| قَصَرتُ عَلَيكَ العُمرَ وَهوَ قَصيرُ – وَغالَبتُ فيكَ الشَوقَ وَهوَ قَديرُ |
| وَأَنشَأتُ في صَدري لِحُسنِكَ دَولَةً – لَها الحُبُّ جُندٌ وَالوَلاءُ سَفيرُ |
| فُؤادي لَها عَرشٌ وَأَنتَ مَليكُهُ – وَدونَكَ مِن تِلكَ الضُلوعِ سُتورُ |
| وَما اِنتَقَضَت يَوماً عَلَيكَ جَوانِحي – وَلا حَلَّ في قَلبي سِواكَ أَميرُ |
| كَتَمتُ فَقالوا شاعِرٌ يُنكِرُ الهَوى – وَهَل غَيرُ صَدري بِالغَرامِ خَبيرُ |
| وَلَو شِئتُ أَذهَلتُ النُجومَ عَنِ السُرى – وَعَطَّلتُ أَفلاكاً بِهِنَّ تَدورُ |
| وَأَشعَلتُ جِلدَ اللَيلِ مِنّي بِزَفرَةٍ – غَرامِيَّةٍ مِنها الشَرارُ يَطيرُ |
| وَلَكِنَّني أَخفَيتُ ما بي وَإِنَّما – لِكُلِّ غَرامٍ عاذِلٌ وَعَذيرُ |
| أَرى الحُبَّ ذُلّاً وَالشِكايَةَ ذِلَّةً – وَإِنّي بِسَترِ الذِلَّتَينِ جَديرُ |
| وَلي في الهَوى شِعرانِ شِعرٌ أُذيعُهُ – وَآخَرُ في طَيِّ الفُؤادِ سَتيرُ |
| وَلَولا لَجاجُ الحاسِدينَ لَما بَدا – لِمَكنونِ سِرّي في الغَرامِ ضَميرُ |
| وَلا شَرَعَت هَذا اليَراعَ أَنامِلي – لِشَكوى وَلَكِنَّ اللَجاجَ يُثيرُ |
| عَلى أَنَّني لا أَركَبُ اليَأسَ مَركَباً – وَلا أُكبِرُ البَأساءَ حينَ تُغيرُ |
| فَكَم حادَ عَنّي الحَينُ وَالسَيفُ مُصلَتٌ – وَهانَ عَلَيَّ الأَمرُ وَهوَ عَسيرُ |
| وَكَم لَمحَةٍ في غَفلَةِ الدَهرِ نَفَّسَت – هُموماً لَها بَينَ الضُلوعِ سَعيرُ |
| فَقَد يَشتَفي الصَبُّ السَقيمُ بِزَورَةٍ – وَيَنجو بِلَفظٍ عاثِرٌ وَأَسيرُ |
| عَسى ذَلِكَ العامُ الجَديدُ يَسُرُّني – بِبُشرى وَهَل لِلبائِسينَ بَشيرُ |
| وَيَنظُرُ لي رَبُّ الأَريكَةِ نَظرَةً – بِها يَنجَلي لَيلُ الأَسى وَيُنيرُ |
| مَليكٌ إِذا غَنّى اليَراعُ بِمَدحِهِ – سَرَت بِالمَعالي هِزَّةٌ وَسُرورُ |
| أَمَولايَ إِنَّ الشَرقَ قَد لاحَ نَجمُهُ – وَآنَ لَهُ بَعدَ المَماتِ نُشورُ |
| تَفاءَلَ خَيراً إِذ رَآكَ مُمَلَّكا – وَفَوقَكَ مِن نورِ المُهَيمِنِ نورُ |
| مَضى زَمَنٌ وَالغَربُ يَسطو بِحَولِهِ – عَلَيَّ وَما لي في الأَنامِ ظَهيرُ |
| إِلى أَن أَتاحَ اللَهُ لِلصَقرِ نَهضَةً – فَفَلَّت غِرارَ الخَطبِ وَهوَ طَريرُ |
| جَرَت أُمَّةُ اليابانِ شَوطاً إِلى العُلا – وَمِصرٌ عَلى آثارِها سَتَسيرُ |
| وَلا يُمنَعُ المِصرِيُّ إِدراكَ شَأوِها – وَأَنتَ لِطُلّابِ العَلاءِ نَصيرُ |
| فَقِف مَوقِفَ الفاروقِ وَاُنظُر لِأُمَّةٍ – إِلَيكَ بِحَبّاتِ القُلوبِ تُشيرُ |
| وَلا تَستَشِر غَيرَ العَزيمَةِ في العُلا – فَلَيسَ سِواها ناصِحٌ وَمُشيرُ |
| فَعَرشُكَ مَحروسٌ وَرَبُّكَ حارِسٌ – وَأَنتَ عَلى مُلكِ القُلوبِ أَميرُ |
شاعر النيل
شاعر النيل هو الشاعر الكبير حافظ ابراهيم هنا مجموعة مميزة من قصائد شاعر النيل حافظ إبراهيم.
