أفاضِلُ النّاسِ أغراضٌ لَدى الزّمَنِ | يَخلُو مِنَ الهَمّ أخلاهم من الفِطَنِ |
وإنّما نَحْنُ في جيلٍ سَواسِيَةٍ | شَرٍّ على الحُرّ من سُقْمٍ على بدَنِ |
حَوْلي بكُلّ مكانٍ مِنهُمُ خِلَقٌ | تُخطي إذا جِئتَ في استِفهامِها بمَنِ |
لا أقْتَري بَلَداً إلاّ على غَرَرٍ | ولا أمُرّ بخَلْقٍ غيرِ مُضْطَغِنِ |
ولا أُعاشِرُ من أملاكِهِمْ مَلِكاً | إلاّ أحَقَّ بضَرْبِ الرّأسِ من وَثَنِ |
إنّي لأعْذِرُهُمْ مِمّا أُعَنّفُهُمْ | حتى أُعَنّفُ نَفْسِي فيهِمِ وأني |
فَقْرُ الجَهُولِ بِلا قَلْبٍ إلى أدَبٍ | فَقْرُ الحِمارِ بلا رَأسٍ إلى رَسَنِ |
ومُدْقِعِينَ بسُبْرُوتٍ صَحِبْتُهُمُ | عارِينَ من حُلَلٍ كاسينَ من دَرَنِ |
خُرّابِ بادِيَةٍ غَرْثَى بُطُونُهُمُ | مَكْنُ الضِّبابِ لهمْ زادٌ بلا ثَمَنِ |
يَسْتَخْبِرُون فَلا أُعْطيهِمِ خَبَري | وما يَطيشُ لَهُمْ سَهْمٌ منَ الظِّنَنِ |
وخَلّةٍ في جَليسٍ ألْتَقيهِ بهَا | كَيما يرَى أنّنا مِثْلانِ في الوَهَنِ |
وكِلْمَةٍ في طَريقٍ خِفْتُ أُعْرِبُها | فيُهْتَدَى لي فلَمْ أقدِرْ على اللَّحَنِ |
قد هَوّنَ الصّبرُ عِندي كلَّ نازِلَةٍ | ولَيّنَ العَزْمُ حَدَّ المَركَبِ الخشنِ |
كم مَخلَصٍ وعُلًى في خوضِ مَهْلَكَةٍ | وقَتْلَةٍ قُرِنَتْ بالذّمّ في الجُبُنِ |
لا يُعْجِبَنّ مَضيماً حُسْنُ بِزّتِهِ | وهَلْ تَرُوقُ دَفيناً جُودَةُ الكفَنِ |
لله حَالٌ أُرَجّيها وتُخْلِفُني | وأقْتَضِي كَوْنَها دَهْري ويَمطُلني |
مَدَحْتُ قَوْماً وإنْ عِشنا نَظَمتُ لهم | قَصائِداً مِنْ إناثِ الخَيلِ والحُصُنِ |
تَحْتَ العَجاجِ قَوافيها مُضَمَّرَةٌ | إذا تُنُوشِدْنَ لم يَدْخُلْنَ في أُذُنِ |
فلا أُحارِبُ مَدْفُوعاً إلى جُدُرٍ | ولا أُصالِحُ مَغروراً على دَخَنِ |
مُخَيِّمُ الجَمْعِ بالبَيداءِ يَصْهَرُهُ | حَرُّ الهَواجِرِ في صُمٍّ من الفِتَنِ |
ألقَى الكِرامُ الأُلى بادوا مكارِمَهُمْ | على الخَصيبيّ عندَ الفَرْضِ والسُّننِ |
فَهُنّ في الحَجْرِ منهُ كلّما عرَضَتْ | لَهُ اليَتَامَى بَدا بالمَجْدِ والمِنَنِ |
