وأما الربيع

وأَمَّا الربيعُ فما يكتب الشعراءُ السكارى
إذا أَفلحوا في التقاط الزمان السريع
بصُنَّارة الكلمات – وعادوا إلى صحوهم سالمين
قليلٌ من البرد في جَمْرَةِ الجُلَنار
يُخفِّفُ من لسعة النار في الاستعارة
لو كنتُ أَقربَ منكِ إلى
لقبَّلْتُ نفسي
قليلٌ من اللون في زهرة اللوز يحمي
السماوات من حجَّة الَوثنَيَّ الأخيرة
مهما اختلفنا سَندْرِكُ أَنَّ السعادة
ممكنةٌ مثل هَزَّةِ أرضٍ
قليلٌ من الرقص في مهرجان الزواج الإباحي
بين النباتات سوف ينشِّط دورتنا الدمويَّة
لا تعرف البذرة الموت
مهما ابتعدنا
ولا تخجلُ الأبديَّةُ من أَحَدٍ
حين تمنَحُ عانَتَها للجميع
هنا – في الربيع السريع
قصيدة محمود درويش

سنون تعاد ودهر يعيد

سُنونٌ تُعادُ وَدَهرٌ يُعيدلَعَمرُكَ ما في اللَيالي جَديد
أَضاءَ لِآدَمَ هَذا الهِلالُفَكَيفَ تَقولُ الهِلالُ الوَليد
نَعُدُّ عَلَيهِ الزَمانَ القَريبَوَيُحصي عَلَينا الزَمانَ البَعيد
عَلى صَفحَتَيهِ حَديثُ القُرىوَأَيّامُ عادٍ وَدُنيا ثَمود
وَطيبَةُ آهِلَةٌ بِالمُلوكِوَطيبَةُ مُقفِرَةٌ بِالصَعيد
يَزولُ بِبَعضِ سَناهُ الصَفاوَيَفنى بِبَعضِ سَناهُ الحَديد
وَمِن عَجَبٍ وَهوَ جَدُّ اللَيالييُبيدُ اللَيالِيَ فيما يُبيد
يَقولونَ يا عامُ قَد عُدتَ ليفَيالَيتَ شِعري بِماذا تَعود
لَقَد كُنتَ لي أَمسِ ما لَم أُرِدفَهَل أَنتَ لي اليَومَ ما لا أُريد
وَمَن صابَرَ الدَهرَ صَبري لَهُشَكا في الثَلاثينَ شَكوى لَبيد
ظَمِئتُ وَمِثلي بَرِيٍّ أَحَقُّكَأَنّي حُسَينٌ وَدَهري يَزيد
تَغابَيتُ حَتّى صَحِبتُ الجَهولَوَدارَيتُ حَتّى صَحِبتُ الحَسود
أبيات شعر أمير الشعراء أحمد شوقي

عن الأمنيات

لا تقل لي:ليتني بائع خبز في الجزائر, لأغني مع ثائر
لا تقل لي:ليتني داعي مواش في اليمن, لأغني لانتفاضات الزمن
لا تقل لي:ليتني عامل مقهى في هفانا, لأغني لانتصارات الحزانى
لا تقل لي:ليتني أعمل في أسوان حمّالا صغير, لأغنّي للصخور يا صديقي
لن يصب النيل في الفولغا ولا الكونغوولا الكونغو، و لا الأردن، في نهر الفرات
كل نهر، و له نبع … و مجرى … و حياةيا صديقي! أرضنا ليست بعاقر
كل أرض، و لها ميلادهاكل فجر، و له موعد ثائر
قصيدة محمود درويش

لله ما أحلى الطفولة

لله مَا أَحْلى الطُّفولَةَ – إنَّها حلمُ الحياةْ
عهدٌ كَمَعْسولِ الرُّؤَى – مَا بينَ أجنحَةِ السُّبَاتْ
ترنو إلى الدُّنيا – ومَا فيها بعينٍ باسِمَهْ
وتَسيرُ في عَدَواتِ وَادِيها – بنَفْسٍ حَالمهْ
إنَّ الطّفولةَ تهتَزُّ – في قَلْبِ الرَّبيعْ
ريَّانةٌ مِنْ رَيِّقِ الأَنْداءِ – في الفَجْرِ الوَديعْ
غنَّت لها الدُّنيا – أَغاني حبها وحُبُورِهَا
فَتَأَوَّدَتْ نَشوى بأَحلامِ – الحَياةِ وَنُورِهَا
إنَّ الطُّفولَةَ حِقْبَةً – شعريَّةٌ بشُعُورِها
وَدُمُوعِها وسُرُورِها – وَطُمُوحِهَا وغُرُورِها
لمْ تمشِ في دنيا الكآبَةِ – والتَّعاسَةِ والعَذابْ
فترى على أضوائِها مَا في – الحَقيقَةِ مِنْ كِذَابْ
أشعار أبو القاسم الشابي شاعر الخضراء

