نشيد الجبار ( هكذا غنى بروميثيوس )

سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعْداءِ كالنِّسْر فوقَ القِمَّة ِ الشَّمَّاءِ
أَرْنو إِلَى الشَّمْسِ المضِيئّة ِ..،هازِئاً بالسُّحْبِ، والأمطارِ، والأَنواءِ
لا أرمقُ الظلَّ الكئيبَ..، ولا أَرى ما في قرار الهَوّة ِ السوداءِ…
وأسيرُ في دُنيا المشاعِر، حَالماَ، غرِداً- وتلكَ سعادة ُ الشعراءِ
أُصغِي لموسيقى الحياة ِ، وَوَحْيها وأذيبُ روحَ الكونِ في إنْشائي
وأُصِيخُ للصّوتِ الإلهيِّ، الَّذي يُحيي بقلبي مَيِّتَ الأصْداءِ
وأقول للقَدَرِ الذي لا يَنْثني عن حرب آمالي بكل بلاءِ:
“-لا يطفىء اللهبَ المؤجَّجَ في دَمي موجُ الأسى ، وعواصفُ الأرْزاءِ
«فاهدمْ فؤادي ما استطعتَ، فإنَّهُ سيكون مثلَ الصَّخْرة الصَّمَّاءِ»
لا يعرفُ الشكْوى الذَّليلة َ والبُكا، وضَراعَة َ الأَطْفالِ والضُّعَفَاء
«ويعيشُ جبَّارا، يحدِّق دائماً بالفَجْرِ..، بالفجرِ الجميلِ، النَّائي
واملأْ طريقي بالمخاوفِ، والدّجى ، وزَوابعِ الاَشْواكِ، والحَصْباءِ
وانشُرْ عليْهِ الرُّعْبَ، وانثُرْ فَوْقَهُ رُجُمَ الرّدى ، وصواعِقَ البأساءِ»
«سَأَظلُّ أمشي رغْمَ ذلك، عازفاً قيثارتي، مترنِّما بغنائي»
«أمشي بروحٍ حالمٍ، متَوَهِّجٍ في ظُلمة ِ الآلامِ والأدواءِ»
النّور في قلبِي وبينَ جوانحي فَعَلامَ أخشى السَّيرَ في الظلماءِ»
«إنّي أنا النّايُ الذي لا تنتهي أنغامُهُ، ما دامَ في الأحياءِ»
«وأنا الخِضَمُّ الرحْبُ، ليس تزيدُهُ إلا حياة ً سَطْوة ُ الأنواءِ»
أمَّا إذا خمدَتْ حَياتي، وانْقَضَى عُمُري، وأخرسَتِ المنيَّة ُ نائي»
«وخبا لهيبُ الكون في قلبي الذي قدْ عاشَ مثلَ الشُّعْلة ِ الحمْراءِ
فأنا السَّعيدُ بأنني مُتَحوِّلٌ عَنْ عَالمِ الآثامِ، والبغضاءِ»
«لأذوبَ في فجر الجمال السرمديِّ وأَرْتوي منْ مَنْهَلِ الأَضْواءِ”
وأقولُ للجَمْعِ الذينَ تجشَّموا هَدْمي وودُّوا لو يخرُّ بنائي
ورأوْا على الأشواك ظلِّيَ هامِداً فتخيّلوا أنِّي قَضَيْتُ ذَمائي
وغدوْا يَشُبُّون اللَّهيبَ بكلِّ ما وجدوا..، ليشوُوا فوقَهُ أشلائي
ومضُوْا يمدُّونَ الخوانَ، ليأكُلوا لحمي، ويرتشفوا عليه دِمائي
إنّي أقول ـ لَهُمْ ـ ووجهي مُشْرقٌ وَعلى شِفاهي بَسْمة اسْتِهزاءِ-:
“إنَّ المعاوِلَ لا تهدُّ مَناكِبي والنَّارَ لا تَأتي عَلَى أعْضائي
«فارموا إلى النَّار الحشائشَ..، والعبوا يا مَعْشَرَ الأَطفالِ تحتَ سَمائي»
«وإذا تمرّدتِ العَواصفُ، وانتشى بالهول قَلْبُ القبّة ِ الزَّرقاءِ»
«ورأيتموني طائراً، مترنِّماً فوقَ الزّوابعِ، في الفَضاءِ النائي
«فارموا على ظلّي الحجارة َ، واختفوا خَوْفَ الرِّياحِ الْهوجِ والأَنواءِ..»
وهُناك، في أمْنِ البُيوتِ،تَطارَحُوا عثَّ الحديثِ، وميِّتَ الآراءِ»
«وترنَّموا ـ ما شئتمُ ـ بِشَتَائمي وتجاهَرُوا ـ ما شئتمُ ـ بِعدائي»
أما أنا فأجيبكم من فوقِكم والشمسُ والشفقُ الجميلُ إزائي:
مَنْ جاشَ بِالوَحْيِ المقدَّسِ قلبُه لم يحتفِلْ بفداحة الأعباءِ”

