قردٌ رأى الفيلَ على الطريقِ

قردٌ رأى الفيلَ على الطريقِ مهرولاً خوفاً من التعويقِ
وكان ذاك القِردُ نصفَ أَعمى يُريد يُحْصِي كلَّ شيءٍ عِلما
فقال: أهلا بأبي الأهوالِ ومرْحباً بِمُخْجِلِ الجِبالِ
نقدي الرؤوسُ رأسكَ العظيما فقف أشاهدْ حسنك الوسيما
للهِ ما أظرفَ هذا القدَّا وألطف العظمَ وأبهى الجلدا!
وأَملَح الأذْنَ في الاستِرسالِ كأَنها دائرة ُ الغِربالِ!
وأَحسَنَ الخُرطومَ حين تاهَا كأَنه النخلة ُ في صِباها!
وظَهرُك العالي هو البِساطُ للنفْسِ في رُكوبِه کنبِساطُ
فعدَّها الفيلُ من السعودِ وأمرَ الشاعرَ بالصُّعود
فجالَ في الظهر بلا توانِ حتى إذا لم يَبقَ من مكان
أَوفى على الشيءِ الذي لا يُذكرُ وأدخلَ الاصبعَ فيه يخبرُ
فاتهم الفيلُ البعوضَ، واضطربْ وضيَّقَ الثقب، وصالَ بالذنبْ
فوقَعَ الضربُ على السليمه فلحِقَتْ بأُختِها الكريمه
ونزل البصيرُ ذا اكتئابِ يشكو إلى الفيلِ من المُصابِ
فقال: لا مُوجِب للندامه الحمد لله على السلامه
من كان في عينيْه هذا الداءُ ففي العَمى لنفسِه وقاءُ

يَحكون أَن أُمَّة َ الأَرانِبِ

يَحكون أَن أُمَّة َ الأَرانِبِ قد أخذت من الثرى بجانبِ
وابتَهجَتْ بالوطنِ الكريمِ ومثلِ العيالِ والحريمِ
فاختاره الفيلُ له طريقا ممزِّقاً أصحابنا تمزيقا
وكان فيهم أرنبٌ لبيبُ أذهبَ جلَّ صوفهِ التَّجريب
نادى بهم: يا مَعشرَ الأَرانبِ من عالِمٍ، وشاعرٍ، وكاتب
اتَّحِدوا ضِدَّ العَدُوِّ الجافي فالاتحادُ قوّة ُ الضِّعاف
فأقبلوا مستصوبين رايهْ وعقدوا للاجتماعِ رايه
وانتخبوا من بينِهم ثلاثه لا هَرَماً راعَوْا، ولا حَداثه
بل نظروا إلى كمالِ العقلِ واعتَبروا في ذاك سِنَّ الفضْل
فنهض الأولُ للخطِاب فقال : إنّ الرأيَ ذا الصواب
أن تُتركَ الأرضُ لذي الخرطومِ كي نستريحَ من أَذى الغَشوم
فصاحت الأرانبُ الغوالي : هذا أضرُّ من أبي الأهوال
ووثبَ الثاني فقال: إني أَعهَدُ في الثعلبِ شيخَ الفنِّ
فلندْعُه يُمِدّنا بحِكمتِهْ ويأخذ اثنيْنِ جزاءَ خدمتِه
فقيلَ : لا يا صاحبَ السموِّ لا يدفعُ العدوُّ بالعدوِّ
وانتَدَبَ الثالثُ للكلامِ فقال : يا معاشرَ الأقوامِ
اجتمِعوا؛ فالاجتِماع قوّه ثم احفِروا على الطريق هُوَّه
يهوى إليها الفيلُ في مروره فنستَريحُ الدهرَ من شرورِه
ثم يقولُ الجيلُ بعدَ الجيلِ قد أَكلَ الأَرنبُ عقلَ الفيل
فاستصوبوا مقالهُ ، واستحسنوا وعملوا من فورهم ، فأحسنوا
وهلكَ الفيلُ الرفيعُ الشَّانِ فأَمستِ الأُمَّة ُ في أَمان
وأقبلتْ لصاحبِ التدبير ساعية ً بالتاجِ والسرير
فقال : مهلا يا بني الأوطانِ إنّ محلِّي للمحلُّ الثاني
فصاحبُ الصَّوتِ القويِّ الغالبِ منْ قد دعا : يا معشرَ الأرانب

