| إنَّ هذي الحَيَاةَ قيثارَةُ اللهِ – وأَهْلُ الحَيَاةِ مِثْلُ اللًّحُونِ |
| نَغَمٌ يَسْتَبي المَشاعِرَ كالسِّحْرِ – وصَوْتٌ يُخِلُّ بالتَّلْحينِ |
| واللَّيالي مَغَاوِرٌ تُلْحِدُ اللَّحْنَ – وتَقْضي على الصَّدى المِسْكِينِ |
شاعر تونس
هو الشاعرالكبير أبو القاسم الشابي ويلقب كذلك بشاعر الخضراء.
يا إله الوجود هذي جراح
| يا إلهَ الوجودِ! هذي جراحٌ | في فؤادي، تشْكو إليْك الدّواهي |
| هذه زفرة ٌ يُصعِّدها الهمُّ | إلى مَسْمَعِ الفَضَاء السَّاهي |
| فلقد جرّعني صوتُ الظّلام | |
| هَذِهِ مُهْجَة ُ الشَّقَاءِ تُنَاجيكَ | فهلْ أنتَ سامعٌ يا إلهي؟ |
| أنتَ أنزلتني إل ظلمة ِ الأرض | وقد كنتُ في صباحٍ زارهِ |
| أَلَماً علّمني كرِهَ الحياة | |
| كَجَدْولٍ في مَضَايِقِ السُّبُلُ | |
| كالشّعاع الجميل، أَسْبَحُ في الأفق | وأُصْغي إلى خرير المياهِ |
| وأُغنِّي بينَ الينابيعِ للفَجْر | وأشدو كالبلبلِ التَّيَّاهِ |
| أَنَا كَئيبْ، | |
| أنتَ أوصلتَني إلى سبل الدنيا | وهذي كثيرة ُ الأشتباهِ |
| ثم خلَّفَتَني وحيداً، فريداً | فَهْوَ يا ربِّ مَعْبَدُ الحقِّ، |
| أنتَ أوقفتَني على لُجَّة الحزْنِ | وجَرَّعتني مرارة َ آهِ! |
| أنت أنشأتني غريباً بنفسي | بين قوميْ، في نشْوتي وانتباهي |
| ـامي، وآياتِ فنِّهِ المتناهي | وحبَّبْتَني جُمَودَ السَّاهي |
| وتلاشت في سكون الأكتئاب | |
| أنتَ جَبَّلتَ بين جنبيَّ قلباً | سرمديَّ الشُّعور والانتباهِ |
| عبقريَّ الأسى : تعذِّبه الدنيا | وتُشْجيه ساحراتُ الملاهي! |
| أيها العصفورْ | |
| أنتَ عذّبتني بِدِقَّة حِسِّي | وتعقَّبْتَني بكلّ الدَّواهي |
| بالمنايا تَغْتال أشْهى أمانيَّ | وتُذوِي محاجري، وَشِفاهي |
| فإذا من أحبُّ حفنة ُ تُرْبٍ | تافهٍ، مِنْ تَرائبٍ وَجِبَاهِ |
| أنَّة َ الأوتار..! | |
| غَرِيبَة ٌ فِي عَوَالِمِ الحَزَن | |
| يتلاشى فوق الخضَمِّ: ويبقى الـ | ـيمُّ كالعهدِ مُزْبدَ الأمواه… |
| مرّت ليالٍ خبَتْ مع الأمدِ | |
| يا إلهَ الوجودِ! مالكَ لا تَرثي | لحزن المُعَذَّب الأوَّاهِ؟ |
| قد تأوَّهتُ في سكونِ اللّيالي | ثم أطبقتُ في الصّباح شِفاهي |
| رُوحِي، وَتَبْقَى بِها إلى الأَبَدِ | |
| يَا رِياحَ الوجود! سيري بعنفٍ | وتغنِّيْ بصوتك الأوَّاه |
| وانفحيني مِنْ رُوحِكِ الفَخْم ما يُبْـ | ـلغُ صَوْتي آذَانَ هذا الإلهِ |
| وانثُري الوَرْدَ للثُّلوجِ بدَاداً | واصعقي كلّ بُلبلٍ تَيَّاه |
| فالوجودُ الشقيُّ غيرُ جديرٍ | وَهْوَ نايُ الجمالِ، والحبِّ، والأحْـ |
| فالإله العظيم لميخلق لدنيا | سوى للفناءِ تَحْتَ الدّواهي |
| مَشَاعِرِي فِي جَهَنَّمَ الأَلمِ | |
إن الحياة صراع
| إنَّ الحياة َ صِراعٌ | فيها الضّعيفُ يُداسْ |
| ما فَازَ في ماضِغيها | إلا شديدُ المراسْ |
| للخِبِّ فيها شجونٌ | فَكُنْ فتى الإحتراسْ |
| الكونُ كونُ شفاءٍ | الكونُ كونُ التباسْ |
| الكونُ كونُ اختلاقٍ | وضجّة ٌ واختلاسْ |
| السرور | والابتئاسْ |
| بين النوائبِ بونٌ | للنّاس فيه مزايا |
| البعضُ لم يدرِ إلا | البِلى ينادي البلايا |
| والبعضُ مَا ذَاقَ منها | سوى حقيرِ الرزايا |
| إنَّ الحياة َ سُبَاتٌ | سينقضي بالمنايا |
| وما الرُّؤى فيهِ إلاَّ | آمالُنَا، والخَطايا |
| فإن تيقّظَ كانتْ | بين الجفون بقايا |