قصرت عليك العمر وهو قصير

قَصَرتُ عَلَيكَ العُمرَ وَهوَ قَصيرُ – وَغالَبتُ فيكَ الشَوقَ وَهوَ قَديرُ
وَأَنشَأتُ في صَدري لِحُسنِكَ دَولَةً – لَها الحُبُّ جُندٌ وَالوَلاءُ سَفيرُ
فُؤادي لَها عَرشٌ وَأَنتَ مَليكُهُ – وَدونَكَ مِن تِلكَ الضُلوعِ سُتورُ
وَما اِنتَقَضَت يَوماً عَلَيكَ جَوانِحي – وَلا حَلَّ في قَلبي سِواكَ أَميرُ
كَتَمتُ فَقالوا شاعِرٌ يُنكِرُ الهَوى – وَهَل غَيرُ صَدري بِالغَرامِ خَبيرُ
وَلَو شِئتُ أَذهَلتُ النُجومَ عَنِ السُرى – وَعَطَّلتُ أَفلاكاً بِهِنَّ تَدورُ
وَأَشعَلتُ جِلدَ اللَيلِ مِنّي بِزَفرَةٍ – غَرامِيَّةٍ مِنها الشَرارُ يَطيرُ
وَلَكِنَّني أَخفَيتُ ما بي وَإِنَّما – لِكُلِّ غَرامٍ عاذِلٌ وَعَذيرُ
أَرى الحُبَّ ذُلّاً وَالشِكايَةَ ذِلَّةً – وَإِنّي بِسَترِ الذِلَّتَينِ جَديرُ
وَلي في الهَوى شِعرانِ شِعرٌ أُذيعُهُ – وَآخَرُ في طَيِّ الفُؤادِ سَتيرُ
وَلَولا لَجاجُ الحاسِدينَ لَما بَدا – لِمَكنونِ سِرّي في الغَرامِ ضَميرُ
وَلا شَرَعَت هَذا اليَراعَ أَنامِلي – لِشَكوى وَلَكِنَّ اللَجاجَ يُثيرُ
عَلى أَنَّني لا أَركَبُ اليَأسَ مَركَباً – وَلا أُكبِرُ البَأساءَ حينَ تُغيرُ
فَكَم حادَ عَنّي الحَينُ وَالسَيفُ مُصلَتٌ – وَهانَ عَلَيَّ الأَمرُ وَهوَ عَسيرُ
وَكَم لَمحَةٍ في غَفلَةِ الدَهرِ نَفَّسَت – هُموماً لَها بَينَ الضُلوعِ سَعيرُ
فَقَد يَشتَفي الصَبُّ السَقيمُ بِزَورَةٍ – وَيَنجو بِلَفظٍ عاثِرٌ وَأَسيرُ
عَسى ذَلِكَ العامُ الجَديدُ يَسُرُّني – بِبُشرى وَهَل لِلبائِسينَ بَشيرُ
وَيَنظُرُ لي رَبُّ الأَريكَةِ نَظرَةً – بِها يَنجَلي لَيلُ الأَسى وَيُنيرُ
مَليكٌ إِذا غَنّى اليَراعُ بِمَدحِهِ – سَرَت بِالمَعالي هِزَّةٌ وَسُرورُ
أَمَولايَ إِنَّ الشَرقَ قَد لاحَ نَجمُهُ – وَآنَ لَهُ بَعدَ المَماتِ نُشورُ
تَفاءَلَ خَيراً إِذ رَآكَ مُمَلَّكا – وَفَوقَكَ مِن نورِ المُهَيمِنِ نورُ
مَضى زَمَنٌ وَالغَربُ يَسطو بِحَولِهِ – عَلَيَّ وَما لي في الأَنامِ ظَهيرُ
إِلى أَن أَتاحَ اللَهُ لِلصَقرِ نَهضَةً – فَفَلَّت غِرارَ الخَطبِ وَهوَ طَريرُ
جَرَت أُمَّةُ اليابانِ شَوطاً إِلى العُلا – وَمِصرٌ عَلى آثارِها سَتَسيرُ
وَلا يُمنَعُ المِصرِيُّ إِدراكَ شَأوِها – وَأَنتَ لِطُلّابِ العَلاءِ نَصيرُ
فَقِف مَوقِفَ الفاروقِ وَاُنظُر لِأُمَّةٍ – إِلَيكَ بِحَبّاتِ القُلوبِ تُشيرُ
وَلا تَستَشِر غَيرَ العَزيمَةِ في العُلا – فَلَيسَ سِواها ناصِحٌ وَمُشيرُ
فَعَرشُكَ مَحروسٌ وَرَبُّكَ حارِسٌ – وَأَنتَ عَلى مُلكِ القُلوبِ أَميرُ
قصيدة شاعر النيل حافظ بك إبراهيم

