أرَكائِبَ الأحْبابِ إنّ الأدْمُعَا

أرَكائِبَ الأحْبابِ إنّ الأدْمُعَا تَطِسُ الخُدودَ كما تَطِسْنَ اليرْمَعا
فاعْرِفْنَ مَن حمَلَتْ عليكنّ النّوَى وامشَينَ هَوْناً في الأزِمّةِ خُضَّعَا
قد كانَ يَمنَعني الحَياءُ منَ البُكَا فاليَوْمَ يَمْنَعُهُ البُكا أنْ يَمْنَعَا
حتى كأنّ لكُلّ عَظْمٍ رَنّةً في جِلْدِهِ ولكُلّ عِرْقٍ مَدْمَعَا
وكَفَى بمَن فَضَحَ الجَدايَةَ فاضِحاً لمُحبّهِ وبمَصْرَعي ذا مَصْرَعَا
سَفَرَتْ وبَرْقَعَها الفِراقُ بصُفْرَةٍ سَتَرَتْ مَحاجرَها ولم تَكُ بُرْقُعَا
فكأنّها والدّمْعُ يَقْطُرُ فَوْقَها ذَهَبٌ بسِمْطَيْ لُؤلُؤٍ قد رُصّعَا
نَشَرَتْ ثَلاثَ ذَوائِبٍ من شَعْرِها في لَيْلَةٍ فَأرَتْ لَيَاليَ أرْبَعَا
واستَقْبَلَتْ قَمَرَ السّماءِ بوَجْهِها فأرَتْنيَ القَمَرَينِ في وقْتٍ مَعَا
رُدّي الوِصالَ سقَى طُلولَكِ عارِضٌ لوْ كانَ وَصْلُكِ مِثْلَهُ ما أقْشَعَا
زَجِلٌ يُرِيكَ الجَوَّ ناراً والمَلا كالبَحْرِ والتّلَعاتِ رَوْضاً مُمْرِعَا
كبَنَانِ عَبدِ الواحدِ الغَدِقِ الذي أرْوَى وأمّنَ مَن يَشاءُ وأجْزَعَا
ألِفَ المُروءَةَ مُذْ نَشَا فَكَأنّهُ سُقِيَ اللِّبَانَ بهَا صَبِيّاً مُرْضَعَا
نُظِمَتْ مَواهِبُهُ عَلَيْهِ تَمائِماً فاعْتادَها فإذا سَقَطْنَ تَفَزّعَا
تَرَكَ الصّنائِعَ كالقَواطِعِ بارِقا تٍ والمَعاليَ كالعَوالي شُرَّعَا
مُتَبَسّماً لعُفاتِهِ عَنْ واضِحٍ تَغْشَى لَوامِعُهُ البُروقَ اللُّمّعَا
مُتَكَشّفاً لعُداتِهِ عَنْ سَطْوَةٍ لوْ حَكّ مَنكِبُها السّماءَ لزَعزَعَا
الحَازِمَ اليَقِظَ الأغَرَّ العالِمَ الـ ـفَطِنَ الألَدّ الأرْيَحيّ الأرْوَعَا
الكاتِبَ اللّبِقَ الخَطيبَ الواهِبَ الـ ـنّدُسَ اللّبيب الهِبْرِزِيّ المِصْقَعَا
نَفْسٌ لها خُلْقُ الزّمانِ لأنّهُ مُفني النّفُوسِ مُفَرِّقٌ ما جَمّعَا
ويَدٌ لهَا كَرَمُ الغَمَام لأنّهُ يَسقي العِمارَةَ والمكانَ البَلقَعَا
أبَداً يُصَدّعُ شَعْبَ وَفْرٍ وافِرٍ ويَلُمُّ شَعْبَ مكارِمٍ مُتَصَدّعَا
يَهْتَزّ للجَدْوَى اهْتِزازَ مُهَنّدٍ يَوْمَ الرّجاءِ هَزَزْتَهُ يومَ الوَغى
يا مُغْنِياً أمَلَ الفَقيرِ لِقاؤهُ ودُعاؤهُ بَعْدَ الصّلاةِ إذا دَعَا
أقْصِرْ ولَستَ بمُقْصِرٍ جُزْتَ المدى وبلغتَ حيثُ النّجمُ تحتكَ فارْبَعَا
وحَلَلْتَ من شَرفِ الفَعالِ مَواضِعاً لم يَحْلُلِ الثّقَلانِ مِنْها مَوْضِعَا
