قِف بِطوكِيو وَطُف عَلى يوكاهامَه | وَسَلِ القَريَتَينِ كَيفَ القِيامَة |
دَنَتِ الساعَةُ الَّتي أُنذِرَ الناسُ | وَحَلَّت أَشراطُها وَالعَلامَة |
قِف تَأَمَّل مَصارِعَ القَومِ وَاِنظُر | هَل تَرى دِيارَ عادٍ دِعامَة |
خُسِفَت بِالمَساكِنِ الأَرضُ خَسفاً | وَطَوى أَهلُها بِساطَ الإِقامَة |
طَوَّفَت بِالمَدينَتَينِ المَنايا | وَأَدارَ الرَدى عَلى القَومِ جامَة |
لا تَرى العَينُ مِنهُما أَينَ جالَت | غَيرَ نِقضٍ أَو رِمَّةٍ أَو حُطامَه |
حازَهُم مِن مَراجِلِ الأَرضِ قَبرٌ | في مَدى الظَنِّ عُمقُهُ أَلفُ قامَة |
تَحسَبُ المَيتَ في نَواحيهِ يُعي | نَفخَةَ الصورِ أَن تَلُمَّ عِظامَه |
أَصبَحوا في ذَرا الحَياةِ وَأَمسَوا | ذَهَبَت ريحُهُم وَشالوا نَعامَه |
ثِق بِما شِئتَ مِن زَمانِكَ إِلّا | صُحبَةَ العَيشِ أَو جِوارَ السَلامَة |
دَولَةُ الشَرقِ وَهيَ في ذِروَةِ العِزِّ | تَحارُ العُيونُ فيها فَخامَة |
خانَها الجَيشُ وَهوَ في البَرِّ دِرعٌ | وَالأَساطيلُ وَهيَ في البَحرِ لامَه |
لَو تَأَمَّلتَها عَشِيَّةَ جاشَت | خِلتَها في يَدِ القَضاءِ حَمامَة |
رَجَّها رَجَّةً أَكَبَّت عَلى قَرتَيهِ | بوذا وَزَلزَلَت أَقدامَه |
اِستَعَذنا بِاللَهِ مِن ذَلِكَ السَيلِ | الَّذي يَكسَحُ البِلادَ أَمامَه |
مَن رَأى جَلمَداً يَهُبُّ هُبوباً | وَحَميماً يَسُحَّ سَحَّ الغَمامَة |
وَدُخاناً يَلُفُّ جُنحاً بِجُنحٍ | لا تَرى فيهِ مِعصَمَيها اليَمامَة |
وَهَزيماً كَما عَوى الذِئبُ في كُللِ | مَكانٍ وَزَمجَرَ الضِرغامَة |
أَتَتِ الأَرضُ وَالسَماءُ بِطوفانٍ | يُنَسّي طوفانَ نوحٍ وَعامَه |
فَتَرى البَحرَ جُنَّ حَتّى أَجازَ البَرَّ | وَاِحتَلَّ مَوجُهُ أَعلامَه |
مُزبِداً ثائِرَ اللُجاجِ كَجَيشٍ | قَوَّضَ العاصِفُ الهَبوبُ خِيامَه |
فُلكُ نوحٍ تَعوذُ مِنهُ بِنوحٍ | لَو رَأَتهُ وَتَستَجيرُ زِمامَه |
قَد تَخَيَّلتُهُم مَتابيلَ سِحرٍ | مِن قِراعِ القَضاءِ صَرعى مُدامَه |
وَتَخَيَّلتُ مَن تَخَلَّفَ مِنهُمُ | ظَنَّ لَيلَ القِيامِ ذاكَ فَنامَه |
أَبَراكينُ تِلكَ أَم نَزَواتٌ | مِن جِراحٍ قَديمَةٍ مُلتامَه |
تَجِدُ الأَرضَ راحَةً حَيثُ سالَت | راحَةُ الجِسمِ مِن وَراءِ الحَجامَة |
ما لَها لا تَضِجُّ مِمّا أَقَلَّت | مِن فَسادٍ وَحُمِّلَت مِن ظُلامَه |
كُلَّما لُبِّسَت بِأَهلِ زَمانٍ | شَهِدَت مِن زَمانِهِم آثامَه |
اِستَوَوا بِالأَذى ضِرِيّاً وَبِالشَررِ | وُلوعاً وَبِالدِماءِ نَهامَه |
لَبَّسَت هَذِهِ الحَياةُ عَلَينا | عالَمَ الشَرِّ وَحشَهُ وَأَنامَه |
ذاكَ مِن مُؤنِساتِهِ الظُفرُ وَالنابُ | وَهَذا سِلاحُهُ الصَمصامَة |
سَرَّهُ مِن أُسامَةَ البَطشُ وَالفَتكُ | فَسَمّى وَليدَهُ بِأُسامَة |
لَؤُمَت مِنهُما الطِباعُ وَلَكِن | وَلَدُ العاصِيَينِ شَرٌّ لَآمَه |
قصيدة أحمد شوقي
الرائعة و الكثير من قصائد امير الشعراء الشاعر الكبير احمد شوقي.