وقف الخلق ينظرون جميعا

وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جَميعاً – كَيفَ أَبني قَواعِدَ المَجدِ وَحدي
وَبُناةُ الأَهرامِ في سالِفِ الدَهرِ – كَفَوني الكَلامَ عِندَ التَحَدّي
أَنا تاجُ العَلاءِ في مَفرِقِ الشَرقِ – وَدُرّاتُهُ فَرائِدُ عِقدي
أَيُّ شَيءٍ في الغَربِ قَد بَهَرَ الناسَ – جَمالاً وَلَم يَكُن مِنهُ عِندي
فَتُرابي تِبرٌ وَنَهري فُراتٌ – وَسَمائي مَصقولَةٌ كَالفِرِندِ
أَينَما سِرتَ جَدوَلٌ عِندَ كَرمٍ – عِندَ زَهرٍ مُدَنَّرٍ عِندَ رَندِ
وَرِجالي لَو أَنصَفوهُم لَسادوا – مِن كُهولٍ مِلءِ العُيونِ وَمُردِ
لَو أَصابوا لَهُم مَجالاً لَأَبدَوا – مُعجِزاتِ الذَكاءِ في كُلِّ قَصدِ
إِنَّهُم كَالظُبا أَلَحَّ عَلَيها – صَدَأُ الدَهرِ مِن ثَواءِ وَغِمدِ
فَإِذا صَيقَلُ القَضاءِ جَلاها – كُنَّ كَالمَوتِ ما لَهُ مِن مَرَدِّ
أَنا إِن قَدَّرَ الإِلَهُ مَماتي – لا تَرى الشَرقَ يَرفَعُ الرَأسَ بَعدي
ما رَماني رامٍ وَراحَ سَليماً – مِن قَديمٍ عِنايَةُ اللَهُ جُندي
كَم بَغَت دَولَةٌ عَلَيَّ وَجارَت – ثُمَّ زالَت وَتِلكَ عُقبى التَعَدّي
إِنَّني حُرَّةٌ كَسَرتُ قُيودي – رَغمَ رُقبى العِدا وَقَطَّعتُ قِدّي
وَتَماثَلتُ لِلشِفاءِ وَقَد دانَيتُ – حَيني وَهَيَّأَ القَومُ لَحدي
قُل لِمَن أَنكَروا مَفاخِرَ قَومي – مِثلَ ما أَنكَروا مَآثِرَ وُلدي
هَل وَقَفتُم بِقِمَّةِ الهَرَمِ الأَكبَرِ – يَوماً فَرَيتُمُ بَعضَ جُهدي
هَل رَأَيتُم تِلكَ النُقوشَ اللَواتي – أَعَجَزَت طَوقَ صَنعَةِ المُتَحَدّي
حالَ لَونُ النَهارِ مِن قِدَمِ العَهدِ – وَما مَسَّ لَونَها طولُ عَهدِ
هَل فَهِمتُم أَسرارَ ما كانَ عِندي – مِن عُلومٍ مَخبوءَةٍ طَيَّ بَردي
ذاكَ فَنُّ التَحنيطِ قَد غَلَبَ الدَهرَ – وَأَبلى البِلى وَأَعجَزَ نِدّي
قَد عَقَدتُ العُهودَ مِن عَهدِ فِرعَونَ – فَفي مِصرَ كانَ أَوَّلُ عَقدِ
إِنَّ مَجدي في الأولَياتِ عَريقٌ – مَن لَهُ مِثلَ أولَياتي وَمَجدي
أَنا أُمُّ التَشريعِ قَد أَخَذَ الرومانُ – عَنّي الأُصولَ في كُلِّ حَدِّ
وَرَصَدتُ النُجومَ مُنذُ أَضاءَت – في سَماءِ الدُجى فَأَحكَمتُ رَصدي
وَشَدا بَنتَئورَ فَوقَ رُبوعي – قَبلَ عَهدِ اليونانِ أَو عَهدِ نَجدِ
وَقَديماً بَنى الأَساطيلَ قَومي – فَفَرَقنَ البِحارَ يَحمِلنَ بَندي
قَبلَ أُسطولِ نِلسُنٍ كانَ أُسطولي – سَرِيّاً وَطالِعي غَيرَ نَكدِ