وحَوَيْتَ فَضْلَهُما وما طَمِعَ امرُؤٌ فيهِ ولا طَمِعَ امرُؤٌ أنْ يَطْمَعَا
نَفَذَ القَضاءُ بمَا أرَدْتَ كأنّهُ لكَ كُلّما أزْمَعْتَ أمراً أزمَعَا
وأطاعَكَ الدّهْرُ العَصِيُّ كأنّهُ عَبْدٌ إذا نادَيْتَ لَبّى مُسْرِعَا
أكَلَتْ مَفاخِرُكَ المَفاخرَ وانْثَنَتْ عن شأوِهنّ مَطيُّ وَصْفي ظُلَّعَا
وجَرَينَ جَرْيَ الشّمسِ في أفلاكِها فقَطَعْنَ مَغرِبَها وجُزْنَ المَطْلِعَا
لوْ نِيطَتِ الدّنْيا بأُخْرَى مِثْلِها لَعَمَمْنَهَا وخَشينَ أنْ لا تَقْنَعَا
فمَتى يُكَذَّبُ مُدّعٍ لكَ فَوْقَ ذا والله يَشْهَدُ أنّ حَقّاً ما ادّعَى
ومتى يُؤدّي شَرْحَ حالِكَ ناطِقٌ حَفِظَ القَليلَ النّزْرَ مِمّا ضَيّعَا
إنْ كانَ لا يُدْعَى الفَتى إلاّ كَذا رَجُلاً فَسَمِّ النّاسَ طُرّاً إصْبَعَا
إنْ كانَ لا يَسْعَى لجُودٍ ماجِدٌ إلاّ كَذا فالغَيْثُ أبخَلُ مَن سَعَى
قَدْ خَلّفَ العَبّاسُ غُرّتَكَ ابنَهُ مَرْأًى لَنا وإلى القِيامَةِ مَسْمَعَا

الحُزْنُ يُقْلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَرْدَعُ

الحُزْنُ يُقْلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَرْدَعُ وَالدّمْعُ بَيْنَهُمَا عَصِيٌّ طَيِّعُ
يَتَنَازَعانِ دُمُوعَ عَينِ مُسَهَّدٍ هَذا يَجيءُ بهَا وَهَذَا يَرْجِعُ
ألنّوْمُ بَعْدَ أبي شُجَاعٍ نَافِرٌ وَاللّيْلُ مُعْيٍ وَالكَوَاكبُ ظُلَّعُ
إنّي لأجْبُنُ عَن فِراقِ أحِبّتي وَتُحِسّ نَفسِي بالحِمامِ فأشجُعُ
وَيَزِيدُني غَضَبُ الأعادي قَسْوَةً وَيُلِمُّ بي عَتْبُ الصّديقِ فأجزَعُ
تَصْفُو الحَياةُ لجَاهِلٍ أوْ غافِلٍ عَمّا مَضَى فيها وَمَا يُتَوَقّعُ
وَلمَنْ يُغالِطُ في الحَقائِقِ نفسَهُ وَيَسومُها طَلَبَ المُحالِ فتطمَعُ
أينَ الذي الهَرَمانِ مِنْ بُنْيَانِهِ، ما قَوْمُهُ، ما يَوْمُهُ، ما المصرَعُ؟
تَتَخَلّفُ الآثارُ عَنْ أصْحابِها حِيناً وَيُدرِكُها الفَنَاءُ فتَتْبَعُ
لم يُرْضِ قَلْبَ أبي شُجاعٍ مَبلَغٌ قَبلَ المَمَاتِ وَلم يَسَعْهُ مَوْضِعُ
كُنّا نَظُنّ دِيارَهُ مَمْلُوءَةً ذَهَباً فَمَاتَ وَكلُّ دارٍ بَلقَعُ
وَإذا المَكارِمُ وَالصّوَارِمُ وَالقَنَا وَبَنَاتُ أعوَجَ كلُّ شيءٍ يجمَعُ
ألمَجْدُ أخسَرُ وَالمَكارِمُ صَفْقَةً من أن يَعيشَ لها الهُمامُ الأرْوَعُ
وَالنّاسُ أنزَلُ في زَمَانِكَ مَنزِلاً من أنْ تُعايِشَهُمْ وَقَدرُكَ أرْفَعُ
