إلى القارئ

الزنبقات السود في قلبي
وفي شفتي ….. اللهب
من أي غاب جئتي
يا كل صلبان الغضب
بايعت أحزاني
وصافحت التشرد و السغب
غضب يدي
غضب فمي
ودماء أوردتي عصير من غضب
يا قارئي
لا ترج مني الهمس
لا ترج الطرب
هذا عذابي
ضربة في الرمل طائشة
وأخرى في السحب
حسبي بأني غاضب
والنار أولها غضب
أبيات شاعر فلسطين محمود درويش

يوم أحد أزرق

تجلس المرأة في أغنيتيتغزل الصوف
تصبّ الشايوالشبّاك مفتوح على الأيّام
والبحر بعيد ترتدي الأزرق في يوم الأحد
تتسلّى بالمجلات و عادات الشعوبتقرأ الشعر الرومنتيكي
تستلقي على الكرسيوالشبّاك مفتوح على الأيّام
والبحر بعيد تسمع الصوت الذي لا تنتظر
تفتح البابترى خطوة إنسان يسافر
تغلق البابترى صورته تسألها: هل أنتحر
تنتقي موزاتترتاح مع الأرض السماويّة
والشبّاك مفتوح على الأيّاموالبحر بعيد
و التقيناووضعت البحر في صحن خزف
واختفت أغنيتيأنت، لا أغنيتي
والقلب مفتوح على الأيّاموالبحر سعيد
قصيدة محمود درويش

لوصف زهر اللوز

لوصف زهر اللوز، لا موسوعة الأزهار
تسعفني، ولا القاموس يسعفني
سيخطفني الكلام إلى أحابيل البلاغة
والبلاغة تجرح المعنى وتمدح جرحه
كمذكر يملي على الأنثى مشاعرها
فكيف يشع زهر اللوز في لغتي أنا
وأنا الصدى
وهو الشفيف كضحكة مائية نبتت
على الأغصان من خفر الندى
وهو الخفيف كجملة بيضاء موسيقية
وهو الضعيف كلمح خاطرة
تطل على أصابعنا
ونكتبها سدى
وهو الكثيف كبيت شعر لا يدون
بالحروف
لوصف زهر اللوز تلمزني زيارات إلى
اللاوعي ترشدني إلى أسماء عاطفة
معلقة على الأشجار. ما اسمه
ما اسم هذا الشيء في شعرية اللاشيء
يلزمني اختراق الجاذبية والكلام
لكي أحس بخفة الكلمات حين تصير
طيفا هامسا فأكونها وتكونني
شفافة بيضاء
لا وطن ولا منفى هي الكلمات
بل ولع البياض بوصف زهر اللوز
لا ثلج ولا قطن فما هو في
تعاليه على الأشياء والأسماء
لو نجح المؤلف في كتابة مقطع ٍ
في وصف زهر اللوز، لانحسر الضباب
عن التلال، وقال شعب كامل
هذا هوَ
هذا كلام نشيدنا الوطني
قصيدة محمود درويش

قال لها ليتني كنت أصغر

قال لها: ليتني كُنْتُ أَصْغَرَ
قالت لَهُ: سوف أكبر ليلاً كرائحة
الياسمينة في الصيفِ
ثم أَضافت: وأَنت ستصغر حين
تنام، فكُلُّ النيام صغارٌ وأَمَّا أَنا
فسأسهر حتى الصباح ليسودَّ ما تحت
عينيَّ. خيطان من تَعَبٍ مُتْقَنٍ يكفيان
لأَبْدوَ أكبرَ. أَعصرُ ليمونةً فوق
بطني لأُخفيَ طعم الحليب ورائحة القُطْنِ.
أَفرك نهديَّ بالملح والزنجبيل فينفر نهدايَ
أكثر
قال لها: ليس في القلب مُتَّسَعٌ
للحديقة يا بنت… لا وقت في جسدي
لغدٍ… فاكبري بهدوءٍ وبُطْءٍ
فقالت له لا نصيحةَ في الحب. خذني
لأكبَرَ خذي لتصغرَ
قال لها: عندما تكبرين غداً ستقولين
يا ليتني كُنتُ أَصغرَ
قالت له شهوتي مثل فاكهةٍ لا
تُؤَجَّلُ… لا وَقْتَ في جسدي لانتظار غدي
قصيدة حب لمحمود درويش

في البيت أجلس

في البيت أَجلس، لا حزيناً لا سعيداً
لا أَنا، أَو لا أَحَدْ
صُحُفٌ مُبَعْثَرَةٌ. ووردُ المزهريَّةِ لا يذكِّرني
بمن قطفته لي. فاليوم عطلتنا عن الذكرى
وعُطْلَةُ كُلِّ شيء… إنه يوم الأحدْ
يوم نرتِّبُ فيه مطبخنا وغُرْفَةَ نومنا
كُلِّ على حِدَةٍ. ونسمع نشرةَ الأخبار
هادئةً، فلا حَرْبٌ تُشَنُّ على بَلَدْ
ألأمبراطورُ السعيدُ يداعبُ اليومَ الكلابَ
ويشرب الشمبانيا في ملتقى نَهْدَين من
عاجٍ… ويَسْبَحُ في الزَّبَدْ
ألأمبراطور الوحيدُ اليوم في قيلولةٍ
مثلي ومثلك، لا يُفَكِّر بالقيامة .. فَهْيَ
مُلْك يَمينِهِ، هِيَ الحقيقةُ والأَبدْ
كَسَلٌ خفيفُ الوزن يطهو قهوتي
والهالُ يصهَلُ في الهواء وفي الجَسَدْ
وكأنني وحدي. أنا هو أو أنا الثاني
رآني واطمأَنَّ على نهاري وابتعدْ
يوم الأَحد
هو أوَّل الأيام في التوراة، لكنَّ
الزمان يغيِّر العاداتِ: إذ يرتاح
ربُّ الحرب في يوم الأحدْ
في البيت أجلس، لا سعيداً لا حزيناً
بين بين. ولا أُبالي إن علمت بأنني
حقاً أنا … أو لا أَحَدْ
قصائد محمود درويش

قاتل و بريء

هو الحب كالموج
تكرار غبطتنا بالقديم الجديد
سريع بطيء
بريء كظبي يسابق دراجة
وبذيء … كديك
جريء كذي حاجة
عصبي المزاج رديء
هادىء كخيال يرتب ألفاظه
مظلم معتم … ويضيء
فارغ ومليء بأضداده
هو الحيوان الملاك
بقوة ألف حصان وخفة طيف
وملتبس شرس سلس
كلما فر كر
ويحسن صنعاً بنا ويسيء
يفاجئناحين ننسى عواطفنا
ويجيء
هو الفوضوي الأناني
والسيد الواحد المتعدد
نؤمن حيناً ونكفر حيناً
ولكنه لا يبالي بنا
حين يصطادنا واحداً واحدة
ثم يصرعنا بيد باردة
إنه قاتل … بريء
قصيدة لشاعر فلسطين محمود درويش