| سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعْداءِ | كالنِّسْر فوقَ القِمَّة ِ الشَّمَّاءِ |
| أَرْنو إِلَى الشَّمْسِ المضِيئّة ِ..،هازِئاً | بالسُّحْبِ، والأمطارِ، والأَنواءِ |
| لا أرمقُ الظلَّ الكئيبَ..، ولا أَرى | ما في قرار الهَوّة ِ السوداءِ… |
| وأسيرُ في دُنيا المشاعِر، حَالماَ، | غرِداً- وتلكَ سعادة ُ الشعراءِ |
| أُصغِي لموسيقى الحياة ِ، وَوَحْيها | وأذيبُ روحَ الكونِ في إنْشائي |
| وأُصِيخُ للصّوتِ الإلهيِّ، الَّذي | يُحيي بقلبي مَيِّتَ الأصْداءِ |
| وأقول للقَدَرِ الذي لا يَنْثني | عن حرب آمالي بكل بلاءِ: |
| “-لا يطفىء اللهبَ المؤجَّجَ في دَمي | موجُ الأسى ، وعواصفُ الأرْزاءِ |
| «فاهدمْ فؤادي ما استطعتَ، فإنَّهُ | سيكون مثلَ الصَّخْرة الصَّمَّاءِ» |
| لا يعرفُ الشكْوى الذَّليلة َ والبُكا، | وضَراعَة َ الأَطْفالِ والضُّعَفَاء |
| «ويعيشُ جبَّارا، يحدِّق دائماً | بالفَجْرِ..، بالفجرِ الجميلِ، النَّائي |
| واملأْ طريقي بالمخاوفِ، والدّجى ، | وزَوابعِ الاَشْواكِ، والحَصْباءِ |
| وانشُرْ عليْهِ الرُّعْبَ، وانثُرْ فَوْقَهُ | رُجُمَ الرّدى ، وصواعِقَ البأساءِ» |
| «سَأَظلُّ أمشي رغْمَ ذلك، عازفاً | قيثارتي، مترنِّما بغنائي» |
| «أمشي بروحٍ حالمٍ، متَوَهِّجٍ | في ظُلمة ِ الآلامِ والأدواءِ» |
| النّور في قلبِي وبينَ جوانحي | فَعَلامَ أخشى السَّيرَ في الظلماءِ» |
| «إنّي أنا النّايُ الذي لا تنتهي | أنغامُهُ، ما دامَ في الأحياءِ» |
| «وأنا الخِضَمُّ الرحْبُ، ليس تزيدُهُ | إلا حياة ً سَطْوة ُ الأنواءِ» |
| أمَّا إذا خمدَتْ حَياتي، وانْقَضَى | عُمُري، وأخرسَتِ المنيَّة ُ نائي» |
| «وخبا لهيبُ الكون في قلبي الذي | قدْ عاشَ مثلَ الشُّعْلة ِ الحمْراءِ |
| فأنا السَّعيدُ بأنني مُتَحوِّلٌ | عَنْ عَالمِ الآثامِ، والبغضاءِ» |
| «لأذوبَ في فجر الجمال السرمديِّ | وأَرْتوي منْ مَنْهَلِ الأَضْواءِ” |
| وأقولُ للجَمْعِ الذينَ تجشَّموا | هَدْمي وودُّوا لو يخرُّ بنائي |
| ورأوْا على الأشواك ظلِّيَ هامِداً | فتخيّلوا أنِّي قَضَيْتُ ذَمائي |
| وغدوْا يَشُبُّون اللَّهيبَ بكلِّ ما | وجدوا..، ليشوُوا فوقَهُ أشلائي |
| ومضُوْا يمدُّونَ الخوانَ، ليأكُلوا | لحمي، ويرتشفوا عليه دِمائي |