قاضٍ إذا التَبَسَ الأمرانِ عَنّ لَهُ | رأيٌ يُخَلِّصُ بَينَ الماءِ واللّبَنِ |
غَضُّ الشّبابِ بَعيدٌ فَجْرُ لَيْلَتِهِ | مُجانِبُ العَينِ للفَحْشاءِ والوَسَنِ |
شَرابُهُ النَّشْحُ لا للرّيّ يَطْلُبُهُ | وطُعْمُهُ لِقَوامِ الجِسْمِ لا السِّمَنِ |
ألقائِلُ الصّدْقَ فيهِ ما يُضِرّ بهِ | والواحِدُ الحالَتَينِ السّرِّ والعَلَنِ |
ألفاصِلُ الحُكْمَ عَيَّ الأوَّلونَ بهِ | والمُظْهِرُ الحَقَّ للسّاهي على الذَّهِنِ |
أفْعالُهُ نَسَبٌ لَوْ لم يَقُلْ مَعَها | جَدّي الخَصيبُ عرَفنا العِرْقَ بالغُصُنِ |
العارِضُ الهَتِنُ ابنُ العارِضِ الهتنِ ابـ | ـنِ العارِضِ الهَتنِ ابنِ العارِضِ الهتنِ |
قد صَيّرَتْ أوّلَ الدّنْيا وآخِرَها | آباؤهُ مِنْ مُغارِ العِلْمِ في قَرَنِ |
كأنّهُمْ وُلدوا مِنْ قبلِ أنْ وُلِدوا | أو كانَ فَهْمُهُمُ أيّامَ لم يَكُنِ |
الخاطِرِينَ على أعْدائِهِمْ أبداً | منَ المَحامِدِ في أوقَى من الجُنَنِ |
للنّاظِرِينَ إلى إقْبالِهِ فَرَحٌ | يُزيلُ ما بِجباهِ القَوْمِ مِنْ غَضَنِ |
كأنّ مالَ ابنِ عبدِالله مُغْتَرَفٌ | من راحَتَيْهِ بأرْضِ الرّومِ واليَمَنِ |
لم نَفْتَقِدْ بكَ من مُزْنٍ سوَى لَثَقٍ | ولا منَ البَحرِ غيرَ الرّيحِ والسُّفُنِ |
ولا مِنَ اللّيثِ إلاّ قُبحَ مَنْظَرِهِ | ومِنْ سِواهُ سوَى ما لَيسَ بالحَسَنِ |
مُنذُ احْتَبَيْتَ بإنْطاكِيّةَ اعتَدَلَتْ | حتى كأنّ ذَوي الأوْتارِ في هُدَنِ |
ومُذْ مَرَرْتَ على أطْوَادِها قُرِعَتْ | منَ السّجودِ فلا نَبْتٌ على القُنَنِ |
أخلَتْ مَواهبُكَ الأسواقَ من صَنَعٍ | أغنى نَداكَ عنِ الأعمالِ والمِهَنِ |
ذا جُودُ مَن لَيسَ مِنْ دَهرٍ على ثقةٍ | وزُهْدُ مَنْ ليسَ من دُنياهُ في وَطنِ |
وهَذِهِ هِمّةٌ لم يُؤتَهَا بَشَرٌ | وذا اقْتِدارُ لِسانٍ لَيسَ في المُنَنِ |
فمُرْ وأومىء تُطَعْ قُدّستَ من جبلٍ | تَبارَكَ الله مُجْرِي الرّوحِ في حَضَنِ |
أجمل القصائد
أجمل قصائد الشعر من العصر الجاهلي والعصر الأموي والعصر العباسي والعصر الحديث هنا في صفحة أجمل القصائد.