وقف الخلق ينظرون جميعا
| وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جَميعاً – كَيفَ أَبني قَواعِدَ المَجدِ وَحدي |
| وَبُناةُ الأَهرامِ في سالِفِ الدَهرِ – كَفَوني الكَلامَ عِندَ التَحَدّي |
| أَنا تاجُ العَلاءِ في مَفرِقِ الشَرقِ – وَدُرّاتُهُ فَرائِدُ عِقدي |
| أَيُّ شَيءٍ في الغَربِ قَد بَهَرَ الناسَ – جَمالاً وَلَم يَكُن مِنهُ عِندي |
| فَتُرابي تِبرٌ وَنَهري فُراتٌ – وَسَمائي مَصقولَةٌ كَالفِرِندِ |
| أَينَما سِرتَ جَدوَلٌ عِندَ كَرمٍ – عِندَ زَهرٍ مُدَنَّرٍ عِندَ رَندِ |
| وَرِجالي لَو أَنصَفوهُم لَسادوا – مِن كُهولٍ مِلءِ العُيونِ وَمُردِ |
| لَو أَصابوا لَهُم مَجالاً لَأَبدَوا – مُعجِزاتِ الذَكاءِ في كُلِّ قَصدِ |
| إِنَّهُم كَالظُبا أَلَحَّ عَلَيها – صَدَأُ الدَهرِ مِن ثَواءِ وَغِمدِ |
| فَإِذا صَيقَلُ القَضاءِ جَلاها – كُنَّ كَالمَوتِ ما لَهُ مِن مَرَدِّ |
| أَنا إِن قَدَّرَ الإِلَهُ مَماتي – لا تَرى الشَرقَ يَرفَعُ الرَأسَ بَعدي |
| ما رَماني رامٍ وَراحَ سَليماً – مِن قَديمٍ عِنايَةُ اللَهُ جُندي |
| كَم بَغَت دَولَةٌ عَلَيَّ وَجارَت – ثُمَّ زالَت وَتِلكَ عُقبى التَعَدّي |
| إِنَّني حُرَّةٌ كَسَرتُ قُيودي – رَغمَ رُقبى العِدا وَقَطَّعتُ قِدّي |
| وَتَماثَلتُ لِلشِفاءِ وَقَد دانَيتُ – حَيني وَهَيَّأَ القَومُ لَحدي |
| قُل لِمَن أَنكَروا مَفاخِرَ قَومي – مِثلَ ما أَنكَروا مَآثِرَ وُلدي |
| هَل وَقَفتُم بِقِمَّةِ الهَرَمِ الأَكبَرِ – يَوماً فَرَيتُمُ بَعضَ جُهدي |
| هَل رَأَيتُم تِلكَ النُقوشَ اللَواتي – أَعَجَزَت طَوقَ صَنعَةِ المُتَحَدّي |
| حالَ لَونُ النَهارِ مِن قِدَمِ العَهدِ – وَما مَسَّ لَونَها طولُ عَهدِ |
| هَل فَهِمتُم أَسرارَ ما كانَ عِندي – مِن عُلومٍ مَخبوءَةٍ طَيَّ بَردي |
| ذاكَ فَنُّ التَحنيطِ قَد غَلَبَ الدَهرَ – وَأَبلى البِلى وَأَعجَزَ نِدّي |
| قَد عَقَدتُ العُهودَ مِن عَهدِ فِرعَونَ – فَفي مِصرَ كانَ أَوَّلُ عَقدِ |
| إِنَّ مَجدي في الأولَياتِ عَريقٌ – مَن لَهُ مِثلَ أولَياتي وَمَجدي |
| أَنا أُمُّ التَشريعِ قَد أَخَذَ الرومانُ – عَنّي الأُصولَ في كُلِّ حَدِّ |
| وَرَصَدتُ النُجومَ مُنذُ أَضاءَت – في سَماءِ الدُجى فَأَحكَمتُ رَصدي |
| وَشَدا بَنتَئورَ فَوقَ رُبوعي – قَبلَ عَهدِ اليونانِ أَو عَهدِ نَجدِ |
| وَقَديماً بَنى الأَساطيلَ قَومي – فَفَرَقنَ البِحارَ يَحمِلنَ بَندي |
| قَبلَ أُسطولِ نِلسُنٍ كانَ أُسطولي – سَرِيّاً وَطالِعي غَيرَ نَكدِ |
