا في ضُحَاه
ألا انهضْ وسِرْ في سبيلِ الحَيَاة ~ فمنْ نامَ لم تَنْتَظِرْهُ الحَيَاه
ولا تخشى ممَّا وراءَ التِّلاع ~ فما ثَمَّ إلاَّ الضُّحى في صِبَاه
وإلاَّ رَبيعُ الوُجُودِ الغرير ~ يطرِّزُ بالوردِ ضافي رِدَاه
وإلاَّ أَريجُ الزُّهُورِ الصُّبَاح ~ ورقصُ الأَشعَّةِ بَيْنَ الميَاه
وإلاَّ حَمَامُ المروجِ الأَنيق ~ يغرِّدُ منطلِقاً في غِنَاه
إلى النُّورِ فالنُّورُ عذْبٌ جميل ~ إلى النُّورِ فالنُّورُ ظِلُّ الإِله
قصيدة رائعة لشاعر الخضراء أبو القاسم الشابي

رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي

رَجَعتُ لِنَفسي فَاِتَّهَمتُ حَصاتي ~ وَنادَيتُ قَومي فَاِحتَسَبتُ حَياتي
رَمَوني بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَني ~ عَقِمتُ فَلَم أَجزَع لِقَولِ عُداتي
وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسي ~ رِجالاً وَأَكفاءً وَأَدتُ بَناتي
وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً ~ وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ ~ وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِن ~ فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني ~ وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي
فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّني ~ أَخافُ عَلَيكُم أَن تَحينَ وَفاتي
أَرى لِرِجالِ الغَربِ عِزّاً وَمَنعَةً ~ وَكَم عَزَّ أَقوامٌ بِعِزِّ لُغاتِ
أَتَوا أَهلَهُم بِالمُعجِزاتِ تَفَنُّنا ~ فَيا لَيتَكُم تَأتونَ بِالكَلِمات
أَيُطرِبُكُم مِن جانِبِ الغَربِ ناعِب ~ يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي
وَلَو تَزجُرونَ الطَيرَ يَوماً عَلِمتُم ~ بِما تَحتَهُ مِن عَثرَةٍ وَشَتات
سَقى اللَهُ في بَطنِ الجَزيرَةِ أَعظُماً ~ يَعِزُّ عَلَيها أَن تَلينَ قَناتي
حَفِظنَ وِدادي في البِلى وَحَفِظتُه ~ لَهُنَّ بِقَلبٍ دائِمِ الحَسَرات
وَفاخَرتُ أَهلَ الغَربِ وَالشَرقُ مُطرِق ~ حَياءً بِتِلكَ الأَعظُمِ النَخِراتِ
أَرى كُلَّ يَومٍ بِالجَرائِدِ مَزلَقاً ~ مِنَ القَبرِ يُدنيني بِغَيرِ أَناةِ
وَأَسمَعُ لِلكُتّابِ في مِصرَ ضَجَّة ~ فَأَعلَمُ أَنَّ الصائِحينَ نُعاتي
أَيَهجُرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُ ~ إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ
سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ فيها كَما سَرى ~ لُعابُ الأَفاعي في مَسيلِ فُراتِ
فَجاءَت كَثَوبٍ ضَمَّ سَبعينَ رُقعَةً ~ مُشَكَّلَةَ الأَلوانِ مُختَلِفاتِ
إِلى مَعشَرِ الكُتّابِ وَالجَمعُ حافِلٌ ~ بَسَطتُ رَجائي بَعدَ بَسطِ شَكاتي
فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ المَيتَ في البِلى ~ وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي
وَإِمّا مَماتٌ لا قِيامَةَ بَعدَهُ ~ مَماتٌ لَعَمري لَم يُقَس بِمَماتِ
أشهر قصائد شاعر النيل حافظ إبراهيم

قم للمعلم وفه التبجيلا

قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا ~ كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي ~ يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا
سُبحانَكَ اللَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ ~ عَلَّمتَ بِالقَلَمِ القُرونَ الأولى
أَخرَجتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ ~ وَهَدَيتَهُ النورَ المُبينَ سَبيلا
وَطَبَعتَهُ بِيَدِ المُعَلِّمِ تارَةً ~ صَدِئَ الحَديدُ وَتارَةً مَصقولا
أَرسَلتَ بِالتَوراةِ موسى مُرشِداً ~ وَاِبنَ البَتولِ فَعَلِّمِ الإِنجيلا
وَفَجَرتَ يَنبوعَ البَيانِ مُحَمَّداً ~ فَسَقى الحَديثَ وَناوَلَ التَنزيلا
عَلَّمتَ يوناناً وَمِصرَ فَزالَتا ~ عَن كُلِّ شَمسٍ ما تُريدُ أُفولا
وَاليَومَ أَصبَحَتا بِحالِ طُفولَةٍ ~ في العِلمِ تَلتَمِسانِهِ تَطفيلا
مِن مَشرِقِ الأَرضِ الشَموسُ تَظاهَرَت ~ ما بالُ مَغرِبِها عَلَيهِ أُديلا
يا أَرضُ مُذ فَقَدَ المُعَلِّمُ نَفسَهُ ~ بَينَ الشُموسِ وَبَينَ شَرقِكِ حيلا
ذَهَبَ الَّذينَ حَمَوا حَقيقَةَ عِلمِهِم ~ وَاِستَعذَبوا فيها العَذابَ وَبيلا
في عالَمٍ صَحِبَ الحَياةَ مُقَيَّداً ~ بِالفَردِ مَخزوماً بِهِ مَغلولا
صَرَعَتهُ دُنيا المُستَبِدِّ كَما هَوَت ~ مِن ضَربَةِ الشَمسِ الرُؤوسُ ذُهولا
سُقراطُ أَعطى الكَأسَ وَهيَ مَنِيَّةٌ ~ شَفَتَي مُحِبٍّ يَشتَهي التَقبيلا
عَرَضوا الحَياةَ عَلَيهِ وَهيَ غَباوَةٌ ~ فَأَبى وَآثَرَ أَن يَموتَ نَبيلا
إِنَّ الشَجاعَةَ في القُلوبِ كَثيرَةٌ ~ وَوَجَدتُ شُجعانَ العُقولِ قَليلا
إِنَّ الَّذي خَلَقَ الحَقيقَةَ عَلقَماً ~ لَم يُخلِ مِن أَهلِ الحَقيقَةِ جيلا
وَلَرُبَّما قَتَلَ الغَرامُ رِجالَها ~ قُتِلَ الغَرامُ كَمِ اِستَباحَ قَتيلا
أَوَكُلُّ مَن حامى عَنِ الحَقِّ اِقتَنى ~ عِندَ السَوادِ ضَغائِناً وَذُحولا
لَو كُنتُ أَعتَقِدُ الصَليبَ وَخَطبُهُ ~ لَأَقَمتُ مِن صَلبِ المَسيحِ دَليلا
أَمُعَلِّمي الوادي وَساسَةَ نَشئِهِ ~ وَالطابِعينَ شَبابَهُ المَأمولا
وَالحامِلينَ إِذا دُعوا لِيُعَلِّموا ~ عِبءَ الأَمانَةِ فادِحاً مَسؤولا
كانَت لَنا قَدَمٌ إِلَيهِ خَفيفَةٌ ~ وَرِمَت بِدَنلوبٍ فَكانَ الفيلا
حَتّى رَأَينا مِصرَ تَخطو إِصبَعاً ~ في العِلمِ إِن مَشَتِ المَمالِكُ ميلا
تِلكَ الكُفورُ وَحَشوُها أُمِّيَّةٌ ~ مِن عَهدِ خوفو لا تَرَ القِنديلا
تَجِدُ الَّذينَ بَنى المِسَلَّةَ جَدُّهُم ~ لا يُحسِنونَ لِإِبرَةٍ تَشكيلا
وَيُدَلَّلونَ إِذا أُريدَ قِيادُهُم ~ كَالبُهمِ تَأنَسُ إِذ تَرى التَدليلا
يَتلو الرِجالُ عَلَيهُمُ شَهَواتِهِم ~ فَالناجِحونَ أَلَدُّهُم تَرتيلا
الجَهلُ لا تَحيا عَلَيهِ جَماعَةٌ ~ كَيفَ الحَياةُ عَلى يَدَي عِزريلا
وَاللَهِ لَولا أَلسُنٌ وَقَرائِحٌ ~ دارَت عَلى فِطَنِ الشَبابِ شَمولا
وَتَعَهَّدَت مِن أَربَعينَ نُفوسَهُم ~ تَغزو القُنوطَ وَتَغرِسُ التَأميلا
عَرَفَت مَواضِعَ جَدبِهِم فَتَتابَعَت ~ كَالعَينِ فَيضاً وَالغَمامِ مَسيلا