ألناس ما لم يروك أشباه
ألنّاسُ ما لم يَرَوْكَ أشْباهُ | والدّهْرُ لَفْظٌ وأنتَ مَعْناهُ |
والجُودُ عَينٌ وأنْتَ ناظِرُها | والبأسُ باعٌ وأنتَ يُمْناهُ |
أفْدي الذي كلُّ مَأزِقٍ حَرِجٍ | أغْبَرَ فُرْسانُهُ تَحَاماهُ |
أعْلى قَنَاةِ الحُسَينِ أوْسَطُها | فيهِ وأعْلى الكَميّ رِجْلاهُ |
تُنْشِدُ أثُوابُنا مَدائِحَهُ | بِألْسُنٍ ما لَهُنّ أفْواهُ |
إذا مَرَرْنا على الأصَمّ بهَا | أغْنَتْهُ عَنْ مِسْمَعَيْهِ عَيْناهُ |
سُبحانَ مَن خارَ للكَواكِبِ بالـ | ـبُعْدِ ولَوْ نُلْنَ كُنّ جَدواهُ |
لَوْ كانَ ضَوْءُ الشّموسِ في يَده | لَصاعَهُ جُودُهُ وأفْنَاهُ |
يا راحِلاً كُلُّ مَنْ يُوَدّعُهُ | مُوَدِّعٌ دينَهُ ودُنْيَاهُ |
إنْ كانَ فيما نَراهُ مِنْ كَرَمٍ | فيكَ مَزيدٌ فَزادَكَ الله |
لئن تك طيء كانت لئاما
لَئِنْ تَكُ طَيّءٌ كَانَتْ لِئَاماً | فألأمُهَا رَبِيعَةُ أوْ بَنُوهُ |
وَإنْ تَكُ طَيّءٌ كانَتْ كِراماً | فَوَرْدانٌ لِغَيرِهِمِ أبُوهُ |
مَرَرْنَا مِنْهُ في حِسْمَى بعَبْدٍ | يَمُجّ اللّؤمَ مَنْخِرُهُ وَفُوهُ |
أشَذَّ بعِرْسِهِ عَنّي عَبيدي | فأتْلَفَهُمْ وَمَالي أتْلَفُوهُ |
فإنْ شَقِيَتْ بأيديهِمْ جِيادي | لَقد شَقِيَتْ بمُنصُليَ الوُجُوهُ |
فُدِيتَ بمَاذا يُسَرُّ | وَأنتَ الصّحيحُ بذا لا العَليلُ |
عَوَاقِبُ هَذا تَسُوءُ العَدُوَّ | وَتَثْبُتُ فيهِمْ وَهذا يَزُولُ |
رَأى خَلّتي من حَيثُ يخفَى مكانُهَا | فكانَتْ قَذَى عَينَيهِ حتى تجَلّتِ |
أتُنْكِرُ يا ابنَ إسْحَقٍ إخائي | وتَحْسَبُ ماءَ غَيرِي من إنائي؟ |
أأنْطِقُ فيكَ هُجْراً بعدَ عِلْمي | بأنّكَ خَيرُ مَن تَحْتَ السّماءِ |
وأكْرَهُ مِن ذُبابِ السّيفِ طَعْماً | وأمْضَى في الأمورِ منَ القَضاءِ |
ومَا أرْبَتْ على العِشْرينَ سِنّي | فكَيفَ مَلِلْتُ منْ طولِ البَقاءِ؟ |
وما استَغرقتُ وَصْفَكَ في مَديحي | فأنْقُصَ مِنْهُ شَيئاً بالهِجَاءِ |
وهَبْني قُلتُ: هذا الصّبْحُ لَيْلٌ | أيَعْمَى العالمُونَ عَنِ الضّياءِ؟ |
تُطيعُ الحاسِدينَ وأنْتَ مَرْءٌ | جُعِلْتُ فِداءَهُ وهُمُ فِدائي |
وهاجي نَفْسِهِ مَنْ لم يُمَيّزْ | كَلامي مِنْ كَلامِهِمِ الهُراءِ |
وإنّ مِنَ العَجائِبِ أنْ تَراني | فَتَعْدِلَ بي أقَلّ مِنَ الهَبَاءِ |
وتُنْكِرَ مَوْتَهُمْ وأنا سُهَيْلٌ | طَلَعْتُ بمَوْتِ أوْلادِ الزّناءِ |
أنَا عاتِبٌ لتَعَتّبِكْ | مُتَعَجّبٌ لتَعَجّبِكْ |
