فأْرٌ رأَى القِطَّ على الجِدارِ

فأْرٌ رأَى القِطَّ على الجِدارِ مُعَذَّباً في أَضيَقِ الحِصار
والكلبُ في حالتهِ المعهوده مستجمعاً للوثبة ِ الموعوده
فحاولَ الفأرُ اغتنامَ الفرصه وقال أكفي القطَّ هذي الغصَّه
لعلّه يكتبُ بالأمانِ لي ولأَصحابي من الجيران
فسارَ للكلبِ على يديهِ ومَكَّنَ الترابَ من عينَيه
فاشتغل الرّاعي عن الجدار ونزلَ القطُّ على بدار
مبتهجاً يفكر في وليمه وفي فريسة ٍ لها كريمه
يجعلها لِخَطْبِه علامه يذكرُها فيذكرُ السَّلامه
فجاءَ ذاكَ الفأرُ في الأثناءِ وقال: عاشَ القِطُّ في هَناءِ
رأَيتَ في الشِّدّة ِ من إخلاصِي ما كان منها سببَ الخلاص
وقد أتيتُ أطلبُ الأمانا فامنُنْ به لِمعشَري إحسانا
فقال: حقّاً هذه كرامَه غنيمة ٌ وقبلَها سَلامه
يكفيكَ فخراً يا كريمَُ الشِّمه أَنك فأرُ الخطْبِ والوليمه
وانقَضَّ في الحالِ على الضَّعيفِ يأكلُه بالمِلحِ والرغيف
فقلت في المقام قوْلاً شاعا «مَنْ حفِظَ الأَعداءَ يوماً ضاعا»

وقف الهدهد في باب سليمان بذله

وقفَ الهُدْهُدُ في با بِ سليمانَ بذلِّهْ
قال: يا مولايَ، كن لي عشتي صارت مملَّه
متُّ من حَبَّة ِ بُرٍّ أحدثتْ في الصدر علَّه
لا مياهُ النيلِ ترويـ ـها، ولا أَمواهُ دِجْله
وإذا دامت قليلا قتلتْني شرَّ قِتْلَه
فأشار السيد العا لي غلى من كان حوله:
قد جنى الهدهدُ ذنباً وأتى في اللؤوم فعله
تِلك نارُ الإثمِ في الصَّدْ رِ، وذي الشكوى تَعِلَّه
ما أرى الحبة إلا سُرِقت من بيتِ نمله
إن للظالم صَدْراً يشتكي من غير عله

سمعتُ بأَنَّ طاوُوساً

سمعتُ بأَنَّ طاوُوساً أَتى يوماً سليمانا
يُجَرِّرُ دون وفْدِ الطَّيْـ ـرِ أذيالاً وأردانا
ويُظْهِرُ ريشَهُ طوْراً ويُخفي الرِّيشَ أَحيانا
فقال: لدَيَّ مسأَلة ٌ أَظنُّ أَوانَها آنا
وها قد جئتُ أَعرضُها على أَعتابِ مولانا:
ألستُ الروضَ بالأزها رِ والأَنوارِ مُزْدانا؟
ألم أستوفِ آيَ الظرْ ف أشكالاً وألوانا؟
ألم أصبح ببابكمُ لجمعِ الطيرِ سلطانا؟
فكيف يَليقُ أَن أَبقَى وقوْمِي الغُرُّ أَوثانا؟!
فحسنُ الصوتِ قد أمسى نصيبي منه حرمانا
فما تيَّمتُ أفئدة ً ولا أَسكَرْتُ آذانا
وهذي الطيرُ أحقرها يزيدُ الصَّبَّ أَشجانا
وتهتزُّ الملوكُ له إذا ما هزَّ عيدانا؟
فقال له سليمانُ لقد كان الذي كانا
تعالت حكمة ُ الباري وجلَّ صنيعُهُ شانا
لقد صغرتَ يا مغرو رُ نعمى الله كفرانا
وملك الطير لم تحفل به، كبرا وطغيانا
فلو أَصبَحت ذا صوْت لمَا كلَّمْتَ إنسانا!

كان برَوْضٍ غُصُنٌ ناعمٌ

كان برَوْضٍ غُصُنٌ ناعمٌ يقولُ: جلَّ الواحدُ المنفردْ
فقامتي في ظرفها قامتي ومثلُ حسني في الورى ما عهدْ
فأَقبلت خُنفُسَة ٌ تنثَني ونجلها يمشي بجنبِ الكبدْ
تقول: يا زَيْنَ رياضِ البَها إنّ الذي تطلبهُ قد وجد
فانظر لقدِّ ابني، ولا تفتخر ما دام في العالم أمٌّ تلد‍‍!

رأيتُ في بعضِ الرياضِ قُبَّرَهْ

رأيتُ في بعضِ الرياضِ قُبَّرَهْ تُطَيِّرُ ابنَها بأَعلى الشَّجَره
وهْيَ تقولُ: يا جمالَ العُشِّ لا تعتَمِدْ على الجَناح الهَشِّ
وقِفْ على عودٍ بجنبِ عودِ وافعل كما أَفعلُ في الصُّعودِ
فانتقلَت من فَننٍ إلى فَنَنْ وجعلتْ لكلِّ نقلة ٍ زمنْ
كيْ يَسْتريحَ الفرْخُ في الأَثناءِ فلا يَمَلُّ ثِقَلَ الهواءِ
لكنَّه قد خالف الإشاره لمَّا أَراد يُظهرُ الشَّطارهْ
وطار في الفضاءِ حتى ارتفعا فخانه جَناحُه فوقعا
فانكَسَرَتْ في الحالِ رُكبتاهُ ولم يَنَلْ منَ العُلا مُناهُ
ولو تأنى نالَ ما تمنَّى وعاشَ طولَ عُمرِهِ مُهَنَّا
لكلِّ شيءٍ في الحياة وقتهُ وغاية ُ المستعجلين فوته!

كان لبعضِ الناسِ نعجتان

كان لبعضِ الناسِ نعجتان وكانتا في الغيْطِ ترعيانِ
إحداهما سمينة ٌ، والثانِيهْ عِظامها منَ الهُزالِ باديَه
فكانتِ الأولى تباهي بالسمنْ وقولهم بأنها ذات الثمنْ
وتَدَّعي أَن لها مقدارا وأنها تستوقفُ الأبصارا
فتصبرُ الأختُ على الإذلالِ حاملة ً مَرارة َ الإدلال
حتى أتى الجزَّارُ ذاتَ يوم وقلبَ النعجة َ دون القومِ
فقال لِلمالِكِ: أَشْترِيها ونقدَ الكيسَ النفيسَ فيها
فانطلقتْ من فورِها لأُختِها وهْيَ تَشكُّ في صلاح بختِها
تقولُ: يا أُختاهُ خبِّرِيني هل تعرِفينَ حاملَ السِّكين؟
قالت: دعيني وهزالي والزمنَ وكلِّمِي الجزّارَ يا ذاتَ الثَّمَنْ!
لكلِّ حال حلوها ومرُّها ما أَدَبُ النعجة ِ إلا صبرُها