| أَنَا كَئِيب – أَنَا غَريبْ |
| كَآبتي خالَفَتْ نَظَائِرَهَا – غَرِيبَةٌ في عَوَالِمِ الحَزَن |
| كَآبتي فِكْرَةٌ مُغَرِّدَة – مَجْهُولةٌ مِنْ مَسَامِعِ الزَّمَنِ |
| لكنَّني قَدْ سَمِعْتُ رَنَّتَها – بمُهْجَتي في شَبابِيَ الثَّمِلِ |
| سَمِعْتُها فانْصَرَفْتُ مُكْتَئِبَا – أَشْدو بحُزْنِي كطائِرِ الجَبَل |
| سَمِعْتُها أَنَّةً يرجِّعُها – صَوْتُ اللَّيالي ومُهْجَةُ الأزل |
| سَمِعْتُها صَرْخَةً مُضَعْضَعَةً – كَجَدْوَلٍ في مَضايِقِ السُّبُلِ |
| سَمِعْتُها رَنَّةً يعَانِقُها – شوقٌ إلى عالمٍ يُضَعْضِعُها |
| ضَعيفةً مثلَ أنَّةٍ صَعَدَتْ – مِنْ مُهْجَةٍ هدَّها تَوَجُّعُها |
| كآبَةُ النَّاسِ شُعلةٌ وَمَتى – مرَّتْ ليالٍ خَبَتْ مع الأَمَد |
| أَمَّا اكتِئابي فَلَوْعَةٌ سَكَنَت – رُوحي وتَبْقَى بها إلى الأَبدِ |
| أَنا كئيبٌ أَنا غَريبٌ |
| وليسَ في عالمِ الكَآبَةِ مَنْ – يحمِلُ مِعْشارَ بَعْضِ مَا أَجِدُ |
| كآبتي مرَّةٌ وإنْ صَرَخَتْ – روحي فلا يسمعنَّها الجَسَدُ |
| كآبَتي ذاتُ قَسْوَةٍ صَهَرَت – مَشَاعِري في جَهَنَّمَ الأَلَمِ |
| لمْ يسمَعِ الدَّهْرُ مِثْلَ قَسْوَتِها – في يَقْظَةٍ قطُّ لا ولا حُلُمِ |
| كآبتي شُعْلةٌ مؤجَّجَةٌ – تحتَ رَمَادِ الكَوْنِ تستعرُ |
| سَيَعْلَمُ الكَوْنُ مَا حَقِيقَتُهَا – ويَطْلَعُ الفَجْرُ يومَ تَنْفَجِرَ |
| كآبةُ النَّاسِ شُعْلَةٌ ومتى – مرَّت ليالٍ خَبَتْ مِنَ الأَمَدِ |
| أَمَّا اكتئابي فَلَوْعَةٌ سَكَنَتْ – رُوحي وَتَبْقَى بِها إلى الأَبَدِ |
أقبل الصبح يغني
| أَقْبَلَ الصُّبْحُ يُغنِّي – للحياةِ النَّاعِسَة |
| والرُّبى تَحلمُ في ظِلِّ – الغُصونِ المائِسَة |
| والصَّبا تُرْقِصُ أَوراقَ – الزُّهورِ اليابسَة |
| وتَهادى النُّورَ في – تِلْكَ الفِجاجِ الدَّامسَة |
| أَقبلَ الصُّبْحُ جميلاً – يملأُ الأُفْقَ بَهَاهْ |
| فتَمَطَّى الزَّهرُ والطَّيْرُ – وأَمواجُ المياهْ |
| قَدْ أَفاقَ العالم الحيُّ – وغَنَّى للحياة |
| فأَفيقي يا خِرافي – وهَلُمِّي يا شِياهْ |
| واتبعِيني يا شِياهي – بَيْنَ أَسرابِ الطُّيورْ |
| واملإِي الوادي ثُغاءً – ومِراحاً وحُبُورْ |
| واسمعي هَمْسَ السَّواقي – وانشقي عِطْرَ الزُّهُورْ |
| وانظري الوادي يُغَشِّيهِ – الضَّبابُ المُسْتَنيرْ |
| واقطُفي من كلإِ الأَرضِ – ومَرعاها الجَديدْ |
| واسمعي شبَّابتي تَشْدُو – بمعسولِ النَّشيدْ |
| نَغَمٌ يَصْعَدُ مِنْ قلبي – كأَنفاسِ الوُرودْ |
| ثمَّ يَسْمو طائراً كالبلبلِ – الشَّادي السَّعيدْ |
| وإذا جئْنا إلى الغابِ – وغطَّانا الشَّجَرْ |
| فاقطُفي مَا شئْتِ مِنْ عُشْبٍ – وزهرٍ وثَمَرْ |
| أرضَعَتْهُ الشَّمسُ بالضَّوءِ – وغذَّاهُ القَمَرْ |