إذ كُنتُ حينَ لَقيتَني | مُتَوَجّعاً لتَغَيُّبِكْ |
فَشُغِلْتُ عَنْ رَدّ السّلا | مِ وكانَ شُغلي عنكَ بكْ |
وَلا عَيبَ فيهم غيرَ أنّ سُيوفَهمْ | بهِنّ فُلُولٌ مِن قِرَاعِ الكتائِبِ |
تُخُيِّرْنَ من أزمانِ يوْمِ حَليمَةٍ | إلى اليوْم قد جُرِّبْنَ كلّ التّجارِبِ |
أوه بديل من قولتي واها
أوْهِ بَدِيلٌ مِنْ قَوْلَتي وَاهَا | لمَنْ نَأتْ وَالبَديلُ ذِكْراهَا |
أوْهِ لِمَنْ لا أرَى مَحَاسِنَها | وَأصْلُ وَاهاً وَأوْهِ مَرْآهَا |
شَامِيّةٌ طَالَمَا خَلَوْتُ بهَا | تُبْصِرُ في ناظِري مُحَيّاهَا |
فَقَبّلَتْ نَاظِري تُغالِطُني | وَإنّمَا قَبّلَتْ بهِ فَاهَا |
فَلَيْتَهَا لا تَزَالُ آوِيَةً | وَلَيْتَهُ لا يَزَالُ مَأوَاهَا |
كُلُّ جَرِيحٍ تُرْجَى سَلامَتُهُ | إلاّ فُؤاداً رَمَتْهُ عَيْنَاهَا |
تَبُلُّ خَدّيّ كُلّمَا ابتَسَمَتْ | مِنْ مَطَرٍ بَرْقُهُ ثَنَايَاهَا |
مَا نَفَضَتْ في يدي غَدائِرُهَا | جَعَلْتُهُ في المُدامِ أفْوَاهَا |
في بَلَدٍ تُضْرَبُ الحِجالُ بهِ | عَلى حِسَانٍ وَلَسْنَ أشْبَاهَا |
لَقِينَنَا وَالحُمُولُ سَائِرَةٌ | وَهُنّ دُرٌّ فَذُبنَ أمْوَاهَا |
كُلُّ مَهَاةٍ كأنّ مُقْلَتَهَا | تَقُولُ إيّاكُمُ وَإيّاهَا |
فيهِنّ مَنْ تَقْطُرُ السّيُوفُ دَماً | إذا لِسَانُ المُحِبّ سَمّاهَا |
أُحِبّ حِمْصاً إلى خُناصِرَةٍ | وَكُلُّ نَفْسٍ تُحبّ مَحْيَاهَا |
حَيثُ التَقَى خَدُّها وَتُفّاحُ لُبْـ | ـنَانَ وَثَغْري عَلى حُمَيّاهَا |
وَصِفْتُ فِيها مَصِيفَ بَادِيَةٍ | شَتَوْتُ بالصّحصَحانِ مَشتاهَا |
إنْ أعشَبَتْ رَوْضَةٌ رَعَيْنَاهَا | أوْ ذُكِرَتْ حِلّةٌ غَزَوْنَاهَا |
أوْ عَرَضَتْ عَانَةٌ مُقَزَّعَةٌ | صِدْنَا بأُخْرَى الجِيادِ أُولاهَا |
أوْ عَبَرَتْ هَجْمَةٌ بنا تُرِكَتْ | تَكُوسُ بَينَ الشُّرُوبِ عَقرَاهَا |
وَالخَيْلُ مَطْرُودَةٌ وَطارِدَةٌ | تَجُرّ طُولى القَنَا وَقُصْرَاهَا |
يُعْجِبُهَا قَتْلُهَا الكُماةَ وَلا | يُنظِرُهَا الدّهْرُ بعدَ قَتْلاهَا |
وَقَدْ رَأيْتُ المُلُوكَ قاطِبَةً | وَسِرْتُ حتى رَأيْتُ مَوْلاهَا |
وَمَنْ مَنَايَاهُمْ بِرَاحَتِهِ | يأمُرُهَا فيهِمِ وَيَنْهَاهَا |
أبَا شُجاعٍ بِفارِسٍ عَضُدَ الدّوْ | لَةِ فَنّاخُسْرُواً شَهَنْشَاهَا |
أسَامِياً لم تَزِدْهُ مَعْرِفَةً | وَإنّمَا لَذّةً ذَكَرْنَاهَا |
تَقُودُ مُسْتَحْسَنَ الكَلامِ لَنَا | كما تَقُودُ السّحابَ عُظْمَاهَا |
