عادَت أَغاني العُرسِ رَجعَ نُواحِ | وَنُعيتِ بَينَ مَعالِمِ الأَفراحِ |
كُفِّنتِ في لَيلِ الزَفافِ بِثَوبِهِ | وَدُفِنتِ عِندَ تَبَلُّجِ الإِصباحِ |
شُيِّعتِ مِن هَلَعٍ بِعَبرَةِ ضاحِكٍ | في كُلِّ ناحِيَةٍ وَسَكرَةِ صاحِ |
ضَجَّت عَلَيكِ مَآذِنٌ وَمَنابِرٌ | وَبَكَت عَلَيكَ مَمالِكٌ وَنَواحِ |
الهِندُ والِهَةٌ وَمِصرُ حَزينَةٌ | تَبكي عَلَيكِ بِمَدمَعٍ سَحّاحِ |
وَالشامُ تَسأَلُ وَالعِراقُ وَفارِسٌ | أَمَحا مِنَ الأَرضِ الخِلافَةَ ماحِ |
وَأَتَت لَكِ الجُمَعُ الجَلائِلُ مَأتَمًا | فَقَعَدنَ فيهِ مَقاعِدَ الأَنواحِ |
يا لَلرِجالِ لَحُرَّةٍ مَوؤودَةٍ | قُتِلَت بِغَيرِ جَريرَةٍ وَجُناحِ |
إِنَّ الَّذينَ أَسَتْ جِراحَكِ حَربُهُمْ | قَتَلَتكِ سَلمُهُمُ بِغَيرِ جِراحِ |
هَتَكوا بِأَيديهِمْ مُلاءَةَ فَخرِهِمْ | مَوشِيَّةً بِمَواهِبِ الفَتّاحِ |
نَزَعوا عَنِ الأَعناقِ خَيرَ قِلادَةٍ | وَنَضَوا عَنِ الأَعطافِ خَيرَ وِشاحِ |
حَسَبٌ أَتى طولُ اللَيالي دونَهُ | قَد طاحَ بَينَ عَشِيَّةٍ وَصَباحِ |
وَعَلاقَةٌ فُصِمَت عُرى أَسبابِها | كانَت أَبَرَّ عَلائِقِ الأَرواحِ |
جَمَعَتْ عَلى البِرِّ الحُضورَ وَرُبَّما | جَمَعَتْ عَلَيهِ سَرائِرَ النُزّاحِ |
نَظَمَتْ صُفوفَ المُسلِمينَ وَخَطوَهُمْ | في كُلِّ غَدوَةِ جُمعَةٍ وَرَواحِ |
بَكَتِ الصَلاةُ وَتِلكَ فِتنَةُ عابِثٍ | بِالشَرعِ عِربيدِ القَضاءِ وَقاحِ |
أَفتى خُزَعبِلَةً وَقالَ ضَلالَةً | وَأَتى بِكُفرٍ في البِلادِ بَواحِ |
إِنَّ الَّذينَ جَرى عَلَيهِمْ فِقهُهُ | خُلِقوا لِفِقهِ كَتيبَةٍ وَسِلاحِ |
إِن حَدَّثوا نَطَقوا بِخُرسِ كَتائِبٍ | أَو خوطِبوا سَمِعوا بِصُمِّ رِماحِ |
أَستَغفِرُ الأَخلاقَ لَستُ بِجاحِدٍ | مَن كُنتُ أَدفَعُ دونَهُ وَأُلاحي |
مالي أُطَوِّقُهُ المَلامَ وَطالَما | قَلَّدتُهُ المَأثورَ مِن أَمداحي |
هُوَ رُكنُ مَملَكَةٍ وَحائِطُ دَولَةٍ | وَقَريعُ شَهباءٍ وَكَبشُ نِطاحِ |
أَأَقولُ مَن أَحيا الجَماعَةَ مُلحِدٌ | وَأَقولُ مَن رَدَّ الحُقوقَ إِباحي |
الحَقُّ أَولى مِن وَلِيِّكَ حُرمَةً | وَأَحَقُّ مِنكَ بِنُصرَةٍ وَكِفاحِ |
فَامدَح عَلى الحَقِّ الرِجالَ وَلُمهُمُ | أَو خَلِّ عَنكَ مَواقِفَ النُصّاحِ |
وَمِنَ الرِجالِ إِذا انبَرَيتَ لِهَدمِهِمْ | هَرَمٌ غَليظُ مَناكِبِ الصُفّاحِ |
فَإِذا قَذَفتَ الحَقَّ في أَجلادِهِ | تَرَكَ الصِراعَ مُضَعضَعَ الأَلواحِ |
أَدُّوا إِلى الغازي النَصيحَةَ يَنتَصِحْ | إِنَّ الجَوادَ يَثوبُ بَعدَ جِماحِ |
إِنَّ الغُرورَ سَقى الرَئيسَ بِراحِهِ | كَيفَ احتِيالُكَ في صَريعِ الراحِ |
نَقَلَ الشَرائِعَ وَالعَقائِدَ وَالقُرى | وَالناسَ نَقْلَ كَتائِبٍ في الساحِ |
تَرَكَتهُ كَالشَبَحِ المُؤَلَّهِ أُمَّةٌ | لَم تَسلُ بَعدُ عِبادَةَ الأَشباحِ |
هُمْ أَطلَقوا يَدَهُ كَقَيصَرَ فيهُمُ | حَتّى تَناوَلَ كُلَّ غَيرِ مُباحِ |
غَرَّتهُ طاعاتُ الجُموعِ وَدَولَةٌ | وَجَدَ السَوادُ لَها هَوى المُرتاحِ |
وَإِذا أَخَذتَ المَجدَ مِن أُمِّيَّةٍ | لَم تُعطَ غَيرَ سَرابِهِ اللَمّاحِ |
مَن قائِلٌ لِلمُسلِمينَ مَقالَةً | لَم يوحِها غَيرَ النَصيحَةِ واحِ |
عَهدُ الخِلافَةِ فِيَّ أَوَّلُ ذائِدٍ | عَن حَوضِها بِبَراعَةٍ نَضّاحِ |
حُبٌّ لِذاتِ اللهِ كانَ وَلَم يَزَلْ | وَهَوًى لِذاتِ الحَقِّ وَالإِصلاحِ |
إِنّي أَنا المِصباحُ لَستُ بِضائِعٍ | حَتّى أَكونَ فَراشَةَ المِصباحِ |
غَزَواتُ (أَدهَمَ) كُلِّلَت بَذَوابِلٍ | وَفُتوحُ (أَنوَرَ) فُصِّلَت بِصِفاحِ |
وَلَّتْ سُيوفُهُما وَبانَ قَناهُما | وَشَبا يَراعي غَيرُ ذاتِ بَراحِ |
لا تَبذُلوا بُرَدَ النَبِيِّ لِعاجِزٍ | عُزُلٍ يُدافِعُ دونَهُ بِالراحِ |
بِالأَمسِ أَوهى المُسلِمينَ جِراحَةً | وَاليَومَ مَدَّ لَهُمْ يَدَ الجَرّاحِ |
فَلتَسمَعُنَّ بِكُلِّ أَرضٍ داعِيًا | يَدعو إِلى الكَذّابِ أَو لِسَجاحِ |
وَلتَشهَدُنَّ بِكُلِّ أَرضٍ فِتنَةً | فيها يُباعُ الدينُ بَيعَ سَماحِ |
يُفتى عَلى ذَهَبِ المُعِزِّ وَسَيفِهِ | وَهَوى النُفوسِ وَحِقدِها المِلحاحِ |
أجمل القصائد
أجمل قصائد الشعر من العصر الجاهلي والعصر الأموي والعصر العباسي والعصر الحديث هنا في صفحة أجمل القصائد.
