بلادي لو فهمت بسطت عذري

بلادي لو فَهِمْتِ بَسَطْتُ عذري – إذا ما القلب عاوده نزوع
بها الحسن المباح لمن بغاه – وجَزْع للغرِيب بهمُريعُ
إلى أهلي الكِرام تُشَاقُ نَفْسِي – فهل يوماً إلى وطني أريع
قصيدة لمجنون ليلى الشاعر قيس بن الملوح

خدعوها بقولهم حسناء

خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ – وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَناءُ
أَتُراها تَناسَت اِسمِيَ لَمّا – كَثُرَت في غَرامِها الأَسماءُ
إِن رَأَتني تَميلُ عَنّي كَأَن لَم – تَكُ بَيني وَبَينَها أَشياءُ
نَظرَةٌ فَاِبتِسامَةٌ فَسَلامٌ – فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ
يَومَ كُنّا وَلا تَسَل كَيفَ كُنّا – نَتَهادى مِنَ الهَوى ما نَشاءُ
وَعَلَينا مِنَ العَفافِ رَقيب – تَعِبَت في مِراسِهِ الأَهواءُ
جاذَبَتني ثَوبي العصِيَّ وَقالَت – أَنتُمُ الناسُ أَيُّها الشُعَراء
فَاِتَّقوا اللَهَ في قُلوبِ العَذارى – فَالعَذارى قُلوبُهُنَّ هَواء
نَظرَةٌ فَاِبتِسامَةٌ فَسَلام – فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاء
فَفِراقٌ يَكونُ فيهِ دَواء – أَو فِراقٌ يَكونُ مِنهُ الداءُ
قصيدة رائعة لأمير الشعراء أحمد شوقي

أنا كئيب

أَنَا كَئِيب – أَنَا غَريبْ
كَآبتي خالَفَتْ نَظَائِرَهَاغَرِيبَةٌ في عَوَالِمِ الحَزَن
كَآبتي فِكْرَةٌ مُغَرِّدَةمَجْهُولةٌ مِنْ مَسَامِعِ الزَّمَنِ
لكنَّني قَدْ سَمِعْتُ رَنَّتَهابمُهْجَتي في شَبابِيَ الثَّمِلِ
سَمِعْتُها فانْصَرَفْتُ مُكْتَئِبَاأَشْدو بحُزْنِي كطائِرِ الجَبَل
سَمِعْتُها أَنَّةً يرجِّعُهاصَوْتُ اللَّيالي ومُهْجَةُ الأزل
سَمِعْتُها صَرْخَةً مُضَعْضَعَةًكَجَدْوَلٍ في مَضايِقِ السُّبُلِ
سَمِعْتُها رَنَّةً يعَانِقُهاشوقٌ إلى عالمٍ يُضَعْضِعُها
ضَعيفةً مثلَ أنَّةٍ صَعَدَتْمِنْ مُهْجَةٍ هدَّها تَوَجُّعُها
كآبَةُ النَّاسِ شُعلةٌ وَمَتىمرَّتْ ليالٍ خَبَتْ مع الأَمَد
أَمَّا اكتِئابي فَلَوْعَةٌ سَكَنَترُوحي وتَبْقَى بها إلى الأَبدِ
أَنا كئيبٌ أَنا غَريبٌ
وليسَ في عالمِ الكَآبَةِ مَنْيحمِلُ مِعْشارَ بَعْضِ مَا أَجِدُ
كآبتي مرَّةٌ وإنْ صَرَخَتْروحي فلا يسمعنَّها الجَسَدُ
كآبَتي ذاتُ قَسْوَةٍ صَهَرَتمَشَاعِري في جَهَنَّمَ الأَلَمِ
لمْ يسمَعِ الدَّهْرُ مِثْلَ قَسْوَتِهافي يَقْظَةٍ قطُّ لا ولا حُلُمِ
كآبتي شُعْلةٌ مؤجَّجَةٌتحتَ رَمَادِ الكَوْنِ تستعرُ
سَيَعْلَمُ الكَوْنُ مَا حَقِيقَتُهَاويَطْلَعُ الفَجْرُ يومَ تَنْفَجِرَ
كآبةُ النَّاسِ شُعْلَةٌ ومتىمرَّت ليالٍ خَبَتْ مِنَ الأَمَدِ
أَمَّا اكتئابي فَلَوْعَةٌ سَكَنَتْرُوحي وَتَبْقَى بِها إلى الأَبَدِ
قصيدة لشاعر الخضراء أبو القاسم الشابي