هُوَ النّفِيسُ الذي مَوَاهِبُهُ | أنْفَسُ أمْوَالِهِ وَأسْنَاهَا |
لَوْ فَطِنَتْ خَيْلُهُ لِنَائِلِهِ | لم يُرْضِهَا أنْ تَرَاهُ يَرْضَاهَا |
لا تَجِدُ الخَمْرُ في مَكارِمِهِ | إذا انْتَشَى خَلّةً تَلافَاهَا |
تُصَاحِبُ الرّاحُ أرْيَحِيّتَهُ | فَتَسْقُطُ الرّاحُ دونَ أدْنَاهَا |
تَسُرُّ طَرْبَاتُهُ كَرَائِنَهُ | ثمّ تُزِيلُ السّرُورَ عُقْبَاهَا |
بكُلّ مَوْهُوبَةٍ مُوَلْوِلَةٍ | قَاطِعَةٍ زِيرَهَا وَمَثْنَاهَا |
تَعُومُ عَوْمَ القَذاةِ في زَبَدٍ | مِن جُودِ كَفّ الأميرِ يَغشَاهَا |
تُشْرِقُ تِيجَانُهُ بِغُرّتِهِ | إشْرَاقَ ألْفاظِهِ بمَعْنَاهَا |
دانَ لَهُ شَرْقُهَا وَمَغْرِبُهَا | وَنَفْسُهُ تَسْتَقِلّ دُنْيَاهَا |
تَجَمّعَتْ في فُؤادِهِ هِمَمٌ | مِلْءُ فُؤادِ الزّمَانِ إحْداهَا |
فإنْ أتَى حَظُّهَا بأزْمِنَةٍ | أوْسَعَ مِنْ ذا الزّمانِ أبْداهَا |
وَصَارَتِ الفَيْلَقَانِ وَاحِدَةً | تَعْثُرُ أحْيَاؤهَا بمَوْتَاهَا |
وَدارَتِ النّيّرَاتُ في فَلَكٍ | تَسْجُدُ أقْمَارُهَا لأبْهَاهَا |
ألفَارِسُ المُتّقَى السّلاحُ بِهِ الـ | ـمُثْني عَلَيْهِ الوَغَى وَخَيْلاهَا |
لَوْ أنْكَرَتْ منْ حَيَائِهَا يَدُهُ | في الحَرْبِ آثَارَهَا عَرَفْنَاهَا |
وَكَيفَ تَخْفَى التي زِيادَتُهَا | وَنَاقِعُ المَوْتِ بَعضُ سِيمَاها |
ألوَاسعُ العُذْرِ أنْ يَتِيهَ على الـ | ـدّنْيَا وَأبْنَائِهَا وَمَا تَاهَا |
لَوْ كَفَرَ العالَمُونَ نِعْمَتَهُ | لمَا عَدَتْ نَفْسُهُ سَجَايَاهَا |
كالشَمسِ لا تَبتَغي بما صَنَعَتْ | مَعْرِفَةً عِنْدَهُمْ وَلا جَاهَا |
وَلِّ السّلاطِينَ مَنْ تَوَلاّهَا | وَالجَأْ إلَيْهِ تَكُنْ حُدَيّاهَا |
وَلا تَغُرّنّكَ الإمَارَةُ في | غَيرِ أمِيرٍ وَإنْ بهَا بَاهَى |
فإنّمَا المَلْكُ رَبّ مَمْلَكَةٍ | قَدْ أفْعَمَ الخافِقَينِ رَيّاهَا |
مُبْتَسِمٌ وَالوُجُوهُ عَابِسَةٌ | سِلْمُ العِدى عِندَهُ كَهَيْجاهَا |
ألنّاسُ كالعَابِدِينَ آلِهَةً | وَعَبْدُهُ كالمُوَحِّدِ اللّهَ |
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا
كفى بكَ داءً أنْ ترَى الموْتَ شافِيَا | وَحَسْبُ المَنَايَا أنْ يكُنّ أمانِيَا |
تَمَنّيْتَهَا لمّا تَمَنّيْتَ أنْ تَرَى | صَديقاً فأعْيَا أوْ عَدُواً مُداجِيَا |
إذا كنتَ تَرْضَى أنْ تَعيشَ بذِلّةٍ | فَلا تَسْتَعِدّنّ الحُسامَ اليَمَانِيَا |
وَلا تَستَطيلَنّ الرّماحَ لِغَارَةٍ | وَلا تَستَجيدَنّ العِتاقَ المَذاكِيَا |