| إنّي أقول ـ لَهُمْ ـ ووجهي مُشْرقٌ | وَعلى شِفاهي بَسْمة اسْتِهزاءِ-: |
| “إنَّ المعاوِلَ لا تهدُّ مَناكِبي | والنَّارَ لا تَأتي عَلَى أعْضائي |
| «فارموا إلى النَّار الحشائشَ..، والعبوا | يا مَعْشَرَ الأَطفالِ تحتَ سَمائي» |
| «وإذا تمرّدتِ العَواصفُ، وانتشى | بالهول قَلْبُ القبّة ِ الزَّرقاءِ» |
| «ورأيتموني طائراً، مترنِّماً | فوقَ الزّوابعِ، في الفَضاءِ النائي |
| «فارموا على ظلّي الحجارة َ، واختفوا | خَوْفَ الرِّياحِ الْهوجِ والأَنواءِ..» |
| وهُناك، في أمْنِ البُيوتِ،تَطارَحُوا | عثَّ الحديثِ، وميِّتَ الآراءِ» |
| «وترنَّموا ـ ما شئتمُ ـ بِشَتَائمي | وتجاهَرُوا ـ ما شئتمُ ـ بِعدائي» |
| أما أنا فأجيبكم من فوقِكم | والشمسُ والشفقُ الجميلُ إزائي: |
| مَنْ جاشَ بِالوَحْيِ المقدَّسِ قلبُه | لم يحتفِلْ بفداحة الأعباءِ” |
أيها الحب أنت سر بلائي
| أيُّها الحُبُّ أنْتَ سِرُّ بَلاَئِي | وَهُمُومِي، وَرَوْعَتِي، وَعَنَائي |
| وَنُحُولِي، وَأَدْمُعِي، وَعَذَابي | وَسُقَامي، وَلَوْعَتِي، وَشَقائي |
| أيها الحب أنت سرُّ وُجودي | وحياتي ، وعِزَّتي، وإبائي |
| وشُعاعي ما بَيْنَ دَيجورِ دَهري | وأَليفي، وقُرّتي، وَرَجائي |
| يَا سُلافَ الفُؤَادِ! يا سُمَّ نَفْسي | في حَيَاتي يَا شِدَّتي! يَا رَخَائي |
| ألهيبٌ يثورٌ في روْضَة ِ النَّفَسِ، فيـ | ـطغى ، أم أنتَ نورُ السَّماءِ |
| أيُّها الحُبُّ قَدْ جَرَعْتُ بِكَ الحُزْ | نَ كُؤُوساً، وَمَا اقْتَنَصْتُ ابْتِغَائي |
| فَبِحَقِّ الجَمَال، يَا أَيُّها الحُـ | ـبُّ حنانَيْكَ بي! وهوِّن بَلائي |
| لَيْتَ شِعْري! يَا أَيُّها الحُبُّ، قُلْ لي: | مِنْ ظَلاَمٍ خُلِقَتَ، أَمْ مِنْ ضِيَاءِ |
سَئِمْتُ الحياة َ، وما في الحياة ِ
| سَئِمْتُ الحياة َ، وما في الحياة ِ | وما أن تجاوزتُ فجرَ الشَّبابْ |
| سَئِمتُ اللَّيالي، وَأَوجَاعَها | وما شَعْشَعتْ مَنْ رَحيقِ بصابْ |
| فَحَطّمتُ كَأسي، وَأَلقَيتُها | بِوَادي الأَسى وَجَحِيمِ العَذَابْ |
| فأنَّت، وقد غمرتها الدموعُ | وَقَرّتْ، وَقَدْ فَاضَ مِنْهَا الحَبَابْ |
| وَأَلقى عَلَيها الأَسَى ثَوْبَهُ | وَأقبرَها الصَّمْتُ والإكْتِئَابْ |
| فَأَينَ الأَمَانِي وَأَلْحَانُها؟ | وأَينَ الكؤوسُ؟ وَأَينَ الشَّرابْ |
| لَقَدْ سَحَقَتْها أكفُّ الظَّلاَمِ | وَقَدْ رَشَفَتْها شِفَاهُ السَّرابْ |