| وارتَوَى مِنْ قَطَراتِ الظَّلِ – في وقتِ السَّحَرْ |
| وامْرَحي مَا شئتِ في الوديانِ – أَو فَوْقَ التِّلالْ |
| واربضي في ظلِّها الوارِفِ – إنْ خِفْتِ الكَلالْ |
| وامْضَغي الأَعشابَ والأَفكارَ – في صَمْتِ الظِّلالْ |
| واسمعي الرِّيحَ تُغَنِّي – في شَمَاريخِ الجِبَالْ |
| إنَّ في الغابِ أَزاهيراً – وأَعشاباً عِذابْ |
| يُنشِدُ النَّحْلُ حوالَيْها – أَهازيجاً طِرابْ |
| لمْ تُدَنِّسْ عِطرها الطَّاهر – أَنفاسَ الذِّئابْ |
| لا ولا طافَ بها الثَّعْلَبُ – في بعضِ الصِّحابْ |
| وشذاً حلواً وسِحْراً – وسَلاماً وظِلالْ |
| ونَسيماً ساحرَ الخطوَة – مَوْفُورَ الدَّلالْ |
| وغُصوناً يرقُصُ النُّور – عليها والجَمالْ |
| واخضراراً أَبديًّا – لَيْسَ تَمحوهُ اللَّيالْ |
| لن تَملِّي يا خِرافي – في حِمى الغابِ الظَّليلْ |
| فزَمَانُ الغابِ طفلٌ لاعب – عَذْبٌ جميلْ |
| وزمانُ النَّاسِ شَيْخ – عابِسُ الوجهِ ثَقيلْ |
| يتمشَّى في مَلال – فَوْقَ هاتيكَ السُّهولْ |
| لكِ في الغاباتِ مرعاكِ – ومَسْعاكِ الجميل |
| وليَ الإِنْشادُ والعَزْفُ – إلى وَقْتِ الأَصيلْ |
| فإذا طالتْ ظِلالُ الكَلإ – الغضِّ الضَّئيل |
| فهلمِّي نُرْجِعِ المَسْعَى – إلى الحيِّ النَّبيل |
خلقت طليقا كطيف النسيم
| خُلقتَ طَليقاً كَطَيفِ النَّسيمِ ~ وحُرًّا كَنُورِ الضُّحى في سَمَاهْ |
| تُغَرِّدُ كالطَّيرِ أَيْنَ اندفعتَ ~ وتشدو بما شاءَ وَحْيُ الإِلهْ |
| وتَمْرَحُ بَيْنَ وُرودِ الصَّباحِ ~ وتنعَمُ بالنُّورِ أَنَّى تَرَاه |
| وتَمْشي كما شِئْتَ بَيْنَ المروج ~ وتَقْطُفُ وَرْدَ الرُّبى في رُبَاهْ |
| كذا صاغكَ اللهُ يا ابنَ الوُجُود ~ وأَلْقَتْكَ في الكونِ هذي الحيَاه |
| فما لكَ ترضَى بذُلِّ القيود ~ وتَحْني لمنْ كبَّلوكَ الجِبَاه |
| وتُسْكِتُ في النَّفسِ صوتَ الحَيَاة ~ القويَّ إِذا مَا تغنَّى صَدَاه |
| وتُطْبِقُ أَجْفانَكَ النَّيِّراتِ عن الفجر ~ والفجرُ عَذْبٌ ضيَاه |
| وتَقْنَعُ بالعيشِ بَيْنَ الكهوف ~ فأَينَ النَّشيدُ وأينَ الإِيَاه |
| أَتخشى نشيدَ السَّماءِ الجميلَ ~ أَتَرْهَبُ نورَ الفضَا في ضُحَاه |
| ألا انهضْ وسِرْ في سبيلِ الحَيَاة ~ فمنْ نامَ لم تَنْتَظِرْهُ الحَيَاه |
| ولا تخشى ممَّا وراءَ التِّلاع ~ فما ثَمَّ إلاَّ الضُّحى في صِبَاه |
| وإلاَّ رَبيعُ الوُجُودِ الغرير ~ يطرِّزُ بالوردِ ضافي رِدَاه |
| وإلاَّ أَريجُ الزُّهُورِ الصُّبَاح ~ ورقصُ الأَشعَّةِ بَيْنَ الميَاه |
| وإلاَّ حَمَامُ المروجِ الأَنيق ~ يغرِّدُ منطلِقاً في غِنَاه |
| إلى النُّورِ فالنُّورُ عذْبٌ جميل ~ إلى النُّورِ فالنُّورُ ظِلُّ الإِله |
مرح الطفولة
| إنا لفي زمن الطفولة والبراءة والطهور |
| نحيا كما تحيا البلابل والجداول والزهور |