فما يَنفَعُ الأُسْدَ الحَياءُ من الطَّوَى | وَلا تُتّقَى حتى تكونَ ضَوَارِيَا |
حَبَبْتُكَ قَلْبي قَبلَ حُبّكَ من نأى | وَقد كانَ غَدّاراً فكُنْ أنتَ وَافِيَا |
وَأعْلَمُ أنّ البَينَ يُشكيكَ بَعْدَهُ | فَلَسْتَ فُؤادي إنْ رَأيْتُكَ شَاكِيَا |
فإنّ دُمُوعَ العَينِ غُدْرٌ بِرَبّهَا | إذا كُنّ إثْرَ الغَادِرِين جَوَارِيَا |
إذا الجُودُ لم يُرْزَقْ خَلاصاً من الأذَى | فَلا الحَمدُ مكسوباً وَلا المالُ باقِيَا |
وَللنّفْسِ أخْلاقٌ تَدُلّ على الفَتى | أكانَ سَخاءً ما أتَى أمْ تَسَاخِيَا |
أقِلَّ اشتِياقاً أيّهَا القَلْبُ رُبّمَا | رَأيْتُكَ تُصْفي الوُدّ من ليسَ صافيَا |
خُلِقْتُ ألُوفاً لَوْ رَجعتُ إلى الصّبَى | لَفارَقتُ شَيبي مُوجَعَ القلبِ باكِيَا |
وَلَكِنّ بالفُسْطاطِ بَحْراً أزَرْتُهُ | حَيَاتي وَنُصْحي وَالهَوَى وَالقَوَافِيَا |
وَجُرْداً مَدَدْنَا بَينَ آذانِهَا القَنَا | فَبِتْنَ خِفَافاً يَتّبِعْنَ العَوَالِيَا |
تَمَاشَى بأيْدٍ كُلّمَا وَافَتِ الصَّفَا | نَقَشْنَ بهِ صَدرَ البُزَاةِ حَوَافِيَا |
وَتَنظُرُ من سُودٍ صَوَادِقَ في الدجى | يَرَينَ بَعيداتِ الشّخُوصِ كما هِيَا |
وَتَنْصِبُ للجَرْسِ الخَفِيِّ سَوَامِعاً | يَخَلْنَ مُنَاجَاةَ الضّمِير تَنَادِيَا |
تُجاذِبُ فُرْسانَ الصّباحِ أعِنّةً | كأنّ على الأعناقِ منْهَا أفَاعِيَا |
بعَزْمٍ يَسيرُ الجِسْمُ في السرْجِ راكباً | بهِ وَيَسيرُ القَلبُ في الجسْمِ ماشِيَا |
قَوَاصِدَ كَافُورٍ تَوَارِكَ غَيرِهِ | وَمَنْ قَصَدَ البَحرَ استَقَلّ السّوَاقِيا |
فَجاءَتْ بِنَا إنْسانَ عَينِ زَمانِهِ | وَخَلّتْ بَيَاضاً خَلْفَهَا وَمَآقِيَا |
تجُوزُ عَلَيهَا المُحْسِنِينَ إلى الّذي | نَرَى عِندَهُمْ إحسانَهُ وَالأيادِيَا |
فَتىً ما سَرَيْنَا في ظُهُورِ جُدودِنَا | إلى عَصْرِهِ إلاّ نُرَجّي التّلاقِيَا |
تَرَفّعَ عَنْ عُونِ المَكَارِمِ قَدْرُهُ | فَمَا يَفعَلُ الفَعْلاتِ إلاّ عَذارِيَا |
يُبِيدُ عَدَاوَاتِ البُغَاةِ بلُطْفِهِ | فإنْ لم تَبِدْ منهُمْ أبَادَ الأعَادِيَا |
أبا المِسكِ ذا الوَجْهُ الذي كنتُ تائِقاً | إلَيْهِ وَذا اليَوْمُ الذي كنتُ رَاجِيَا |
لَقِيتُ المَرَوْرَى وَالشّنَاخيبَ دُونَهُ | وَجُبْتُ هَجيراً يَترُكُ المَاءَ صَادِيَا |
أبَا كُلّ طِيبٍ لا أبَا المِسْكِ وَحدَه | وَكلَّ سَحابٍ لا أخُصّ الغَوَادِيَا |