بَرِّدْ حَشَايَ إنِ استَطعتَ بلفظَةٍ فَلَقَدْ تَضُرُّ إذا تَشَاءُ وَتَنْفَعُ
مَا كانَ منكَ إلى خَليلٍ قَبْلَها ما يُسْتَرَابُ بهِ وَلا مَا يُوجِعُ
وَلَقَدْ أرَاكَ وَمَا تُلِمّ مُلِمّةٌ إلاّ نَفَاهَا عَنكَ قَلبٌ أصْمَعُ
وَيَدٌ كأنّ نَوَالَهَا وَقِتَالَهَا فَرْضٌ يحِقّ عَلَيْكَ وَهْوَ تبرُّعُ
يا مَنْ يُبَدِّلُ كُلّ يَوْمٍ حُلّةً أنّى رَضِيتَ بحُلّةٍ لا تُنْزَعُ؟
ما زِلْتَ تَخْلَعُهَا على مَنْ شاءَها حتى لَبِسْتَ اليَوْمَ ما لا تَخلعُ
ما زِلْتَ تَدْفَعُ كُلّ أمْرٍ فادِحٍ حتى أتى الأمرُ الذي لا يُدفَعُ
فَظَلِلْتَ تَنظُرُ لا رِماحُكَ شُرَّعٌ فيما عَرَاكَ وَلا سُيوفُكَ قُطَّعُ
بأبي الوَحيدُ وَجَيشُهُ مُتَكاثِرٌ يَبكي وَمن شرّ السّلاحِ الأدْمُعُ
وَإذا حصَلتَ من السّلاحِ على البكا فحَشاكَ رُعتَ به وَخدَّكَ تَقرَعُ
وَصَلَتْ إليكَ يَدٌ سَوَاءٌ عِندَها الـ ـبازي الأُشَيْهِبُ وَالغُرابُ الأبقَعُ
مَن للمَحافلِ وَالجَحافلِ وَالسُّرَى فَقَدَتْ بفَقْدِكَ نَيِّراً لا يَطْلُعُ
وَمَنِ اتخذتَ على الضّيوفِ خَليفَةً ضَاعُوا وَمِثْلُكَ لا يكادُ يُضَيِّعُ
قُبْحاً لوَجهِكَ يا زَمَانُ فإنّهُ وَجهٌ لَهُ من كُلّ قُبحٍ بُرْقُعُ
أيَمُوتُ مِثْلُ أبي شُجَاعٍ فاتِكٍ وَيَعيشَ حاسِدُه الخصِيُّ الأوكَعُ
أيْدٍ مُقَطَّعَةٌ حَوَالَيْ رَأسِهِ وَقَفاً يَصيحُ بها: ألا مَن يَصْفَعُ
أبْقَيْتَ أكْذَبَ كاذِبٍ أبْقَيْتَهُ وَأخذتَ أصْدقَ من يقولُ وَيسمَعُ
وَتَرَكْتَ أنْتَنَ رِيحَةٍ مَذْمُومَةٍ وَسَلَبْتَ أطيَبَ رِيحَةٍ تَتَضَوّعُ
فَاليَوْمَ قَرّ لكُلّ وَحْشٍ نَافِرٍ دَمُهُ وَكانَ كأنّهُ يَتَطَلّعُ
وَتَصَالَحتْ ثَمَرُ السّياطِ وَخَيْلُهُ وَأوَتْ إلَيها سُوقُها وَالأذْرُعُ
وَعَفَا الطّرَادُ فَلا سِنَانٌ رَاعِفٌ فَوْقَ القَنَاةِ وَلا حُسَامٌ يَلمَعُ
وَلّى وَكُلُّ مُخالِمٍ وَمُنَادِمٍ بعْدَ اللّزُومِ مُشَيِّعٌ وَمُوَدِّعُ
مَنْ كانَ فيهِ لكُلّ قَوْم مَلجأٌ ولسيْفِهِ في كلّ قَوْمٍ مَرْتَعُ
إنْ حَلّ في فُرْسٍ فَفيهَا رَبُّهَا كسرَى تذلّ لهُ الرّقابُ وَتخضَعُ
أوْ حَلّ في رُومٍ فَفيها قَيصَرٌ أوْ حَلّ في عَرَبٍ فَفِيهَا تُبّعُ
قد كانَ أسرَعَ فارِسٍ في طَعْنَةٍ فرَساً وَلَكِنّ المَنِيّةَ أسْرَعُ
لا قَلّبَتْ أيدي الفَوَارِسِ بَعْدَهُ رُمحاً وَلا حَمَلَتْ جَوَاداً أرْبَعُ

أجاب دمعي وما الداعي سوى طلل