| إذ نحن لم نعرف من الدنيا سوى مرح السرور |
| وبناء اكواخ الطفولة تحت اعشاش الطيور |
| مسقوفة بالورد والاعشاب والورق النضير |
| نبني فتهدمها الرياح فلا نضج ولا نثور |
| ونعود نضحك للمروج والزنابق والغدير |
| ونخاطب الاصداء وهي ترف في الوادي المنير |
| ونظل نركض خلف اسراب الفراش المستطير |
| نشدو ونرقص كالبلابل للحياة وللحبور |
| ونشيد في الأفق المخضب من امانينا قصور |
| لا نسأم اللهو الجميل وليس يدركنا الفتور |
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
| عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ ~ وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ |
| وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها ~ وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ |
| يُكَلِّفُ سَيفُ الدَولَةِ الجَيشَ هَمَّهُ ~ وَقَد عَجَزَت عَنهُ الجُيوشُ الخَضارِمُ |
| وَيَطلِبُ عِندَ الناسِ ما عِندَ نَفسِهِ ~ وَذَلِكَ ما لا تَدَّعيهِ الضَراغِمُ |
| يُفَدّي أَتَمُّ الطَيرِ عُمرًا سِلاحَهُ ~ نُسورُ المَلا أَحداثُها وَالقَشاعِمُ |
| وَما ضَرَّها خَلقٌ بِغَيرِ مَخالِبٍ ~ وَقَد خُلِقَت أَسيافُهُ وَالقَوائِمُ |
| هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لَونَها ~ وَتَعلَمُ أَيُّ الساقِيَينِ الغَمائِمُ |
| سَقَتها الغَمامُ الغُرُّ قَبلَ نُزولِهِ ~ فَلَمّا دَنا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ |
| بَناها فَأَعلى وَالقَنا تَقرَعُ القَنا ~ وَمَوجُ المَنايا حَولَها مُتَلاطِمُ |
| وَكانَ بِها مِثلُ الجُنونِ فَأَصبَحَتْ ~ وَمِن جُثَثِ القَتلى عَلَيها تَمائِمُ |
| طَريدَةُ دَهرٍ ساقَها فَرَدَدتَها ~ عَلى الدينِ بِالخَطِّيِّ وَالدَهرُ راغِمُ |
| تُفيتُ اللَيالي كُلَّ شَيءٍ أَخَذتَهُ ~ وَهُنَّ لِما يَأخُذنَ مِنكَ غَوارِمُ |
| إِذا كانَ ما تَنويهِ فِعلاً مُضارِعًا ~ مَضى قَبلَ أَن تُلقى عَلَيهِ الجَوازِمُ |
| وَكَيفَ تُرَجّي الرومُ وَالروسُ هَدمَها ~ وَذا الطَعنُ آساسٌ لَها وَدَعائِمُ |
| وَقَد حاكَموها وَالمَنايا حَواكِمٌ ~ فَما ماتَ مَظلومٌ وَلا عاشَ ظالِمُ |
| أَتوكَ يَجُرّونَ الحَديدَ كَأَنَّهُمْ ~ سَرَوا بِجِيادٍ ما لَهُنَّ قَوائِمُ |
| إِذا بَرَقوا لَم تُعرَفِ البيضُ مِنهُمُ ~ ثِيابُهُمُ مِن مِثلِها وَالعَمائِمُ |
| خَميسٌ بِشَرقِ الأَرضِ وَالغَربِ زَحفُهُ ~ وَفي أُذُنِ الجَوزاءِ مِنهُ زَمازِمُ |
| تَجَمَّعَ فيهِ كُلُّ لِسنٍ وَأُمَّةٍ ~ فَما تُفهِمُ الحُدّاثَ إِلا التَراجِمُ |
| فَلِلهِ وَقتٌ ذَوَّبَ الغِشَّ نارُهُ ~ فَلَم يَبقَ إِلّا صارِمٌ أَو ضُبارِمُ |
