الرُشدُ أَجمَلُ سيرَةً يا أَحمَدُ | وُدُّ الغَواني مِن شَبابِكَ أَبعَدُ |
قَد كانَ فيكَ لِوُدِّهِنَّ بَقِيَّةٌ | وَاليَومَ أَوشَكَتِ البَقِيَّةُ تَنفَدُ |
هاروتُ شِعرِكَ بَعدَ ماروتِ الصِبا | أَعيا وَفارَقَهُ الخَليلُ المُسعِدُ |
لَمّا سَمِعنَكَ قُلنَ شِعرٌ أَمرَدٌ | يا لَيتَ قائِلَهُ الطَريرُ المُسعِدُ |
ما لِلَّواهي الناعِماتِ وَشاعِرٍ | جَعَلَ النَسيبَ حِبالَةً يَتَصَيَّدُ |
وَلَكَم جَمَعتَ قُلوبَهُنَّ عَلى الهَوى | وَخَدَعتَ مَن قَطَعَت وَمَن تَتَوَدَّدُ |
وَسَخِرتَ مِن واشٍ وَكِدتَ لِعاذِلٍ | وَاليَومَ تَنشُدُ مَن يَشي وَيُفَنِّدُ |
أَإِذا وَجَدتَ الغيدَ أَلهاكَ الهَوى | وَإِذا وَجَدتَ الشِعرَ عَزَّ الأَغيَدُ |
قصيدة أحمد شوقي
الرائعة و الكثير من قصائد امير الشعراء الشاعر الكبير احمد شوقي.
ردت الروح على المضنى معك
رُدَّتِ الروحُ عَلى المُضنى مَعَك | أَحسَنُ الأَيّامِ يَومٌ أَرجَعَك |
مَرَّ مِن بُعدِكَ ما رَوَّعَني | أَتُرى يا حُلوُ بُعدي رَوَّعَك |
كَم شَكَوتُ البَينَ بِاللَيلِ إِلى | مَطلَعِ الفَجرِ عَسى أَن يُطلِعَك |
وَبَعَثتُ الشَوقَ في ريحِ الصَبا | فَشَكا الحُرقَةَ مِمّا اِستَودَعَك |
يا نَعيمي وَعَذابي في الهَوى | بِعَذولي في الهَوى ما جَمَعَك |
أَنتَ روحي ظَلَمَ الواشي الَّذي | زَعَمَ القَلبَ سَلا أَو ضَيَّعَك |
مَوقِعي عِندَكَ لا أَعلَمُه | آهِ لَو تَعلَمُ عِندي مَوقِعَك |
أَرجَفوا أَنَّكَ شاكٍ موجَعٌ | لَيتَ لي فَوقَ الضَنا ما أَوجَعَك |
نامَتِ الأَعيُنُ إِلّا مُقلَةً | تَسكُبُ الدَمعَ وَتَرعى مَضجَعَك |
قف بطوكيو وطف على يوكاهامه
قِف بِطوكِيو وَطُف عَلى يوكاهامَه | وَسَلِ القَريَتَينِ كَيفَ القِيامَة |
دَنَتِ الساعَةُ الَّتي أُنذِرَ الناسُ | وَحَلَّت أَشراطُها وَالعَلامَة |
قِف تَأَمَّل مَصارِعَ القَومِ وَاِنظُر | هَل تَرى دِيارَ عادٍ دِعامَة |
خُسِفَت بِالمَساكِنِ الأَرضُ خَسفاً | وَطَوى أَهلُها بِساطَ الإِقامَة |
طَوَّفَت بِالمَدينَتَينِ المَنايا | وَأَدارَ الرَدى عَلى القَومِ جامَة |
لا تَرى العَينُ مِنهُما أَينَ جالَت | غَيرَ نِقضٍ أَو رِمَّةٍ أَو حُطامَه |
حازَهُم مِن مَراجِلِ الأَرضِ قَبرٌ | في مَدى الظَنِّ عُمقُهُ أَلفُ قامَة |
تَحسَبُ المَيتَ في نَواحيهِ يُعي | نَفخَةَ الصورِ أَن تَلُمَّ عِظامَه |
أَصبَحوا في ذَرا الحَياةِ وَأَمسَوا | ذَهَبَت ريحُهُم وَشالوا نَعامَه |
ثِق بِما شِئتَ مِن زَمانِكَ إِلّا | صُحبَةَ العَيشِ أَو جِوارَ السَلامَة |
دَولَةُ الشَرقِ وَهيَ في ذِروَةِ العِزِّ | تَحارُ العُيونُ فيها فَخامَة |
خانَها الجَيشُ وَهوَ في البَرِّ دِرعٌ | وَالأَساطيلُ وَهيَ في البَحرِ لامَه |
لَو تَأَمَّلتَها عَشِيَّةَ جاشَت | خِلتَها في يَدِ القَضاءِ حَمامَة |
رَجَّها رَجَّةً أَكَبَّت عَلى قَرتَيهِ | بوذا وَزَلزَلَت أَقدامَه |
اِستَعَذنا بِاللَهِ مِن ذَلِكَ السَيلِ | الَّذي يَكسَحُ البِلادَ أَمامَه |
مَن رَأى جَلمَداً يَهُبُّ هُبوباً | وَحَميماً يَسُحَّ سَحَّ الغَمامَة |