أجابَ دَمعي وما الدّاعي سوَى طَلَلِ دَعَا فَلَبّاهُ قَبلَ الرَّكبِ وَالإبِلِ
ظَلِلْتُ بَينَ أُصَيْحابي أُكَفْكِفُهُ وَظَلّ يَسفَحُ بَينَ العُذْرِ وَالعَذَلِ
أشكُو النّوَى ولهُمْ من عَبرَتي عجبٌ كذاكَ كنتُ وما أشكو سوَى الكِلَلِ
وَمَا صَبابَةُ مُشْتاقٍ على أمَلٍ مِنَ اللّقَاءِ كمُشْتَاقٍ بلا أمَلِ
متى تَزُرْ قَوْمَ مَنْ تَهْوَى زِيارَتَهَا لا يُتْحِفُوكَ بغَيرِ البِيضِ وَالأسَلِ
وَالهَجْرُ أقْتَلُ لي مِمّا أُراقِبُهُ أنَا الغَريقُ فَما خَوْفي منَ البَلَلِ
مَا بالُ كُلّ فُؤادٍ في عَشيرَتِهَا بهِ الذي بي وَما بي غَيرُ مُنتَقِلِ
مُطاعَةُ اللّحْظِ في الألحاظِ مالِكَةٌ لمُقْلَتَيْها عَظيمُ المُلْكِ في المُقَلِ
تَشَبَّهُ الخَفِراتُ الآنِسَاتُ بهَا في مَشيِهَا فيَنَلنَ الحُسنَ بالحِيَلِ
قَدْ ذُقْتُ شِدّةَ أيّامي وَلَذّتَهَا فَمَا حَصَلتُ على صابٍ وَلا عَسَلِ
وَقَد أراني الشبابُ الرّوحَ في بَدَني وَقد أراني المَشيبُ الرّوحَ في بَدَلي
وَقَدْ طَرَقْتُ فَتَاةَ الحَيّ مُرْتَدِياً بصاحِبٍ غَيرِ عِزْهاةٍ وَلا غَزِلِ
فَبَاتَ بَينَ تَراقِينَا نُدَفّعُهُ ولَيسَ يَعلَمُ بالشّكوَى وَلا القُبَلِ
ثمّ اغْتَدَى وَبِهِ مِنْ دِرْعِهَا أثَرٌ على ذُؤابَتِهِ وَالجَفْنِ وَالخِلَلِ
لا أكْسِبُ الذّكرَ إلاّ مِنْ مَضارِبه أوْ مِنْ سِنانِ أصَمِّ الكَعْبِ مُعتَدِلِ
جادَ الأميرُ بهِ لي في مَوَاهِبِهِ فَزانَهَا وَكَسَاني الدّرْعَ في الحُلَلِ
وَمِنْ عَليّ بنِ عَبْدِالله مَعْرِفَتي بحَمْلِهِ، مَنْ كَعَبدِ الله أوْ كَعَلي
مُعطي الكواعبِ وَالجُرْدِ السّلاهبِ وَالـ ـبيضِ القَواضِبِ وَالعَسّالَةِ الذُّبُلِ
ضاقَ الزّمانُ وَوَجهُ الأرْض عن ملِكٍ مِلءِ الزّمانِ ومِلءِ السّهْلِ وَالجبَلِ
فنَحنُ في جَذَلٍ والرّومُ في وَجَلٍ وَالبَرّ في شُغُلٍ والبَحرُ في خَجَلِ
من تَغلِبَ الغالِبينَ النّاسَ مَنصِبُهُ وَمِن عَديٍّ أعادي الجُبنِ وَالبَخَلِ
وَالمَدْحُ لابنِ أبي الهَيْجاءِ تُنجِدُهُ بالجاهِلِيّةِ عَينُ العِيّ وَالخَطَلِ
لَيْتَ المَدائحَ تَسْتَوْفي مَنَاقِبَهُ فَما كُلَيْبٌ وَأهْلُ الأعصُرِ الأُوَلِ
خُذْ ما تَراهُ وَدَعْ شَيْئاً سَمِعْتَ بهِ في طَلعَةِ البَدرِ ما يُغنيكَ عن زُحَلِ
وَقد وَجدتَ مكانَ القَوْلِ ذا سَعَةٍ فإنْ وَجَدْتَ لِساناً قائِلاً فَقُلِ
