كنَّا كزوجي طائِرِ، في دوحة الحُبّ الأَمينْ
غَنَّاهْ الأَمْسُ، وأَطْرَبَهُ
غَنَّاهْ الأَمْسُ، وأَطْرَبَهُ | وشجاه اليومُ، فما غدُهُ؟ |
قَدْ كان له قلبٌ، كالطِّفْلِ، | يدُ الأحلامِ تُهَدْهِدُهُ |
مُذْ كان له مَلَكُ في الكون | جميلُ الطَلعَة ، يعبدُه |
في جَوْفِ اللَّيلِ، يُنَاجيهِ | وَأَمَامَ الفَجْرِ، يُمَجِّدُهُ |
وعلى الهضباتِ، يغنِّيه | آيات الحبّ، ويُنشدُهُ |
تَمْشي في الغابِ فَتَتْبعه | أَفَراحُ الحُبِّ، وَتَنْشُدُهُ |
ويرى الافاقَ فيبصرها | زُمراً في النَّور، تُراصدهُ |
ويرى الأطيارَ، فيحسبُها | أحلام الحُبِّ تغرِّدهُ |
ويرى الأزهارَ، فيحسبها | بسَماتِ الحُبّ توادِدُهُ |
فَيَخَالُ الكونَ يناجيهِ! | وجمالَ العاَلمِ يُسعدُه! |
ونجومَ الليل تضاحكُهُ! | ونسيمَ الغابَ يطاردُهُ! |
ويخال الوردَ يداعبهُ | فرِحاً، فتعابثه يدُهُ!.. |
ويرى الينبوعَ، ونَضرتَه، | ونسيمُ الصُّبح يجعِّدهُ |
وخريرُ الماء له نغَمٌ | نسماتُ الغاب تردّدهُ |
ويرى الأعشابَ وقد سمقَت | بينَ الأشجارِ تشاهدهُ |
ونطافُ الطلِّ تُنَمِّقُها | فيجل الحبَّ ويحمدهُ |
ياللأيام! فكم سَرَّت | قلْباً في النّاسِ لِتُكْمِدَهُ |
هي مثل العاهر، عاشقها | تسقيه الخمر..، وتطردُهُ! |
يعطيكَ اليومُ حلاوتَها | كالشَّهْدِ، لَيَسْلُبَهَا غَدُهُ! |
بالأمسِ يعانقُها فرحاً | ويضاجعُها، فتُوسِّدُهُ |
واليومَ، يُسايرُها شَبَحاً | أضناه الحُزنُ، ونكَّدُهُ |
يتلو في الغَابِ مَرَاثِيَه | وجذوعُ السَّروِ تساندُهُ |
ويماشي الّناسِ، وما أحدٌ | منهم يُشجيه تفرُّدُهُ |
في ليل الوَحْشَة ِ مسْراهُ | وَبِكَهْفِ الوَحْدَة ِ مرقَدُهُ |
أصواتُ الأمسِ تُعَذِّبه | وخيالُ الموتِ يُهَدِّدُهُ |
بالأمسِ، له شفَقٌ في الكونِ | ُيضئُ الأفقَ تورُّدُهُ |
واليومَ لقد غشَّاه الليلُ | |
غنَّاه الأمسُ وَأَطْرَبَهُ | وشجاه اليومُ، فما غدهُ؟ |
لا ينهض الشعب إلا حين يدفعه
لا ينهضُ الشعبُ إلاَّ حينَ يدفعهُ | عَزْمُ الحياة ِ، إذا ما استيقظتْ فيهِ |
والحَبُّ يخترقُ الغَبْراءَ، مُنْدفعاً | إلى السماء، إذا هبَّتْ تُناديهِ |
والقيدُ يأَلَفُهُ الأمواتُ، ما لَبِثوا | أمَّا الحيَاة ُ فيُبْلها وتُبْليهِ |
يا إله الوجود هذي جراح
يا إلهَ الوجودِ! هذي جراحٌ | في فؤادي، تشْكو إليْك الدّواهي |
هذه زفرة ٌ يُصعِّدها الهمُّ | إلى مَسْمَعِ الفَضَاء السَّاهي |
فلقد جرّعني صوتُ الظّلام | |
هَذِهِ مُهْجَة ُ الشَّقَاءِ تُنَاجيكَ | فهلْ أنتَ سامعٌ يا إلهي؟ |
أنتَ أنزلتني إل ظلمة ِ الأرض | وقد كنتُ في صباحٍ زارهِ |
أَلَماً علّمني كرِهَ الحياة | |
كَجَدْولٍ في مَضَايِقِ السُّبُلُ | |
كالشّعاع الجميل، أَسْبَحُ في الأفق | وأُصْغي إلى خرير المياهِ |
وأُغنِّي بينَ الينابيعِ للفَجْر | وأشدو كالبلبلِ التَّيَّاهِ |
أَنَا كَئيبْ، | |
أنتَ أوصلتَني إلى سبل الدنيا | وهذي كثيرة ُ الأشتباهِ |
ثم خلَّفَتَني وحيداً، فريداً | فَهْوَ يا ربِّ مَعْبَدُ الحقِّ، |
أنتَ أوقفتَني على لُجَّة الحزْنِ | وجَرَّعتني مرارة َ آهِ! |
أنت أنشأتني غريباً بنفسي | بين قوميْ، في نشْوتي وانتباهي |
ـامي، وآياتِ فنِّهِ المتناهي | وحبَّبْتَني جُمَودَ السَّاهي |
وتلاشت في سكون الأكتئاب | |
أنتَ جَبَّلتَ بين جنبيَّ قلباً | سرمديَّ الشُّعور والانتباهِ |