يُدِلّ بمَعنىً وَاحِدٍ كُلُّ فَاخِرٍ | وَقد جَمَعَ الرّحْم?نُ فيكَ المَعَانِيَا |
إذا كَسَبَ النّاسُ المَعَاليَ بالنّدَى | فإنّكَ تُعطي في نَداكَ المَعَالِيَا |
وَغَيرُ كَثِيرٍ أنْ يَزُورَكَ رَاجِلٌ | فَيَرْجعَ مَلْكاً للعِرَاقَينِ وَالِيَا |
فَقَدْ تَهَبُ الجَيشَ الذي جاءَ غازِياً | لِسائِلِكَ الفَرْدِ الذي جاءَ عَافِيَا |
وَتَحْتَقِرُ الدّنْيَا احْتِقارَ مُجَرِّبٍ | يَرَى كلّ ما فيهَا وَحاشاكَ فَانِيَا |
وَمَا كُنتَ ممّن أدرَكَ المُلْكَ بالمُنى | وَلَكِنْ بأيّامٍ أشَبْنَ النّوَاصِيَا |
عِداكَ تَرَاهَا في البِلادِ مَساعِياً | وَأنْتَ تَرَاهَا في السّمَاءِ مَرَاقِيَا |
لَبِسْتَ لهَا كُدْرَ العَجاجِ كأنّمَا | تَرَى غيرَ صافٍ أن ترَى الجوّ صَافِيَا |
وَقُدتَ إلَيْها كلّ أجرَدَ سَابِحٍ | يؤدّيكَ غَضْبَاناً وَيَثْنِيكَ رَاضِيَا |
وَمُخْتَرَطٍ مَاضٍ يُطيعُكَ آمِراً | وَيَعصِي إذا استثنَيتَ أوْ صرْتَ ناهِيَا |
وَأسْمَرَ ذي عِشرِينَ تَرْضَاه وَارِداً | وَيَرْضَاكَ في إيرادِهِ الخيلَ ساقِيَا |
كَتائِبَ ما انفَكّتْ تجُوسُ عَمائِراً | من الأرْضِ قد جاسَتْ إلَيها فيافِيَا |
غَزَوْتَ بها دُورَ المُلُوكِ فَباشَرَتْ | سَنَابِكُها هَامَاتِهِمْ وَالمَغانِيَا |
وَأنْتَ الذي تَغْشَى الأسِنّةَ أوّلاً | وَتَأنَفُ أنْ تَغْشَى الأسِنّةَ ثَانِيَا |
إذا الهِنْدُ سَوّتْ بَينَ سَيفيْ كَرِيهَةٍ | فسَيفُكَ في كَفٍّ تُزيلُ التّساوِيَا |
وَمِنْ قَوْلِ سَامٍ لَوْ رَآكَ لِنَسْلِهِ | فِدَى ابنِ أخي نَسلي وَنَفسي وَمالِيَا |
مَدًى بَلّغَ الأستاذَ أقصَاهُ رَبُّهُ | وَنَفْسٌ لَهُ لم تَرْضَ إلاّ التّنَاهِيَا |
دَعَتْهُ فَلَبّاهَا إلى المَجْدِ وَالعُلَى | وَقد خالَفَ النّاسُ النّفوسَ الدّوَاعيَا |
فأصْبَحَ فَوْقَ العالَمِينَ يَرَوْنَهُ | وَإنْ كانَ يُدْنِيهِ التّكَرُّمُ نَائِيَا |
أمعفر الليث الهزبر بسوطه
أَمُعَفِّرَ اللَيثِ الهِزَبرِ بِسَوطِهِ | لِمَنِ اِدَّخَرتَ الصارِمَ المَصقولا |
وَقَعَت عَلى الأُردُنِّ مِنهُ بَلِيَّةٌ | نُضِدَت بِها هامُ الرِفاقِ تُلولا |
وَردٌ إِذا وَرَدَ البُحَيرَةَ شارِباً | وَرَدَ الفُراتَ زَئيرُهُ وَالنيلا |
مُتَخَضِّبٌ بِدَمِ الفَوارِسِ لابِسٌ | في غيلِهِ مِن لِبدَتَيهِ غيلا |
ما قوبِلَت عَيناهُ إِلّا ظُنَّتا | تَحتَ الدُجى نارَ الفَريقِ حُلولا |
في وَحدَةِ الرُهبانِ إِلّا أَنَّهُ | لا يَعرِفُ التَحريمَ وَالتَحليلا |