مرَّتْ على الخُفاشِ

مرَّتْ على الخُفاشِ مليكة ُ الفراشِ
تطيرُ بالجموعِ سعياً إلى الشموعِ
فعطفتْ ومالت واستضحكت فقالتْ :
أَزْرَيْتَ بالغرامِ يا عاشقَ الظلامِ
صفْ لي الصديقَ الأسودا الخاملَ المُجَرَّدا
قال: سأَلتِ فيه أصدقَ واصفيهِ
هو الصديقُ الوافي الكاملُ الأَوصافِ
جِوارُهُ أَمانُ وسرُّه كتمانُ
وطرفُه كليلُ إذا هفا الخليلُ
يحنو على العشَّاقِ يسمعُ للمشتاق
وجملة ُ المقالِ هو الحبيبُ الغالي
فقالتِ الحمقاءُ وقولها استهزاءُ
أَين أَبو المِسْكِ الخَصِي ذو الثَّمَنِ المُسْتَرْخَصِ
منْ صاحبي الأميرِ الظاهرِ المنيرِ ؟
إن عُدَّ فيمن أَعرِفُ أَسمُو بِه وأَشرُفُ
وإن سئلتُ عنهُ وعن مكاني منهُ
أُفاخِرُ الأَترابا وأَنثني إعجابَا
فقال : يا مليكهْ ورَبَّة َ الأَريكهْ
إنّ منَ الغُرُورِ ملامة َ المغرورِ
فأَعطِني قفاك وامضي إلى الهلاك
فتركتهْ ساخرهْ وذهَبتْ مُفاخِرهْ
وبعد ساعة ٍ مضَتْ من الزمانِ فانقضَتْ
مَرَّتْ على الخُفَّاشِ مليكة ُ الفراشِ
ناقصة َ الأعضاءِ تشكو من الفناءِ
فجاءَها مُنهَمِكا يُضحِكه منها البُكا
قال : ألم أقل لكِ هَلكْتِ أَو لم تَهلِكي
رُبَّ صديقٍ عبدِ أبيضُ وجهِ الودّ
يَفديك كالرَّئِيسِ بالنَّفْسِ والنفيسِ
وصاحبٍ كالنورِ في الحسنِ والظهورِ
معتكرِ الفؤادِ مضيِّع الودادِ
حِبالُه أَشراكُ وقُرْبُه هلاكُ؟

اللَّيثُ مَلْكُ القِفارِ

اللَّيثُ مَلْكُ القِفارِ وما تضمُّ الصًّحاري
سَعت إليه الرعايا يوماً بكلِّ انكسار
قالت : تعيشُ وتبقى يا داميَ الأَظفار
ماتَ الوزيرُ فمنْ ذا يَسوسُ أَمرَ الضَّواري؟
قال : الحمارُوزيري قضى بهذا اختياري
فاستضحكت ، ثم قال : «ماذا رأَى في الحِمارِ؟»
وخلَّفتهُ ، وطارت بمضحكِ الأخبار
حتى إذا الشَّهْرُ ولَّى كليْلة ٍ أَو نَهار
لم يَشعُرِ اللَّيثُ إلا ومُلكُهُ في دَمار
القردُ عندَ اليمين والكلبُ عند اليسار
والقِطُّ بين يديه يلهو بعظمة ِ فار !
فقال : من في جدودي مثلي عديمُ الوقار ؟ ‍!
أينَ اقتداري وبطشي وهَيْبتي واعتباري؟!
فجاءَهُ القردُ سرّاً وقال بعدَ اعتذار:
يا عاليَ الجاه فينا كن عاليَ الأنظار
رأَيُ الرعِيَّة ِ فيكم من رأيكم في الحمار!

كانت النَّملة تمشي

كانت النَّملة تمشي مرة ً تحتَ المُقطَّمْ
فارتخى مَفصِلُها من هَيبة ِ الطَّوْدِ المعظَّمْ
وانثنتْ تنظرُ حتى أوجد الخوف وأعدم
قالت : اليوم هلاكي حلَّ يومي وتحتم !
ليت شعري : كيف أنجو ـ إنْ هوى هذا ـ وأَسلم؟
فسعت تجري ، وعينا ها ترى الطَّود فتندم
سقطتْ في شبرِ ماءٍ هو عند النّمل كاليمّ
فبكت يأساً ، وصاحت قبل جري الماء في الفمّ
ثم قالت وهي أدرى بالذي قالت وأَعلَم:
ليتني لم أتأخَّر ليتني لم أتقدَّم
ليتني سلَّمت ، فالعا قل من خاف فسلَّم !
صاح لا تخش عظيما فالذي في الغيْب أَعظم

كان فيما مضى من الدهر بيتُ

كان فيما مضى من الدهر بيتُ من بيوت الكرام فيه غزال
يَطعَم اللَّوْزَ والفطيرَ ويُسقى عسلاَ لم يشبه إلا الزَّلال
فأَتى الكلبَ ذاتَ يومٍ يُناجيـ ـهِ وفي النفسِ تَرحَة ٌ وملال
قال : يا صاحب الأمانة ، قل لي كيف حالُ الوَرَى ؟ وكيف الرجال؟
فأجاب الأمين وهو القئول الصّـَ ـادِقُ الكامل النُّهَى المِفضال
سائلي عن حقيقة الناس ، عذراً ليس فيهم حقيقة ُ فتقال
إنما هم حقدٌ ، وغشٌّ ، وبغضُ وأَذاة ٌ، وغيبة ٌ، وانتحال
ليت شعري هل يستريحُ فؤادي ؟ كم أداريهم ! وكم أحتال !
فرِضا البعض فيه للبعضِ سُخْطٌ ورضا الكلِّ مطلبٌ لا يُنال
ورضا اللهِ نرتجيهِ ، ولكن لا يؤدِّي إليه إلا الكمال
لا يغرَّنكَ يا أخا البيدِ من موْ لاكَ ذاك القبولُ والإقبال
أنتَ في الأسرِ ما سلمتَ ، فإن تمـ ـرض تقطَّعْ من جسمك الأوصال
فاطلبِ البِيدَ، وارض بالعُشبِ قوتاً فهناك العيشُ الهنِيُّ الحلال
أنا لولا العظامُ وهيَ حياتي لم تَطِبْ لي مع ابنِ آدمَ حال