| تَقَطَّعَ ما لا يَقطَعُ الدِرعَ وَالقَنا ~ وَفَرَّ مِنَ الأَبطالِ مَن لا يُصادِمُ |
| وَقَفتَ وَما في المَوتِ شَكٌّ لِواقِفٍ ~ كَأَنَّكَ في جَفنِ الرَدى وَهوَ نائِمُ |
| تَمُرُّ بِكَ الأَبطالُ كَلمى هَزيمَةً ~ وَوَجهُكَ وَضّاحٌ وَثَغرُكَ باسِمُ |
| تَجاوَزتَ مِقدارَ الشَجاعَةِ وَالنُهى ~ إِلى قَولِ قَومٍ أَنتَ بِالغَيبِ عالِمُ |
| ضَمَمتَ جَناحَيهِمْ عَلى القَلبِ ضَمَّةً ~ تَموتُ الخَوافي تَحتَها وَالقَوادِمُ |
| بِضَربٍ أَتى الهاماتِ وَالنَصرُ غائِبُ ~ وَصارَ إِلى اللَبّاتِ وَالنَصرُ قادِمُ |
| حَقَرتَ الرُدَينِيّاتِ حَتّى طَرَحتَها ~ وَحَتّى كَأَنَّ السَيفَ لِلرُمحِ شاتِمُ |
| وَمَن طَلَبَ الفَتحَ الجَليلَ فَإِنَّما ~ مَفاتيحُهُ البيضُ الخِفافُ الصَوارِمُ |
| نَثَرتَهُمُ فَوقَ الأُحَيدِبِ نَثْرَةً ~ كَما نُثِرَت فَوقَ العَروسِ الدَراهِمُ |
| تَدوسُ بِكَ الخَيلُ الوُكورَ عَلى الذُرى ~ وَقَد كَثُرَتْ حَولَ الوُكورِ المَطاعِمُ |
| تَظُنُّ فِراخُ الفُتخِ أَنَّكَ زُرتَها ~ بِأُمّاتِها وَهيَ العِتاقُ الصَلادِمُ |
| إِذا زَلِقت مَشَّيتَها بِبِطونِها ~ كَما تَتَمَشّى في الصَعيدِ الأَراقِمُ |
| أَفي كُلِّ يَومٍ ذا الدُمُستُقُ مُقدِمٌ ~ قَفاهُ عَلى الإِقدامِ لِلوَجهِ لائِم |
| أَيُنكِرُ ريحَ اللَيثَ حَتّى يَذوقَهُ ~ وَقَد عَرَفَتْ ريحَ اللُيوثِ البَهائِمُ |
| وَقَد فَجَعَتهُ بِاِبنِهِ وَاِبنِ صِهرِهِ ~ وَبِالصِهرِ حَمْلاتُ الأَميرِ الغَواشِمُ |
| مَضى يَشكُرُ الأَصحابَ في فَوتِهِ الظُبا ~ بِما شَغَلَتها هامُهُمْ وَالمَعاصِمُ |
| وَيَفهَمُ صَوتَ المَشرَفِيَّةِ فيهِمُ ~ عَلى أَنَّ أَصواتَ السُيوفِ أَعاجِمُ |
| يُسَرُّ بِما أَعطاكَ لا عَن جَهالَةٍ ~ وَلَكِنَّ مَغنومًا نَجا مِنكَ غانِمُ |
| وَلَستَ مَليكًا هازِمًا لِنَظيرِهِ ~ وَلَكِنَّكَ التَوحيدُ لِلشِركِ هازِمُ |
| تَشَرَّفُ عَدنانٌ بِهِ لا رَبيعَةٌ ~ وَتَفتَخِرُ الدُنيا بِهِ لا العَواصِمُ |
| لَكَ الحَمدُ في الدُرِّ الَّذي لِيَ لَفظُهُ ~ فَإِنَّكَ مُعطيهِ وَإِنِّيَ ناظِمُ |
| وَإِنّي لَتَعدو بي عَطاياكَ في الوَغى ~ فَلا أَنا مَذمومٌ وَلا أَنتَ نادِمُ |
| عَلى كُلِّ طَيّارٍ إِلَيها بِرِجلِهِ ~ إِذا وَقَعَت في مِسمَعَيهِ الغَماغِمُ |
| أَلا أَيُّها السَيفُ الَّذي لَيسَ مُغمَدًا ~ وَلا فيهِ مُرتابٌ وَلا مِنهُ عاصِمُ |
| هَنيئًا لِضَربِ الهامِ وَالمَجدِ وَالعُلا ~ وَراجيكَ وَالإِسلامِ أَنَّكَ سالِمُ |
| وَلِم لا يَقي الرَحمَنُ حَدَّيكَ ما وَقى ~ وَتَفليقُهُ هامَ العِدا بِكَ دائِم |
أليس الليل يجمعني وليلى
| أَلَيسَ اللَيلُ يَجمَعُني وَلَيلى ~ كَفاكَ بِذاكَ فيهِ لَنا تَداني |
| تَرى وَضَحَ النَهارِ كَما أَراهُ ~ وَيَعلوها النَهارُ كَما عَلاني |