عرضوا الأمان على الخواطر
عَرَضوا الأَمانَ عَلى الخَواطِر | وَاِستَعرَضوا السُمرَ الخَواطِر |
فَوَقَفتُ في حَذَرٍ وَيَأبى | القَلبُ إِلّا أَن يُخاطِر |
يا قَلبُ شَأنَكَ وَالهَوى | هَذي الغُصونُ وَأَنتَ طائِر |
إِنَّ الَتي صادَتكَ تَسعى | بِالقُلوبِ لَها النَواظِر |
يا ثَغرَها أَمسَيتُ كَال | غَوّاصِ أَحلُمُ بِالجَواهِر |
يا لَحظَها مَن أُمُّها | أَو مَن أَبوها في الجَآذِر |
يا شَعرَها لا تَسعَ في | هَتكي فَشَأنُ اللَيلِ ساتِر |
يا قَدَّها حَتّامَ تَغدو | عاذِلاً وَتَروحُ جائِر |
وَبِأَيِّ ذَنبٍ قَد طَعَنتَ | حَشايَ يا قَدَّ الكَبائِر |
خدعوها بقولهم حسناء
خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ – وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَناءُ |
أَتُراها تَناسَت اِسمِيَ لَمّا – كَثُرَت في غَرامِها الأَسماءُ |
إِن رَأَتني تَميلُ عَنّي كَأَن لَم – تَكُ بَيني وَبَينَها أَشياءُ |
نَظرَةٌ فَاِبتِسامَةٌ فَسَلامٌ – فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ |
يَومَ كُنّا وَلا تَسَل كَيفَ كُنّا – نَتَهادى مِنَ الهَوى ما نَشاءُ |
وَعَلَينا مِنَ العَفافِ رَقيب – تَعِبَت في مِراسِهِ الأَهواءُ |
جاذَبَتني ثَوبي العصِيَّ وَقالَت – أَنتُمُ الناسُ أَيُّها الشُعَراء |
فَاِتَّقوا اللَهَ في قُلوبِ العَذارى – فَالعَذارى قُلوبُهُنَّ هَواء |
نَظرَةٌ فَاِبتِسامَةٌ فَسَلام – فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاء |
فَفِراقٌ يَكونُ فيهِ دَواء – أَو فِراقٌ يَكونُ مِنهُ الداءُ |
قم للمعلم وفه التبجيلا
قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا ~ كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا |
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي ~ يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا |
سُبحانَكَ اللَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ ~ عَلَّمتَ بِالقَلَمِ القُرونَ الأولى |
أَخرَجتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ ~ وَهَدَيتَهُ النورَ المُبينَ سَبيلا |
وَطَبَعتَهُ بِيَدِ المُعَلِّمِ تارَةً ~ صَدِئَ الحَديدُ وَتارَةً مَصقولا |
أَرسَلتَ بِالتَوراةِ موسى مُرشِداً ~ وَاِبنَ البَتولِ فَعَلِّمِ الإِنجيلا |
وَفَجَرتَ يَنبوعَ البَيانِ مُحَمَّداً ~ فَسَقى الحَديثَ وَناوَلَ التَنزيلا |
عَلَّمتَ يوناناً وَمِصرَ فَزالَتا ~ عَن كُلِّ شَمسٍ ما تُريدُ أُفولا |
وَاليَومَ أَصبَحَتا بِحالِ طُفولَةٍ ~ في العِلمِ تَلتَمِسانِهِ تَطفيلا |
مِن مَشرِقِ الأَرضِ الشَموسُ تَظاهَرَت ~ ما بالُ مَغرِبِها عَلَيهِ أُديلا |