إنّ الهُمَامَ الذي فَخْرُ الأنَامِ بِهِ خيرُ السّيوفِ بكَفّيْ خيرَةِ الدّوَلِ
تُمسِي الأمانيُّ صَرْعَى دونَ مَبْلَغه فَمَا يَقُولُ لشيءٍ لَيتَ ذلكَ لي
أُنْظُرْ إذا اجتَمَعَ السّيْفانِ في رَهَجٍ إلى اختِلافِهِمَا في الخَلْقِ وَالعَمَلِ
هذا المُعَدُّ لرَيْبِ الدّهْرِ مُنْصَلِتاً أعَدّ هذا لرَأسِ الفارِسِ البَطَلِ
فالعُرْبُ منهُ معَ الكُدْرِيّ طائرَةٌ وَالرّومُ طائِرَةٌ منهُ مَعَ الحَجَلِ
وَمَا الفِرارُ إلى الأجْبالِ مِنْ أسَدٍ تَمشِي النّعَامُ به في معقِلِ الوَعِلِ
جازَ الدّروبَ إلى ما خَلْفَ خَرْشَنَةٍ وَزَالَ عَنْها وذاكَ الرّوْعُ لم يَزُلِ
فكُلّما حَلَمَتْ عذراءُ عِندَهُمُ فإنّمَا حَلَمَتْ بالسّبيِ وَالجَمَلِ
إن كنتَ تَرْضَى بأنْ يعطوا الجِزَى بذلوا منها رِضاكَ وَمَنْ للعُورِ بالحَوَلِ
نادَيتُ مَجدَكَ في شعري وَقد صَدَرَا يا غَيرَ مُنتَحَلٍ في غيرِ مُنتَحَلِ
بالشّرْقِ وَالغَرْبِ أقْوامٌ نُحِبّهُمُ فَطالِعاهُمْ وَكُونَا أبْلَغَ الرّسُلِ
وَعَرّفَاهُمْ بأنّي في مَكارِمِهِ أُقَلّبُ الطَّرْفَ بَينَ الخيلِ وَالخَوَلِ
يا أيّها المُحسِنُ المَشكورُ من جهتي وَالشكرُ من قِبَلِ الإحسانِ لا قِبَلي
ما كانَ نَوْميَ إلاّ فَوْقَ مَعْرِفَتي بأنّ رَأيَكَ لا يُؤتَى مِنَ الزَّلَلِ
أقِلْ أنِلْ أقْطِعِ احملْ علِّ سلِّ أعدْ زِدْ هشِّ بشِّ تفضّلْ أدنِ سُرَّ صِلِ
لَعَلّ عَتْبَكَ مَحْمُودٌ عَوَاقِبُهُ فرُبّمَا صَحّتِ الأجْسامُ بالعِلَلِ
وَلاَ سَمِعْتُ وَلا غَيرِي بمُقْتَدِرٍ أذَبَّ مِنكَ لزُورِ القَوْلِ عن رَجُلِ
لأنّ حِلْمَكَ حِلْمٌ لا تَكَلَّفُهُ ليسَ التكحّلُ في العَينَينِ كالكَحَلِ
وَمَا ثَنَاكَ كَلامُ النّاسِ عَنْ كَرَمٍ وَمَنْ يَسُدّ طَريقَ العارِضِ الهطِلِ
أنتَ الجَوادُ بِلا مَنٍّ وَلا كَدَرٍ وَلا مِطالٍ وَلا وَعْدٍ وَلا مَذَلِ
أنتَ الشّجاعُ إذا ما لم يَطأ فَرَسٌ غَيرَ السَّنَوّرِ وَالأشلاءِ وَالقُلَلِ
وَرَدَّ بَعضُ القَنَا بَعضاً مُقارَعَةً كأنّها مِنْ نُفُوسِ القَوْمِ في جَدَلِ
لا زِلْتَ تضرِبُ من عاداكَ عن عُرُضٍ بعاجِلِ النّصرِ في مُستأخِرِ الأجَلِ

نشيد الجبار ( هكذا غنى بروميثيوس )

سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعْداءِ كالنِّسْر فوقَ القِمَّة ِ الشَّمَّاءِ
أَرْنو إِلَى الشَّمْسِ المضِيئّة ِ..،هازِئاً بالسُّحْبِ، والأمطارِ، والأَنواءِ
