بلادي لو فَهِمْتِ بَسَطْتُ عذري – إذا ما القلب عاوده نزوع |
بها الحسن المباح لمن بغاه – وجَزْع للغرِيب بهمُريعُ |
إلى أهلي الكِرام تُشَاقُ نَفْسِي – فهل يوماً إلى وطني أريع |
خدعوها بقولهم حسناء
خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ – وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَناءُ |
أَتُراها تَناسَت اِسمِيَ لَمّا – كَثُرَت في غَرامِها الأَسماءُ |
إِن رَأَتني تَميلُ عَنّي كَأَن لَم – تَكُ بَيني وَبَينَها أَشياءُ |
نَظرَةٌ فَاِبتِسامَةٌ فَسَلامٌ – فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ |
يَومَ كُنّا وَلا تَسَل كَيفَ كُنّا – نَتَهادى مِنَ الهَوى ما نَشاءُ |
وَعَلَينا مِنَ العَفافِ رَقيب – تَعِبَت في مِراسِهِ الأَهواءُ |
جاذَبَتني ثَوبي العصِيَّ وَقالَت – أَنتُمُ الناسُ أَيُّها الشُعَراء |
فَاِتَّقوا اللَهَ في قُلوبِ العَذارى – فَالعَذارى قُلوبُهُنَّ هَواء |
نَظرَةٌ فَاِبتِسامَةٌ فَسَلام – فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاء |
فَفِراقٌ يَكونُ فيهِ دَواء – أَو فِراقٌ يَكونُ مِنهُ الداءُ |
أنا كئيب
أَنَا كَئِيب – أَنَا غَريبْ |
كَآبتي خالَفَتْ نَظَائِرَهَا – غَرِيبَةٌ في عَوَالِمِ الحَزَن |
كَآبتي فِكْرَةٌ مُغَرِّدَة – مَجْهُولةٌ مِنْ مَسَامِعِ الزَّمَنِ |
لكنَّني قَدْ سَمِعْتُ رَنَّتَها – بمُهْجَتي في شَبابِيَ الثَّمِلِ |
سَمِعْتُها فانْصَرَفْتُ مُكْتَئِبَا – أَشْدو بحُزْنِي كطائِرِ الجَبَل |
سَمِعْتُها أَنَّةً يرجِّعُها – صَوْتُ اللَّيالي ومُهْجَةُ الأزل |
سَمِعْتُها صَرْخَةً مُضَعْضَعَةً – كَجَدْوَلٍ في مَضايِقِ السُّبُلِ |
سَمِعْتُها رَنَّةً يعَانِقُها – شوقٌ إلى عالمٍ يُضَعْضِعُها |
ضَعيفةً مثلَ أنَّةٍ صَعَدَتْ – مِنْ مُهْجَةٍ هدَّها تَوَجُّعُها |
كآبَةُ النَّاسِ شُعلةٌ وَمَتى – مرَّتْ ليالٍ خَبَتْ مع الأَمَد |
أَمَّا اكتِئابي فَلَوْعَةٌ سَكَنَت – رُوحي وتَبْقَى بها إلى الأَبدِ |
أَنا كئيبٌ أَنا غَريبٌ |
وليسَ في عالمِ الكَآبَةِ مَنْ – يحمِلُ مِعْشارَ بَعْضِ مَا أَجِدُ |
كآبتي مرَّةٌ وإنْ صَرَخَتْ – روحي فلا يسمعنَّها الجَسَدُ |
كآبَتي ذاتُ قَسْوَةٍ صَهَرَت – مَشَاعِري في جَهَنَّمَ الأَلَمِ |
لمْ يسمَعِ الدَّهْرُ مِثْلَ قَسْوَتِها – في يَقْظَةٍ قطُّ لا ولا حُلُمِ |