يا أَرضُ مُذ فَقَدَ المُعَلِّمُ نَفسَهُ ~ بَينَ الشُموسِ وَبَينَ شَرقِكِ حيلا |
ذَهَبَ الَّذينَ حَمَوا حَقيقَةَ عِلمِهِم ~ وَاِستَعذَبوا فيها العَذابَ وَبيلا |
في عالَمٍ صَحِبَ الحَياةَ مُقَيَّداً ~ بِالفَردِ مَخزوماً بِهِ مَغلولا |
صَرَعَتهُ دُنيا المُستَبِدِّ كَما هَوَت ~ مِن ضَربَةِ الشَمسِ الرُؤوسُ ذُهولا |
سُقراطُ أَعطى الكَأسَ وَهيَ مَنِيَّةٌ ~ شَفَتَي مُحِبٍّ يَشتَهي التَقبيلا |
عَرَضوا الحَياةَ عَلَيهِ وَهيَ غَباوَةٌ ~ فَأَبى وَآثَرَ أَن يَموتَ نَبيلا |
إِنَّ الشَجاعَةَ في القُلوبِ كَثيرَةٌ ~ وَوَجَدتُ شُجعانَ العُقولِ قَليلا |
إِنَّ الَّذي خَلَقَ الحَقيقَةَ عَلقَماً ~ لَم يُخلِ مِن أَهلِ الحَقيقَةِ جيلا |
وَلَرُبَّما قَتَلَ الغَرامُ رِجالَها ~ قُتِلَ الغَرامُ كَمِ اِستَباحَ قَتيلا |
أَوَكُلُّ مَن حامى عَنِ الحَقِّ اِقتَنى ~ عِندَ السَوادِ ضَغائِناً وَذُحولا |
لَو كُنتُ أَعتَقِدُ الصَليبَ وَخَطبُهُ ~ لَأَقَمتُ مِن صَلبِ المَسيحِ دَليلا |
أَمُعَلِّمي الوادي وَساسَةَ نَشئِهِ ~ وَالطابِعينَ شَبابَهُ المَأمولا |
وَالحامِلينَ إِذا دُعوا لِيُعَلِّموا ~ عِبءَ الأَمانَةِ فادِحاً مَسؤولا |
كانَت لَنا قَدَمٌ إِلَيهِ خَفيفَةٌ ~ وَرِمَت بِدَنلوبٍ فَكانَ الفيلا |
حَتّى رَأَينا مِصرَ تَخطو إِصبَعاً ~ في العِلمِ إِن مَشَتِ المَمالِكُ ميلا |
تِلكَ الكُفورُ وَحَشوُها أُمِّيَّةٌ ~ مِن عَهدِ خوفو لا تَرَ القِنديلا |
تَجِدُ الَّذينَ بَنى المِسَلَّةَ جَدُّهُم ~ لا يُحسِنونَ لِإِبرَةٍ تَشكيلا |
وَيُدَلَّلونَ إِذا أُريدَ قِيادُهُم ~ كَالبُهمِ تَأنَسُ إِذ تَرى التَدليلا |
يَتلو الرِجالُ عَلَيهُمُ شَهَواتِهِم ~ فَالناجِحونَ أَلَدُّهُم تَرتيلا |
الجَهلُ لا تَحيا عَلَيهِ جَماعَةٌ ~ كَيفَ الحَياةُ عَلى يَدَي عِزريلا |
وَاللَهِ لَولا أَلسُنٌ وَقَرائِحٌ ~ دارَت عَلى فِطَنِ الشَبابِ شَمولا |
وَتَعَهَّدَت مِن أَربَعينَ نُفوسَهُم ~ تَغزو القُنوطَ وَتَغرِسُ التَأميلا |
عَرَفَت مَواضِعَ جَدبِهِم فَتَتابَعَت ~ كَالعَينِ فَيضاً وَالغَمامِ مَسيلا |
تُسدي الجَميلَ إِلى البِلادِ وَتَستَحي ~ مِن أَن تُكافَأَ بِالثَناءِ جَميلا |
ما كانَ دَنلوبٌ وَلا تَعليمُهُ ~ عِندَ الشَدائِدِ يُغنِيانِ فَتيلا |
رَبّوا عَلى الإِنصافِ فِتيانَ الحِمى ~ تَجِدوهُمُ كَهفَ الحُقوقِ كُهولا |
فَهوَ الَّذي يَبني الطِباعَ قَويمَةً ~ وَهوَ الَّذي يَبني النُفوسَ عُدولا |
وَيُقيمُ مَنطِقَ كُلِّ أَعوَجِ مَنطِقٍ ~ وَيُريهِ رَأياً في الأُمورِ أَصيلا |
وَإِذا المُعَلِّمُ لَم يَكُن عَدلاً مَشى ~ روحُ العَدالَةِ في الشَبابِ ضَئيلا |
وَإِذا المُعَلِّمُ ساءَ لَحظَ بَصيرَةٍ ~ جاءَت عَلى يَدِهِ البَصائِرُ حولا |