| فَسَلوا البَحرَ عَن بَلاءِ سَفيني – وَسَلوا البَرَّ عَن مَواقِعِ جُردي |
| أَتُراني وَقَد طَوَيتُ حَياتي – في مِراسٍ لَم أَبلُغِ اليَومَ رُشدي |
| أَيُّ شَعبٍ أَحَقُّ مِنّي بِعَيشٍ – وارِفِ الظِلِّ أَخضَرِ اللَونِ رَغدِ |
| أَمِنَ العَدلِ أَنَّهُم يَرِدونَ الماءَ – صَفواً وَأَن يُكَدَّرَ وِردي |
| أَمِنَ الحَقِّ أَنَّهُم يُطلِقونَ الأُسدَ – مِنهُم وَأَن تُقَيَّدَ أُسدي |
| نِصفُ قَرنٍ إِلّا قَليلاً أُعاني – ما يُعاني هَوانَهُ كُلُّ عَبدِ |
| نَظَرَ اللَهُ لي فَأَرشَدَ أَبنائي – فَشَدّوا إِلى العُلا أَيَّ شَدِّ |
| إِنَّما الحَقُّ قُوَّةٌ مِن قُوى الدَي – يانِ أَمضى مِن كُلِّ أَبيَضَ هِندي |
| قَد وَعَدتُ العُلا بِكُلِّ أَبِيٍّ – مِن رِجالي فَأَنجِزوا اليَومَ وَعدي |
| أَمهِروها بِالروحِ فَهيَ عَروسٌ – تَسنَأُ المَهرَ مِن عُروضٍ وَنَقدِ |
| وَرِدوا بي مَناهِلَ العِزِّ حَتّى – يَخطُبَ النَجمُ في المَجَرَّةِ وُدّي |
| وَاِرفَعوا دَولَتي عَلى العِلمِ وَالأَخلاقِ – فَالعِلمُ وَحدَهُ لَيسَ يُجدي |
| وَتَواصَوا بِالصَبرِ فَالصَبرُ إِن فارَقَ – قَوماً فَما لَهُ مِن مَسَدِّ |
| خُلُقُ الصَبرِ وَحدَهُ نَصَرَ القَومَ – وَأَغنى عَنِ اِختِراعٍ وَعَدِّ |
| شَهِدوا حَومَةَ الوَغى بِنُفوسٍ – صابِراتٍ وَأَوجُهٍ غَيرِ رُبدِ |
| فَمَحا الصَبرُ آيَةَ العِلمِ في الحَربِ – وَأَنحى عَلى القَوِيِّ الأَشَدِّ |
| إِنَّ في الغَربِ أَعيُناً راصِداتٍ – كَحَلَتها الأَطماعُ فيكُم بِسُهدِ |
| فَوقَها مِجهَرٌ يُريها خَفايا – كَم وَيَطوي شُعاعُهُ كُلَّ بُعدِ |
| فَاِتَّقوها بِجُنَّةٍ مِن وِئامٍ – غَيرِ رَثِّ العُرا وَسَعيٍ وَكَدِّ |
| وَاِصفَحوا عَن هَناتِ مَن كانَ مِنكُم – رُبَّ هافٍ هَفا عَلى غَيرِ عَمدِ |
| نَحنُ نَجتازُ مَوقِفاً تَعثُرُ الآراءُ – فيهِ وَعَثرَةُ الرَأيِ تُردي |
| وَنُعيرُ الأَهواءَ حَرباً عَواناً – مِن خِلافٍ وَالخُلفُ كَالسِلِّ يُعدي |
| وَنُثيرُ الفَوضى عَلى جانِبَيهِ – فَيُعيدُ الجَهولُ فيها وَيُبدي |
| وَيَظُنُّ الغَوِيُّ أَن لا نِظامٌ – وَيَقولُ القَوِيُّ قَد جَدَّ جِدّي |
| فَقِفوا فيهِ وَقفَةَ الحَزمِ وَاِرموا – جانِبَيهِ بِعَزمَةِ المُستَعِدِّ |
| إِنَّنا عِندَ فَجرِ لَيلٍ طَويلٍ – قَد قَطَعناهُ بَينَ سُهدٍ وَوَجدِ |
| غَمَرَتنا سودُ الأَهاويلِ فيهِ – وَالأَمانِيُّ بَينَ جَزرٍ وَمَدِّ |
| وَتَجَلّى ضِياؤُهُ بَعدَ لَأيٍ – وَهوَ رَمزٌ لِعَهدِيَ المُستَرَدِّ |
| فَاِستَبينوا قَصدَ السَبيلِ وَجِدّوا – فَالمَعالي مَخطوبَةٌ لِلمُجِدِّ |