وَدُخاناً يَلُفُّ جُنحاً بِجُنحٍ | لا تَرى فيهِ مِعصَمَيها اليَمامَة |
وَهَزيماً كَما عَوى الذِئبُ في كُللِ | مَكانٍ وَزَمجَرَ الضِرغامَة |
أَتَتِ الأَرضُ وَالسَماءُ بِطوفانٍ | يُنَسّي طوفانَ نوحٍ وَعامَه |
فَتَرى البَحرَ جُنَّ حَتّى أَجازَ البَرَّ | وَاِحتَلَّ مَوجُهُ أَعلامَه |
مُزبِداً ثائِرَ اللُجاجِ كَجَيشٍ | قَوَّضَ العاصِفُ الهَبوبُ خِيامَه |
فُلكُ نوحٍ تَعوذُ مِنهُ بِنوحٍ | لَو رَأَتهُ وَتَستَجيرُ زِمامَه |
قَد تَخَيَّلتُهُم مَتابيلَ سِحرٍ | مِن قِراعِ القَضاءِ صَرعى مُدامَه |
وَتَخَيَّلتُ مَن تَخَلَّفَ مِنهُمُ | ظَنَّ لَيلَ القِيامِ ذاكَ فَنامَه |
أَبَراكينُ تِلكَ أَم نَزَواتٌ | مِن جِراحٍ قَديمَةٍ مُلتامَه |
تَجِدُ الأَرضَ راحَةً حَيثُ سالَت | راحَةُ الجِسمِ مِن وَراءِ الحَجامَة |
ما لَها لا تَضِجُّ مِمّا أَقَلَّت | مِن فَسادٍ وَحُمِّلَت مِن ظُلامَه |
كُلَّما لُبِّسَت بِأَهلِ زَمانٍ | شَهِدَت مِن زَمانِهِم آثامَه |
اِستَوَوا بِالأَذى ضِرِيّاً وَبِالشَررِ | وُلوعاً وَبِالدِماءِ نَهامَه |
لَبَّسَت هَذِهِ الحَياةُ عَلَينا | عالَمَ الشَرِّ وَحشَهُ وَأَنامَه |
ذاكَ مِن مُؤنِساتِهِ الظُفرُ وَالنابُ | وَهَذا سِلاحُهُ الصَمصامَة |
سَرَّهُ مِن أُسامَةَ البَطشُ وَالفَتكُ | فَسَمّى وَليدَهُ بِأُسامَة |
لَؤُمَت مِنهُما الطِباعُ وَلَكِن | وَلَدُ العاصِيَينِ شَرٌّ لَآمَه |
عرضوا الأمان على الخواطر
عَرَضوا الأَمانَ عَلى الخَواطِر | وَاِستَعرَضوا السُمرَ الخَواطِر |
فَوَقَفتُ في حَذَرٍ وَيَأبى | القَلبُ إِلّا أَن يُخاطِر |
يا قَلبُ شَأنَكَ وَالهَوى | هَذي الغُصونُ وَأَنتَ طائِر |
إِنَّ الَتي صادَتكَ تَسعى | بِالقُلوبِ لَها النَواظِر |
يا ثَغرَها أَمسَيتُ كَال | غَوّاصِ أَحلُمُ بِالجَواهِر |
يا لَحظَها مَن أُمُّها | أَو مَن أَبوها في الجَآذِر |
يا شَعرَها لا تَسعَ في | هَتكي فَشَأنُ اللَيلِ ساتِر |
يا قَدَّها حَتّامَ تَغدو | عاذِلاً وَتَروحُ جائِر |
وَبِأَيِّ ذَنبٍ قَد طَعَنتَ | حَشايَ يا قَدَّ الكَبائِر |
خدعوها بقولهم حسناء
خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ – وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَناءُ |
أَتُراها تَناسَت اِسمِيَ لَمّا – كَثُرَت في غَرامِها الأَسماءُ |
إِن رَأَتني تَميلُ عَنّي كَأَن لَم – تَكُ بَيني وَبَينَها أَشياءُ |
نَظرَةٌ فَاِبتِسامَةٌ فَسَلامٌ – فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ |
يَومَ كُنّا وَلا تَسَل كَيفَ كُنّا – نَتَهادى مِنَ الهَوى ما نَشاءُ |
وَعَلَينا مِنَ العَفافِ رَقيب – تَعِبَت في مِراسِهِ الأَهواءُ |
جاذَبَتني ثَوبي العصِيَّ وَقالَت – أَنتُمُ الناسُ أَيُّها الشُعَراء |
فَاِتَّقوا اللَهَ في قُلوبِ العَذارى – فَالعَذارى قُلوبُهُنَّ هَواء |
نَظرَةٌ فَاِبتِسامَةٌ فَسَلام – فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاء |
فَفِراقٌ يَكونُ فيهِ دَواء – أَو فِراقٌ يَكونُ مِنهُ الداءُ |