| لمَّا أَتمَّ نوحٌ السَّفِينة | وحَرَّكَتْها القُدْرَة المُعِينة |
| جَرى بها ما لا جَرَى بِبالِ | فما تعالى الموْجُ كالجِبالِ |
| حتى مشى الليثُ مع الحمار | وأَخَذ القِطُّ بأَيدِي الفارِ |
| واستمعَ الفيلَ إلى الخنزيرِ | مُؤتَنِساً بصوتِه النَّكيرِ |
| وجلس الهِرُّ بجنب الكلبِ | وقبَّل الخروفُ نابَ الذِّئبِ |
| وعطفَ البازُ على الغزالِ | واجتمع النملُ على الأكَّال |
| وفلت الفرخة ُ صوفَ الثعلب | وتيَّمَ ابنَ عرسَ حبُّ الأرنبِ |
| فذهبتْ سوابقُ الأحقادِ | وظَهر الأَحبابُ في الأَعادي |
| حتى إذا حطُّوا بسفحِ الجودي | وأيقنوا بعودة ِ الوجودِ |
| عادوا إلى ما تَقتَضيهِ الشِّيمة | وَرَجَعُوا للحالة القديمة |
| فقسْ على ذلك أحوالَ البشرْ | إذْ كلهم على الزمان العادي |
لم يَتَّفِقْ مما جَرَى في المركبِ
| لم يَتَّفِقْ مما جَرَى في المركبِ | ككذبِ القردِ على نوحِ النبي |
| فإنه كان بأقصى السطحِ | فاشتاقَ من خفته للمزحِ |
| وصاحَ: يا للطير والأسماكِ | لِموْجَة ٍ تجِدُّ في هَلاكي! |
| فَبعثَ النبي له النسورا | فوجَدَتْه لاهياً مسرورا |
| ثم أتى ثانية ً يصيحُ | قد ثقبتْ مركبنا يا نوحُ! |
| فأَرسَل النبيُّ كلَّ مَن حَضرْ | فلم يروا كما رأى القرد خطر |
| وبينما السَّفيهُ يوماً يَلعبُ | جادَتْ به على المِياهِ المركبُ |
| فسمعوه في الدُّجى ينوحُ | يقولُ: إني هالكٌ يا نوحُ |
| سَقطْتُ من حماقتي في الماءِ | وصِرْتُ بين الأَرضِ والسماءِ |
| فلم يصدقْ أحدٌ صياحهْ | وقيلَ حقاً هذه وقاحَهْ |
| قد قال في هذا المقامِ مَن سَبَقْ | أكذبُ ما يلفي الكذوبُ إن صدق |
| من كان ممنواً بداءِ الكذبِ | لا يَترُكُ الله، ولا يُعفِي نبي! |
قد ود نوح أن يباسط قومه
| قد وَدّ نوحٌ أَن يُباسِطَ قوْمَهُ | فدعا إليهِ معاشرَ الحيوانِ |
| وأشار أنْ يليَ السفينة َ قائدٌ | منهم يكونُ من النهى بمكان |
| فتقدّمَ الليثُ الرفيع جلاله | وتعرّضَ الفيلُ الفخيمُ الشان |
| وتلاهما باقي السباعِ، وكلهمْ | خَرُّوا لهيبتِهِ إلى الأَذقان |
| حتى إذا حيُّوا المؤيَّدَ بالهدى | ودَعَوْا بطولِ العزِّ والإمكان |
| سبقتهم لخطابِ نوحٍ نملة ٌ | كانت هناكَ بجانِبِ الأَرْدان |
| قالت: نبيَّ اللهِ، أرضى فارسٌ | وأَنا يَقيناً فارسُ الميْدانِ |
| سأديرُ دفتها، وأحمي أهلها | وأقودها في عصمة ٍ وأمان |
| ضحكَ النبيُّ وقال: إنّ سفينتيَ | لهِيَ الحياة ، وأَنتِ كالإنسان |
| كل الفضائِل والعظائمِ عنده | هو أَوّلٌ، والغيْرُ فيها الثاني |
| ويودُّ لو ساسَ الزَّمانَ، وما لَهُ | بأَقلِّ أَشغالِ الزمان يَدان |