ألا يا حمامات الحمى عدن عودة
أَلا يا حَماماتِ الحِمى عُدنَ عَودَةً | فَإِنّي إِلى أَصواتِكُنَّ حَنونُ |
فَعُدنَ فَلَمّا عُدنَ عُدنَ لِشِقوَتي | وَكِدتُ بِأَسرارٍ لَهُنَّ أُبينُ |
وَعُدنَ بِقَرقارِ الهَديرِ كَأَنَّما | شَرِبنَ مُداماً أَو بِهِنَّ جُنونُ |
فَلَم تَرَ عَيني مِثلَهُنَّ حَمائِماً | بَكَينَ فَلَم تَدمَع لَهُنَّ عُيونُ |
وَكُنَّ حَماماتٍ جَميعاً بِعَيطَلٍ | فَأَصبَحنَ شَتّى ما لَهُنَّ قَرينُ |
فَأَصبَحنَ قَد قَرقَرنَ إِلّا حَمامَةً | لَها مِثلَ نَوحِ النائِحاتِ رَنينُ |
تُذَكِّرُني لَيلى عَلى بُعدِ دارِها | رَواجِفُ قَلبٍ باتَ وَهوَ حَزينُ |
إِذا ما خَلا لِلنَومِ أَرَّقَ عَينَهُ | نَوائِحُ وُرقٍ فَرشُهُنَّ غُصونُ |
تَداعَينَ مِن بَعدِ البُكاءِ تَأَلُّقاً | فَقَلَّبنَ أَرياشاً وَهُنَّ سُكونُ |
فَيا لَيتَ لَيلى بَعضُهُنَّ وَلَيتَني | أَطيرُ وَدَهري عِندُهُنَّ رَكينُ |
أَلا إِنَّما لَيلى عَصا خَيزُرانَةٍ | إِذا غَمَزوها بِالأَكُفِّ تَلينُ |
ريم على القاع بين البان و العلم
ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ | أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ |
رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَدًا | يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ |
لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً | يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ رُمي |
جَحَدتُها وَكَتَمتُ السَهمَ في كَبِدي | جُرحُ الأَحِبَّةِ عِندي غَيرُ ذي أَلَمِ |
رُزِقتَ أَسمَحَ ما في الناسِ مِن خُلُقٍ | إِذا رُزِقتَ اِلتِماسَ العُذرِ في الشِيَمِ |
يا لائِمي في هَواهُ وَالهَوى قَدَرٌ | لَو شَفَّكَ الوَجدُ لَم تَعذِل وَلَم تَلُمِ |
لَقَد أَنَلتُكَ أُذنًا غَيرَ واعِيَةٍ | وَرُبَّ مُنتَصِتٍ وَالقَلبُ في صَمَمِ |
يا ناعِسَ الطَرفِ لا ذُقتَ الهَوى أَبَدًا | أَسهَرتَ مُضناكَ في حِفظِ الهَوى فَنَمِ |
أَفديكَ إِلفًا وَلا آلو الخَيالَ فِدًى | أَغراكَ باِلبُخلِ مَن أَغراهُ بِالكَرَمِ |
سَرى فَصادَفَ جُرحًا دامِيًا فَأَسا | وَرُبَّ فَضلٍ عَلى العُشّاقِ لِلحُلُمِ |
مَنِ المَوائِسُ بانًا بِالرُبى وَقَنًا | اللاعِباتُ بِروحي السافِحاتُ دَمي |
السافِراتُ كَأَمثالِ البُدورِ ضُحًى | يُغِرنَ شَمسَ الضُحى بِالحَليِ وَالعِصَمِ |
القاتِلاتُ بِأَجفانٍ بِها سَقَمٌ | وَلِلمَنِيَّةِ أَسبابٌ مِنَ السَقَمِ |
العاثِراتُ بِأَلبابِ الرِجالِ وَما | أُقِلنَ مِن عَثَراتِ الدَلِّ في الرَسَمِ |
المُضرِماتُ خُدودًا أَسفَرَتْ وَجَلَتْ | عَن فِتنَةٍ تُسلِمُ الأَكبادَ لِلضَرَمِ |
الحامِلاتُ لِواءَ الحُسنِ مُختَلِفًا | أَشكالُهُ وَهوَ فَردٌ غَيرُ مُنقَسِمِ |
مِن كُلِّ بَيضاءَ أَو سَمراءَ زُيِّنَتا | لِلعَينِ وَالحُسنُ في الآرامِ كَالعُصُمِ |
يُرَعنَ لِلبَصَرِ السامي وَمِن عَجَبٍ | إِذا أَشَرنَ أَسَرنَ اللَيثَ بِالعَنَمِ |
وَضَعتُ خَدّي وَقَسَّمتُ الفُؤادَ رُبًى | يَرتَعنَ في كُنُسٍ مِنهُ وَفي أَكَمِ |
يا بِنتَ ذي اللَبَدِ المُحَميِّ جانِبُهُ | أَلقاكِ في الغابِ أَم أَلقاكِ في الأُطُمِ |
ما كُنتُ أَعلَمُ حَتّى عَنَّ مَسكَنُهُ | أَنَّ المُنى وَالمَنايا مَضرِبُ الخِيَمِ |