في الليل ناديت الكواكب ساخطا

في اللّيل نَادَيتُ الكَوَاكِبَ ساخطاً متأجَّجَ الآلام والآراب
“الحقلُ يملكه جبابرة ُ الدّجى والروضُ يسكنه بنو الأرباب
«والنَّهرُ، للغُول المقدّسة التي لا ترتوي، والغابُ للحَطّابِ»
«وعرائسُ الغابِ الجميلِ، هزيلة ٌ ظمأى لِكُلِّ جَنى ً، وَكُلِّ شَرابِ»
ما هذه الدنيا الكريهة ُ؟ ويلَها! حَقّتْ عليها لَعْنَة ُ الأَحْقابِ!»
الكونُ مُصغٍ، ياكواكبُ، خاشعٌ طال انتظاري، فانطقي بِجواب”!
فسمعتُ صوتاً ساحراً، متموجاً فوق المروجِ الفيحِ، والأَعْشابِ
وَحَفيفَ أجنحة ٍ ترفرف في الفضا وصدى ً يَرنُّ على سُكون الغابِ:
الفجرُ يولدُ باسماً، مُتَهَلِّلاً في الكونِ، بين دُحنِّة ٍ وضباب

يا عذارى الجمال والحب والأحلام

يا عذارى الجمال والحب والأحلامِ بل يَا بَهَاءَ هذا الوُجُودِ
قد رأَيْنا الشُّعُورَ مُنْسَدِلاتٍ كلّلَتْ حُسْنَها صباحُ الورودِ
ورَأينا الجفونَ تَبْسِمُ..، أو تَحْلُمُ بالنُّورِ، بالهوى ، بِالنّشيدِ
وَرَأينا الخُدودَ، ضرّجَها السِّحْرُ، فآهاً مِنْ سِحْرِ تلكَ الخُدود
ورأينا الشِّفاه تبسمُ عن دنيا من الورد غضّة ٍ أملُود
ورأينا النُّهودَ تَهْتَزُّ، كالأزهارِ في نشوة الشباب السعيدِ
فتنة ٌ، توقظ الغرام، وتذكيه وَلكنْ مَاذا وراءَ النُّهُودِ
ما الذي خلف سحرها الحالي، السكران، في ذلك القرارِ البعيدِ..؟
أنفوسٌ جميلة ٌ، كطيور الغابِ تشدوُ بساحر التغريدِ
طاهراتٌ، كأَنَّها أَرَجُ الأَزَهارِ في مَوْلِدِ الرّبيعِ الجَديد؟
وقلوبٌ مُضيئة ٌ، كنجوم الليل ضَوَاعة ٌ، كغضِّ الورودِ؟
أم ظلامٌ، كأنهُ قِطَعُ الليل، وهولٌ يُشيبُ قلبَ الوليدِ
وخِضَمُّ، يَمُوج بالإثْمِ والنُّكْ رِ، والشَّرِّ، والظِّلالِ المَديدِ؟
لستُ أدري، فرُبّ زهرٍ شذيِّ قاتل رغمَ حسنه المشهودِ
صانَكنَّ الإلهُ من ظُلمة ِ الرّوحِ وَمِنْ ضَلّة الضّميرِ المُرِيدِ
إن ليلَ النّفوسِ ليلٌ مُريِعٌ سرمديُّ الأسى ، شنيع الخلودِ
يرزَحُ القَلْبُ فيه بالأَلَم المرّ، ويشقى بعِيشة المنكودِ
وَربيعُ الشَّبابِ يُذبِلُهُ الدُّهْرُ، ويمضي بِحُسْنِهِ المَعْبُودِ
غيرَ باقٍ في الكونِ إلا جمالُ الرُّوح غضًّا على الزَّمانِ الأَبيدِ