كآبتي شُعْلةٌ مؤجَّجَةٌ – تحتَ رَمَادِ الكَوْنِ تستعرُ |
سَيَعْلَمُ الكَوْنُ مَا حَقِيقَتُهَا – ويَطْلَعُ الفَجْرُ يومَ تَنْفَجِرَ |
كآبةُ النَّاسِ شُعْلَةٌ ومتى – مرَّت ليالٍ خَبَتْ مِنَ الأَمَدِ |
أَمَّا اكتئابي فَلَوْعَةٌ سَكَنَتْ – رُوحي وَتَبْقَى بِها إلى الأَبَدِ |
أقبل الصبح يغني
أَقْبَلَ الصُّبْحُ يُغنِّي – للحياةِ النَّاعِسَة |
والرُّبى تَحلمُ في ظِلِّ – الغُصونِ المائِسَة |
والصَّبا تُرْقِصُ أَوراقَ – الزُّهورِ اليابسَة |
وتَهادى النُّورَ في – تِلْكَ الفِجاجِ الدَّامسَة |
أَقبلَ الصُّبْحُ جميلاً – يملأُ الأُفْقَ بَهَاهْ |
فتَمَطَّى الزَّهرُ والطَّيْرُ – وأَمواجُ المياهْ |
قَدْ أَفاقَ العالم الحيُّ – وغَنَّى للحياة |
فأَفيقي يا خِرافي – وهَلُمِّي يا شِياهْ |
واتبعِيني يا شِياهي – بَيْنَ أَسرابِ الطُّيورْ |
واملإِي الوادي ثُغاءً – ومِراحاً وحُبُورْ |
واسمعي هَمْسَ السَّواقي – وانشقي عِطْرَ الزُّهُورْ |
وانظري الوادي يُغَشِّيهِ – الضَّبابُ المُسْتَنيرْ |
واقطُفي من كلإِ الأَرضِ – ومَرعاها الجَديدْ |
واسمعي شبَّابتي تَشْدُو – بمعسولِ النَّشيدْ |
نَغَمٌ يَصْعَدُ مِنْ قلبي – كأَنفاسِ الوُرودْ |
ثمَّ يَسْمو طائراً كالبلبلِ – الشَّادي السَّعيدْ |
وإذا جئْنا إلى الغابِ – وغطَّانا الشَّجَرْ |
فاقطُفي مَا شئْتِ مِنْ عُشْبٍ – وزهرٍ وثَمَرْ |
أرضَعَتْهُ الشَّمسُ بالضَّوءِ – وغذَّاهُ القَمَرْ |
وارتَوَى مِنْ قَطَراتِ الظَّلِ – في وقتِ السَّحَرْ |
وامْرَحي مَا شئتِ في الوديانِ – أَو فَوْقَ التِّلالْ |
واربضي في ظلِّها الوارِفِ – إنْ خِفْتِ الكَلالْ |
وامْضَغي الأَعشابَ والأَفكارَ – في صَمْتِ الظِّلالْ |
واسمعي الرِّيحَ تُغَنِّي – في شَمَاريخِ الجِبَالْ |
إنَّ في الغابِ أَزاهيراً – وأَعشاباً عِذابْ |
يُنشِدُ النَّحْلُ حوالَيْها – أَهازيجاً طِرابْ |
لمْ تُدَنِّسْ عِطرها الطَّاهر – أَنفاسَ الذِّئابْ |
لا ولا طافَ بها الثَّعْلَبُ – في بعضِ الصِّحابْ |
وشذاً حلواً وسِحْراً – وسَلاماً وظِلالْ |
ونَسيماً ساحرَ الخطوَة – مَوْفُورَ الدَّلالْ |
وغُصوناً يرقُصُ النُّور – عليها والجَمالْ |
واخضراراً أَبديًّا – لَيْسَ تَمحوهُ اللَّيالْ |
لن تَملِّي يا خِرافي – في حِمى الغابِ الظَّليلْ |