وَإِذا أَتى الإِرشادُ مِن سَبَبِ الهَوى ~ وَمِنَ الغُرورِ فَسَمِّهِ التَضليلا |
وَإِذا أُصيبَ القَومُ في أَخلاقِهِم ~ فَأَقِم عَلَيهِم مَأتَماً وَعَويلا |
إِنّي لَأَعذُرُكُم وَأَحسَبُ عِبئَكُم ~ مِن بَينِ أَعباءِ الرِجالِ ثَقيلا |
وَجَدَ المُساعِدَ غَيرُكُم وَحُرِمتُمُ ~ في مِصرَ عَونَ الأُمَّهاتِ جَليلا |
وَإِذا النِساءُ نَشَأنَ في أُمِّيَّةً ~ رَضَعَ الرِجالُ جَهالَةً وَخُمولا |
لَيسَ اليَتيمُ مَنِ اِنتَهى أَبَواهُ مِن ~ هَمِّ الحَياةِ وَخَلَّفاهُ ذَليلا |
فَأَصابَ بِالدُنيا الحَكيمَةِ مِنهُما ~ وَبِحُسنِ تَربِيَةِ الزَمانِ بَديلا |
إِنَّ اليَتيمَ هُوَ الَّذي تَلقى لَهُ ~ أُمّاً تَخَلَّت أَو أَباً مَشغولا |
مِصرٌ إِذا ما راجَعَت أَيّامَها ~ لَم تَلقَ لِلسَبتِ العَظيمِ مَثيلا |
البَرلَمانُ غَداً يُمَدُّ رُواقُهُ ~ ظِلّاً عَلى الوادي السَعيدِ ظَليلا |
نَرجو إِذا التَعليمُ حَرَّكَ شَجوَهُ ~ أَلّا يَكونَ عَلى البِلادِ بَخيلا |
قُل لِلشَبابِ اليَومَ بورِكَ غَرسُكُم ~ دَنَتِ القُطوفُ وَذُلِّلَت تَذليلا |
حَيّوا مِنَ الشُهَداءِ كُلَّ مُغَيَّبٍ ~ وَضَعوا عَلى أَحجارِهِ إِكليلا |
لِيَكونَ حَظُّ الحَيِّ مِن شُكرانِكُم ~ جَمّاً وَحَظُّ المَيتِ مِنهُ جَزيلا |
لا يَلمَسُ الدُستورُ فيكُم روحَهُ ~ حَتّى يَرى جُندِيَّهُ المَجهولا |
ناشَدتُكُم تِلكَ الدِماءَ زَكِيَّةً ~ لا تَبعَثوا لِلبَرلَمانِ جَهولا |
فَليَسأَلَنَّ عَنِ الأَرائِكِ سائِلٌ ~ أَحَمَلنَ فَضلاً أَم حَمَلنَ فُضولا |
إِن أَنتَ أَطلَعتَ المُمَثِّلَ ناقِصا ~ لَم تَلقَ عِندَ كَمالِهِ التَمثيلا |
فَاِدعوا لَها أَهلَ الأَمانَةِ وَاِجعَلوا ~ لِأولى البَصائِرِ مِنهُمُ التَفضيلا |
إِنَّ المُقَصِّرَ قَد يَحولُ وَلَن تَرى ~ لِجَهالَةِ الطَبعِ الغَبِيِّ مُحيلا |
فَلَرُبَّ قَولٍ في الرِجالِ سَمِعتُم ~ ثُمَّ اِنقَضى فَكَأَنَّهُ ما قيلا |
وَلَكَم نَصَرتُم بِالكَرامَةِ وَالهَوى ~ مَن كانَ عِندَكُمُ هُوَ المَخذولا |
كَرَمٌ وَصَفحٌ في الشَبابِ وَطالَما ~ كَرُمَ الشَبابُ شَمائِلاً وَمُيولا |
قوموا اِجمَعوا شَعبَ الأُبُوَّةِ وَاِرفَعوا ~ صَوتَ الشَبابِ مُحَبَّباً مَقبولا |
ما أَبعَدَ الغاياتِ إِلّا أَنَّني ~ أَجِدُ الثَباتَ لَكُم بِهِنَّ كَفيلا |
فَكِلوا إِلى اللَهِ النَجاحَ وَثابِروا ~ فَاللَهُ خَيرٌ كافلاً ووكيلا |
يا رب ما حكمك ماذا ترى
يا ربِّ، ما حكمكَ؟ ماذا ترى | في ذلك الحلمِ العريضِ الطويلْ؟ |
قد قام غليومٌ خطيباً، فما | أعطاكَ من ملككَ إلا القليل! |
شيَّد في جنبكَ ملكاً له | ملككَ إن قيسَ إليهِ الضَّئيل |
قد وَرَّثَ العالَم حيّاً، فما | غادرَ من فجٍّ، ولا من سبيل |