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي
| رَجَعتُ لِنَفسي فَاِتَّهَمتُ حَصاتي ~ وَنادَيتُ قَومي فَاِحتَسَبتُ حَياتي |
| رَمَوني بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَني ~ عَقِمتُ فَلَم أَجزَع لِقَولِ عُداتي |
| وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسي ~ رِجالاً وَأَكفاءً وَأَدتُ بَناتي |
| وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً ~ وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ |
| فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ ~ وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ |
| أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِن ~ فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي |
| فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني ~ وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي |
| فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّني ~ أَخافُ عَلَيكُم أَن تَحينَ وَفاتي |
| أَرى لِرِجالِ الغَربِ عِزّاً وَمَنعَةً ~ وَكَم عَزَّ أَقوامٌ بِعِزِّ لُغاتِ |
| أَتَوا أَهلَهُم بِالمُعجِزاتِ تَفَنُّنا ~ فَيا لَيتَكُم تَأتونَ بِالكَلِمات |
| أَيُطرِبُكُم مِن جانِبِ الغَربِ ناعِب ~ يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي |
| وَلَو تَزجُرونَ الطَيرَ يَوماً عَلِمتُم ~ بِما تَحتَهُ مِن عَثرَةٍ وَشَتات |
| سَقى اللَهُ في بَطنِ الجَزيرَةِ أَعظُماً ~ يَعِزُّ عَلَيها أَن تَلينَ قَناتي |
| حَفِظنَ وِدادي في البِلى وَحَفِظتُه ~ لَهُنَّ بِقَلبٍ دائِمِ الحَسَرات |
| وَفاخَرتُ أَهلَ الغَربِ وَالشَرقُ مُطرِق ~ حَياءً بِتِلكَ الأَعظُمِ النَخِراتِ |
| أَرى كُلَّ يَومٍ بِالجَرائِدِ مَزلَقاً ~ مِنَ القَبرِ يُدنيني بِغَيرِ أَناةِ |
| وَأَسمَعُ لِلكُتّابِ في مِصرَ ضَجَّة ~ فَأَعلَمُ أَنَّ الصائِحينَ نُعاتي |
| أَيَهجُرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُ ~ إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ |
| سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ فيها كَما سَرى ~ لُعابُ الأَفاعي في مَسيلِ فُراتِ |
| فَجاءَت كَثَوبٍ ضَمَّ سَبعينَ رُقعَةً ~ مُشَكَّلَةَ الأَلوانِ مُختَلِفاتِ |
| إِلى مَعشَرِ الكُتّابِ وَالجَمعُ حافِلٌ ~ بَسَطتُ رَجائي بَعدَ بَسطِ شَكاتي |
| فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ المَيتَ في البِلى ~ وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي |
| وَإِمّا مَماتٌ لا قِيامَةَ بَعدَهُ ~ مَماتٌ لَعَمري لَم يُقَس بِمَماتِ |
سما الخطيبان في المعالي
| سمَا الخطيبانِ في المعالِي | وجازَ شَأْواهُما السَّماكا |
| جالاَ فلمْ يترُكَا مجالاً | و اعْتَرَكَا بالنُّى عِراكَا |
| فلَستُ أدري على اختياري | منْ منهُمَا جَلَّ أَنْ يُحاكَى |
| فوحْيُ عقْلي يقولُ:هذَا | ووَحيُ قلبي يقولُ: ذاكا |
| وَدِدْتُ لوْ كلُّ ذِي غُرورٍ | أمسِى لنعليهِمَا شِراكَا |
حيا بكور الحيا أرباع لبنان
| حَيَّا بَكُورُ الحَيا أرباعَ لُبنانِ | وطالَعَ اليُمنُ مَن بالشَّأمِ حَيّاني |
| أهلَ الشَّآمِ لقد طَوَّقتُمُ عُنُقي | بِمنَّة ٍ خرجتْ عن طَوْقِ تبيانِي |
| قُلْ للكريمِ الذي أَسْدَى إليَّ يدَّاً | أّنَى نَزَحْتَ فأنتَ النازِحَ الدَاني |
| ما إِنْ تَقَاضَيْتُ نَفْسِي ذِكْرَ عارِفَة ٍ | هل يَحدثُ الذِّكرُ إلاّ بَعدَ نِسيانِ |
| ولا عَتَبتُ على خِلٍّ يَضَنُّ بها | ما دام يَزْهَدُ في شُكْرِي وعِرفاني |
| أَقَرَّ عَيْنِيَ أنَّي قُمْتُ أنْشِدُكُمْ | في مَعهَدٍ بحُلى العِرفانِ مُزدانِ |
| وشاعَ فيَّ سُرورٌ لا يُعادِلُه | رَدُّ الشَّبابِ إلى شَعْرِي وجُثمانِي |
| لي مَوطِنٌ في رُبُوعِ النِّيلِ أعظِمُه | ولِي هُنا في حِماكُمْ مَوْطنٌ ثانِي |
| إنِّي رأيتُ على أهْرامِها حُلَلاً | مِن الجَلالِ أراهَا فَوْقَ لبنانِ |
| لم يَمحُ منها ولا من حُسنِ جِدَّتها | على التَّعاقُبِ ما يَمحُو الجَديدانِ |
| حَسِبتُ نَفسي نَزيلاً بينكم فإذا | أهلي وصَحبي وأحبابي وجيراني |
| مِنْ كلِّ أَبْلَجَ سامِي الطَّرْفِ مُضطلِعٍ | بالخَطْبِ مُبْهَجٍ بالضَّيْفِ جَدْلانِ |
| يَمشي إلى المَجدِ مُختالاً ومُبتَسِماً | كأنّه حين يَبدُو عُودُ مُرّانِ |
| سكنتمْ جنة فيحاء ليس بها | عَيبٌ سوى أنّها في العالَمِ الفاني |
| إذا تَأمَّلتَ في صُنعِ الإِله بها | لَم تَلقَ في وَشْيهِ صُنعاً لإنسانِ |
| في سَهْلِها وأعاليهَا وسَلْسَلِها | بُرْءُ العليلِ وسَلْوَى العاشِقِ العانِي |
| وفي تَضَوُّعِ أنفاسِ الرِّياضِ بها | رَوْحٌ لكلِّ حَزِينِ القَلْبِ أَسْوانِ |
| اَنَّى تَخَيَّرْتَ مِنْ لبنان مَنْزِلَة ً | في كلِّ مَنزِلَة ٍ رَوضٌ وعَينانِ |
| يا لَيتَني كنتُ من دُنيايَ في دَعَة ٍ | قَلْبي جَميعٌ وأَمْرِي طَوْع وِجْدَانِي |
| أقضي المَصِيفَ بلُبنانٍ على شَرَفٍ | ولا أحُولُ عن المَشتى بحُلوانِ |
| يا وقفة ً في جبالِ الأرزِ أَنْشُدُها | بينَ الصنوبرِ والشربينِ والبانِ |