مَن أَنبَتَ الغُصنَ مِن صَمصامَةٍ ذَكَرٍ | وَأَخرَجَ الريمَ مِن ضِرغامَةٍ قَرِمِ |
بَيني وَبَينُكِ مِن سُمرِ القَنا حُجُبٌ | وَمِثلُها عِفَّةٌ عُذرِيَّةُ العِصَمِ |
لَم أَغشَ مَغناكِ إِلا في غُضونِ كِرًى | مَغناكَ أَبعَدُ لِلمُشتاقِ مِن إِرَمِ |
يا نَفسُ دُنياكِ تُخفى كُلَّ مُبكِيَةٍ | وَإِن بَدا لَكِ مِنها حُسنُ مُبتَسَمِ |
فُضّي بِتَقواكِ فاهًا كُلَّما ضَحِكَتْ | كَما يَفُضُّ أَذى الرَقشاءِ بِالثَرَمِ |
مَخطوبَةٌ مُنذُ كانَ الناسُ خاطِبَةٌ | مِن أَوَّلِ الدَهرِ لَم تُرمِل وَلَم تَئَمِ |
يَفنى الزَمانُ وَيَبقى مِن إِساءَتِها | جُرحٌ بِآدَمَ يَبكي مِنهُ في الأَدَمِ |
لا تَحفَلي بِجَناها أَو جِنايَتِها | المَوتُ بِالزَهرِ مِثلُ المَوتِ بِالفَحَمِ |
كَم نائِمٍ لا يَراها وَهيَ ساهِرَةٌ | لَولا الأَمانِيُّ وَالأَحلامُ لَم يَنَمِ |
طَورًا تَمُدُّكَ في نُعمى وَعافِيَةٍ | وَتارَةً في قَرارِ البُؤسِ وَالوَصَمِ |
كَم ضَلَّلَتكَ وَمَن تُحجَب بَصيرَتُهُ | إِن يَلقَ صابا يَرِد أَو عَلقَمًا يَسُمُ |
يا وَيلَتاهُ لِنَفسي راعَها وَدَها | مُسوَدَّةُ الصُحفِ في مُبيَضَّةِ اللَمَمِ |
رَكَضتُها في مَريعِ المَعصِياتِ وَما | أَخَذتُ مِن حِميَةِ الطاعاتِ لِلتُخَمِ |
هامَت عَلى أَثَرِ اللَذّاتِ تَطلُبُها | وَالنَفسُ إِن يَدعُها داعي الصِبا تَهِمِ |
صَلاحُ أَمرِكَ لِلأَخلاقِ مَرجِعُهُ | فَقَوِّمِ النَفسَ بِالأَخلاقِ تَستَقِمِ |
وَالنَفسُ مِن خَيرِها في خَيرِ عافِيَةٍ | وَالنَفسُ مِن شَرِّها في مَرتَعٍ وَخِمِ |
تَطغى إِذا مُكِّنَت مِن لَذَّةٍ وَهَوًى | طَغيَ الجِيادِ إِذا عَضَّت عَلى الشُكُمِ |
إِن جَلَّ ذَنبي عَنِ الغُفرانِ لي أَمَلٌ | في اللَهِ يَجعَلُني في خَيرِ مُعتَصِمِ |
أَلقى رَجائي إِذا عَزَّ المُجيرُ عَلى | مُفَرِّجِ الكَرَبِ في الدارَينِ وَالغَمَمِ |
إِذا خَفَضتُ جَناحَ الذُلِّ أَسأَلُهُ | عِزَّ الشَفاعَةِ لَم أَسأَل سِوى أُمَمِ |
وَإِن تَقَدَّمَ ذو تَقوى بِصالِحَةٍ | قَدَّمتُ بَينَ يَدَيهِ عَبرَةَ النَدَمِ |
لَزِمتُ بابَ أَميرِ الأَنبِياءِ وَمَن | يُمسِك بِمِفتاحِ بابِ اللهِ يَغتَنِمِ |
فَكُلُّ فَضلٍ وَإِحسانٍ وَعارِفَةٍ | ما بَينَ مُستَلِمٍ مِنهُ وَمُلتَزِمِ |
عَلَّقتُ مِن مَدحِهِ حَبلاً أُعَزُّ بِهِ | في يَومِ لا عِزَّ بِالأَنسابِ وَاللُّحَمِ |
يُزري قَريضي زُهَيرًا حينَ أَمدَحُهُ | وَلا يُقاسُ إِلى جودي لَدى هَرِمِ |
مُحَمَّدٌ صَفوَةُ الباري وَرَحمَتُهُ | وَبُغيَةُ اللهِ مِن خَلقٍ وَمِن نَسَمِ |
وَصاحِبُ الحَوضِ يَومَ الرُسلِ سائِلَةٌ | مَتى الوُرودُ وَجِبريلُ الأَمينُ ظَمي |
سَناؤُهُ وَسَناهُ الشَمسُ طالِعَةً | فَالجِرمُ في فَلَكٍ وَالضَوءُ في عَلَمِ |
قَد أَخطَأَ النَجمَ ما نالَت أُبُوَّتُهُ | مِن سُؤدُدٍ باذِخٍ في مَظهَرٍ سَنِمِ |
نُموا إِلَيهِ فَزادوا في الوَرى شَرَفًا | وَرُبَّ أَصلٍ لِفَرعٍ في الفَخارِ نُمي |
حَواهُ في سُبُحاتِ الطُهرِ قَبلَهُمُ | نورانِ قاما مَقامَ الصُلبِ وَالرَحِمِ |
لَمّا رَآهُ بَحيرًا قالَ نَعرِفُهُ | بِما حَفِظنا مِنَ الأَسماءِ وَالسِيَمِ |
سائِل حِراءَ وَروحَ القُدسِ هَل عَلِما | مَصونَ سِرٍّ عَنِ الإِدراكِ مُنكَتِمِ |
كَم جَيئَةٍ وَذَهابٍ شُرِّفَتْ بِهِما | بَطحاءُ مَكَّةَ في الإِصباحِ وَالغَسَمِ |