يَطَءُ الثَرى مُتَرَفِّقاً مِن تيهِهِ | فَكَأَنَّهُ آسٍ يَجُسُّ عَليلا |
وَيَرُدُّ عُفرَتَهُ إِلى يافوخِهِ | حَتّى تَصيرَ لِرَأسِهِ إِكليلا |
وَتَظُنُّهُ مِمّا يُزَمجِرُ نَفسُهُ | عَنها لِشِدَّةِ غَيظِهِ مَشغولا |
قَصَرَت مَخافَتُهُ الخُطى فَكَأَنَّما | رَكِبَ الكَمِيُّ جَوادَهُ مَشكولا |
أَلقى فَريسَتَهُ وَبَربَرَ دونَها | وَقَرُبتَ قُرباً خالَهُ تَطفيلا |
فَتَشابَهُ الخُلُقانِ في إِقدامِهِ | وَتَخالَفا في بَذلِكَ المَأكولا |
أَسَدٌ يَرى عُضوَيهِ فيكَ كِلَيهِما | مَتناً أَزَلَّ وَساعِداً مَفتولا |
في سَرجِ ظامِئَةِ الفُصوصِ طِمِرَّةٍ | يَأبى تَفَرُّدُها لَها التَمثيلا |
نَيّالَةِ الطَلَباتِ لَولا أَنَّها | تُعطي مَكانَ لِجامِها ما نيلا |
تَندى سَوالِفُها إِذا اِستَحضَرتَها | وَيُظَنَّ عَقدُ عِنانِها مَحلولا |
ما زالَ يَجمَعُ نَفسَهُ في زَورِهِ | حَتّى حَسِبتَ العَرضَ مِنهُ الطولا |
وَيَدُقُّ بِالصَدرِ الحِجارَ كَأَنَّهُ | يَبغي إِلى ما في الحَضيضِ سَبيلا |
وَكَأَنَّهُ غَرَّتهُ عَينٌ فَاِدَّنى | لا يُبصِرُ الخَطبَ الجَليلَ جَليلا |
أَنَفُ الكَريمِ مِنَ الدَنِيَّةِ تارِكٌ | في عَينِهِ العَدَدَ الكَثيرَ قَليلا |
وَالعارُ مَضّاضٌ وَلَيسَ بِخائِفٍ | مِن حَتفِهِ مَن خافَ مِمّا قيلا |
سَبَقَ اِلتِقاءَكَهُ بِوَثبَةِ هاجِمٍ | لَو لَم تُصادِمُهُ لَجازَكَ ميلا |
خَذَلَتهُ قُوَّتُهُ وَقَد كافَحتَهُ | فَاِستَنصَرَ التَسليمَ وَالتَجديلا |
قَبَضَت مَنِيَّتُهُ يَدَيهِ وَعُنقَهُ | فَكَأَنَّما صادَفتَهُ مَغلولا |
سَمِعَ اِبنُ عَمَّتِهي بِهِ وَبِحالِهِ | فَنَجا يُهَروِلُ مِنكَ أَمسِ مَهولا |
وَأَمَرُّ مِمّا فَرَّ مِنهُ فِرارُهُ | وَكَقَتلِهِ أَن لا يَموتَ قَتيلا |
تَلَفُ الَّذي اِتَّخَذَ الجَراءَةَ خُلَّةً | وَعَظَ الَّذي اِتَّخَذَ الفِرارَ خَليلا |
لَو كانَ عِلمُكَ بِالإِلَهِ مُقَسَّماً | في الناسِ ما بَعَثَ الإِلَهُ رَسولا |
لَو كانَ لَفظُكَ فيهِمِ ما أَنزَلَ ال | قُرآنَ وَالتَوراةَ وَالإِنجيلا |
لَو كانَ ما تُعطِيهِمِ مِن قَبلِ أَن | تُعطِيهِمِ لَم يَعرِفوا التَأميلا |
فَلَقَد عُرِفتَ وَما عُرِفتَ حَقيقَةً | وَلَقَد جُهِلتَ وَما جُهِلتَ خُمولا |
نَطَقَت بِسُؤدُدِكَ الحَمامُ تَغَنِّياً | وَبِما تُجَشِّمُها الجِيادُ صَهيلا |
ما كُلُّ مَن طَلَبَ المَعالِيَ نافِذاً | فيها وَلا كُلُّ الرِجالِ فُحولا |