لحن الحياة

إذا الشعبُ يوما أراد الحياةفلا بد أن يستجيب القـدر
ولا بـد لليـل أن ينجليولا بـد للقيـد أن ينكسـر
ومن لم يعانقْـه شـوْقُ الحياةتبخر فــي جوها واندثر
فويل لمن لم تَشُـقهُ الحياة من صفْعـة العــدَم المنتصر
كـذلك قـالت ليَ الكائناتُوحدثني روحُها المستترْ
ودمــدمتِ الــرِّيحُ بيــن الفِجـاجوفوق الجبال وتحت الشجرْ
إذا ما طمحتُ إلــى غايةٍركبتُ المُنى, ونسِـيت الحذرْ
ولــم أتجــنَّب وعــورَ الشِّـعابولا كُبَّةَ اللّهَب المستعرْ
ومن يتهيب صعود الجباليعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحفرْ
فعجَّــتْ بقلبــي دمــاءُ الشـبابوضجَّــت بصـدري ريـاحٌ أخَـرْ
وأطـرقتُ, أصغـي لقصـف الرعـودِوعــزفِ الريــاحِ, ووقـعِ المطـرْ
وقـالت لـي الأرضُ  لمـا سـألتأيــا أمُّ هــل تكــرهين البشــر
أُبــارك فـي النـاس أهـلَ الطمـوحومــن يســتلذُّ ركــوبَ الخــطرْ
وألْعــنُ مــن لا يماشــي الزمـانَويقنـــع بــالعيْشِ عيشِ الحجَــرْ
هــو الكــونُ حـيٌّ, يحـبُّ الحيـاةويحــتقر المَيْــتَ, مهمــا كــبُرْ
فـلا الأفْـق يحـضن ميْـتَ الطيـورِولا النحــلُ يلثــم ميْــتَ الزهـرْ
ولــولا أمُومــةُ قلبِــي الــرّؤوملَمَــا ضمّــتِ الميْـتَ تلـك الحُـفَرْ
فــويلٌ لمــن لــم تشُــقه الحيـاة, مِــن لعنــة العــدم المنتصِـرْ
وفــي ليلــة مـن ليـالي الخـريفمثقَّلـــةٍ بالأســـى, والضجــرْ
ســكرتُ بهـا مـن ضيـاء النجـوموغنَّيْــتُ للحُــزْن حــتى ســكرْ
سـألتُ الدُّجـى: هـل تُعيـد الحيـاةُلمـــا أذبلتــه, ربيــعَ العمــر
فلـــم تتكلّم شــفاه الظــلامولــم تــترنَّمْ عــذارى السَّــحَرْ
وقال ليَ الغــابُ في رقَّـةٍمُحَبَّبَـــةٍ مثــل خــفْق الوتــرْ
يجــئ الشــتاءُ شــتاء الضبـابشــتاء الثلــوج, شــتاء المطــرْ
فينطفــئُ السِّـحرُ سـحرُ الغصـونِوســحرُ الزهــورِ, وسـحرُ الثمـرْ
وســحرُ السـماءِ الشـجيُّ الـوديعُوســحرُ المـروجِ, الشـهيُّ, العطِـرْ
وتهـــوِي الغصــونُ وأوراقُهــاوأزهــارُ عهــدٍ حــبيبٍ نضِــرْ
وتلهــو بهـا الـريحُ فـي كـل وادٍويدفنُهَــا الســيلُ أنَّــى عــبرْ
ويفنــى الجــميعُ كحُــلْمٍ بــديعٍتـــألّق فـــي مهجــةٍ واندثــرْ
وتبقــى البــذورُ, التــي حُـمِّلَتْذخــيرةَ عُمْــرٍ جــميلٍ غَــبَرْ
وذكــرى فصــولٍ ورؤيـا حيـاةٍوأشــباحَ دنيــا تلاشــتْ زُمَـرْ
معانقــةً وهـي تحـت الضبـابِوتحــت الثلـوجِ وتحـت المَـدَرْ
لِطَيْــفِ الحيــاةِ الــذي لا يُمَــلُّوقلــبِ الــربيعِ الشــذيِّ الخـضِرْ