وَوَحشَةٍ لِاِبنِ عَبدِ اللَهِ بينَهُما | أَشهى مِنَ الأُنسِ بِالأَحسابِ وَالحَشَمِ |
يُسامِرُ الوَحيَ فيها قَبلَ مَهبِطِهِ | وَمَن يُبَشِّر بِسيمى الخَيرِ يَتَّسِمِ |
لَمّا دَعا الصَحبُ يَستَسقونَ مِن ظَمَإٍ | فاضَت يَداهُ مِنَ التَسنيمِ بِالسَنَمِ |
وَظَلَّلَتهُ فَصارَت تَستَظِلُّ بِهِ | غَمامَةٌ جَذَبَتها خيرَةُ الدِيَمِ |
مَحَبَّةٌ لِرَسولِ اللَهِ أُشرِبَها | قَعائِدُ الدَيرِ وَالرُهبانُ في القِمَمِ |
إِنَّ الشَمائِلَ إِن رَقَّت يَكادُ بِها | يُغرى الجَمادُ وَيُغرى كُلُّ ذي نَسَمِ |
وَنودِيَ اِقرَأ تَعالى اللهُ قائِلُها | لَم تَتَّصِل قَبلَ مَن قيلَت لَهُ بِفَمِ |
هُناكَ أَذَّنَ لِلرَحَمَنِ فَاِمتَلأَتْ | أَسماعُ مَكَّةَ مِن قُدسِيَّةِ النَغَمِ |
فَلا تَسَل عَن قُرَيشٍ كَيفَ حَيرَتُها | وَكَيفَ نُفرَتُها في السَهلِ وَالعَلَمِ |
تَساءَلوا عَن عَظيمٍ قَد أَلَمَّ بِهِمْ | رَمى المَشايِخَ وَالوِلدانِ بِاللَمَمِ |
يا جاهِلينَ عَلى الهادي وَدَعوَتِهِ | هَل تَجهَلونَ مَكانَ الصادِقِ العَلَمِ |
لَقَّبتُموهُ أَمينَ القَومِ في صِغَرٍ | وَما الأَمينُ عَلى قَولٍ بِمُتَّهَمِ |
فاقَ البُدورَ وَفاقَ الأَنبِياءَ فَكَمْ | بِالخُلقِ وَالخَلقِ مِن حُسنٍ وَمِن عِظَمِ |
جاءَ النبِيّونَ بِالآياتِ فَاِنصَرَمَتْ | وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ |
آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ | يَزينُهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ |
يَكادُ في لَفظَةٍ مِنهُ مُشَرَّفَةٍ | يوصيكَ بِالحَقِّ وَالتَقوى وَبِالرَحِمِ |
يا أَفصَحَ الناطِقينَ الضادَ قاطِبَةً | حَديثُكَ الشَهدُ عِندَ الذائِقِ الفَهِمِ |
حَلَّيتَ مِن عَطَلٍ جِيدَ البَيانِ بِهِ | في كُلِّ مُنتَثِرٍ في حُسنِ مُنتَظِمِ |
بِكُلِّ قَولٍ كَريمٍ أَنتَ قائِلُهُ | تُحيِ القُلوبَ وَتُحيِ مَيِّتَ الهِمَمِ |
سَرَت بَشائِرُ باِلهادي وَمَولِدِهِ | في الشَرقِ وَالغَربِ مَسرى النورِ في الظُلَمِ |
تَخَطَّفَتْ مُهَجَ الطاغينَ مِن عَرَبٍ | وَطَيَّرَت أَنفُسَ الباغينَ مِن عُجُمِ |
ريعَت لَها شَرَفُ الإيوانِ فَاِنصَدَعَتْ | مِن صَدمَةِ الحَقِّ لا مِن صَدمَةِ القُدُمِ |
أَتَيتَ وَالناسُ فَوضى لا تَمُرُّ بِهِمْ | إِلا عَلى صَنَمٍ قَد هامَ في صَنَمِ |
وَالأَرضُ مَملوءَةٌ جَورًا مُسَخَّرَةٌ | لِكُلِّ طاغِيَةٍ في الخَلقِ مُحتَكِمِ |
مُسَيطِرُ الفُرسِ يَبغي في رَعِيَّتِهِ | وَقَيصَرُ الرومِ مِن كِبرٍ أَصَمُّ عَمِ |
يُعَذِّبانِ عِبادَ اللَهِ في شُبَهٍ | وَيَذبَحانِ كَما ضَحَّيتَ بِالغَنَمِ |
وَالخَلقُ يَفتِكُ أَقواهُمْ بِأَضعَفِهِمْ | كَاللَيثِ بِالبَهْمِ أَو كَالحوتِ بِالبَلَمِ |
أَسرى بِكَ اللَهُ لَيلاً إِذ مَلائِكُهُ | وَالرُسلُ في المَسجِدِ الأَقصى عَلى قَدَمِ |
لَمّا خَطَرتَ بِهِ اِلتَفّوا بِسَيِّدِهِمْ | كَالشُهبِ بِالبَدرِ أَو كَالجُندِ بِالعَلَمِ |
صَلّى وَراءَكَ مِنهُمْ كُلُّ ذي خَطَرٍ | وَمَن يَفُز بِحَبيبِ اللهِ يَأتَمِمِ |
جُبتَ السَماواتِ أَو ما فَوقَهُنَّ بِهِمْ | عَلى مُنَوَّرَةٍ دُرِّيَّةِ اللُجُمِ |
رَكوبَةً لَكَ مِن عِزٍّ وَمِن شَرَفٍ | لا في الجِيادِ وَلا في الأَينُقِ الرُسُمِ |
مَشيئَةُ الخالِقِ الباري وَصَنعَتُهُ | وَقُدرَةُ اللهِ فَوقَ الشَكِّ وَالتُهَمِ |