| تَستِهبِطُ الوَحْيَ نَفسي من سَماوَتها | ويَنثَني مَلَكاً في الشِّعرِ شَيطاني |
| عَلِّي أُجاوِدُكُم في القَولِ مُقْتَدِياً | بشاعِرِ الأرزِ في صُنعٍ وإتْقانِ |
| لاَ بِدْعَ إنْ أخصبتْ فيها قرائحُكُمْ | فأعجزتْ وأعادتْ عهدَحسَّانِ |
| طيبُ الهَواءِ وطِيبُ الرَّوضِ قدْ صَقَلاَ | لَوحَ الخَيالِ فأغراكُم وأغراني |
| مَن رامَ أن يَشهَدَ الفِردَوسَ ماثِلة ً | فليَغشَ أحياءَكُم في شهرِ نَيسانِ |
| تاهتْ بقبرِصلاحِ الدِّيِنِتُرْبَتُهَا | وتاهَ أحياؤُها تِيهاً بمَطرانِ |
| يَبْنِي ويَهْدِمُ في الشَّعْرِ القدِيم وفي | الشِّعر الحدِيثِ فَنعْمَ الهَادِمُ الباني |
| إذا لَمَحْتُمْ بشِعْري وَمْضَ بَارِقَة ٍ | فَبَعْضُ إحْسانِه في القَوْلِ إحْسانِي |
| رَعياً لشاعِرِكُم، رَعياً لكاتِبِكُم | جَزاهُما اللهُ عَنِّي ما يَقُولانِ |
| ارَى رِجالاً مِن الدُّنيا الجَدِيدَة ِ في | الدُّنيا القَدِيمَة ِ تَبْنِي خَيْرَ بُنْيانِ |
| قد شيَّدواآية ً بالشَّامِ خالِدَة ً | شَتَّى المَناهلِ تَروي كلَّ ظَمآنِ |
| لئِن هَدَوْكُم لقد كانت أوائِلُكُم | تَهْدِي أَوائلَهُمْ أَزمْانَ أَزْمانِ |
| لا غَرَو إنْ عَمَّروا في الأرضِ وابتَكَروا | فيها افَانِينَ إصْلاحٍ وعُمْرانِ |
| فتِلْكَ دُنْياهُمُ في الجَوِّ قد نَزَعَتْ | أعِنّة َ الرِّيحِ مِنْ دُنْيا سُلَيْمانِ |
| أَبَتْ أُمَيّة ُ أَنْ تَفْنَي محَامِدُها | على المَدى وأبى أبناءُ غَسّانِ |
| فمِن غَطارِفَة ٍ في جِلِّقٍ نُجُبٍ | ومِنْ غَطَارِفَة ٍ في أَرْضِحَوْرانِ |
| عافُوا المَذَلَّة َ في الدّنيا فعندهمُ | عِزُّ الحياة ِ وعِزُّ المَوْتَ سِيّانِ |
| لا يَصْبِرُونَ على ضَيْمٍ يُحاوِلُه | باغٍ مِنَ الإنسِ أو طاغٍ من الجانِ |
| شَقَقْتُ أسْواقَبَيرُوتٍفما أَخَذَتْ | عينايَ في ساحِهَا حانوتَ يونانِي |
| فقلتُ في غِبطَة ٍ: للهِ دَرُّهُمُ | وَلَّوْا سِراعاً وخَلَّوْا ذلك الواني |
| تَيَمَّمُوا أرضَ كُولُمبٍ فما شَعَرَت | منهم بَوطءِ غَريبِ الدارِ حَيرانِ |
| سادُوا وشادُوا وأبلَوا في مَناكِبِها | بلاءَ مُضظَلِعٍ بالأمرِ مَعوانِ |
| إنْ ضاقَ ميدانُ سبقٍ منْ عزائمِهِمْ | صاحتْ بهمْ فأروهَا الفَ ميدانِ |
| لا يستشيرونَ إِن همّوا سوى همَهم | تأبَى المُقامَ على ذّلٍّ وإِذعانِ |
| ولا يُبالونَ إنْ كانت قُبُورُهُمْ | ذُرا الشَّوامِخ أو أجوافَ حِيتانِ |
| في الكونِ مورقهمْ في الشامِ مغرسهمْ | والغرسُ يزكو نقالاً بينَ بلدانِ |
| إنْ لم يَفُوزا بسلطانٍ يُقِرُّهُمُ | ففي المُهاجَرِقد عَزُّوا بسلطانِ |