عبقريَّ الأسى : تعذِّبه الدنيا | وتُشْجيه ساحراتُ الملاهي! |
أيها العصفورْ | |
أنتَ عذّبتني بِدِقَّة حِسِّي | وتعقَّبْتَني بكلّ الدَّواهي |
بالمنايا تَغْتال أشْهى أمانيَّ | وتُذوِي محاجري، وَشِفاهي |
فإذا من أحبُّ حفنة ُ تُرْبٍ | تافهٍ، مِنْ تَرائبٍ وَجِبَاهِ |
أنَّة َ الأوتار..! | |
غَرِيبَة ٌ فِي عَوَالِمِ الحَزَن | |
يتلاشى فوق الخضَمِّ: ويبقى الـ | ـيمُّ كالعهدِ مُزْبدَ الأمواه… |
مرّت ليالٍ خبَتْ مع الأمدِ | |
يا إلهَ الوجودِ! مالكَ لا تَرثي | لحزن المُعَذَّب الأوَّاهِ؟ |
قد تأوَّهتُ في سكونِ اللّيالي | ثم أطبقتُ في الصّباح شِفاهي |
رُوحِي، وَتَبْقَى بِها إلى الأَبَدِ | |
يَا رِياحَ الوجود! سيري بعنفٍ | وتغنِّيْ بصوتك الأوَّاه |
وانفحيني مِنْ رُوحِكِ الفَخْم ما يُبْـ | ـلغُ صَوْتي آذَانَ هذا الإلهِ |
وانثُري الوَرْدَ للثُّلوجِ بدَاداً | واصعقي كلّ بُلبلٍ تَيَّاه |
فالوجودُ الشقيُّ غيرُ جديرٍ | وَهْوَ نايُ الجمالِ، والحبِّ، والأحْـ |
فالإله العظيم لميخلق لدنيا | سوى للفناءِ تَحْتَ الدّواهي |
مَشَاعِرِي فِي جَهَنَّمَ الأَلمِ |
شعري نُفَاثة صدري
شعري نُفَاثة صدري | إنْ جَاشَ فِيه شُعوري |
لولاه ما أنجاب عنّي | غَيْمُ الحياة ِ الخطيرِ |
ولا وجدتَ أكتئابي | ولا وجدت سروري |
بِهِ تَراني حزيناً | أبكي بدمعٍ غزيرِ |
به تراني طروباً | أجرّ ذيلَ خُبوري |
لا أنظمُ الشعرَ أرجو | به رضاءَ الأمير |
بِمِدْحَة ٍ أو رثاءٍ | تُهْدَى لربّ السريرِ |
حسْبي إذا قلتُ شعراً | أن يرتضيهِ ضَميري |
مالشعرُ إلا فضاءٌ | يَرفُّ فيه مَقالي |
فيما يَسُرُّ بلادي | وما يسرُّ المعالي |
وما يُثِيرُ شُعوري | من خافقاتِ خيالي |
لا أقرضُ الشعرَ أبغي | به اقتناصَ نَوال |
الشِّعرُ إنْ لمْ يكنْ في | جمالِهِ ذَا جَلالِ |
فإنَّما هُوَ طيفٌ | يَسْعَى بوادي الظِّلال |
يقضي الحياة َ طريداً | في ذِلّة ، واعتزال |
يا شعرُ! أنت مِلاكي | وطارِفِي، وتِلادي |
أنا إليكَ مُرادٌ | وأنتَ نِعْمَ مُرادي |
قِف، لا تَدَعْني وحيداً | ولا أدعك تنادي |
فَهَلْ وجدتَ حُساماً | يُناط دون نجادِ |
كَمْ حَطَّمَ الدَّهْرُ | ذا هِمَّة ٍ كثيرَ الرّمادِ |
ألقاه تَحْتَ نعالٍ | من ذِلَّة وحِدادِ |
رِفقاً بأَهْلِ بلادي! | يا منجنون العَوادي! |
إن الحياة صراع
إنَّ الحياة َ صِراعٌ | فيها الضّعيفُ يُداسْ |
ما فَازَ في ماضِغيها | إلا شديدُ المراسْ |
للخِبِّ فيها شجونٌ | فَكُنْ فتى الإحتراسْ |
الكونُ كونُ شفاءٍ | الكونُ كونُ التباسْ |
الكونُ كونُ اختلاقٍ | وضجّة ٌ واختلاسْ |
السرور | والابتئاسْ |
بين النوائبِ بونٌ | للنّاس فيه مزايا |
البعضُ لم يدرِ إلا | البِلى ينادي البلايا |
والبعضُ مَا ذَاقَ منها | سوى حقيرِ الرزايا |
إنَّ الحياة َ سُبَاتٌ | سينقضي بالمنايا |
وما الرُّؤى فيهِ إلاَّ | آمالُنَا، والخَطايا |
فإن تيقّظَ كانتْ | بين الجفون بقايا |
كلُّ البلايا…جميعاً | تفْنى ويحْيا السلامْ |
والذلُّ سبُّهُ عارٍ | لا يرتضيهِ الكِرامْ |
الفجر يسطع بعد الدّ | ُجى ، ويأتي الضِّياءْ |
ويرقُدُ اللَّيْلُ قَسْراً | على مِهَادِ العَفَاءْ |
وللشّعوب حياة ٌ | حِينا وحِينا فَنَاءْ |
واليأْسُ موتٌ ولكنْ | موتٌ يثيرُ الشّقاءْ |
والجِدُّ للشَّعْبِ روحٌ | تُوحِي إليهِ الهَناءْ |
فإن تولَّتْ تصدَّت | حَيَاتُهُ لِلبَلاءْ |