الدبُّ معروفٌ بسوءِ الظنِّ
| الدبُّ معروفٌ بسوءِ الظنِّ | فاسمعْ حديثَهُ العجيبَ عنِّي |
| لمَّا استطال المُكْثَ في السَّفينهْ | ملَّ دوامَ العيشة ِ الظنينه |
| وقال: إن الموْتَ في انتظاري | والماءُ لا شكَّ به قراري |
| ثم رأى موجاً على بعدٍ علا | فظنَّ أن في الفضاء جبلا |
| فقال: لا بُدَّ من النزولِ | وصَلْتُ، أَو لم أَحْظَ بالوُصولِ |
| قد قال مَن أَدَّبَهُ اختبارُه | السعيُ للموتِ ولا انتظاره! |
| فأَسلمَ النفسَ إلى الأمواجِ | وهْيَ مع الرياحِ في هياجِ |
| فشرِبَ التعيسُ منها، فانتفَخْ | ثم رَسا على القرارِ، ورسَخ |
| وبعدَ ساعتَينِ غِيضَ الماءُ | وأَقلَعَتْ بأَمْرِهِ السماءُ |
| وكان في صاحبنا بعض الرمق | إذ جاءَهُ الموتُ بطيئاً في الغرَقْ |
| وكان في صاحبنا فوقَ الجودي | والرَّكبُ في خيْرٍ وفي سُعودِ |
| فقال: يا لجدِّي التعيسِ | أسأت ظني بالنبي الرئيسِ! |
| ما كان ضَرّني لو امتثَلتُ | ومِثلَما قد فعلوا فعلتُ؟! |
أبو الحصينِ جالَ في السفينهْ
| أبو الحصينِ جالَ في السفينهْ | فعرفَ السمينَ والسمينه |
| يقولُ: إنّ حاله استحالا | وإنّ ما كان قديماً زالا |
| لكونِ ما حلَّ من المصائبِ | من غضبِ اللهِ على الثعالبِ |
| ويغلظُ الأيمانَ للديوكِ | لِما عَسَى يَبقى من الشكوك |
| بأَنهمْ إن نَزَلوا في الأَرضِ | يَرَوْنَ منه كلَّ شيءٍ يُرْضِي |
| قيل: فلمّا تركوا السفينه | مشى مع السمينِ والسمينه |
| حتى إذا نصفوا الطريقا | لم يبقِ منهمْ حولهُ رفيقا |
| وقال: إذْ قالوا عَديمُ الدِّينِ | لا عَجَبٌ إن حَنَثَتْ يَميني |
| فإنما نحن بَني الدَّهاءِ | نَعْمَلُ في الشِّدّة ِ للرَّخاءِ |
| ومَنْ تخاف أَن يَبيعَ دينَهْ | تَكفيكَ منه صُحْبَة ُ السفينه! |
يقال إنّ الليثَ في ذي الشدّهْ
| يقال إنّ الليثَ في ذي الشدّهْ | رأَى من الذِّئبِ صَفا الموَدَّه |
| فقال: يا منْ صانَ لي محلِّي | في حالتي ولا يتي وعزلي |
| إنْ عُدْتُ للأَرض بإذنِ الله | وعاد لي فيها قديمُ الجاهِ |
| أُعطيكَ عِجْليْنِ وأَلفَ شاة | ثم تكونُ واليَ الولاة ِ |
| وصاحِبَ اللِّواءِ في الذِّئابِ | وقاهرَ الرعاة ِ والكلابِ |
| حتى إذا ما تَمَّتِ الكرامَهْ | ووَطِىء الأَرضَ على السلاَمه |
| سعى إليه الذئبُ بعدَ شهرِ | وهوَ مطاعُ النهيِ ماضي الأمرِ |
| فقال: يا منْ لا تداسُ أرضه | ومنْ له طولُ الفلا وعرضه |
| قد نِلتَ ما نِلتَ منَ التكريمِ | وذا أَوان الموْعِدِ الكريمِ |
| قال: تجرَّأتَ وساءَ زعمكا | فمن تكونُ يا فتى ؟ وما اسمكا؟ |
| أجابه: إن كان ظنِّي صادقا | فإنَّني والي الوُلاة ِ سابِقَا! |