حَتّى بَلَغتَ سَماءً لا يُطارُ لَها | عَلى جَناحٍ وَلا يُسعى عَلى قَدَمِ |
وَقيلَ كُلُّ نَبِيٍّ عِندَ رُتبَتِهِ | وَيا مُحَمَّدُ هَذا العَرشُ فَاستَلِمِ |
خَطَطتَ لِلدينِ وَالدُنيا عُلومَهُما | يا قارِئَ اللَوحِ بَل يا لامِسَ القَلَمِ |
أَحَطتَ بَينَهُما بِالسِرِّ وَانكَشَفَت | لَكَ الخَزائِنُ مِن عِلمٍ وَمِن حِكَمِ |
وَضاعَفَ القُربُ ما قُلِّدتَ مِن مِنَنٍ | بِلا عِدادٍ وَما طُوِّقتَ مِن نِعَمِ |
سَل عُصبَةَ الشِركِ حَولَ الغارِ سائِمَةً | لَولا مُطارَدَةُ المُختارِ لَم تُسَمَ |
هَل أَبصَروا الأَثَرَ الوَضّاءَ أَم سَمِعوا | هَمسَ التَسابيحِ وَالقُرآنِ مِن أُمَمِ |
وَهَل تَمَثَّلَ نَسجُ العَنكَبوتِ لَهُمْ | كَالغابِ وَالحائِماتُ الزُغْبُ كَالرُخَمِ |
فَأَدبَروا وَوُجوهُ الأَرضِ تَلعَنُهُمْ | كَباطِلٍ مِن جَلالِ الحَقِّ مُنهَزِمِ |
لَولا يَدُ اللهِ بِالجارَينِ ما سَلِما | وَعَينُهُ حَولَ رُكنِ الدينِ لَم يَقُمِ |
تَوارَيا بِجَناحِ اللهِ وَاستَتَرا | وَمَن يَضُمُّ جَناحُ اللهِ لا يُضَمِ |
يا أَحمَدَ الخَيرِ لي جاهٌ بِتَسمِيَتي | وَكَيفَ لا يَتَسامى بِالرَسولِ سَمي |
المادِحونَ وَأَربابُ الهَوى تَبَعٌ | لِصاحِبِ البُردَةِ الفَيحاءِ ذي القَدَمِ |
مَديحُهُ فيكَ حُبٌّ خالِصٌ وَهَوًى | وَصادِقُ الحُبِّ يُملي صادِقَ الكَلَمِ |
اللهُ يَشهَدُ أَنّي لا أُعارِضُهُ | من ذا يُعارِضُ صَوبَ العارِضِ العَرِمِ |
وَإِنَّما أَنا بَعضُ الغابِطينَ وَمَنْ | يَغبِط وَلِيَّكَ لا يُذمَم وَلا يُلَمِ |
هَذا مَقامٌ مِنَ الرَحمَنِ مُقتَبَسٌ | تَرمي مَهابَتُهُ سَحبانَ بِالبَكَمِ |
البَدرُ دونَكَ في حُسنٍ وَفي شَرَفٍ | وَالبَحرُ دونَكَ في خَيرٍ وَفي كَرَمِ |
شُمُّ الجِبالِ إِذا طاوَلتَها انخَفَضَتْ | وَالأَنجُمُ الزُهرُ ما واسَمتَها تَسِمِ |
وَاللَيثُ دونَكَ بَأسًا عِندَ وَثبَتِهِ | إِذا مَشَيتَ إِلى شاكي السِلاحِ كَمي |
تَهفو إِلَيكَ وَإِن أَدمَيتَ حَبَّتَها | في الحَربِ أَفئِدَةُ الأَبطالِ وَالبُهَمِ |
مَحَبَّةُ اللَهِ أَلقاها وَهَيبَتُهُ | عَلى اِبنِ آمِنَةٍ في كُلِّ مُصطَدَمِ |
كَأَنَّ وَجهَكَ تَحتَ النَقعِ بَدرُ دُجًى | يُضيءُ مُلتَثِمًا أَو غَيرَ مُلتَثِمِ |
بَدرٌ تَطَلَّعَ في بَدرٍ فَغُرَّتُهُ | كَغُرَّةِ النَصرِ تَجلو داجِيَ الظُلَمِ |
ذُكِرتَ بِاليُتمِ في القُرآنِ تَكرِمَةً | وَقيمَةُ اللُؤلُؤِ المَكنونِ في اليُتُمِ |
اللهُ قَسَّمَ بَينَ الناسِ رِزقَهُمُ | وَأَنتَ خُيِّرتَ في الأَرزاقِ وَالقِسَمِ |
إِن قُلتَ في الأَمرِ (لا) أَو قُلتَ فيهِ (نَعَم) | فَخيرَةُ اللهِ في (لا) مِنكَ أَو (نَعَمِ) |
أَخوكَ عيسى دَعا مَيتًا فَقامَ لَهُ | وَأَنتَ أَحيَيتَ أَجيالاً مِنَ الزَّمَمِ |
وَالجَهلُ مَوتٌ فَإِن أوتيتَ مُعجِزَةً | فَابعَث مِنَ الجَهلِ أَو فَابعَث مِنَ الرَجَمِ |
قالوا غَزَوتَ وَرُسلُ اللَهِ ما بُعِثوا | لِقَتلِ نَفسٍ وَلا جاؤوا لِسَفكِ دَمِ |
جَهلٌ وَتَضليلُ أَحلامٍ وَسَفسَطَةٌ | فَتَحتَ بِالسَيفِ بَعدَ الفَتحِ بِالقَلَمِ |
لَمّا أَتى لَكَ عَفوًا كُلُّ ذي حَسَبٍ | تَكَفَّلَ السَيفُ بِالجُهّالِ وَالعَمَمِ |
وَالشَرُّ إِن تَلقَهُ بِالخَيرِ ضِقتَ بِهِ | ذَرعًا وَإِن تَلقَهُ بِالشَرِّ يَنحَسِمِ |
سَلِ المَسيحِيَّةَ الغَرّاءَ كَم شَرِبَتْ | بِالصابِ مِن شَهَواتِ الظالِمِ الغَلِمِ |