تُسدي الجَميلَ إِلى البِلادِ وَتَستَحي ~ مِن أَن تُكافَأَ بِالثَناءِ جَميلا
ما كانَ دَنلوبٌ وَلا تَعليمُهُ ~ عِندَ الشَدائِدِ يُغنِيانِ فَتيلا
رَبّوا عَلى الإِنصافِ فِتيانَ الحِمى ~ تَجِدوهُمُ كَهفَ الحُقوقِ كُهولا
فَهوَ الَّذي يَبني الطِباعَ قَويمَةً ~ وَهوَ الَّذي يَبني النُفوسَ عُدولا
وَيُقيمُ مَنطِقَ كُلِّ أَعوَجِ مَنطِقٍ ~ وَيُريهِ رَأياً في الأُمورِ أَصيلا
وَإِذا المُعَلِّمُ لَم يَكُن عَدلاً مَشى ~ روحُ العَدالَةِ في الشَبابِ ضَئيلا
وَإِذا المُعَلِّمُ ساءَ لَحظَ بَصيرَةٍ ~ جاءَت عَلى يَدِهِ البَصائِرُ حولا
وَإِذا أَتى الإِرشادُ مِن سَبَبِ الهَوى ~ وَمِنَ الغُرورِ فَسَمِّهِ التَضليلا
وَإِذا أُصيبَ القَومُ في أَخلاقِهِم ~ فَأَقِم عَلَيهِم مَأتَماً وَعَويلا
إِنّي لَأَعذُرُكُم وَأَحسَبُ عِبئَكُم ~ مِن بَينِ أَعباءِ الرِجالِ ثَقيلا
وَجَدَ المُساعِدَ غَيرُكُم وَحُرِمتُمُ ~ في مِصرَ عَونَ الأُمَّهاتِ جَليلا
وَإِذا النِساءُ نَشَأنَ في أُمِّيَّةً ~ رَضَعَ الرِجالُ جَهالَةً وَخُمولا
لَيسَ اليَتيمُ مَنِ اِنتَهى أَبَواهُ مِن ~ هَمِّ الحَياةِ وَخَلَّفاهُ ذَليلا
فَأَصابَ بِالدُنيا الحَكيمَةِ مِنهُما ~ وَبِحُسنِ تَربِيَةِ الزَمانِ بَديلا
إِنَّ اليَتيمَ هُوَ الَّذي تَلقى لَهُ ~ أُمّاً تَخَلَّت أَو أَباً مَشغولا
مِصرٌ إِذا ما راجَعَت أَيّامَها ~ لَم تَلقَ لِلسَبتِ العَظيمِ مَثيلا
البَرلَمانُ غَداً يُمَدُّ رُواقُهُ ~ ظِلّاً عَلى الوادي السَعيدِ ظَليلا
نَرجو إِذا التَعليمُ حَرَّكَ شَجوَهُ ~ أَلّا يَكونَ عَلى البِلادِ بَخيلا
قُل لِلشَبابِ اليَومَ بورِكَ غَرسُكُم ~ دَنَتِ القُطوفُ وَذُلِّلَت تَذليلا
حَيّوا مِنَ الشُهَداءِ كُلَّ مُغَيَّبٍ ~ وَضَعوا عَلى أَحجارِهِ إِكليلا
لِيَكونَ حَظُّ الحَيِّ مِن شُكرانِكُم ~ جَمّاً وَحَظُّ المَيتِ مِنهُ جَزيلا
لا يَلمَسُ الدُستورُ فيكُم روحَهُ ~ حَتّى يَرى جُندِيَّهُ المَجهولا
ناشَدتُكُم تِلكَ الدِماءَ زَكِيَّةً ~ لا تَبعَثوا لِلبَرلَمانِ جَهولا
فَليَسأَلَنَّ عَنِ الأَرائِكِ سائِلٌ ~ أَحَمَلنَ فَضلاً أَم حَمَلنَ فُضولا
إِن أَنتَ أَطلَعتَ المُمَثِّلَ ناقِصا ~ لَم تَلقَ عِندَ كَمالِهِ التَمثيلا
فَاِدعوا لَها أَهلَ الأَمانَةِ وَاِجعَلوا ~ لِأولى البَصائِرِ مِنهُمُ التَفضيلا
إِنَّ المُقَصِّرَ قَد يَحولُ وَلَن تَرى ~ لِجَهالَةِ الطَبعِ الغَبِيِّ مُحيلا
فَلَرُبَّ قَولٍ في الرِجالِ سَمِعتُم ~ ثُمَّ اِنقَضى فَكَأَنَّهُ ما قيلا
وَلَكَم نَصَرتُم بِالكَرامَةِ وَالهَوى ~ مَن كانَ عِندَكُمُ هُوَ المَخذولا
كَرَمٌ وَصَفحٌ في الشَبابِ وَطالَما ~ كَرُمَ الشَبابُ شَمائِلاً وَمُيولا
قوموا اِجمَعوا شَعبَ الأُبُوَّةِ وَاِرفَعوا ~ صَوتَ الشَبابِ مُحَبَّباً مَقبولا
ما أَبعَدَ الغاياتِ إِلّا أَنَّني ~ أَجِدُ الثَباتَ لَكُم بِهِنَّ كَفيلا
فَكِلوا إِلى اللَهِ النَجاحَ وَثابِروا ~ فَاللَهُ خَيرٌ كافلاً ووكيلا
أشهر قصائد أمير الشعراء أحمد شوقي