| كلُّ البلايا…جميعاً | تفْنى ويحْيا السلامْ |
| والذلُّ سبُّهُ عارٍ | لا يرتضيهِ الكِرامْ |
| الفجر يسطع بعد الدّ | ُجى ، ويأتي الضِّياءْ |
| ويرقُدُ اللَّيْلُ قَسْراً | على مِهَادِ العَفَاءْ |
| وللشّعوب حياة ٌ | حِينا وحِينا فَنَاءْ |
| واليأْسُ موتٌ ولكنْ | موتٌ يثيرُ الشّقاءْ |
| والجِدُّ للشَّعْبِ روحٌ | تُوحِي إليهِ الهَناءْ |
| فإن تولَّتْ تصدَّت | حَيَاتُهُ لِلبَلاءْ |
لو كانت الأيام في قبضتي
| لو كَانَتِ الأَيّامُ في قبضتي | أذريتها للريح، مثل الرمال |
| وقلتُ: يا ريحُ، بها فاذهبي | وبدِّديها في سَحيقِ الجبالُ |
| بل في فجاج الموت.. في عالَمٍ | لا يرقُصُ النُّورُ بِهِ والظِّلالْ |
| لو كان هذا الكونُ في قبضتي | ألقيْتُه في النّار، نارِ الجحيمْ |
| ما هذه الدنيا، وهذا الورى | وذلكَ الأُفْقُ، وَتِلْكَ النُّجُومْ |
| النَّارُ أوْلى بعبيدِ الأسى | ومسرحِ الموتِ، وعشِّ الهمومْ |
| يا أيّها الماضِي الذي قد قَضَى | وضمَّهُ الموتُ، وليلُ الأَبَدْ |
| يا حاضِرَ النَّاس الذي لم يَزُل | يا أيُّها الآتي الذي لم يَلِدْ |
| سَخَافة ٌ دنياكُمُ هذه | تائهة ٌ في ظلمة ِ لا تُحَدْ |
كان قلبي فجر ونجوم
| كان قلبِيَ فجرٌ، ونجومْ، | وبحارٌ لا تُغَشّيها الغيومْ |
| وأناشيدٌ، وأطيارٌ تَحُومْ | وَرَبيعٌ، مُشْرِقٌ، حُلْوٌ، جَميلْ |
| كانَ في قلبي صباحٌ، وإياهْ، | وابتِسَامَاتٌ ولكنْ… واأسَاهْ |
| آه! ما أهولَ إعْصَارَ الحياة | آه! ما أشقى قُلُوبَ النّاسِ! آه |
| كان في قلبيَ فجرٌ، ونجومْ، | |
| فإذا الكلُّ ظلامٌ، وسديمْ..، | |
| كان في قلبيَ فجرٌ، ونجومْ | |
| يا بني أمِّي! تُرى أينَ الصّباح | قد تقضَّى العُمْرُ، والفجْرُ بعيدْ |
| وَطَغى الوادي بِمَشْبُوبِ النواح | وانقَضَتْ أنشودة ُ الفَصْل السَّعيدْ |
| أين نايي؟ هل ترامتْه الرياح | أين غابي؟ أين محرابُ السُّجُودْ.. |
| خبِّروا قلبي. فما أقسى الجراحْ | كيف طارتْ نشوة ُ العيشِ الحَميد |
| يا بني أمِّي! تُرى أين الصَّباح | |
| أوراءَ البحر؟ أم خلفَ الوُجود | |
| يا بني أمي؟ ترى أينَ الصباح | |
| ليت شعري! هل سَتُسَلِيني الغَداة ْ | وتعزِّيني عن الأمسِ الفَقِيدْ |
| وتُريني أن أفراحَ الحياة | زُمَرٌ تمضي، وأفواجٌ تعود |
| فإذا قلبي صياح، وإيّاه.. | وإذا أحلاميَ الأولى وَرُودْ.. |
| وإذا الشُّحْرورُ حُلْوُ النَّغماتْ.. | وإذا الغَابُ ضِيَاءٌ وَنَشِيدْ.. |
| أم ستنساني، وتُبْقيني وحيد؟ | |
| ليتَ شِعْري! هل تُعَزِّيني الغَدَاة ْ | |
والضجر
| والضَّجَرْ | أيُّ طَيْر |
| لَيْتَ شِعْري! | |
| يَسْمَعُ الأَحْزَانَ تَبْكِي | |
| وذا جنونٌ ، لعمري، كلهُ جزعٌ | حَاكُوا لَكُمْ ثَوْبَ عِزٍّ |
| فَأَرى صَوْتي فَرِيدْ! | يهيجُ فيها غبارا |
| تبقي الأديبَ حمارا | |
| قد كبلَ القدرُ الضاري فرائسهْ | فما استطاعوا له دفعاً، ولا حزروا |
| لا يعرفُ المرءُ منها | ليلاً رأى أمْ نهارا |
| يخالُ كلَّ خيالٍ | |
| ـنوى قلى ً، وصغارا | |
| لبستم الجهلَ ثوباً | تخذتموهُ شعارا |
| كَالكَسِيرْ؟ | قطنتمُ الجهلَ دارا ؟ |
| لَسْتُ أدري | |
| خلعتموهُ احتقارا | |
| يا ليتَ قومي أصاخوا | لما أقولُ جهارا |
| وَأَعْقَبَتْهُمْ خُمَارا | كالموتِ، لكنْ إليها الوردُ والصدرُ |
| يا شعرُ! أسمعتَ لكنْ | |
| فلا تبالِ إذا ما | أعطوا نداكَ ازورارا |