لا أرمقُ الظلَّ الكئيبَ..، ولا أَرى ما في قرار الهَوّة ِ السوداءِ…
وأسيرُ في دُنيا المشاعِر، حَالماَ، غرِداً- وتلكَ سعادة ُ الشعراءِ
أُصغِي لموسيقى الحياة ِ، وَوَحْيها وأذيبُ روحَ الكونِ في إنْشائي
وأُصِيخُ للصّوتِ الإلهيِّ، الَّذي يُحيي بقلبي مَيِّتَ الأصْداءِ
وأقول للقَدَرِ الذي لا يَنْثني عن حرب آمالي بكل بلاءِ:
“-لا يطفىء اللهبَ المؤجَّجَ في دَمي موجُ الأسى ، وعواصفُ الأرْزاءِ
«فاهدمْ فؤادي ما استطعتَ، فإنَّهُ سيكون مثلَ الصَّخْرة الصَّمَّاءِ»
لا يعرفُ الشكْوى الذَّليلة َ والبُكا، وضَراعَة َ الأَطْفالِ والضُّعَفَاء
«ويعيشُ جبَّارا، يحدِّق دائماً بالفَجْرِ..، بالفجرِ الجميلِ، النَّائي
واملأْ طريقي بالمخاوفِ، والدّجى ، وزَوابعِ الاَشْواكِ، والحَصْباءِ
وانشُرْ عليْهِ الرُّعْبَ، وانثُرْ فَوْقَهُ رُجُمَ الرّدى ، وصواعِقَ البأساءِ»
«سَأَظلُّ أمشي رغْمَ ذلك، عازفاً قيثارتي، مترنِّما بغنائي»
«أمشي بروحٍ حالمٍ، متَوَهِّجٍ في ظُلمة ِ الآلامِ والأدواءِ»
النّور في قلبِي وبينَ جوانحي فَعَلامَ أخشى السَّيرَ في الظلماءِ»
«إنّي أنا النّايُ الذي لا تنتهي أنغامُهُ، ما دامَ في الأحياءِ»
«وأنا الخِضَمُّ الرحْبُ، ليس تزيدُهُ إلا حياة ً سَطْوة ُ الأنواءِ»
أمَّا إذا خمدَتْ حَياتي، وانْقَضَى عُمُري، وأخرسَتِ المنيَّة ُ نائي»
«وخبا لهيبُ الكون في قلبي الذي قدْ عاشَ مثلَ الشُّعْلة ِ الحمْراءِ
فأنا السَّعيدُ بأنني مُتَحوِّلٌ عَنْ عَالمِ الآثامِ، والبغضاءِ»
«لأذوبَ في فجر الجمال السرمديِّ وأَرْتوي منْ مَنْهَلِ الأَضْواءِ”
وأقولُ للجَمْعِ الذينَ تجشَّموا هَدْمي وودُّوا لو يخرُّ بنائي
ورأوْا على الأشواك ظلِّيَ هامِداً فتخيّلوا أنِّي قَضَيْتُ ذَمائي
وغدوْا يَشُبُّون اللَّهيبَ بكلِّ ما وجدوا..، ليشوُوا فوقَهُ أشلائي
ومضُوْا يمدُّونَ الخوانَ، ليأكُلوا لحمي، ويرتشفوا عليه دِمائي
إنّي أقول ـ لَهُمْ ـ ووجهي مُشْرقٌ وَعلى شِفاهي بَسْمة اسْتِهزاءِ-:
“إنَّ المعاوِلَ لا تهدُّ مَناكِبي والنَّارَ لا تَأتي عَلَى أعْضائي
«فارموا إلى النَّار الحشائشَ..، والعبوا يا مَعْشَرَ الأَطفالِ تحتَ سَمائي»
«وإذا تمرّدتِ العَواصفُ، وانتشى بالهول قَلْبُ القبّة ِ الزَّرقاءِ»
«ورأيتموني طائراً، مترنِّماً فوقَ الزّوابعِ، في الفَضاءِ النائي
«فارموا على ظلّي الحجارة َ، واختفوا خَوْفَ الرِّياحِ الْهوجِ والأَنواءِ..»