| فَمَا العَيْشُ فِي حَوْمة ٍ بَأْسُهَا | شديدٌ، وصدَّاحُها لا يُجابْ |
| كئيبٌ، وحيدٌ بآلامِه | وأَحْلامِهِ، شَدْوُهُ الانْتحَابْ |
| ذَوَتْ في الرَّبيعِ أَزَاهِيرُهَا | فنِمْنَ، وقَد مصَّهُنَّ التّرابْ |
| لَوينَ النَّحورَ على ذِلَّة ٍ | ومُتنَ، وأَحلامَهنَّ العِذابْ |
| فَحَالَ الجَمَالُ، وَغَاضَ العبيرُ | وأذوى الرَّدى سِحرَهُنَّ العُجابْ |
ألا إن أحلام الشباب ضئيلة
| أَلا إنَّ أَحْلاَمَ الشَّبَابِ ضَئِيلَة ٌ | تُحَطِّمُهَا مِثْلَ الغُصُونِ المَصَائِبُ |
| سألتُ الدَّياجي عن أماني شبيبَتي | فَقَالَتْ: «تَرَامَتْهَا الرِّياحُ الجَوَائِبُ» |
| وَلَمَّا سَأَلْتُ الرِّيحَ عَنْها أَجَابَنِي: | “تلقَّفها سَيْلُ القَضا، والنَّوائبُ |
| فصارَت عفاءً، واضمحلَّت كذرَّة ٍ | عَلى الشَّاطِىء المَحْمُومِ، وَالمَوْجُ صَاخِبُ» |
في الليل ناديت الكواكب ساخطا
| في اللّيل نَادَيتُ الكَوَاكِبَ ساخطاً | متأجَّجَ الآلام والآراب |
| “الحقلُ يملكه جبابرة ُ الدّجى | والروضُ يسكنه بنو الأرباب |
| «والنَّهرُ، للغُول المقدّسة التي | لا ترتوي، والغابُ للحَطّابِ» |
| «وعرائسُ الغابِ الجميلِ، هزيلة ٌ | ظمأى لِكُلِّ جَنى ً، وَكُلِّ شَرابِ» |
| ما هذه الدنيا الكريهة ُ؟ ويلَها! | حَقّتْ عليها لَعْنَة ُ الأَحْقابِ!» |
| الكونُ مُصغٍ، ياكواكبُ، خاشعٌ | طال انتظاري، فانطقي بِجواب”! |
| فسمعتُ صوتاً ساحراً، متموجاً | فوق المروجِ الفيحِ، والأَعْشابِ |
| وَحَفيفَ أجنحة ٍ ترفرف في الفضا | وصدى ً يَرنُّ على سُكون الغابِ: |
| الفجرُ يولدُ باسماً، مُتَهَلِّلاً | في الكونِ، بين دُحنِّة ٍ وضباب |
فلسفة الثعبان المقدس
| كانَ الربيعُ الحُيُّ روحاً، حالماً | غضَّ الشَّبابِ، مُعَطَّرَ الجلبابِ |
| يمشي على الدنيا، بفكرة شاعرٍ | ويطوفها، في موكبٍ خلاَّبِ |
| والأُفقُ يملأه الحنانُ، كأنه | قلبُ الوجود المنتِجِ الوهابِ |
| والكون من طهرِ الحياة كأنما | هُوَ معبدٌ، والغابُ كالمحرابِ |
| والشّاعرُ الشَّحْرورُ يَرْقُصُ، مُنشداً | للشمس، فوقَ الوردِ والأعشابِ |
| شعْرَ السَّعادة والسَّلامِ، ونفسهُ | سَكْرَى بسِحْر العالَم الخلاّبِ |
| ورآه ثعبانُ الجبالِ، فغمَّه | ما فيه من مَرَحٍ، وفيْضِ شبابِ |
| وانقضّ، مضْطَغِناً عليه، كأنَّه | سَوْطُ القضاءِ، ولعنة ُ الأربابِ |