أقبل الصبح يغني

أَقْبَلَ الصُّبْحُ يُغنِّي – للحياةِ النَّاعِسَة
والرُّبى تَحلمُ في ظِلِّ – الغُصونِ المائِسَة
والصَّبا تُرْقِصُ أَوراقَ – الزُّهورِ اليابسَة
وتَهادى النُّورَ في – تِلْكَ الفِجاجِ الدَّامسَة
أَقبلَ الصُّبْحُ جميلاً – يملأُ الأُفْقَ بَهَاهْ
فتَمَطَّى الزَّهرُ والطَّيْرُ – وأَمواجُ المياهْ
قَدْ أَفاقَ العالم الحيُّ – وغَنَّى للحياة
فأَفيقي يا خِرافي – وهَلُمِّي يا شِياهْ
واتبعِيني يا شِياهي – بَيْنَ أَسرابِ الطُّيورْ
واملإِي الوادي ثُغاءً – ومِراحاً وحُبُورْ
واسمعي هَمْسَ السَّواقي – وانشقي عِطْرَ الزُّهُورْ
وانظري الوادي يُغَشِّيهِ – الضَّبابُ المُسْتَنيرْ
واقطُفي من كلإِ الأَرضِ – ومَرعاها الجَديدْ
واسمعي شبَّابتي تَشْدُو – بمعسولِ النَّشيدْ
نَغَمٌ يَصْعَدُ مِنْ قلبي – كأَنفاسِ الوُرودْ
ثمَّ يَسْمو طائراً كالبلبلِ – الشَّادي السَّعيدْ
وإذا جئْنا إلى الغابِ – وغطَّانا الشَّجَرْ
فاقطُفي مَا شئْتِ مِنْ عُشْبٍ – وزهرٍ وثَمَرْ
أرضَعَتْهُ الشَّمسُ بالضَّوءِ – وغذَّاهُ القَمَرْ
وارتَوَى مِنْ قَطَراتِ الظَّلِ – في وقتِ السَّحَرْ
وامْرَحي مَا شئتِ في الوديانِ – أَو فَوْقَ التِّلالْ
واربضي في ظلِّها الوارِفِ – إنْ خِفْتِ الكَلالْ
وامْضَغي الأَعشابَ والأَفكارَ – في صَمْتِ الظِّلالْ
واسمعي الرِّيحَ تُغَنِّي – في شَمَاريخِ الجِبَالْ
إنَّ في الغابِ أَزاهيراً – وأَعشاباً عِذابْ
يُنشِدُ النَّحْلُ حوالَيْها – أَهازيجاً طِرابْ
لمْ تُدَنِّسْ عِطرها الطَّاهر – أَنفاسَ الذِّئابْ
لا ولا طافَ بها الثَّعْلَبُ – في بعضِ الصِّحابْ
وشذاً حلواً وسِحْراً – وسَلاماً وظِلالْ
ونَسيماً ساحرَ الخطوَة – مَوْفُورَ الدَّلالْ
وغُصوناً يرقُصُ النُّور – عليها والجَمالْ
واخضراراً أَبديًّا – لَيْسَ تَمحوهُ اللَّيالْ
لن تَملِّي يا خِرافي – في حِمى الغابِ الظَّليلْ
فزَمَانُ الغابِ طفلٌ لاعب – عَذْبٌ جميلْ
وزمانُ النَّاسِ شَيْخ – عابِسُ الوجهِ ثَقيلْ
يتمشَّى في مَلال – فَوْقَ هاتيكَ السُّهولْ
لكِ في الغاباتِ مرعاكِ – ومَسْعاكِ الجميل
وليَ الإِنْشادُ والعَزْفُ – إلى وَقْتِ الأَصيلْ
فإذا طالتْ ظِلالُ الكَلإ – الغضِّ الضَّئيل
فهلمِّي نُرْجِعِ المَسْعَى – إلى الحيِّ النَّبيل
قصيدة لشاعر الخضراء أبو القاسم الشابي