طَريدَةُ الشِركِ يُؤذيها وَيوسِعُها | في كُلِّ حينٍ قِتالاً ساطِعَ الحَدَمِ |
لَولا حُماةٌ لَها هَبّوا لِنُصرَتِها | بِالسَيفِ ما انتَفَعَت بِالرِفقِ وَالرُحَمِ |
لَولا مَكانٌ لِعيسى عِندَ مُرسِلِهِ | وَحُرمَةٌ وَجَبَت لِلروحِ في القِدَمِ |
لَسُمِّرَ البَدَنُ الطُهْرُ الشَريفُ عَلى | لَوحَينِ لَم يَخشَ مُؤذيهِ وَلَم يَجِمِ |
جَلَّ المَسيحُ وَذاقَ الصَلبَ شانِئُهُ | إِنَّ العِقابَ بِقَدرِ الذَنبِ وَالجُرُمِ |
أَخو النَبِيِّ وَروحُ اللهِ في نُزُلٍ | فَوقَ السَماءِ وَدونَ العَرشِ مُحتَرَمِ |
عَلَّمتَهُمْ كُلَّ شَيءٍ يَجهَلونَ بِهِ | حَتّى القِتالَ وَما فيهِ مِنَ الذِّمَمِ |
دَعَوتَهُمْ لِجِهادٍ فيهِ سُؤدُدُهُمْ | وَالحَربُ أُسُّ نِظامِ الكَونِ وَالأُمَمِ |
لَولاهُ لَم نَرَ لِلدَولاتِ في زَمَنٍ | ما طالَ مِن عُمُدٍ أَو قَرَّ مِن دُهُمِ |
تِلكَ الشَواهِدُ تَترى كُلَّ آوِنَةٍ | في الأَعصُرِ الغُرِّ لا في الأَعصُرِ الدُهُمِ |
بِالأَمسِ مالَت عُروشٌ وَاعتَلَتْ سُرُرٌ | لَولا القَذائِفُ لَم تَثلَمْ وَلَم تَصُمِ |
أَشياعُ عيسى أَعَدّوا كُلَّ قاصِمَةٍ | وَلَم نُعِدَّ سِوى حالاتِ مُنقَصِمِ |
مَهما دُعيتَ إِلى الهَيجاءِ قُمتَ لَها | تَرمي بِأُسْدٍ وَيَرمي اللهُ بِالرُجُمِ |
عَلى لِوائِكَ مِنهُم كُلُّ مُنتَقِمٍ | للهِ مُستَقتِلٍ في اللهِ مُعتَزِمِ |
مُسَبِّحٍ لِلِقاءِ اللهِ مُضطَرِمٍ | شَوقًا عَلى سابِخٍ كَالبَرقِ مُضطَرِمِ |
لَو صادَفَ الدَهرَ يَبغي نَقلَةً فَرَمى | بِعَزمِهِ في رِحالِ الدَهرِ لَم يَرِمِ |
بيضٌ مَفاليلُ مِن فِعلِ الحُروبِ بِهِمْ | مِن أَسيُفِ اللهِ لا الهِندِيَّةُ الخُذُمُ |
كَم في التُرابِ إِذا فَتَّشتَ عَن رَجُلٍ | مَن ماتَ بِالعَهدِ أَو مَن ماتَ بِالقَسَمِ |
لَولا مَواهِبُ في بَعضِ الأَنامِ لَما | تَفاوَتَ الناسُ في الأَقدارِ وَالقِيَمِ |
شَريعَةٌ لَكَ فَجَّرتَ العُقولَ بِها | عَن زاخِرٍ بِصُنوفِ العِلمِ مُلتَطِمِ |
يَلوحُ حَولَ سَنا التَوحيدِ جَوهَرُها | كَالحَليِ لِلسَيفِ أَو كَالوَشيِ لِلعَلَمِ |
غَرّاءُ حامَتْ عَلَيها أَنفُسٌ وَنُهًى | وَمَن يَجِد سَلسَلاً مِن حِكمَةٍ يَحُمِ |
نورُ السَبيلِ يُساسُ العالَمونَ بِها | تَكَفَّلَتْ بِشَبابِ الدَهرِ وَالهَرَمِ |
يَجري الزَمانُ وَأَحكامُ الزَمانِ عَلى | حُكمٍ لَها نافِذٍ في الخَلقِ مُرتَسِمِ |
لَمّا اعتَلَت دَولَةُ الإِسلامِ وَاتَّسَعَتْ | مَشَتْ مَمالِكُهُ في نورِها التَّمَمِ |
وَعَلَّمَتْ أُمَّةً بِالقَفرِ نازِلَةً | رَعيَ القَياصِرِ بَعدَ الشاءِ وَالنَعَمِ |
كَم شَيَّدَ المُصلِحونَ العامِلونَ بِها | في الشَرقِ وَالغَربِ مُلكًا باذِخَ العِظَمِ |
لِلعِلمِ وَالعَدلِ وَالتَمدينِ ما عَزَموا | مِنَ الأُمورِ وَما شَدّوا مِنَ الحُزُمِ |
سُرعانَ ما فَتَحوا الدُنيا لِمِلَّتِهِمْ | وَأَنهَلوا الناسَ مِن سَلسالِها الشَبِمِ |
ساروا عَلَيها هُداةَ الناسِ فَهيَ بِهِمْ | إِلى الفَلاحِ طَريقٌ واضِحُ العَظَمِ |
لا يَهدِمُ الدَهرُ رُكنًا شادَ عَدلَهُمُ | وَحائِطُ البَغيِ إِن تَلمَسهُ يَنهَدِمِ |
نالوا السَعادَةَ في الدارَينِ وَاِجتَمَعوا | عَلى عَميمٍ مِنَ الرُضوانِ مُقتَسَمِ |
دَع عَنكَ روما وَآثينا وَما حَوَتا | كُلُّ اليَواقيتِ في بَغدادَ وَالتُوَمِ |