| بُغتَ الشقيُّ، فصاح من هول القضا | متلفِّتاً للصائل المُنتابِ |
| وتَدَفَّق المسكين يصرخُ ثائراً: | «ماذا جنيتُ أنا فَحُقَّ عِقابي؟» |
| لاشيءِ، إلا أنني متغزلٌ | بالكائنات، مغرِّدٌ في غابي |
| «أَلْقَى من الدّنيا حناناً طاهراً | وأَبُثُّها نَجْوَى المحبِّ الصّابي» |
| «أَيُعَدُّ هذا في الوجود جريمة ً؟! | أينَ العدالة ُ يا رفاقَ شبابي؟» |
| «لا أين؟، فالشَّرْعُ المقدّسُ ههنا | رأيُ القويِّ، وفكرة ُ الغَلاّبِ!» |
| «وَسَعَادة ُ الضَّعفاءِ جُرْمُ..، ما لَهُ | عند القويِّ سوى أشدِّ عِقَاب!» |
| ولتشهد- الدنيا التي غَنَّيْتَها | حُلْمَ الشَّبابِ، وَرَوعة َ الإعجابِ |
| «أنَّ السَّلاَمَ حَقِيقة ٌ، مَكْذُوبة ٌ | والعَدْلَ فَلْسَفَة ُ اللّهيبِ الخابي» |
| «لا عَدْلَ، إلا إنْ تعَادَلَتِ القوَى | وتَصَادَمَ الإرهابُ بالإرهاب» |
| فتَبَسَّمّ الثعبانُ بسمة َ هازئٍ | وأجاب في سَمْتٍ، وفرطِ كِذَابِ: |
| «يا أيُّها الغِرُّ المثرثِرُ، إنَّني | أرثِي لثورة ِ جَهْلكَ الثلاّبِ» |
| والغِرُّ بعذره الحكيمُ إذا طغى | جهلُ الصَّبا في قلبه الوثّابِ |
| فاكبح عواطفكَ الجوامحَ، إنها | شَرَدَتْ بلُبِّكَ، واستمعْ لخطابي» |
| أنِّي إلهٌ، طاَلَما عَبَدَ الورى | ظلِّي، وخافوا لعنَتي وعقابي» |
| وتقدَّوموا لِي بالضحايا منهمُ | فَرحينَ، شأنَ العَابدِ الأوّابِ» |
| «وَسَعَادة ُ النَّفسِ التَّقيَّة أنّها | يوماً تكونُ ضحيَّة َ الأَربابِ» |
| «فتصيرُ في رُوح الألوهة بضعة ً، | قُدُسية ٌ، خلصت من الأَوشابِ |
| أفلا يسرُّكَ أن تكون ضحيَّتي | فتحُلَّ في لحمي وفي أعصابي» |
| وتكون عزماً في دمي، وتوهَّجاً | في ناظريَّ، وحدَّة ً في نابي |
| «وتذوبَ في رُوحِي التي لا تنتهي | وتصيرَ بَعََض ألوهتي وشبابي..؟ |
| إني أردتُ لك الخلودَ، مؤلَّهاً | في روحي الباقي على الأحقابِ.. |
| فَكِّرْ، لتدركَ ما أريدُ، وإنّه | أسمى من العيش القَصيرِ النَّابي» |
| فأجابه الشحرورُ ، في غُصًَِ الرَّدى | والموتُ يخنقه: «إليكَ جوابي»: |
| لا رأي للحقِّ الضعيف، ولا صدّى ، | الرَّأيُ، رأيُ القاهر الغلاّبِ |
| «فافعلْ مشيئَتكَ التي قد شئتَها | وارحم جلالَكَ من سماع خطابي” |
| وكذاك تتَّخَذُ المَظَالمُ منطقاً | عذباً لتخفي سَوءَة َ الآرابِ |