خلقت طليقا كطيف النسيم

خُلقتَ طَليقاً كَطَيفِ النَّسيمِ ~ وحُرًّا كَنُورِ الضُّحى في سَمَاهْ
تُغَرِّدُ كالطَّيرِ أَيْنَ اندفعتَ ~ وتشدو بما شاءَ وَحْيُ الإِلهْ
وتَمْرَحُ بَيْنَ وُرودِ الصَّباحِ ~ وتنعَمُ بالنُّورِ أَنَّى تَرَاه
وتَمْشي كما شِئْتَ بَيْنَ المروج ~ وتَقْطُفُ وَرْدَ الرُّبى في رُبَاهْ
كذا صاغكَ اللهُ يا ابنَ الوُجُود ~ وأَلْقَتْكَ في الكونِ هذي الحيَاه
فما لكَ ترضَى بذُلِّ القيود ~ وتَحْني لمنْ كبَّلوكَ الجِبَاه
وتُسْكِتُ في النَّفسِ صوتَ الحَيَاة ~ القويَّ إِذا مَا تغنَّى صَدَاه
وتُطْبِقُ أَجْفانَكَ النَّيِّراتِ عن الفجر ~ والفجرُ عَذْبٌ ضيَاه
وتَقْنَعُ بالعيشِ بَيْنَ الكهوف ~ فأَينَ النَّشيدُ وأينَ الإِيَاه
أَتخشى نشيدَ السَّماءِ الجميلَ ~ أَتَرْهَبُ نورَ الفضَا في ضُحَاه
ألا انهضْ وسِرْ في سبيلِ الحَيَاة ~ فمنْ نامَ لم تَنْتَظِرْهُ الحَيَاه
ولا تخشى ممَّا وراءَ التِّلاع ~ فما ثَمَّ إلاَّ الضُّحى في صِبَاه
وإلاَّ رَبيعُ الوُجُودِ الغرير ~ يطرِّزُ بالوردِ ضافي رِدَاه
وإلاَّ أَريجُ الزُّهُورِ الصُّبَاح ~ ورقصُ الأَشعَّةِ بَيْنَ الميَاه
وإلاَّ حَمَامُ المروجِ الأَنيق ~ يغرِّدُ منطلِقاً في غِنَاه
إلى النُّورِ فالنُّورُ عذْبٌ جميل ~ إلى النُّورِ فالنُّورُ ظِلُّ الإِله
قصيدة رائعة لشاعر الخضراء أبو القاسم الشابي

مرح الطفولة

إنا لفي زمن الطفولة والبراءة والطهور
نحيا كما تحيا البلابل والجداول والزهور
إذ نحن لم نعرف من الدنيا سوى مرح السرور
وبناء اكواخ الطفولة تحت اعشاش الطيور
مسقوفة بالورد والاعشاب والورق النضير
نبني فتهدمها الرياح فلا نضج ولا نثور
ونعود نضحك للمروج والزنابق والغدير
ونخاطب الاصداء وهي ترف في الوادي المنير
ونظل نركض خلف اسراب الفراش المستطير
نشدو ونرقص كالبلابل للحياة وللحبور
ونشيد في الأفق المخضب من امانينا قصور
لا نسأم اللهو الجميل وليس يدركنا الفتور
أبيات شاعر الخضراء أبو القاسم الشابي