وحالمـــةً بأغـــاني الطيـــورِوعِطْــرِ الزهــورِ, وطَعـمِ الثمـرْ
ويمشـي الزمـانُ, فتنمـو صـروفٌوتــذوِي صــروفٌ, وتحيـا أُخَـرْ
وتُصبِـــحُ أحلامُهـــا يقظَـــةًمُوَشَّـــحةً بغمـــوضِ السَّــحَرْ
تُســائل: أيــن ضبـابُ الصبـاحِوسِــحْرُ المسـاء? وضـوء القمـر
وأســرابُ ذاك الفَــراشِ الأنيــقونحــلٌ يغنِّــي, وغيــمٌ يمــر
وأيـــن الأشـــعَّةُ والكائنــاتُوأيــن الحيــاةُ التــي أنتظــر
ظمِئـتُ إلـى النـور, فـوق الغصونِظمِئـتُ إلـى الظـلِ تحـت الشـجرْ
ظمِئـتُ إلـى النَّبْـعِ, بيـن المـروجِيغنِّــي, ويــرقص فـوقَ الزّهَـرْ
ظمِئــتُ إلــى نَغَمــاتِ الطيـورِوهَمْسِ النّســيمِ, ولحــنِ المطــرْ
ظمِئـتُ إلـى الكـونِ! أيـن الوجـودُوأنَّـــى أرى العــالَمَ المنتظــر
هـو الكـونُ, خـلف سُـباتِ الجـمودِوفـــي أُفــقِ اليقظــاتِ الكُــبَرْ
ومـــا هــو إلا كخــفقِ الجنــاحِ حــتى نمــا شــوقُها وانتصـرْ
فصَـــدّعت الأرضَ مــن فوقهــاوأبْصــرتِ الكـونَ عـذبَ الصُّـوَرْ
وجـــاء الـــربيعُ, بأنغامِـــهوأحلامِـــه, وصِبـــاه العطِــرْ
وقبَّلهـــا قُبَـــلاً فــي الشــفاهِتعيــدُ الشــبابَ الــذي قـد غَـبَرْ
وقــال لهــا: قـد مُنِحْـتِ الحيـاةَوخُــلِّدْتِ فــي نســلكِ المُدّخَــرْ
وبـــاركَكِ النُّـــورُ, فاســتقبليشــبابَ الحيــاةِ وخِــصْبَ العُمـرْ
ومَــن تعبــدُ النــورَ أحلامُــهيُبَارِكُـــهُ النّــورُ أنّــى ظهــرْ
إليــكِ الفضــاءَ, إليــكِ الضيـاءَإليــك الــثرى, الحـالمَ, المزدهـرْ
إليــكِ الجمــالَ الــذي لا يَبيــدُ!إليــكِ الوجـودَ, الرحـيبَ, النضِـرْ
فميـدي كمـا شئتِ فوق الحقولِبحــلوِ الثمــارِ وغــضِّ الزّهَــرْ
ونــاجي النســيمَ ونـاجي الغيـومَونــاجي النجــومَ, ونـاجي القمـرْ
ونـــاجي الحيـــاةَ وأشــواقَهاوفتنــةَ هــذا الوجــود الأغــرْ
وشـفَّ الدجـى عـن جمـالٍ عميـقٍيشُــبُّ الخيــالَ, ويُــذكي الفِكَـرْ
ومُــدّ عـلى الكـون سِـحرٌ غـريبٌيُصَرّفــــه ســـاحرٌ مقتـــدرْ
وضـاءت شـموعُ النجـومِ الوِضـاءِوضــاع البَخُــورُ, بخـورُ الزّهَـرْ
ورفــرف روحٌ غــريبُ الجمـالبأجنحــةٍ مــن ضيــاء القمــرْ
ورنَّ نشـــيدُ الحيـــاةِ المقـــدّسُ فــي هيكـلٍ, حـالمٍ قـد سُـحِرْ
وأعْلِــنَ فــي الكـون أنّ الطمـوحَلهيـــبُ الحيــاةِ ورُوحُ الظفَــرْ
إذا طمحـــتْ للحيـــاةِ النفــوسُفــلا بــدّ أنْ يســتجيبَ القــدر
من أشعار أبو القاسم الشابي