فالنصفُ للجرمانِ في زعمه | والنصفُ للرومان فيما يقول |
يا رَبِّ، قلْ: سيْفُكَ أَم سَيْفُه؟ | أيُّهما – ياربِّ – ماضِ ثقيل؟! |
إن صدقتْ – يا ربِّ – أحلامه | فإنَّ خطْبَ المسلمين الجليل |
لا نحنُ جرمانُ لنا حصَّة ٌ | ولا برومانَ فتعطى فتيل |
يا رَبِّ، لا تنسَ رعاياك في | يومٍ رعاياك الفريقُ الذليل |
جناية ُ الجهلِ على أهله | قديمة ٌ، والجهلُ بئسَ الدليل |
يا ليتَ لم نمددْ بشرٍّ يداً | وليتَ ظلَّ السلمِ باقٍ ظليل! |
جنى علينا عصبة ٌ جازفوا | فحسبنا الله، ونعمَ الوكيل! |
سما يناغي الشهبا
سما يناغي الشهبا | هل مسَّها فالتهبا |
كالدَّيدبانِ ألزموهُ | في البحار مرقبا |
شيع منه مركبا | وقام يلقي مركبا |
بشر بالدار وبالأَهلِ | السُّراة الغُيَّبا |
وخَطَّ بالنُّور على | لوْحِ الظلام: مَرْحَبَا |
كالبارق المُلِحِّ لم | يولِّ إلا عقَّبا |
يا رُبَّ ليلٍ لم تَذُقْ | فيه الرقاد طربا |
بتنا نراعيه كما | يرعى السُّراة الكوكبا |
سعادة ٌ يعرفها | في الناس من كان أَبَا |
مَشَى على الماءِ، وجاب | كالمسيح العببا |
وقام في موضعه | مُستشرِفاً مُنَقِّبا |
يرمي إلى الظلام طرفاٌ | حائراٌ مذبذبا |
كمبصرٍ أدار عيناٌ | في الدجى ، وقلِّبا |
كبصر الأَعشى أَصاب | في الظلام ، ونبا |
وكالسراج في يَدِ الــريح | أضاءَ، وخَبا |
كلمحة ٍ من خاطرٍ | ما جاء حتى ذهبا |
مجتنبُ العالم في | عُزلته مُجْتَنَبا |
إلا شراعاً ضلَّ ، أو | فُلْكاً يُقاسي العَطَبا |
وكان حارس الفنارِ | رجُلاً مُهذَّبا |
يهوى الحياة ، ويحبَّ | العيش سهلاً طيِّبا |
أتت عليه سنواتٌ | مُبْعَداً مُغْتَرِبا |
لم يَرَ فيها زَوْجَهُ | ولا ابنَه المحبَّبا |
وكان قد رعى الخطيبَ | ووعى ما خطَبا |
فقال : يا حارسُ | خلٍّ السُّخط والتعتُّبا |
من يُسعِفُ الناسَ إذا | نُودِي كلٌّ فأَبى |
ما الناس إخوتي ولا | آدمُ كان لي أبا |
أنظر إليَّ ، كيف أقضي | لهم ما وجَبا |
قد عشتُ في خِدمتهم | ولا تراني تعبا |
كم من غريقٍ قمت | عند رأسه مطبَّبا |
وكان جسماَ هامداً | حرّكتهُ فاضطربا |
وكنت وطَّأت له | مَناكبي، فرَكبا |
حتى أتى الشطَّ ، فبشَّ | من به ورحَّبا |
وطاردوني ، فانقلب | تُ خاسراَ مخيٍّبا |
ما نلت منهم فضة َ | ولا منحت ذهبا |
وما الجزاء ؟ لا تسل | كان الجزاءُ عجبا! |
ألقوا عليّ شبكا | وقطَّعوني إربا |
واتخذ الصٌّنَّاع من | شَحميَ زَيْتا طيِّباً |
ولم يَزَلْ إسعافُهم | ليَ الحياة َ مذهبا |
ولم يزل سَجِيَّتي | وعملي المُحبَّبا |
إذا سمعتُ صرخة ً | طرتُ إليها طربا |
لا أَجِدُ المُسْعِفَ | إلا ملكاً مقرَّبا |
والمسعفون في غدٍ | يؤلفون مَوْكبا |
يقول رِضوانُ لهم | هيَّا أدخلوها مرحبا |
مُذنِبُكم قد غَفَر | اللهُ لهُ ما أذنبا |