وَخَلِّ كِسرى وَإيوانًا يَدِلُّ بِهِ | هَوى عَلى أَثَرِ النيرانِ وَالأَيُمِ |
وَاترُك رَعمَسيسَ إِنَّ المُلكَ مَظهَرُهُ | في نَهضَةِ العَدلِ لا في نَهضَةِ الهَرَمِ |
دارُ الشَرائِعِ روما كُلَّما ذُكِرَتْ | دارُ السَلامِ لَها أَلقَتْ يَدَ السَلَمِ |
ما ضارَعَتها بَيانًا عِندَ مُلتَأَمٍ | وَلا حَكَتها قَضاءً عِندَ مُختَصَمِ |
وَلا احتَوَت في طِرازٍ مِن قَياصِرِها | عَلى رَشيدٍ وَمَأمونٍ وَمُعتَصِمِ |
مَنِ الَّذينَ إِذا سارَت كَتائِبُهُمْ | تَصَرَّفوا بِحُدودِ الأَرضِ وَالتُخَمِ |
وَيَجلِسونَ إِلى عِلمٍ وَمَعرِفَةٍ | فَلا يُدانَونَ في عَقلٍ وَلا فَهَمِ |
يُطَأطِئُ العُلَماءُ الهامَ إِن نَبَسوا | مِن هَيبَةِ العِلمِ لا مِن هَيبَةِ الحُكُمِ |
وَيُمطَرونَ فَما بِالأَرضِ مِن مَحَلٍ | وَلا بِمَن باتَ فَوقَ الأَرضِ مِن عُدُمِ |
خَلائِفُ اللهِ جَلّوا عَن مُوازَنَةٍ | فَلا تَقيسَنَّ أَملاكَ الوَرى بِهِمِ |
مَن في البَرِيَّةِ كَالفاروقِ مَعدَلَةً | وَكَابنِ عَبدِ العَزيزِ الخاشِعِ الحَشِمِ |
وَكَالإِمامِ إِذا ما فَضَّ مُزدَحِمًا | بِمَدمَعٍ في مَآقي القَومِ مُزدَحِمِ |
الزاخِرُ العَذبُ في عِلمٍ وَفي أَدَبٍ | وَالناصِرُ النَدبُ في حَربٍ وَفي سَلَمِ |
أَو كَابنِ عَفّانَ وَالقُرآنُ في يَدِهِ | يَحنو عَلَيهِ كَما تَحنو عَلى الفُطُمِ |
وَيَجمَعُ الآيَ تَرتيبًا وَيَنظُمُها | عِقدًا بِجيدِ اللَيالي غَيرَ مُنفَصِمِ |
جُرحانِ في كَبِدِ الإِسلامِ ما اِلتَأَما | جُرحُ الشَهيدِ وَجُرحٌ بِالكِتابِ دَمي |
وَما بَلاءُ أَبي بَكرٍ بِمُتَّهَمٍ | بَعدَ الجَلائِلِ في الأَفعالِ وَالخِدَمِ |
بِالحَزمِ وَالعَزمِ حاطَ الدينَ في مِحَنٍ | أَضَلَّتِ الحُلمَ مِن كَهلٍ وَمُحتَلِمِ |
وَحِدنَ بِالراشِدِ الفاروقِ عَن رُشدٍ | في المَوتِ وَهوَ يَقينٌ غَيرُ مُنبَهِمِ |
يُجادِلُ القَومَ مُستَلًّا مُهَنَّدَهُ | في أَعظَمِ الرُسلِ قَدرًا كَيفَ لَم يَدُمِ |
لا تَعذُلوهُ إِذا طافَ الذُهولُ بِهِ | ماتَ الحَبيبُ فَضَلَّ الصَبُّ عَن رَغَمِ |
يا رَبِّ صَلِّ وَسَلِّم ما أَرَدتَ عَلى | نَزيلِ عَرشِكَ خَيرِ الرُسلِ كُلِّهِمِ |
مُحيِ اللَيالي صَلاةً لا يُقَطِّعُها | إِلا بِدَمعٍ مِنَ الإِشفاقِ مُنسَجِمِ |
مُسَبِّحًا لَكَ جُنحَ اللَيلِ مُحتَمِلاً | ضُرًّا مِنَ السُهدِ أَو ضُرًّا مِنَ الوَرَمِ |
رَضِيَّةٌ نَفسُهُ لا تَشتَكي سَأَمًا | وَما مَعَ الحُبِّ إِن أَخلَصتَ مِن سَأَمِ |
وَصَلِّ رَبّي عَلى آلٍ لَهُ نُخَبٍ | جَعَلتَ فيهِم لِواءَ البَيتِ وَالحَرَمِ |
بيضُ الوُجوهِ وَوَجهُ الدَهرِ ذو حَلَكٍ | شُمُّ الأُنوفِ وَأَنفُ الحادِثاتِ حَمى |
وَأَهدِ خَيرَ صَلاةٍ مِنكَ أَربَعَةً | في الصَحبِ صُحبَتُهُم مَرعِيَّةُ الحُرَمِ |
الراكِبينَ إِذا نادى النَبِيُّ بِهِمْ | ما هالَ مِن جَلَلٍ وَاشتَدَّ مِن عَمَمِ |
الصابِرينَ وَنَفسُ الأَرضِ واجِفَةٌ | الضاحِكينَ إِلى الأَخطارِ وَالقُحَمِ |
يا رَبِّ هَبَّتْ شُعوبٌ مِن مَنِيَّتِها | وَاستَيقَظَت أُمَمٌ مِن رَقدَةِ العَدَمِ |
سَعدٌ وَنَحسٌ وَمُلكٌ أَنتَ مالِكُهُ | تُديلُ مِن نِعَمٍ فيهِ وَمِن نِقَمِ |
رَأى قَضاؤُكَ فينا رَأيَ حِكمَتِهِ | أَكرِم بِوَجهِكَ مِن قاضٍ وَمُنتَقِمِ |
فَالطُف لأَجلِ رَسولِ العالَمينَ بِنا | وَلا تَزِد قَومَهُ خَسفًا وَلا تُسِمِ |