| أو ضاقتِ الشأمُ عن برهانِ قدرتهَمْ | ففي المُهاجَرِ قد جاءُوا ببرهانِ |
| إنّا رأينا كراماً من رجالهمُ | كانوا عليهمْ لدينا خير عنوانِ |
| أنّى التقينا التقَى في كلِ مجتمعٍ | أهلٌ بأهلٍ وإخوانٌ باخوانِ |
| كمْ في نواحي ربوعِ النّيلِ من طرفٍ | لليازجيِّ وصروفٍ وزيدانِ |
| وكم لأحيائِهِم في الصُّحفِ من أثَرٍ | له المقطّمُ والأهرامُ رنانِ |
| متى أرى الشّرقَ أدناهُ أبعده | عن مَطمَعِ الغَرب فيه غيرَ وَسْنانِ |
| تجري المودّة من أعراقه طلقاً | كجرية ِ الماءِ في أثناءِ أفنانِ |
| لافرقَ بين بوذيِّ يعيشُ به | ومسلمٍ ويهوديٍ ونصرانِي |
| مابالُ دُنياهُ لمّا فاءَ وارِفُها | عليه أدبرتْ من غيرِ إيذانِ |
| عهدُ الرشيدِ ببغدادَ عفا ومَضَى | وفي دِمَشق انطوى عهدُ ابنِ مروانِ |
| لاتسلْ بعده عن عهدِ قرطبة ٍ | كيف انمحى ْ بين أسيافٍ ونيرانِ |
| فعَلِّموا كلَّ حَيٍّ عندَ مَولِدِه | عليكَ للهِ والأوطانِ دينانِ |
| حَتمٌ قَضاؤُهُما حَتمٌ جَزاؤُهُما | فآربأ بنفسكَ أن تمنَى بخسرانِ |
| النَّيلُ وهو إلى الأُردُنِّ في شَغَفٍ | يُهدي إلى بَرَدى أشواقَ وَلهانِ |
| وفي العِراقِ به وَجدٌ بدِجلَتِه | وبالفراتِ وتحنانٌ لسيحانِ |
| إِن دامَ ما نَحنُ فيهِ مِن مُدابَرَةٍ وَفِتنَةٍ بَينَ أَجناسٍ وَأَديانِ | |
| رأيتُ رأى َ المعرّي حين أرهقَه | ما حلّ بالناسِ من بغيٍ وعدوانِ |
| لا تطهرُ الأرضَ من رجسٍ ومن درنٍ | حتى يُعاوِدَها نُوحٌ بطُوفانِ |
| ولّى الشبابُ وجازتني فتوتُه | وهَدَّمَ السُّقمُ بعدَ السُّقمِ أركاني |
| وَقَد وَقَفتُ عَلى السِتّينِ أَسأَلُها | أسوّفت أم أعدّت حرَّ أكفاني |
| شاهَدتُ مَصرَعَ أترابي فَبَشَّرَني | بضجعة ٍ عندها روحي وريحاني |
| كم منْ قريبٍ نأى عنّي فأوجَعَني | وكم عَزيزٍ مَضَى قبلي فأبكاني |
| من كانَ يسألُ عن قومي فإنّهمُ وَلَّوا سِراعاً وَخَلَّوا ذَلِكَ الواني | |
| إني مللّتُ وقوفي كلِ آونة ٍ | أبكي وأنظِمُ أحزاناً بأحزانِ |
| إذا تَصَفَّحتَ ديواني لتَقَرأَني | وجدتَ شعرَ المراثي نصفَ ديواني |
| أتيتُ مستشفياً والشوقُ يدفعُ بي | إلى رُباكُم وعودِي غيرُ فينانِ |
| فأنزِلُوني مَكاناً أستَجِمُّ به | ويَنجلي عن فؤادي بَرحُ أحزاني |
| وجنبّوني على شكرٍ موائدكُم | بما حَوَتْ من أفاوِيهٍ وألوانِ |
| حسبي وحسبُ النُّهى ما نلتُ من كرمٍ | قد كدتُ أنسى به أَهلي وخُلاّني |
جرائد ما خط حرف بها
| جرائِدٌ ما خُطَّ حَرفٌ بها | لغيرِ تَفريقٍ وتَضليلِ |
| يحلُو بهَا الكِذْبُ لأَرْبابِهَا | كأنَّها أوّل إبريلِ |