وهُناك، في أمْنِ البُيوتِ،تَطارَحُوا عثَّ الحديثِ، وميِّتَ الآراءِ»
«وترنَّموا ـ ما شئتمُ ـ بِشَتَائمي وتجاهَرُوا ـ ما شئتمُ ـ بِعدائي»
أما أنا فأجيبكم من فوقِكم والشمسُ والشفقُ الجميلُ إزائي:
مَنْ جاشَ بِالوَحْيِ المقدَّسِ قلبُه لم يحتفِلْ بفداحة الأعباءِ”

سَئِمْتُ الحياة َ، وما في الحياة ِ

سَئِمْتُ الحياة َ، وما في الحياة ِ وما أن تجاوزتُ فجرَ الشَّبابْ
سَئِمتُ اللَّيالي، وَأَوجَاعَها وما شَعْشَعتْ مَنْ رَحيقِ بصابْ
فَحَطّمتُ كَأسي، وَأَلقَيتُها بِوَادي الأَسى وَجَحِيمِ العَذَابْ
فأنَّت، وقد غمرتها الدموعُ وَقَرّتْ، وَقَدْ فَاضَ مِنْهَا الحَبَابْ
وَأَلقى عَلَيها الأَسَى ثَوْبَهُ وَأقبرَها الصَّمْتُ والإكْتِئَابْ
فَأَينَ الأَمَانِي وَأَلْحَانُها؟ وأَينَ الكؤوسُ؟ وَأَينَ الشَّرابْ
لَقَدْ سَحَقَتْها أكفُّ الظَّلاَمِ وَقَدْ رَشَفَتْها شِفَاهُ السَّرابْ
فَمَا العَيْشُ فِي حَوْمة ٍ بَأْسُهَا شديدٌ، وصدَّاحُها لا يُجابْ
كئيبٌ، وحيدٌ بآلامِه وأَحْلامِهِ، شَدْوُهُ الانْتحَابْ
ذَوَتْ في الرَّبيعِ أَزَاهِيرُهَا فنِمْنَ، وقَد مصَّهُنَّ التّرابْ
لَوينَ النَّحورَ على ذِلَّة ٍ ومُتنَ، وأَحلامَهنَّ العِذابْ
فَحَالَ الجَمَالُ، وَغَاضَ العبيرُ وأذوى الرَّدى سِحرَهُنَّ العُجابْ

لست أبكي لعسف ليل طويل

لَسْتُ أبْكي لِعَسْفِ لَيْلٍ طَويلٍأَوْ لِربعٍ غَدَا العَفَاءُ مَرَاحهْ
إنَّما عَبْرَتِي لِخَطْبٍ ثَقِيلٍقد عَرانا، ولم نجد من أزاحهُ
كلّما قامَ في البلادِ خطيبٌ،مُوقِظٌ شَعْبَهُ يُرِيدُ صَلاَحَهْ
ألبسوا روحَهُ قميصَ اضطهادٍفاتكٍ شائكٍ يردُّ جِماحَهْ
وتوخَّوْاطرائقَ العَسف الإِرْهَاقِ تَوًّا، وَمَا تَوَخَّوا سَمَاحَهْ
هكذا المخلصون في كلِّ صوبٍرَشَقَاتُ الرَّدَى إليهم مُتَاحَهْ
غيرَ أنَّا تناوبتنا الرَّزاياواستباحَتْ حَمانا أيَّ استباحَهْ
أَنَا يَا تُوْنُسَ الجَمِيلَة َ فِي لُجِّالهَوى قَدْ سَبَحْتُ أَيَّ سِبَاحَهْ
شِرْعَتي حُبُّكِ العَمِيقُ وإنِّيقَدْ تَذَوَّقْتُ مُرَّهُ وَقَرَاحَهْ
لستُ أنصاعُ للوَّاحي ولو مــتُّ وقامتْ على شبابي المناحَة ْ
لا أبالي.., وإنْ أُريقتْ دِمائيفَدِمَاءُ العُشَّاق دَوْماً مُبَاحَهْ
وبطولِ المَدى تُريكَ اللياليصَادِقَ الحِبِّ وَالوَلاَ وَسَجاحَهْ
إنَّ ذا عَصْرُ ظُلْمَة ٍ غَيْرَ أنِّيمِنْ وَرَاءِ الظَّلاَمِ شِمْتُ صَبَاحَهْ
ضَيَّعَ الدَّهْرُ مَجْدَ شَعْبِي وَلكِنْسَتَرُدُّ الحَيَاة ُ يَوماً وِشَاحَهْ
أبيات أبو القاسم الشابي