لو كانت الأيام في قبضتي

لو كَانَتِ الأَيّامُ في قبضتي أذريتها للريح، مثل الرمال
وقلتُ: يا ريحُ، بها فاذهبي وبدِّديها في سَحيقِ الجبالُ
بل في فجاج الموت.. في عالَمٍ لا يرقُصُ النُّورُ بِهِ والظِّلالْ
لو كان هذا الكونُ في قبضتي ألقيْتُه في النّار، نارِ الجحيمْ
ما هذه الدنيا، وهذا الورى وذلكَ الأُفْقُ، وَتِلْكَ النُّجُومْ
النَّارُ أوْلى بعبيدِ الأسى  ومسرحِ الموتِ، وعشِّ الهمومْ
يا أيّها الماضِي الذي قد قَضَى وضمَّهُ الموتُ، وليلُ الأَبَدْ
يا حاضِرَ النَّاس الذي لم يَزُل يا أيُّها الآتي الذي لم يَلِدْ
سَخَافة ٌ دنياكُمُ هذه تائهة ٌ في ظلمة ِ لا تُحَدْ

نحن نمشي وحولنا هاته الأكوان

نحنُ نمشي وحولَنَا هاته الأَكــوانُ تمشي لكنْ لأَيَّةِ غايَة
نحنُ نشدو مع العَصافيرِ للشَّمْــسِ وهذا الرَّبيعُ ينفُخُ نَايَهْ
نحنُ نَتْلو روايَةَ الكونِ للموتِ ولكنْ ماذا خِتامُ الرِّواية
هكذا قلتُ للرِّياحِ فقالتْسَلْ ضميرَ الوُجُودِ كيف البدايَة
وتغشَّى الضَّبابُ نفسي فصاحتْفي مَلالٍ مُرٍّ إلى أَيْنَ أَمشي
قلتُ سيري معَ الحَيَاةِ فقالتْمَا جنينا تُرى من السَّيْرِ أَمسِ
فَتَهافَتُّ كالهشيمِ على الأَرضِ وناديتُ أَيْنَ يا قلبُ رفشي
هاتِهِ علَّني أَخُطُّ ضريحيفي سكونِ الدُّجى وأَدفُنُ نفسي
هاتِهِ فالظَّلامُ حولي كثيفٌوضبابُ الأَسى مُنيخٌ عليَّا
وكؤوسُ الغرامِ أَترعَهَا الفَجْــرُ ولكنْ تَحَطَّمَتْ في يدَيَّا
والشَّبابُ الغرير ولَّى إلى الماضي وخلَّى النَّحيبَ في شَفَتَيَّا
هاتِهِ يا فؤادُ إنَّا غَريبانِ نَصُوعُ الحَيَاةَ فنًّا شَجِيَّا
قَدْ رقصْنا معَ الحَيَاةِ طويلاًوشدوْنا مع الشَّبابِ سنينا
وعدَوْنا مع اللَّيالي حُفاةًفي شِعابِ الحَيَاةِ حتَّى دَمينا
وأكلْنا التُّرابَ حتَّى مَلِلْناوشَربْنا الدُّموعَ حتَّى رَوِينا
ونَثَرْنا الأَحْلامَ والحبَّ والآلامَ واليأسَ والأَسى حيثُ شِينا
ثمَّ ماذا هذا أنا صرتُ في الدُّنيا بعيداً عن لهوِها وغِنَاها
في ظلامِ الفَنَاءِ أَدفُنُ أَيَّامي ولا أستطيعُ حتَّى بكاها
وزهورُ الحياة تهوي بِصَمْتٍمحزنٍ مُضْجِرٍ على قدميَّا
جَفَّ سِحْرُ الحَيَاةِ يا قلبيَ البــاكي فهيَّا نُجَرِّبُ الموتَ هيَّا
قصيدة أبو القاسم الشابي