يا رَبِّ أَحسَنتَ بَدءَ المُسلِمينَ بِهِ | فَتَمِّمِ الفَضلَ وَاِمنَح حُسنَ مُختَتَمِ |
الكمنجات
الكَمَنجاتُ تَبْكى مَعَ الغَجَرِ الذَّاهِبِينَ إلى الأنْدَلسْ الكَمَنجاتُ تَبْكى على العَرَبِ الْخَارِجِينَ مِنَ الأنْدلُسْ ~~~ الكَمَنجاتُ تَبْكى على زَمَنٍ ضائعٍ لا يَعودْ الكَمَنجاتُ تَبْكى على وَطَنٍ ضائعٍ قَدْ يَعودْ ~~~ الكَمَنجاتُ تُحْرقُ غَاباتِ ذَاكَ الظلَامِ الْبعيدِ الْبعيدْ الكَمَنجاتُ تدْمي الْمُدى، وَتَشُمُّ دَمِى في الْوريدْ ~~~ الكَمَنجاتُ تَبْكى مَعَ الْغَجِر الذَّاهبينَ إلى الأَنْدَلُسْ الكَمَنجاتُ تَبْكى على الْعَرَب الْخارِجِينَ منَ الأَنْدلُسْ ~~~ الكَمَنجاتُ خَيْلٌ على وَتَرٍ من سرابٍ وماءٍ يَئنُّ الكَمَنجاتُ حَقْلٌ مِنَ اللَّيْلكِ الْمُتوحِّش يَنْأَى وَيَدْنو ~~~ الكَمَنجاتُ وَحْشٌ يُعَذِّبُهُ ظُفْرُ إمرة مَسَّهُ، وابْتَعَدْ الكَمَنجاتُ جَيْشٌ يُعَمِّرُ مَقْبَرَةً منْ رُخامٍ ومنْ نَهَوَنْدْ ~~~ الكَمَنجاتُ فَوْضى قُلوب تُجنِّنُها الرِّيحُ في قَدَمِ الرَّاقِصَةْ الكَمَنجاتُ أْسْرابُ طيْرٍ تفرُّ منَ الرَّايَة النَّاقِصَةْ ~~~ الكَمَنجاتُ شَكْوى الْحَرير المُجَعِّد فى لَيْلَةِ الْعاشقَةْ الكَمَنجاتُ صَوْتُ النبيذ الْبعيدِ على رغْبَةٍ سابِقَةْ ~~~ الكَمَنجاتُ تَتْبعُني ههُنا وهناكَ لتثأر مَنِّي الكَمَنجاتُ تَبْحَثُ عنِّى لتقتلني، أَيْنما وَجَدتْني ~~~ الكَمَنجاتُ تَبْكى على الْعَربِ الْخارجينَ مِنَ الأَندلُسْ الكَمَنجاتُ تبكى مع الغجر الذَّاهبينَ إلى الأنْدَلُسْ |
وأما الربيع
وأَمَّا الربيعُ فما يكتب الشعراءُ السكارى |
إذا أَفلحوا في التقاط الزمان السريع |
بصُنَّارة الكلمات – وعادوا إلى صحوهم سالمين |
قليلٌ من البرد في جَمْرَةِ الجُلَنار |
يُخفِّفُ من لسعة النار في الاستعارة |
لو كنتُ أَقربَ منكِ إلى |
لقبَّلْتُ نفسي |
قليلٌ من اللون في زهرة اللوز يحمي |
السماوات من حجَّة الَوثنَيَّ الأخيرة |
مهما اختلفنا سَندْرِكُ أَنَّ السعادة |
ممكنةٌ مثل هَزَّةِ أرضٍ |
قليلٌ من الرقص في مهرجان الزواج الإباحي |
بين النباتات سوف ينشِّط دورتنا الدمويَّة |
لا تعرف البذرة الموت |
مهما ابتعدنا |
ولا تخجلُ الأبديَّةُ من أَحَدٍ |
حين تمنَحُ عانَتَها للجميع |
هنا – في الربيع السريع |
سنون تعاد ودهر يعيد
سُنونٌ تُعادُ وَدَهرٌ يُعيد | لَعَمرُكَ ما في اللَيالي جَديد |
أَضاءَ لِآدَمَ هَذا الهِلالُ | فَكَيفَ تَقولُ الهِلالُ الوَليد |
نَعُدُّ عَلَيهِ الزَمانَ القَريبَ | وَيُحصي عَلَينا الزَمانَ البَعيد |
عَلى صَفحَتَيهِ حَديثُ القُرى | وَأَيّامُ عادٍ وَدُنيا ثَمود |
وَطيبَةُ آهِلَةٌ بِالمُلوكِ | وَطيبَةُ مُقفِرَةٌ بِالصَعيد |
يَزولُ بِبَعضِ سَناهُ الصَفا | وَيَفنى بِبَعضِ سَناهُ الحَديد |
وَمِن عَجَبٍ وَهوَ جَدُّ اللَيالي | يُبيدُ اللَيالِيَ فيما يُبيد |
يَقولونَ يا عامُ قَد عُدتَ لي | فَيالَيتَ شِعري بِماذا تَعود |
لَقَد كُنتَ لي أَمسِ ما لَم أُرِد | فَهَل أَنتَ لي اليَومَ ما لا أُريد |
وَمَن صابَرَ الدَهرَ صَبري لَهُ | شَكا في الثَلاثينَ شَكوى لَبيد |
ظَمِئتُ وَمِثلي بَرِيٍّ أَحَقُّ | كَأَنّي حُسَينٌ وَدَهري يَزيد |
تَغابَيتُ حَتّى صَحِبتُ الجَهولَ | وَدارَيتُ حَتّى صَحِبتُ الحَسود |