فزَمَانُ الغابِ طفلٌ لاعب – عَذْبٌ جميلْ |
وزمانُ النَّاسِ شَيْخ – عابِسُ الوجهِ ثَقيلْ |
يتمشَّى في مَلال – فَوْقَ هاتيكَ السُّهولْ |
لكِ في الغاباتِ مرعاكِ – ومَسْعاكِ الجميل |
وليَ الإِنْشادُ والعَزْفُ – إلى وَقْتِ الأَصيلْ |
فإذا طالتْ ظِلالُ الكَلإ – الغضِّ الضَّئيل |
فهلمِّي نُرْجِعِ المَسْعَى – إلى الحيِّ النَّبيل |
خلقت طليقا كطيف النسيم
خُلقتَ طَليقاً كَطَيفِ النَّسيمِ ~ وحُرًّا كَنُورِ الضُّحى في سَمَاهْ |
تُغَرِّدُ كالطَّيرِ أَيْنَ اندفعتَ ~ وتشدو بما شاءَ وَحْيُ الإِلهْ |
وتَمْرَحُ بَيْنَ وُرودِ الصَّباحِ ~ وتنعَمُ بالنُّورِ أَنَّى تَرَاه |
وتَمْشي كما شِئْتَ بَيْنَ المروج ~ وتَقْطُفُ وَرْدَ الرُّبى في رُبَاهْ |
كذا صاغكَ اللهُ يا ابنَ الوُجُود ~ وأَلْقَتْكَ في الكونِ هذي الحيَاه |
فما لكَ ترضَى بذُلِّ القيود ~ وتَحْني لمنْ كبَّلوكَ الجِبَاه |
وتُسْكِتُ في النَّفسِ صوتَ الحَيَاة ~ القويَّ إِذا مَا تغنَّى صَدَاه |
وتُطْبِقُ أَجْفانَكَ النَّيِّراتِ عن الفجر ~ والفجرُ عَذْبٌ ضيَاه |
وتَقْنَعُ بالعيشِ بَيْنَ الكهوف ~ فأَينَ النَّشيدُ وأينَ الإِيَاه |
أَتخشى نشيدَ السَّماءِ الجميلَ ~ أَتَرْهَبُ نورَ الفضَا في ضُحَاه |
ألا انهضْ وسِرْ في سبيلِ الحَيَاة ~ فمنْ نامَ لم تَنْتَظِرْهُ الحَيَاه |
ولا تخشى ممَّا وراءَ التِّلاع ~ فما ثَمَّ إلاَّ الضُّحى في صِبَاه |
وإلاَّ رَبيعُ الوُجُودِ الغرير ~ يطرِّزُ بالوردِ ضافي رِدَاه |
وإلاَّ أَريجُ الزُّهُورِ الصُّبَاح ~ ورقصُ الأَشعَّةِ بَيْنَ الميَاه |
وإلاَّ حَمَامُ المروجِ الأَنيق ~ يغرِّدُ منطلِقاً في غِنَاه |
إلى النُّورِ فالنُّورُ عذْبٌ جميل ~ إلى النُّورِ فالنُّورُ ظِلُّ الإِله |
مرح الطفولة
إنا لفي زمن الطفولة والبراءة والطهور |
نحيا كما تحيا البلابل والجداول والزهور |
إذ نحن لم نعرف من الدنيا سوى مرح السرور |
وبناء اكواخ الطفولة تحت اعشاش الطيور |
مسقوفة بالورد والاعشاب والورق النضير |
نبني فتهدمها الرياح فلا نضج ولا نثور |
ونعود نضحك للمروج والزنابق والغدير |
ونخاطب الاصداء وهي ترف في الوادي المنير |
ونظل نركض خلف اسراب الفراش المستطير |
نشدو ونرقص كالبلابل للحياة وللحبور |
ونشيد في الأفق المخضب من امانينا قصور |
لا نسأم اللهو الجميل وليس يدركنا الفتور |