فَسَلوا البَحرَ عَن بَلاءِ سَفيني – وَسَلوا البَرَّ عَن مَواقِعِ جُردي
أَتُراني وَقَد طَوَيتُ حَياتي – في مِراسٍ لَم أَبلُغِ اليَومَ رُشدي
أَيُّ شَعبٍ أَحَقُّ مِنّي بِعَيشٍ – وارِفِ الظِلِّ أَخضَرِ اللَونِ رَغدِ
أَمِنَ العَدلِ أَنَّهُم يَرِدونَ الماءَ – صَفواً وَأَن يُكَدَّرَ وِردي
أَمِنَ الحَقِّ أَنَّهُم يُطلِقونَ الأُسدَ – مِنهُم وَأَن تُقَيَّدَ أُسدي
نِصفُ قَرنٍ إِلّا قَليلاً أُعاني – ما يُعاني هَوانَهُ كُلُّ عَبدِ
نَظَرَ اللَهُ لي فَأَرشَدَ أَبنائي – فَشَدّوا إِلى العُلا أَيَّ شَدِّ
إِنَّما الحَقُّ قُوَّةٌ مِن قُوى الدَي – يانِ أَمضى مِن كُلِّ أَبيَضَ هِندي
قَد وَعَدتُ العُلا بِكُلِّ أَبِيٍّ – مِن رِجالي فَأَنجِزوا اليَومَ وَعدي
أَمهِروها بِالروحِ فَهيَ عَروسٌ – تَسنَأُ المَهرَ مِن عُروضٍ وَنَقدِ
وَرِدوا بي مَناهِلَ العِزِّ حَتّى – يَخطُبَ النَجمُ في المَجَرَّةِ وُدّي
وَاِرفَعوا دَولَتي عَلى العِلمِ وَالأَخلاقِ – فَالعِلمُ وَحدَهُ لَيسَ يُجدي
وَتَواصَوا بِالصَبرِ فَالصَبرُ إِن فارَقَ – قَوماً فَما لَهُ مِن مَسَدِّ
خُلُقُ الصَبرِ وَحدَهُ نَصَرَ القَومَ – وَأَغنى عَنِ اِختِراعٍ وَعَدِّ
شَهِدوا حَومَةَ الوَغى بِنُفوسٍ – صابِراتٍ وَأَوجُهٍ غَيرِ رُبدِ
فَمَحا الصَبرُ آيَةَ العِلمِ في الحَربِ – وَأَنحى عَلى القَوِيِّ الأَشَدِّ
إِنَّ في الغَربِ أَعيُناً راصِداتٍ – كَحَلَتها الأَطماعُ فيكُم بِسُهدِ
فَوقَها مِجهَرٌ يُريها خَفايا – كَم وَيَطوي شُعاعُهُ كُلَّ بُعدِ
فَاِتَّقوها بِجُنَّةٍ مِن وِئامٍ – غَيرِ رَثِّ العُرا وَسَعيٍ وَكَدِّ
وَاِصفَحوا عَن هَناتِ مَن كانَ مِنكُم – رُبَّ هافٍ هَفا عَلى غَيرِ عَمدِ
نَحنُ نَجتازُ مَوقِفاً تَعثُرُ الآراءُ – فيهِ وَعَثرَةُ الرَأيِ تُردي
وَنُعيرُ الأَهواءَ حَرباً عَواناً – مِن خِلافٍ وَالخُلفُ كَالسِلِّ يُعدي
وَنُثيرُ الفَوضى عَلى جانِبَيهِ – فَيُعيدُ الجَهولُ فيها وَيُبدي
وَيَظُنُّ الغَوِيُّ أَن لا نِظامٌ – وَيَقولُ القَوِيُّ قَد جَدَّ جِدّي
فَقِفوا فيهِ وَقفَةَ الحَزمِ وَاِرموا – جانِبَيهِ بِعَزمَةِ المُستَعِدِّ
إِنَّنا عِندَ فَجرِ لَيلٍ طَويلٍ – قَد قَطَعناهُ بَينَ سُهدٍ وَوَجدِ
غَمَرَتنا سودُ الأَهاويلِ فيهِ – وَالأَمانِيُّ بَينَ جَزرٍ وَمَدِّ
وَتَجَلّى ضِياؤُهُ بَعدَ لَأيٍ – وَهوَ رَمزٌ لِعَهدِيَ المُستَرَدِّ
فَاِستَبينوا قَصدَ السَبيلِ وَجِدّوا – فَالمَعالي مَخطوبَةٌ لِلمُجِدِّ
أبيات شاعر النيل حافظ إبراهيم